|
مرفودين للصالح العام والخاص (2)! بقلم فيصل الدابي/المحامي
|
10:01 AM Jun, 19 2015 سودانيز اون لاين فيصل الدابي المحامي-الدوحة-قطر مكتبتى فى سودانيزاونلاين
بعد رفدي من امتحان الشهادة السودانية، عملت بوظيفة عامل نظافة في ورشة سكة حديد كسلا لعدة أشهر وكان عملي ينحصر في تنظيف وجمع النفايات وتكسير الفلنكة ، وكان الريس الذي اعمل تحت إمرته رجلاً طيباً لأقصى درجة يعني من النوع التختو في الجرح يبرأ، لكن عند منتصف أحد الشهور جاء الريس إلى الورشة بمزاج منحرف (يمكن مرتو شاكلتو في البيت) وقام بشتم عمال النظافة دون أي سبب، سكت جميع العمال خوفاً من انقطاع ارزاقهم ، لكنني تصديت لوحدي للريس بعنف وكدت اتضارب معه فأخذ الريس يبحلق في وجهي ثم انسحب من أمامي عندما شعر بخطورة الموقف، رفدت نفسي فوراً من السكة حديد وذهبت إلى منزلنا بحي العمال وقمت بحرق الابرول الذي كنت ارتديه عند الذهاب إلى الورشة ولم أذهب لورشة السكة حديد مرة أخرى، حضر عمال النظافة إلى منزلي وطلبوا مني الرجوع إلى العمل بورشة السكة حديد فرفضت رفضاً باتاً أخيراً طلبوا مني الذهاب للورشة لصرف مرتب نصف الشهر المستحق لي فرفضت ذلك أيضاً، في نهاية المطاف ذهبوا لصراف الورشة وأقنعوه بصرف نصف المرتب لهم واحضروا لي مرتب نصف الشهر فاستلمته في منزلنا وكان ذلك آخر مرتب استلمته من حكومة السودان! بعد أن رفدت نفسي من القطاع العام ، قررت العمل في القطاع الخاص فاشتغلت مع أخى الأكبر مرضي الذي كان يملك استوديو في سوق كسلا، أخي مرضي كان مشهوراً بالشجاعة والكرم الشديدين والغضب السريع، دخلت إلى الغرفة المظلمة (الدارك روم) بغرض تقليب العفاريت في صحن غريب يحتوي على سائل ما وغادرتها مرفوداً بعد خمس دقائق فقط من لحظة دخولي إليها لأنني لم احتمل صياح أخي مرضي في وجهي عندما طلب مني تقليب العفاريت بسرعة أكبر، بعد ذلك عملت لعدة أشهر في ورشة حدادة في المنطقة الصناعية بكسلا تابعة لأخي مامون وهو رجل عصامي بنى نفسه من الصفر واصبح من كبار أعيان مدينة كسلا ، في ورشة الحدادة تخصصت في صناعة طرابيز الحديد التي كانت تستخدم لوضع الشاي والجبنة ، فكنت اعمل منذ الصباح الباكر في تقطيع وتسطيح وتفصيل وتكويع الحديد وبرشمة الطرابيز وفي نهاية كل يوم كنت أحمل انتاجي بيديّ وأذهب راجلاً إلى السوق حيث ابيع الطرابيز وأقبض ثمنها واطير إلى منزلنا بحي العمال وأنا أشعر بالزهو الشديد، مرت الأيام وسئمت من عمل طرابيز الحديد في مدينة كسلا فرفدت نفسي وعملت لصالح أخي مامون لأكثر من عام ونصف في قطع براميل الحديد في خشم القربة ، القدمبلية ، الفاو ، وجبل الأعور بسنار وهو شغل بالقطعة، فكنت أقوم مع آخرين بقطع البراميل في الخلاء ثم حرقها ثم مندلتها بالمندالة ثم رصها تمهيداً لشحنها لمختلف المدن السودانية وبسبب شلاقتي الشديدة اصبت بجروح كثيرة ما زلت أحمل آثارها حتى تاريخ اليوم ، وفي أثناء تلك الفترة البرميلية المتدحرجة، كنت ارفد نفسي من وقت لآخر بعد أي مهاوشة مع أخي مامون ثم اعود لقطع البراميل مرة أخرى! بعد انتهاء عقوبة الحرمان من الجلوس لامتحان الشهادة السودانية لمدة سنتين، وفي عام 1983 م، قررت الجلوس لامتحان الشهادة السودانية من منازلهم بعد أن دفعت الرسوم المدرسية من جيبي الخاص وأقنعت ناظر إحدى المدارس الثانوية العليا بكوستي بتسجيلي كطالب من منازلهم وتمكيني من الحصول على رقم جلوس والسماح لي بالجلوس للامتحان في مدرسته وحكيت له مشكلتي الكبرى مع الحساب ورفدي بسبب الحساب الذي انثوه بعد تذكير وغيروا إسمه في عام 1983م وسموه الرياضيات وأصحبت تلك الحُرمة العددية مادة أساسية لا يمكن دخول جامعة الخرطوم إلا بعد النجاح فيها (يعني الجماعة قصدوني عديل كده!) ، تعاطف الناظر معى وعرض علىّ أن أحضر حصص الرياضيات فقط في مدرسته لكنني رفضت ذلك رفضاً باتاً وقلت له إن سلوكي أصبح سلوك عامل ومن الصعب ان اعتاد على الجلوس في الفصل مرة أخرى ولذلك سأدرس الرياضيات براى والله كريم وقد كان ، سافرت إلى ود مدني واشتريت عدداً من ممتازات الرياضيات ثم عدت إلى كوستي، في بداية السنة وفي