يبدو أن مستقبل اليمن ما يزال مجهولا بعد أكثر من عام ونصف على إنطلاق عملية عاصفة الحزم التي شنتها المملكة العربية السعودية على اليمن، بزعم إعادة الشرعية إلى البلاد عقب خلع حكومة عبد ربه منصور هادي في أيلول من العام 2014، على أثر سيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين، والقوات الموالية لهم والمرتبطة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح على مدينة صنعاء بما في ذلك المباني الحكومية والمؤسسات الرسمية، وإعلانهم حل البرلمان وإقالة الحكومة اليمنية. فعلى الرغم من أن الحرب كما يقول كلاوزوفيتس هي: امتداداً للسياسية ولكن بوسائل أخرى، إلا أن تلك المقولة لم تثبت صدقيتها كثيراً في الحالة اليمنية، ولاسيما مع جماعة أنصار الله الحوثيين، إذ لم تدفعهم الحرب إلى الإذعان للمطالب السعودية الرامية إلى إعادة السلطة لحكومة عبد ربه منصور هادي، وهو الأمر الذي وضع المملكة العربية السعودية في موقف حرج أمام نفقات الحرب الباهظة، في الوقت الذي اشتدت فيه حجم الإدانة والضغوط الدولية لوقف الحرب في اليمن لدرجة اتهام السعودية بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين العزل في اليمن. فمع تصاعد حجم المغامرة العسكرية في اليمن سياسياً واقتصادياً، فضلا عن تصاعد أعداد الخسائر البشرية في صفوف القوات العسكرية السعودية لأكثر من ثلاثة آلاف جندي، وبعد فشل عملية عاصفة الحزم على تحقيق النتائج التي انطلقت من أجلها، وفرض الاستسلام على جماعة الحوثيين وحلفائهم من انصار علي عبد الله صالح، أخذت السعودية التي كانت رافضة للحل السلمي والخيار التفاوضي مع الحوثيين تتجه نحو المفاوضات لإنهاء الأزمة اليمنية، وهو الأمر الذي يعني: اعتراف السعودية على مضض، وبشكل مباشر بشرعية الحوثيين وحلفائهم من أنصار علي عبد الله صالح، كقوة رئيسة على الساحة اليمنية لا يمكن تجاهلها في أية تسوية سياسية للأزمة اليمنية. وعقب مرور عام على عملية عاصفة الحزم في اليمن، أدركت السعودية حجم تورطها في حرب لن تتمكن من استكمالها على الصعيدين: الداخلي والخارجي جاءت محادثات السلام في الكويت في منتصف نيسان من العام الحالي، لإيجاد حل سياسي للازمة اليمنية الراهنة، بوساطة الأمم المتحدة، وبناءً على مبادرة مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة اليمنية. إذ تهدف محادثات السلام اليمنية في الكويت إلى إيجاد حل سياسي وأمني واقتصادي وأنساني في اليمن عن طريق تشكيل مجلس رئاسي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتراصف بها جميع المكونات السياسية المختلفة، ويُستأنف من خلالها الحوار السياسي اليمني في ظل سلطة تنفيذية توافقية جديدة، مع اجراء ترتيبات أمنية وعسكرية في المناطق التي تشهد الصراع وغيرها من المناطق الحيوية في اليمن، بما يضمن منع الاقتتال الداخلي، وتوحيد الجهود الداخلية لمواجهة (داعش) و(القاعدة) ومنعهما من التمدد والانتشار في اليمن. ان المفاوضات بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعوم من السعودية، والحوثيين وأنصارهم المدعومين من إيران، لم تسفر عن أية نتائج جدية في سبيل التوصل إلى حل سياسي للازمة اليمنية الراهنة، وذلك بسبب إصرار حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي على التزام الحوثيين بقرار مجلس الأمن المرقم (2216)، والذي ينص على: إنسحاب الحوثيين وحلفائهم من انصار علي عبد الله صالح من المدن التي سيطروا عليها منذ عام 2014، بما في ذلك مدينة صنعاء، وتسليم الأسلحة الثقيلة، وعودة مؤسسات الدولة قبل الشروع في أي مسار انتقال سياسي باليمن، يطالب الحوثيين بتشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على الحل السياسي في البلد. وبهذه الحالة، بدأت الخلافات السياسي تلقي بظلالها على أجواء المفاوضات اليمنية المنعقدة في الكويت، وغداة تعليق محادثات السلام في الكويت من جانب الحكومة اليمنية، أعلن الحوثيون وحلفائهم من انصار علي عبد الله صالح في يوم 28 تموز من العام الجاري، عن تشكيل مجلس سياسي أعلى يتكون من عشرين عضواً نصفهم من أعضاء حزب المؤتمر الشعبي التابع لعلي عبد الله صالح، ونصفهم الآخر من الحوثيين، على أن تكون رئاسة المجلس دورية بين الطرفين، ويسري الأمر نفسه على منصب نائب رئيس المجلس، وكل وذلك بهدف توحيد الجهود لمواجهة (التحالف العربي) الذي تقوده السعودية، ولإدارة شؤون الدولة سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً وإدارياً واجتماعياً، مع استمرار العمل بأحكام الدستور الدائم في اليمن. وقد واجهت هذه الخطوة العديد من الانتقادات العربية والدولية بوصفها تهديدا كبيراً لمحادثات السلام اليمنية في الكويت. ففي بيان رسمي قال مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص باليمن، والمشرف على محادثات السلام اليمنية في الكويت، إسماعيل ولد الشيخ أحمد: إن تشكيل المجلس السياسي يعرض محادثات السلام للخطر بوصفه انتهاكاً لقرار مجلس الأمن المرقم (2216)، والذي يطالب جميع الأطراف اليمنية، ولاسيما الحوثيين بالامتناع عن اتخاذ المزيد من الإجراءات الأحادية التي يمكن أن تقوض عملية الانتقال السياسي في اليمن، ويدعوهم إلى التوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق الحكومة الشرعية في اليمن. ولكن ماذا يعني تشكيل مجلس سياسي أعلى لإدارة السلطة في اليمن بين الحوثيين وحلفائهم من أنصار علي عبد الله صالح؟ وكيف يمكن أن يؤثر قيام هذا المجلس على مستقبل محادثات السلام اليمنية؟. على عكس الانطباع السائد الذي يفيد: بأن تشكيل المجلس السياسي الأعلى هو بمثابة رصاصة الرحمة على محادثات السلام اليمنية، يمكن القول: إن الاتفاق الوطني السياسي وتشكيل المجلس السياسي الأعلى حقق هدفاً واحداً من أهداف قرار مجلس الأمن المرقم (2216)، وذلك عن طريق إلغاء الإعلان الدستوري الذي أعلنه الحوثيين في شباط 2015. ويبدو أن الحوثيين وحلفائهم من أنصار علي عبد الله صالح عند تشكيلهم المجلس السياسي الأعلى، وعدم اقدامهم على تشكيل حكومة يمنية جديدة، والتزامهم بالعمل بالدستور النافذ في اليمن، قد منحوا فرصة أخيرة للحل السياسي عن طريق المساومة المتبادلة، فإذا ما فشلت محادثات السلام اليمنية في الوصول إلى تسوية سياسية شاملة بين الأطراف المتنازعة، فقد يصبح المجلس السياسي الأعلى فيما بعد مجلساً لحكم البلاد وادارتها، لاسيما وأن هذا المجلس عند تشكيله أعاد الحياة إلى المؤسسة التشريعية، مما يعني وضع شرعية حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي على المحك. لذلك لعلنا لا نبالغ إذا قلنا: إن الاتفاق الوطني السياسي بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح، والذي أفضى إلى تشكيل المجلس السياسي الأعلى يعني: دخول الأطراف اليمنية المتنازعة بمرحلة جديدة من العمل السياسي، ويمثل: عامل ضغط جديد على المملكة العربية السعودية بشكل يؤثر على مستقبل محادثات السلام، والاهم يؤثر على مستقبل حكومة عبد ربه منصور هادي، وذلك للأسباب الآتية: أولا: يمثل المجلس السياسي الأعلى مناورة حوثية ضد التحرك السعودي لتسوية الأزمة اليمنية، لكونها وضعت العصا بعملية شق الصف بين حزب المؤتمر الشعبي التابع لعلي عبد الله صالح، وجماعة أنصار الله الحوثيين، وهو الأمر الذي كانت تراهن عليه السعودية