|
مركز دراسات جنوب الصحراء في كندا والأزمة في دولة جنوب السودان . ثروت قاسم
|
Facebook.com/tharwat.gasim [email protected]
1- مركز دراسات جنوب الصحراء في كندا .
أصدر مركز دراسات جنوب الصحراء في كندا عدة دراسات واوراق بحثية مثالية في المهنية والصدقية عن الأزمة في دولة جنوب السودان . ويمكن القول بأنه المركز الوحيد في العالم الذي درس الأزمة من جذورها ، وحللها تحليلاً علمياً يدعو إلى الإعجاب والتقدير . وقد أعتمدت هذه السطور في كل ما كتبته عن أزمة الجنوب على الأوراق البحثية التي أصدرها المركز ، بما في ذلك هذا المقالة والمقالة التي سبقتها ، والتي تليها .
2- صحيفة الايكونمست ؟
في عدد يوم الأربعاء 22 يناير 2014 ، تحكي صحيفة الايكونمست البريطانية المحترمة قصة ( رجل وحربين ) ؟
اما الرجل فهو فنان الهيب هوب البريطاني امانويل جال ، من قبيلة النوير في الأصل ، وهرب من جنوب السودان خلال حرب ال 264 شهر الأهلية ( 1983 – 2005 ) من ضمن ما صار يُطلق عليهم ( أطفال الحرب ) .
رأي امانويل اهوال الحرب الاهلية في نهايات القرن الماضي قبل أن تتبناه المرحومة زوجة الدكتور رياك مشار البريطانية السابقة ( أيما ماكوون ) التي كانت تعمل في المنظمات الطوعية في جنوب السودان في تسعينات القرن الماضي .
صار ايمانويل نجماً لامعاً في بريطانيا ومن أمراء موسيقى الهيب هوب ، كما أصبح داعية سلام . حكى ايمانويل لصحيفة الأيكونمست تجربته الشخصية مع الحربين :
+ الحرب الأهلية بين جلابة الشمال والجنوبيين التي أستمرت لمدة 264 شهراً ، وإنتهت بالتوقيع على إتفاقية السلام الشامل في يناير 2005 .
+ ويقصد امانويل بالحرب الثانية الحرب الإثنية الدائرة حالياً وعمرها حوالي شهر واحد منذ يوم الأحد 15 ديسمبر 2013 مقارنة بحرب ال 264 شهر الأولي .
يؤكد امانويل ان الحرب الاهلية الاولى ( 264 شهر ) مجرد نزهة على شاطئ النيل الابيض مقارنة بأهوال وفظائع الحرب الأثنية الحالية ( شهر واحد ) التي تشيب لذئبياتها الولدان .
في الحرب الأهلية الأولى كان الجنود الشماليون يحاربون ويقتلون جنود الحركة الشعبية ، وكان المواطنون الجنوبيون ، كل المواطنون الجنوبيون متحدون على قلب رجل واحد ضد جلابة الشمال . المواطن الدينكاوي والمواطن النويراوي في خندق واحد ضد عرب الشمال . وحدة وطنية نادرة بين قبائل الجنوب خلقها وابتدعها العدو الشمالي المشترك . إلا من إستثناء يثبت القاعدة ، وهو خروج الدكتور رياك مشار ضد الدكتور جون قرنق في عام 1992 ، لأن الدكتور مشار كان يدعو للإنفصال ، والدكتور قرنق كان يدعو للسودان الجديد الموحد . الإختلاف والخلاف بين الدكتورين لم يكن إثنياً ، بل على المبادئ والإتجاه العام .
أما في حرب الشهر الإثنية الحالية فهي حرب الجميع ضد الجميع . الجنود الجنوبيون من الدينكا والنوير يقتلون المدنيين من النوير والدينكا على الهوية . المدنيون من الدينكا والنوير يقتلون زملائهم المدنيين من النوير والدينكا على الهوية ، خوفاً من أن يتعشوا بهم .
دعنا نأخذ مثال لنوضح الصورة أكثر .
المعلم اشول دينق ( دينكاوي ) زميل في معهد جوبا الفني للمعلم رياك قاي ( نويراوي ) . درس الأثنان وتخرجا من معهد رمبيك التعليمي ، ويسكنان في منزلين متلاصقين في جوبا . في يوم الأثنين 16 ديسمبر 2013 ، عند بداية الأزمة والشحن القبيلي ( من قبيلة ) ، دخل اشول على منزل زميله رياك ، وقتل بالكلاش رياك وجميع افراد عائلته . برر اشول فعلته الذئبية بأنه تغدى برياك وعائلته قبل أن يتعشى رياك به وعائلته .
قصة لا تُصدق ، ولكنها حقيقية ومثلها معها آلاف من القصص الطينية . تختزل هذه القصة الأعماق التى أنحدر اليها الصراع الذئبي في جنوب السودان .
