|
مرافعة دفاع ختامية عن ست شاي سودانية! بقلم فيصل الدابي/المحامي
|
06:46 AM May, 22 2015 سودانيز اون لاين فيصل الدابي المحامي-الدوحة-قطر مكتبتى فى سودانيزاونلاين
تقدم الكاتب الصحفي الهندي عز الدين بمرافعة اتهام في شكل مقال جاء بعنوان (عندما تصبح (ست الشاي) وزيرة صحة فقط لأغراض هذا الاحتفال!!) انتقد فيه الكاتب، استعانة مبادرة شبابية "بست شاي/بائعة شاي في الشارع العام" تُدعى أم قسمة لقص شريط افتتاح مركز للعناية المكثفة للأطفال، أنشأه شباب سودانيون بتبرعات، وكلّف ملياري جنيه سوداني وقد جاء مرافعة الاتهام /المقال على النحو الآتي: حدثتكم أمس الأول عن تقديس (التراتبية) واحترام الأول، والسابق، والكبير في المجتمع الهندي لدرجة أن طالب (سنة أولى جامعة) يهب واقفاً من مقعده إذا مر بمكان جلوسه أحد طلاب (سنة ثانية) أو (ثالثة)!! وقارنت المشهد بالسودان .. ولقيت الفرق شاسعاً ! قبل يومين احتفلت صحفنا بخبر افتتاح (ست شاي) لغرفة عناية مركزة للأطفال، أشرف على تشييدها شباب مبادرة (شوارع الحوادث) بالخرطوم الذين ظلوا يرابطون بذلك الشارع جوار أقسام الطوارئ بمستشفى الخرطوم، يجمعون التبرعات من عامة المواطنين، ورجال ونساء البر والإحسان لشراء الأدوية ومساعدة المرضى المعسرين . المبادرة في حد ذاتها لا غبار عليها وتستحق الدعم والمؤازرة، وتشجيع قيام مبادرات شبيهة جوار كل مستشفى ومركز صحي بالسودان . لكن إصرار هؤلاء الشباب المتحمسين على تقديم إحدى خالاتنا المحترمات من (ستات الشاي) بالشارع، وهي من كانت تشكل (بنابرها) قاعة اجتماعات ومركز قيادة للمبادرة، تقديمها لـ(قص شريط) افتتاح الغرفة بمستشفى “محمد الأمين حامد” للأطفال، إنما يعبر بوضوح عن (حالة الرفض الشامل) وعدم الاعتراف بأي كبير في هذا المجال، وزير أو مدير، أو اختصاصي علم في مجال طب الأطفال، أو رمز اجتماعي ناشط في عمل الخير، أو أكبر المساهمين في بناء الغرفة موضوع الافتتاح، كل هؤلاء وغيرهم لا يمثلون شيئاً عند هذا الشباب (الرافض لكل شيء) أو هكذا بدا لي!! ولهذا جاءوا بالسيدة الفاضلة (ست الشاي) لتقص الشريط في سابقة خطيرة تهدد بنسف أي فكرة لمشروع (تراتبية محترمة) في السودان، كما هو الحال في جمهورية “الهند” نتجاوز بها ضغائن ومرارات، وآثار صراعات الانتماءات والولاءات السياسية والفكرية الطاحنة. تسقط السياسة .. ويذهب (الكيزان) و(الشيوعيون) و(الأنصار) و(الختمية)، ولكن يبقى وزير الصحة هو وزير الصحة، وكبير اختصاصيي الأطفال هو كبير الاختصاصيين .. يبقى المنصب ويمضي الشخص، لتستقر معايير الأمة ومقدساتها وثوابتها التي لا تتأثر بالمتغيرات. ولا أدل على ما ذهبت إليه من أن وزير الصحة الاتحادي الحالي “بحر أبو قردة” كان من أبرز قادة حركات التمرد المسلح في دارفور، وإذا به اليوم رئيس حزب سياسي مشارك في الحكومة. قد تبدو فكرة شباب شارع الحوادث مدهشة للبعض ولافتة، وقد يكون مبعث ابتداعها التقدير والتوقير لهذه السيدة الفقيرة النبيلة التي بدأت علاقتها معهم عند مرض طفلتها وملازمتها لها بمستشفى الخرطوم، ثم خروجها لبيع الشاي جوار المستشفى لتكملة تكاليف العلاج، قد يكون ..