كثيراً في المفاوضات. ثانيا: ان تأسيس المجلس السياسي الأعلى جاء ليلغي الإعلان الدستوري السابق الذي أعلنه الحوثيين عن طريق اللجنة الثورية العليا في يوم 6 شباط عام 2015، لإدارة شؤون البلاد، والذي تضمن: حل مجلس النواب اليمني، وتشكيل مجلس وطني إنتقالي مكون من (551) عضواً، يتولى اختيار مجلس رئاسي مكون من خمسة أعضاء، وتعيين حكومة كفاءات يمنية. وبما أن الاتفاق الوطني السياسي ارتضى العمل بالدستور اليمني النافذ لتسير أعمال الدولة عن طريق المجلس السياسي الأعلى، فإن ذلك يعني بطبيعة الحالة عودة مجلس النواب (المُنحل) إلى عمله، ومن ثم عودته للنظر في الاستقالة التي قدمها الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى مجلس النواب غداة سيطرة الحوثيين على صنعاء. ثالثا: يمثل المجلس السياسي الأعلى تحدياً كبيراً لمكانة السعودية في تسوية الأزمة اليمنية، ذلك لأن وجود مجلس مشترك لإدارة شؤون البلاد سيقيد مشاركة السعودية في محادثات السلام اليمنية، وسيحدد دورها السياسي والعسكري في المرحلة المقبلة، إذ أن انعقاد مجلس النواب اليمني لمناقشة استقالة الرئيس عبد ربة منصور هادي قد يفقد الشرعية التي تشكل بموجبها (التحالف العربي) الذي تقوده السعودية لاستعاد الشرعية الدستورية في اليمن، والمتمثلة بحكومة عبد ربه منصور هادي. فانعقاد البرلمان والتصويت على إقالة الرئيس هادي قد ينهي تلك الشرعية، وبذلك سيكون الدور السعودي في الأزمة اليمنية سياساً أكثر منه عسكرياً. الأمر الذي أشار إليه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في حديثه عن الاتفاق بشأن المجلس السياسي الأعلى، قائلا: ان المعادلة ستتغير في اليمن في ضوء الاتفاق الوطني السياسي، مشيراً إلى أنه: لا شرعية لهادي على الإطلاق. ومهما يكن من أمر، بالرغم من صعوبة التكهن في قيمة الاتفاق بين صالح والحوثيين على مستقبل اليمن وكذلك على محادثات السلام اليمنية، إلا انه يمكن القول: إن المجلس السياسي الأعلى الذي تشكل بموجب الاتفاق الوطني السياسي بين صالح والحوثيين على الأرجح سوف لن يمتلك القدرة بمفرده، وبغياب الدعم الإقليمي والدولي على ترتيب الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في اليمن، ويبدو أن هذا الأمر مدرك للطرفين، لذلك فإن صالح والحوثيين بإتفاقهم السياسي يهددان باتخاذ إجراءات أحادية وقائية لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم وتكريس سياسية الأمر الواقع في حال لم تصل حكومة عبد ربه منصور هادي إلى تسوية سياسية شاملة، وهو الأمر الذي يجعل مستقبل اليمن أمام ثلاثة خيارات: الأول: التسليم بالأمر الواقع، ولاسيما إذا انعقد مجلس النواب اليمني المُنحل وصوت على إقالة حكومة عبد ربه هادي منصور، وهو ما يعني انتقال الحكم في اليمن من منصور إلى صالح والحوثيين، وهو خيار لن ترضى عنه السعودية. الثاني: اللجوء إلى حرب شاملة مرة أخرى ضد الحوثيين وحلفائهم من أنصار علي عبد الله صالح، وهو أمر ليس مستبعد، ولكنه خيار مكلف وصعب جدا في الوقت الحاضر، ولاسيما على السعودية، وربما لن يأتي بنتائج إيجابية سوى الدمار مع مزيد من الإدانة الدولية، كالحالة مع عملية عاصفة الحزم. الثالث: انشطار اليمن إلى جزئين (لاسيما إذا وجد ذلك اعترافاً ورعاية إقليمية من بعض الدول) أحداهما/ يسيطر عليه صالح والحوثيين بدعم من إيران، والآخر/ يسيطر عليه عبد ربه هادي منصور وحلفائه بدعم من السعودية. * مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية http://mcsr.nethttp://mcsr.net مستقبل محادثات السلام اليمنية والاتفاق بين صالح والحوثيين