حرب الجميع ضد الجميع بإمتياز .
يحكي امانويل إن شقيقه الأصغر قرر البقاء في منزله مع عائلته في بانتيو لانه مؤيد للرئيس سلفاكير وحكومته . ولكن إقتحم جنود الرئيس سلفاكير داره وحرقوا الدار وهو وعائلته بداخلها ، فقط لأنه من إثنية النوير . يقول امانويل إن بانتيو صارت قاعاً صفصفاً ، ومجموعة من خرابات المباني المحروقة والمهدمة بالدبابات .
المرارات الشخصية التي يحملها المواطنون من قبليتي الدينكا والنوير ( حوالي 40% من سكان الجنوب ) ضد بعضهما البعض سوف تنغرس في المخيلة النفسية لكل قبيلة ، ولن تمحاها إتفاقيات وقف العدائيات ووقف إطلاق النار ، ولا حتي إتفاقية سلام شامل . سوف يموت هذ الجيل وهذه المرارات مغروسة في وجدانه ... كراهية غير مبصرة وذئبية سوف لن تساعد في الوحدة الوطنية ، وتهدم بناية دولة المواطنة المتساوية التي لن تقوم لها قائمة ، وهذا الجيل حي يتذكر أهوال هذه الحرب الأثنية المأساوية بين الجنوبيين ، على قصرها زمنياً ( شهر واحد ) مقارنة بالحرب الأهلية بين الشمال والجنوب ( 264 شهر ) .
شهر أسود من الأهوال ، وربما القادم مزيد من نفس الكاس المرة .
الا يذكرك هذا الوضع المأساوي بكلمات الشاعر الأندلسي :
غشيت عيناي من طول البكى ...
وبكى بعضي على بعضي معي .
رغم الكوارث الإنسانية والمآسي التي تشيب لها الولدان لما يحدث حالياً في دولة جنوب السودان الوليدة ، فلن تجد جنوبياً واحداً يتحسر على أيام الوحدة مع السودان ، ويرنو إلى السودان الموحد . تجد رفضاً مرضياً لكل ما هو سوداني . أضطر الرئيس سلفاكير مكرهاً للتنسيق مع الخرطوم إبان هذه المحنة ، رغم كراهيته المستعرة للقوم هناك . في يوم الأحد 22 ديسمبر 2013 أرسل الرئيس سلفاكير وزير خارجيته برنابا بنجامين للخرطوم حاملاً رسالة خاصة للرئيس البشير ؛ وارسل مستشاره القانوني تيلار رينق دينق ( يوم الأحد 26 يناير 2014 ) برسالة خاصة ثانية للرئيس البشير . في الرسالتين يتوسل الرئيس سلفاكير دعم الخرطوم للجيش اليوغندي في السيطرة على وتأمين آبار النفط الجنوبية ضد هجمات قوات الدكتور رياك مشار .
العالم المتحضر يشاهد ما يحدث من أعمال عنف ووحشية في الجنوب ، وكأنه يتابع مباراة لكرة القدم؟ ربما أن هذا العالم المتحضر لا يهمّه القتل وإنما تهمه الطريقة التي يُقتل بها الناس؟ فلقد أصدر المجتمع الدولي ، بعد استخدام الكيميائي في سوريا ، أوامر بعدم استخدام تلك الأسلحة، وكأنه يقول لهم :
( اقتلوهم بأي شيء آخر إلا الأسلحة الكيميائية ) ؟
الخلاصة :
حرب ال 264 شهر الأهلية بين الشمال والجنوب وحدت القبائل الجنوبية ضد العدو الشمالي المشترك . لم يقتل الشمالي الجنوبيين سنبلا وعلى الهوية . حرب الشهر (حتى إتفاقية وقف العدائيات ) الإثنية دمرت الوحدة الوطنية بين القبائل الجنوبية ، وقتل الجنوبي شقيقه الجنوبي سنبلا وعلى الهوية ؟
هذا هو أهم فرق بين الحربين ! EMMANUEL JAL
3- المدن والأرض الخلا بين المدن ؟
بدعم عسكري مهول من الجيش اليوغندي ، تسيطر قوات الرئيس سلفاكير على عواصم الولايات الثلاثة بور وملكال وبانتيو ، وكل واحدة منها قد صارت قاعاً صفصفاً تنعق فيه البوم . ولكن الارض الخلا بين هذه المدن فهي مرتع لقوات الدكتور رياك مشار التي تشن غارات على هذه المدن وتسيطر عليها لأيام قبل طردها بواسطة قوات الجيش اليوغندي .