منزلنا بمربع سبعة وعشرين ، قمت بتلخيص كل مادة من المواد الأخرى لامتحان الشهادة السودانية في ثلاثة ورقات فقط وفهمتها تماماً وقمت برصها في منضدة داخل غرفتي ثم تفرغت بعد ذلك للحرب مع الرياضيات وبديتا من جدول الضرب ، كنت اقضي اليوم كله وأنا أتعارك مع المفاهيم الرياضية كسين وصاد وجتا وقتا وأقوم بالشرح لنفسي متقمصاً دور الاستاذ طوراً ودور التلميذ تارة أخرى، وبعد فترة وجيزة ، تجرأت على مادة الرياضيات وأصبحت أقوم بشرح الرياضيات لبعض البنات في الحي وقمت بمساعدة الكثيرات في حل الكثير من امتحانات الرياضيات السابقة ، الأمر الذي عزز ثقتي بنفسي في مواجهة الرياضيات! قبل الامتحانات بشهرين قرر والدي تكسير إحدى الغرف المجاورة لغرفتي وتحويلها إلى دكان فاعترضت على ذلك بشدة بحجة أن ضجيج التكسير والبناء سيمنعني من المذاكرة ووقفت والدتي إلى جانبي لكن والدي لم يكترث لاحتجاجي واحتجاج والدتي، وبدأ التكسير والبناء والغناء بأعلى صوت من الجنوبيين عمال اليومية ، عندها اتخذت قراراً خطيراً متهوراً ، رفدت نفسي من مذاكرة أي مادة بما في ذلك الرياضيات فكنت أذهب كل صباح لصيد السمك أو السباحة في البحر ، واخصص كل عصرية للتفرج على دافوري كرة القدم وأذهب في الامسيات إلى سينما كوستي الوطنية حتى جاء موعد الامتحان! حلت امتحانات عام 1983م ولدهشتي الكبرى اشتغلت بشكل ممتاز في جميع المواد بفضل قوة ذاكرتي التي اكتشفت أنها ، وبحمد الله، لم تتأثر أبداً بعدم المذاكرة لمدة شهرين متتابعين ، أخيراً ، جاء اليوم المشهود، يوم امتحان الرياضيات ، فوجئت بامتحان رياضيات في غاية الصعوبة والتعقيد ، اشتغلت نصف مسائل الامتحان تقريباً بشكل صحيح وتركت المسائل المعقدة المحتوية على خليط من المفاهيم الرياضية ثم قررت تسليم ورقة الاجابة والخروج من قاعة الامتحان قبل انتهاء نصف الزمن فرفض المراقب ذلك وقال لي إن الخروج قبل نصف الزمن ممنوع فعملتا معاهو أكبر شمطة ، فجأة وأثناء الاشتباك الكلامي العنيف مع المراقب دق جرس نصف الزمن فجدعت ورقة الاجابة وغادرت المدرسة كالاعصار بعد أن كدت أحصل على رفدية جديدة بسبب مشاكل الحساب أو الرياضيات ومشاكل الدخول والخروج بعد نصف الزمن وقبل نصف الزمن! ومن المفارقات العجبية أنني نجحت في امتحان مادة الرياضيات رغم أنني حللت نصف الأسئلة فقط وكان تفوقي في كل المواد الأخرى ونجاحي في الرياضيات بالذات هو سبب دخولي جامعة الخرطوم فقد ساهمت الرياضيات في رفع درجاتي وإدخالي كلية القانون جامعة الخرطوم بالمزيكا ، لقد طارت والدتي فاطمة من الفرح عندما تم ابلاغها بخبر نجاحي بتفوق وإحرازي نسبة 73,8% ودخولي لجامعة الخرطوم لكن خالي العزيز حسن ، المقتنع ببلادتي التامة ، لم يصدق قصة نجاحي وعندما أخبرته والدتي فاطمة بنجاحي وتمكني من دخول جامعة الخرطوم قال لها بتشكك كبير: ها، جامعة خرتوم بتاعت شنو! الزول دا بكون سوا ليهو كشك ليمون في الخرطوم وقاعد يبيع بارد!
مذكرات زول ساي فيصل الدابي/المحامي
أحدث المقالات
- ماهر جعوان /يكتب/ سبق المقربون 06-19-15, 00:15 AM, ماهر إبراهيم جعوان
- الإسلام / الإرهاب ... أية علاقة؟ بقلم محمد الحنفي 06-19-15, 00:14 AM, محمد الحنفي
- أمن المنطقة في تغيير النظام في إيران بقلم منى سالم الجبوري 06-19-15, 00:09 AM, منى سالم الجبوري
- هل نلوم الوزير محمد مهدي البياتي أم نلوم وسائل الإعلام؟! بقلم علي احمد الساعدي 06-19-15, 00:07 AM, مقالات سودانيزاونلاين
- الحكومات الفلسطينية تباديل وتوافيق وفشل بقلم سميح خلف 06-18-15, 10:21 PM, سميح خلف
- المجرم الهارب يرتكب جريمة اخري بقلم د. ابومحمد ابوآمنة 06-18-15, 10:13 PM, ابومحمد ابوآمنة
- مرفودين للصالح العام والخاص (1)! بقلم فيصل الدابي/المحامي 06-18-15, 10:08 PM, فيصل الدابي المحامي
- منتدي رؤوس الأفارقة : وفرار المشير البشير المثير بقلم شول طون ملوال بورجوك 06-18-15, 10:05 PM, شول طون ملوال بورجوك
- بنك الجبال للتجارة والتنمية إلي أين ؟ بقلم اللواء اسماعيل خميس جلاب 06-18-15, 10:00 PM, اللواء اسماعيل خميس جلاب
|
|
|
|
|
|