كرار أنور ناصر/مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
يبدو أن مستقبل اليمن ما يزال مجهولا بعد أكثر من عام ونصف على إنطلاق عملية عاصفة الحزم التي شنتها المملكة العربية السعودية على اليمن، بزعم إعادة الشرعية إلى البلاد عقب خلع حكومة عبد ربه منصور هادي في أيلول من العام 2014، على أثر سيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين، والقوات الموالية لهم والمرتبطة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح على مدينة صنعاء بما في ذلك المباني الحكومية والمؤسسات الرسمية، وإعلانهم حل البرلمان وإقالة الحكومة اليمنية. فعلى الرغم من أن الحرب كما يقول كلاوزوفيتس هي: امتداداً للسياسية ولكن بوسائل أخرى، إلا أن تلك المقولة لم تثبت صدقيتها كثيراً في الحالة اليمنية، ولاسيما مع جماعة أنصار الله الحوثيين، إذ لم تدفعهم الحرب إلى الإذعان للمطالب السعودية الرامية إلى إعادة السلطة لحكومة عبد ربه منصور هادي، وهو الأمر الذي وضع المملكة العربية السعودية في موقف حرج أمام نفقات الحرب الباهظة، في الوقت الذي اشتدت فيه حجم الإدانة والضغوط الدولية لوقف الحرب في اليمن لدرجة اتهام السعودية بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين العزل في اليمن. فمع تصاعد حجم المغامرة العسكرية في اليمن سياسياً واقتصادياً، فضلا عن تصاعد أعداد الخسائر البشرية في صفوف القوات العسكرية السعودية لأكثر من ثلاثة آلاف جندي، وبعد فشل عملية عاصفة الحزم على تحقيق النتائج التي انطلقت من أجلها، وفرض الاستسلام على جماعة الحوثيين وحلفائهم من انصار علي عبد الله صالح، أخذت السعودية التي كانت رافضة للحل السلمي والخيار التفاوضي مع الحوثيين تتجه نحو المفاوضات لإنهاء الأزمة اليمنية، وهو الأمر الذي يعني: اعتراف السعودية على مضض، وبشكل مباشر بشرعية الحوثيين وحلفائهم من أنصار علي عبد الله صالح، كقوة رئيسة على الساحة اليمنية لا يمكن تجاهلها في أية تسوية سياسية للأزمة اليمنية. وعقب مرور عام على عملية عاصفة الحزم في اليمن، أدركت السعودية حجم تورطها في حرب لن تتمكن من استكمالها على الصعيدين: الداخلي والخارجي جاءت محادثات السلام في الكويت في منتصف نيسان من العام الحالي، لإيجاد حل سياسي للازمة اليمنية الراهنة، بوساطة الأمم المتحدة، وبناءً على مبادرة مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة اليمنية. إذ تهدف محادثات السلام اليمنية في الكويت إلى إيجاد حل سياسي وأمني واقتصادي وأنساني في اليمن عن طريق تشكيل مجلس رئاسي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتراصف بها جميع المكونات السياسية المختلفة، ويُستأنف من خلالها الحوار السياسي اليمني في ظل سلطة تنفيذية توافقية جديدة، مع اجراء ترتيبات أمنية وعسكرية في المناطق التي تشهد الصراع وغيرها من المناطق الحيوية في اليمن، بما يضمن منع الاقتتال الداخلي، وتوحيد الجهود الداخلية لمواجهة (داعش) و(القاعدة) ومنعهما من التمدد والانتشار في اليمن. ان المفاوضات بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعوم من السعودية، والحوثيين وأنصارهم المدعومين من إيران، لم تسفر عن أية نتائج جدية في سبيل التوصل إلى حل سياسي للازمة اليمنية الراهنة، وذلك بسبب إصرار حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي على التزام الحوثيين بقرار مجلس الأمن المرقم (2216)، والذي ينص على: إنسحاب الحوثيين وحلفائهم من انصار علي عبد الله صالح من المدن التي سيطروا عليها منذ عام 2014، بما في ذلك مدينة صنعاء، وتسليم الأسلحة الثقيلة، وعودة مؤسسات الدولة قبل الشروع في أي مسار انتقال سياسي