إذا إنسحب الجيش اليوغندي من الجنوب كما تطالب أثيوبيا ، فسوف يدخل الدكتور رياك مشار جوبا كما تدخل انت سوق الناقة في ام بدة لأكل كبدة الجمال ؟
هل يذكرك الوضع في الجنوب بما كان عليه أيام الحرب بين الشمال والجنوب ، عندما كان الجيش السوداني يسيطر على المدن الرئيسية وتمرح الحركة الشعبية في الارض الخلا بين هذه المدن دون أن تسيطر عليها ؟
3- تابو مبيكي ولجنته العالية ؟
يتسآل مركز دراسات جنوب الصحراء في كندا عن الوسيط مبيكي ولجنته العليا ، الذين لم نسمع عنهم منذ إندلاع أزمة الجنوب ؟ هل سمع أحدكم عن الوسيط مبيكي ولجنته العليا ؟
يخبرنا مركز دراسات جنوب الصحراء في كندا بأن لجنة مبيكي العليا تتكون من :
+ تابو مبيكي ، رئيساً ،
+ الجنرال عبدالسلام ابوبكر ، رئيس نيجريا السابق ،
+ بيير بويويا رئيس بوروندي السابق .
لجنة للإعاشة الفاخرة لرئيسها وعضوييها ؟ وبدأت في معالجة أزمة دارفور ، ثم إنتقلت إلى معالجة المشاكل بين دولتي السودان وبين الحركة الشعبية الشمالية والسودان ، حسب قرار مجلس الأمن 2046 في 2 مايو 2011 .
حصاد اللجنة كومة من الهشيم وقبض الريح !
وسكتت عن الكلام المباح منذ إندلاع أزمة جنوب السودان في يوم الأحد 15 ديسمبر 2013 .
لجنة أخرى وثلاثية بدأت تتعامل مع أزمة جنوب السودان ... لجنة وساطة الإيقاد وهي كديسة بدون أسنان ،وتقدم كسفرجي ما يطبخه المبعوث الأمريكي الرئاسي الخاص لدولتي السودان السفير دونالد بووث .
4 - موقف القبائل الإستوائية ؟
في دراسة أعدها مركز دراسات جنوب الصحراء في كندا نعرف إن الموقف الذي سوف تتخذه القبائل الإستوائية سوف يرجح كفة ويؤكد إنتصار الطرف المنحازة اليه هذه القبائل ، وأمراء حربها في جيش الحركة الشعبية ، ضد الطرف المقابل .
يقول المركز الكندي ذلك رغم دعم الجيش اليوغندي الحاسم لقوات الرئيس سلفاكير .
دعنا نستعرض ، كمثال ، موقف 4 قبائل إستوائية في الإستوائية الكبرى : + قبيلة اللاتوكا ( حول توريت ، شرق الإستوائية ) ،
+ قبيلة الديدنقا ( في جبال الددينقا شرق توريت في محلية بودي، شرق الإستوائية ) ،
+ قبيلة المادي ( قبيلة سيرسيو أيرو وقاما حسن وجوزيف لاقو ، حول نيمولي ، جنوب الإستوائية ) ،
+ وقبيلة التبوسا ( حول كبويتا ) .
يحدثنا مركز دراسات جنوب الصحراء في كندا إن عناصر الدينكا في الجيش الشعبي قد عاملوا هذه القبائل الإستوائية الأربعة وغيرهم من القبائل الإستوائية معاملة سيئة خلال حرب الإنفصال ( 1983 – 2005 ) . ولهذا السبب ، تخزن هذه القبائل الإستوائية مرارات وثارات ضد قبيلة الدينكا .
المحصلة :
ربما إنقلبت هذه القبائل الأربعة ضد الرئيس سلفاكير للمرارات القديمة ضد الدينكا ، والأهم لدعم الجيش اليوغندي المُستعمر للرئيس سلفاكير ضد أبنا ء وطنه ... غبينتان احلاهما مر في طعم الحنظل ؟
إذا دعمت هذه القبائل الدكتور رياك مشار ، فإنها سوف تسيطر بسهولة علي مدينة نيمولي ، على الحدود مع يوغندة ؛ وعلى مدينة نارس في شرق الإستوائية على الحدود مع كينيا ، وتعزل الرئيس سلفاكير من العالم الخارجي ( يوغندة وكينيا ) .
خصوصاً وتُوجد كتيبة عسكرية من النوير من الجيش الشعبي في شرق الإستوائية منذ أيام حرب الإنفصال .
غبينتان ، الواحدة أشد مرارة من الثانية .
ربما لهذا السبب ، يستنجد الرئيس سلفاكير بالرئيس البشير للمرة الثانية منذ إندلاع الأزمة ؟ في حالة إنحياز القبائل الإستوائية للدكتور رياك مشار ، فعلى الرئيس سلفاكير السلام ، رغم وربما بسبب تواجد الجيش اليوغندي في الجنوب . كيتن في الدينكا ؛ وعشان تاني .
إنتظروا موقف اللاتوكا والددينقا والمادي والتبوسا ...إنا معكم منتظرون !
|
|
|
|
|
|