، ولكنني بصراحة استشعرت في ثنايا الفكرة (حالة رفض) صادمة ومقلقة، أكثر من نموذج وفاء وعرفان وتبجيل لشرائح ضعيفة! هي في الغالب (حالة هتافية) ناعمة وصاخبة في ذات الوقت، ولم تستطع أكاليل زهور الاحتفال المتناثرة في المكان التغطية على تفاصيل ذلك المشهد العبثي . وربما كان مقبولاً بل ورائعاً أن يتم إطلاق اسم تلك السيدة أو طفلتها على غرفة العناية، فتكون غرفة الحاجة (فلانة الفلانية للعناية بالأطفال)، دون حاجة لتزايدات قص الشريط . إن الأمة التي تضع ست الشاي مكان وزير الصحة، ووزير الصحة محل ست الشاي، مع أن بناء الغرفة ما كان ليتم لولا موافقة الوزارة وسلطاتها المختصة، أمة لا يمكنها أن تتقدم شبراً إلى الأمام في ظل هذا النظام أو غيره من أنظمة (الثوار!!) أنا لا يهمني هنا السيد “بحر أبو قردة” أو الدكتور “مأمون حميدة”، ولكن تعنيني المحافظة على القيم العامة، والمبادئ الأساسية الحاكمة لمنظومات المجتمع والدولة، لتكون دولة محترمة .. دولة مؤسسات راسخة، لا دولة أحزاب .. وحركات .. و جبهات .. وقبائل. (انتهت مرافعة الاتهام الهندية). نتقدم للشعب السوداني بمرافعة دفاع ختامية عن (أم قسمة) ست الشاي السودانية ، آملين أن نساهم ولو بقدر متواضع في الوصول إلى القرار الاجتماعي العادل الذي يوافق صحيح المنطق ويتفق مع الوزن السليم للشخصيات الاجتماعية ونبدأ مرافعتنا الدفاعية الهجومية هذه على النحو الآتي: أولاً : إن عمل ست الشاي هو عمل شريف واكل عيش بالحلال بل ويُعد من أشرف الأعمال لأنه يقدم خدمة للمواطنين العاديين من ذوي الدخل المحدود والجيب المقدود ويخلو تماماً من الدهنسة والتطبيل لأصحاب السلطة والنفوذ ، والعمل اليدوي أياً كان نوعه هو عمل شريف ومحترم ولا يجوز إطلاقاً الانتقاص من كرامة أي شخص عن طريق التصريح أو التلميح بحجة أنه يؤدي عمل وضيع فليس هناك عمل وضيع إلا العمل الحرام أو المخالف للقانون، ومن حق ست الشاي أم قسمة أن تقص الشريط التقليدي لافتتاح مركز للعناية المكثفة للأطفال وسط تصفيق الجماهير ويجب علينا أن نتذكر جيداً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد نشأ في أسرة فقيرة وقال عن نفسه )لم يكن أمامي غير بيع البطيخ والسميط في المرحلتين الابتدائية والإعدادية كي أستطيع معاونة والدي وتوفير جزء من مصروفات تعليمي فقد كان والدي فقيرًا (، وأن أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية قد عملت في بداية حياتها نادلة (جرسونة) في إحدى الحانات ، وأن نيكيتا خروتشوف (رئيس الاتحاد السوفيتي الأسبق) عمل في البداية راعياً ثم عاملاً في مصانع الحديد والصلب ، وأن إيفو موراليس (رئيس بوليفيا) عمل مزارعاً وراعياً لقطعان اللاما، وأن نيكولاس مادورو (رئيس فنزويلا) كان يعمل سائق باص حين بدأ العمل النقابي غير الرسمي في مترو كاراكاس ، وأن لولا دا سيلفا (رئيس البرازيل الأسبق) نشأ في أسرة فقيرة وعمل ماسحا للأحذية ، يعني بتاع اورنيش عديل كده ، وأن جوزيف بروز تيتو (رئيس يوغسلافيا الأسبق) كان يعمل سائقا في شركة ديملر بل أن أغلب الانبياء والرسل الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى لهداية البشرية كانوا مجرد رعاة فقراء ولم تُحجب عنهم الرسالات ولا النبوات بحجة أنهم يعملون في أعمال وضيعة بل أننا نؤكد على سبيل المثال أن مهنة عامل النظافة أو بتاع الوسخ، والتي يحتقرها بعض الجهال من البشر، تعتبر أهم مهنة على الاطلاق ولولاها لانتشرت الأوبئة القاتلة وأهلكت العباد ودمرت البلاد! ثانياً : إن شباب مبادرة (شوارع الحوادث) ، الذين رابطوا في الشوارع وجمعوا التبرعات وتحملوا الاحراجات ونجحوا في بناء مركز للعناية المكثفة للأطفال، أحرار في اختيار الشخص الذي يقوم بقص شريط الافتتاح وقد كان اختيارهم لأم قسمة في محله فهي إمرأة سودانية فقيرة عانت الأمرين في سبيل علاج ابنتها الصغيرة المريضة وإضطرت للعمل كبائعة شاي لعلاج ابنتها وهي مسؤولية اجتماعية جسيمة يهرب منها كثير من رجال هذا الزمان الأغبر! أخيراً وليس آخراً، لكم أن تتخيلوا ماذا سيحدث في السودان لو أن ست الشاي ام قسمة أصبحت رئيسة لجمهورية السودان الديمقراطية ، من المؤكد أن أول قرار تصدره كان سيكون وقف الحرب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وحقن دماء جميع السودانيين وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين بدون قيد أو شرط والسماح بحرية الصحافة التي تحترم بسطاء وفقراء الشعب السوداني وتدافع عنهم وتتبنى قضاياهم ولا تتطاول عليهم بأي حال من الأحوال لأن هذا هو الواجب الأصيل والوحيد للصحافة الحرة!
فيصل الدابي/المحامي
أحدث المقالات
- طهران محاصرة بالازمات و التظاهرات و الاحتجاجات بقلم يحيى حميد صابر 05-21-15, 04:21 AM, مقالات سودانيزاونلاين
- حقوق وحريات المواطن العراقي الأساسية في مشروع قانون الأحزاب بقلم د. علاء الحسيني/مركز آدم للدفاع عن 05-21-15, 04:19 AM, مقالات سودانيزاونلاين
- عن مستشفى عطبره .. وأخلاقيات المهنة بقلم نورالدين مدني 05-21-15, 04:17 AM, نور الدين مدني
- حركة فتح .... الانطلاق من أصالة الجذور نحو عالمية الهوية بقلم أ. / عماد مخيمر 05-21-15, 04:15 AM, مقالات سودانيزاونلاين
- اثنا عشر سؤالاً إلى حركة حماس بقلم د. فايز أبو شمالة 05-21-15, 04:13 AM, فايز أبو شمالة
- أم قسمة أكبر بسنوات ضوئية من الهندى ومجموعة شواذهم!! بقلم عبد الغفار المهدى 05-21-15, 03:51 AM, عبد الغفار المهدى
- أولاد دُفعَتنا فى ذِكرى تخرّجنا 20 مايو1987م (جزء ثانى وأخير) بقلم عبد العزيز سام 05-21-15, 03:47 AM, عبد العزيز عثمان سام
- مفكرة لندن (3): في رحاب جمال الوالي بقلم مصطفى عبد العزيز البطل 05-21-15, 03:45 AM, مصطفى عبد العزيز البطل
- لعنة الفطور والصلاة الغآئبة بقلم هلال زاهر الساداتي 05-21-15, 03:42 AM, هلال زاهر الساداتى
- (رأس المال جبان) بقلم الطاهر ساتي 05-21-15, 03:38 AM, الطاهر ساتي
|
|
|
|
|
|