باليمن، يطالب الحوثيين بتشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على الحل السياسي في البلد. وبهذه الحالة، بدأت الخلافات السياسي تلقي بظلالها على أجواء المفاوضات اليمنية المنعقدة في الكويت، وغداة تعليق محادثات السلام في الكويت من جانب الحكومة اليمنية، أعلن الحوثيون وحلفائهم من انصار علي عبد الله صالح في يوم 28 تموز من العام الجاري، عن تشكيل مجلس سياسي أعلى يتكون من عشرين عضواً نصفهم من أعضاء حزب المؤتمر الشعبي التابع لعلي عبد الله صالح، ونصفهم الآخر من الحوثيين، على أن تكون رئاسة المجلس دورية بين الطرفين، ويسري الأمر نفسه على منصب نائب رئيس المجلس، وكل وذلك بهدف توحيد الجهود لمواجهة (التحالف العربي) الذي تقوده السعودية، ولإدارة شؤون الدولة سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً وإدارياً واجتماعياً، مع استمرار العمل بأحكام الدستور الدائم في اليمن. وقد واجهت هذه الخطوة العديد من الانتقادات العربية والدولية بوصفها تهديدا كبيراً لمحادثات السلام اليمنية في الكويت. ففي بيان رسمي قال مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص باليمن، والمشرف على محادثات السلام اليمنية في الكويت، إسماعيل ولد الشيخ أحمد: إن تشكيل المجلس السياسي يعرض محادثات السلام للخطر بوصفه انتهاكاً لقرار مجلس الأمن المرقم (2216)، والذي يطالب جميع الأطراف اليمنية، ولاسيما الحوثيين بالامتناع عن اتخاذ المزيد من الإجراءات الأحادية التي يمكن أن تقوض عملية الانتقال السياسي في اليمن، ويدعوهم إلى التوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق الحكومة الشرعية في اليمن. ولكن ماذا يعني تشكيل مجلس سياسي أعلى لإدارة السلطة في اليمن بين الحوثيين وحلفائهم من أنصار علي عبد الله صالح؟ وكيف يمكن أن يؤثر قيام هذا المجلس على مستقبل محادثات السلام اليمنية؟. على عكس الانطباع السائد الذي يفيد: بأن تشكيل المجلس السياسي الأعلى هو بمثابة رصاصة الرحمة على محادثات السلام اليمنية، يمكن القول: إن الاتفاق الوطني السياسي وتشكيل المجلس السياسي الأعلى حقق هدفاً واحداً من أهداف قرار مجلس الأمن المرقم (2216)، وذلك عن طريق إلغاء الإعلان الدستوري الذي أعلنه الحوثيين في شباط 2015. ويبدو أن الحوثيين وحلفائهم من أنصار علي عبد الله صالح عند تشكيلهم المجلس السياسي الأعلى، وعدم اقدامهم على تشكيل حكومة يمنية جديدة، والتزامهم بالعمل بالدستور النافذ في اليمن، قد منحوا فرصة أخيرة للحل السياسي عن طريق المساومة المتبادلة، فإذا ما فشلت محادثات السلام اليمنية في الوصول إلى تسوية سياسية شاملة بين الأطراف المتنازعة، فقد يصبح المجلس السياسي الأعلى فيما بعد مجلساً لحكم البلاد وادارتها، لاسيما وأن هذا المجلس عند تشكيله أعاد الحياة إلى المؤسسة التشريعية، مما يعني وضع شرعية حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي على المحك. لذلك لعلنا لا نبالغ إذا قلنا: إن الاتفاق الوطني السياسي بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح، والذي أفضى إلى تشكيل المجلس السياسي الأعلى يعني: دخول الأطراف اليمنية المتنازعة بمرحلة جديدة من العمل السياسي، ويمثل: عامل ضغط جديد على المملكة العربية السعودية بشكل يؤثر على مستقبل محادثات السلام، والاهم يؤثر على مستقبل حكومة عبد ربه منصور هادي، وذلك للأسباب الآتية: أولا: يمثل المجلس السياسي الأعلى مناورة حوثية ضد التحرك السعودي لتسوية الأزمة اليمنية، لكونها وضعت العصا بعملية شق الصف بين حزب المؤتمر الشعبي التابع لعلي عبد الله صالح، وجماعة أنصار الله الحوثيين، وهو الأمر الذي كانت تراهن عليه السعودية كثيراً في المفاوضات. ثانيا: ان تأسيس المجلس السياسي الأعلى جاء ليلغي الإعلان الدستوري السابق الذي أعلنه الحوثيين عن طريق اللجنة الثورية العليا في يوم 6 شباط عام 2015، لإدارة شؤون البلاد، والذي تضمن: حل مجلس النواب اليمني، وتشكيل مجلس وطني إنتقالي مكون من (551) عضواً، يتولى اختيار مجلس رئاسي مكون من خمسة أعضاء، وتعيين حكومة كفاءات يمنية. وبما أن الاتفاق الوطني السياسي ارتضى العمل بالدستور اليمني النافذ لتسير أعمال الدولة عن طريق المجلس السياسي الأعلى، فإن ذلك يعني بطبيعة الحالة عودة مجلس النواب (المُنحل) إلى عمله، ومن ثم عودته للنظر في الاستقالة التي قدمها الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى مجلس النواب غداة سيطرة الحوثيين على صنعاء. ثالثا: يمثل المجلس السياسي الأعلى تحدياً كبيراً لمكانة السعودية في تسوية الأزمة اليمنية، ذلك لأن وجود مجلس مشترك لإدارة شؤون البلاد سيقيد مشاركة السعودية في محادثات السلام اليمنية، وسيحدد دورها السياسي والعسكري في المرحلة المقبلة، إذ أن انعقاد مجلس النواب اليمني لمناقشة استقالة الرئيس عبد ربة منصور هادي قد يفقد الشرعية التي تشكل بموجبها (التحالف العربي) الذي تقوده السعودية لاستعاد الشرعية الدستورية في اليمن، والمتمثلة بحكومة عبد ربه منصور هادي. فانعقاد البرلمان والتصويت على إقالة الرئيس هادي قد ينهي تلك الشرعية، وبذلك سيكون الدور السعودي في الأزمة اليمنية سياساً أكثر منه عسكرياً. الأمر الذي أشار إليه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في حديثه عن الاتفاق بشأن المجلس السياسي الأعلى، قائلا: ان المعادلة ستتغير في اليمن في ضوء الاتفاق الوطني السياسي، مشيراً إلى أنه: لا شرعية لهادي على الإطلاق. ومهما يكن من أمر، بالرغم من صعوبة التكهن في قيمة الاتفاق بين صالح والحوثيين على مستقبل اليمن وكذلك على محادثات السلام اليمنية، إلا انه يمكن القول: إن المجلس السياسي الأعلى الذي تشكل بموجب الاتفاق الوطني السياسي بين صالح والحوثيين على الأرجح سوف لن يمتلك القدرة بمفرده، وبغياب الدعم الإقليمي والدولي على ترتيب الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في اليمن، ويبدو أن هذا الأمر مدرك للطرفين، لذلك فإن صالح والحوثيين بإتفاقهم السياسي يهددان باتخاذ إجراءات أحادية وقائية لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم وتكريس سياسية الأمر الواقع في حال لم تصل حكومة عبد ربه منصور هادي إلى تسوية سياسية شاملة، وهو الأمر الذي يجعل مستقبل اليمن أمام ثلاثة خيارات: الأول: التسليم بالأمر الواقع، ولاسيما إذا انعقد مجلس النواب اليمني المُنحل وصوت على إقالة حكومة عبد ربه هادي منصور، وهو ما يعني انتقال الحكم في اليمن من منصور إلى صالح والحوثيين، وهو خيار لن ترضى عنه السعودية. الثاني: اللجوء إلى حرب شاملة مرة أخرى ضد الحوثيين وحلفائهم من أنصار علي عبد الله صالح، وهو أمر ليس مستبعد، ولكنه خيار مكلف وصعب جدا في الوقت الحاضر، ولاسيما على السعودية، وربما لن يأتي بنتائج إيجابية سوى الدمار مع مزيد من الإدانة الدولية، كالحالة مع عملية عاصفة الحزم. الثالث: انشطار اليمن إلى جزئين (لاسيما إذا وجد ذلك اعترافاً ورعاية إقليمية من بعض الدول) أحداهما/ يسيطر عليه صالح والحوثيين بدعم من إيران، والآخر/ يسيطر عليه عبد ربه هادي منصور وحلفائه بدعم من السعودية. * مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية http://mcsr.nethttp://mcsr.net
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة