|
مراجعات في مفهوم الجهاد والقتال والتنازع بقلم السفير عبدالله عمر
|
02:05 AM May, 11 2015 سودانيز اون لاين السفير عبدالله عمر- مكتبتى فى سودانيزاونلاين
بسم الله الرحمن الرحيم محاضرة قدمها السفيرعبدالله عمر في منتدى الحكمة بوكالة سونا للانباء بتاريخ 22أبريل2015 **الجهاد: **هو إعداد المسلم لمجمل كافة طاقاته وقدراته، ومن ثم تطويعها في سبيل إستعمالها في حفظ ونشر دعوته،مبادئا وفكرا: قولا ومحاججة بالعقل والحكمة، ودخولا لوجدان الآخر بالموعظة الحسنة، وتدافعا في كافة مجالات التنافس والتدافع بين البشر، والتي ربما إقتضت قتالا، بأسبابه. - فهو بمثابة إعداد القدرات والطاقات إستعدادا لإمتحان؛ إعدادا ثم تحملا ومغالبة ومن ثمّ تعاملا مع نتائجه من بعد. * فالمعني والمستهدف بالجهاد هو المسلم وليس الطرف الآخر... كما أن المعني بإلأستذكار قبل الإمتحان والتذكر في أثناءه وتحمل النتيجة هو الطالب وليس مادة الإمتحان. - فالجهاد جهد وإعداد وتحمل معنوي بنية انه في سبيل الله: "اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله".. " ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين".. "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا".. "تؤمنون بالله وتجاهدون في سبيله".."وجاهدوا في الله حق جهاده".. "إن الذين تولوا منكم يوم إلتقى الجمعان إنما إستزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا". (للوقوف على مجمل الآيات أنظر الملحق) * فالآيات التي يرد فيها الجهاد لا تشير إلى مفعول به مباشر إلا في ثلاث منها: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم".. "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا". "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم".. * ويبدو من روح صياغة الآيات أنها تشيرإلى مجاهدة وتدافع دون القتال، أي بالفكر والحجة وإستخدام السلاح المعنوي. ***
**القتـال * هو إحدى أليات حسم التدافع بين العباد تحقيقا لسنة: "وتلك الأيام نداولها بين الناس". - والمسلمون كغيرهم من الأمم يمارسون القتال ويلجأون إليه بمقتضى الحال. - فالقرآن يشيرإلى القتال بحسب مقتضيات الظرف.. سواء ورد ذلك عن القتال بين عباده عامة أو عن مواجهة الرسول للواقع وتعامله معه. * وتشير آيات القرآن الواردة عن القتال إلى الآتي: - القتال والدخول في معارك تزهق فيها الأرواح هو من مهام الدولة؛ تقديرا للموقف، وإستعدادا لتحمل النتائج المترتبة، ومعالجاتها سواء على المستوى الداخلي أو مع الطرف المحارب قبل وأثناء وبعد نهاية المعركة. - ونلاحظ أن المخاطبة في أمر القتال تأتي في القرآن بصيغة الجمع."قاتلوا" - فالأفراد والجماعات غير مسموح لهم بتولي هذا الجانب من مجالات التدافع بين البشر المتمثلين أمما. - أما إستهداف الأفراد بالقتل أو الأذي، فهو أمر منهي عنه إبتداء وأصلا، لا يرضاه الله لعباده. "ولا تعتدوا.. إن الله لا يحب المعتدين" * فليس الأمر كما صار البعض يردد: " أنا ماشي أجاهد في الكفار"! - إنما الأمر أن المسلم يجاهد نفسه ليصير مؤهلا للصبر على شهوات نفسه.. حتى يحقق قول الله عز وجل: " ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاءَ الناس" *فالقرآن يحكي عن أولئك الذين كانوا يتململون في مكة مطالبين بإستهداف كفار قريش أفرادا، كما هم يستهدفون المؤمنين..ولكن عندما كتب القتال المنظم بتدابيره وصبره كان شأنهم أن تقاعسوا: "ألم ترى إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة.. فلما كتب عليهم القتال؛ إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية.. وقالوا ربنا لما كتبت علينا القتال.. لولا أخرتنا إلى أجل قريب!". - ولعل خواتيم سورة "الأنفال" تشير إلى أن الافراد المعنيين إبتداء ودوما بحماية الدولة إنما هم أولئك الداخلين ضمن رعاياها، واجبات وحقوقا.. أما الذين هم خارجها، وإن شاركوا تلك الدولة معتقدا وتوجها؛ فإن نصرة الدولة لهم ليست مطلقة ودائمة.. وإنما هي خاضعة لتقدير الدولة لموقفها في علاقاتها مع الآخرين ومن بينها العهود والمواثيق: "إن الئين أمنوا والذين هاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذين أووا ونصروا،أولئك بعضهم أولياء بعض.. والذين أمنوا ولم يهاجروا، ما لكم من ولايتهم من شيء، حتى يهاجروا.. وإن إستنصروكم في الدين فعليكم النصر،إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق". *فالقتال المنظم لدولة الرسول محمد (ص) تحت إمرة القيادة جاء بمقتضياته المنطقية التي يمكن أن يحتج بها المسلمون أمام العالم إلى يوم الدين: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا.. وإن الله على نصرهم لقدير" - وما أذن القرآن للمسلمين بالقتال إلا بعد أن تولى الرسول (ًص) ولاية حكم يثرب بإختيار ودعوة من أهلها الأوس والخزج. - فقبلها بشرط: أن يرضىوا ويبايعوا على ربط مصيرسكان يثرب بهدف رسالته المتمثل في رجوع مكة محررة بكعبتها رمزا لتوحيد الله في الأرض. - ومن ثم كان الخيار للأفراد والمجموعات التي كانت تسكن المدينة يثرب أن أصبحوا مواطنين ولاءهم لتلك الدولة، بتلك الصفة والمصير الذي صار ت إليه؛ حينما إختارت بإرادتها أن يكون حاكمها هو محمد النبي الرسول. - فكان القتال فرضا واقعا على مواطني دولة المدينة يثرب، سواء دفاعا عنها أو إندفاعا خارجها، إذا ما أقتضى الحال ذلك،في سبيل الهدف الذي يسعى إليه الرسول محمد..حاكم دولة المدينة يثرب. - فدولة المدينة في يثرب كان قدرها أن صارت إلى دولة نبوة، برضى وإختيار أهلها: فتمثلت فيها النبوة بأن"لا إكراه في الدين".. وتجسدت فيها الدولة بمهامها الداخلية ومهمتها الخارجية نحو مكة، بحكم الأمر الرسالي الإلهي المناط بحاكمها.. فكانت مستجيبة لضرورات التدافع بحسب ما يقتضيه الحال، ومنها القتال دفاعا وإندفاعا. - لذلك نجد أن القرآن يطلب من أهل المدينة يثرب جميعا أن يؤدوا واجب المواطنة، بغض النظر عن إيمانهم من عدمه بما جاء به الرسول النبي حاكم دولة المدينة: "ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله".. وذلك على الرغم من وصف القرآن لبعض أولئك بـ: "وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق" * والنظر في سورالقرآن وآياته، وما حكاه التاريخ عن المعارك التي دخلتها دولة المدينة، بقيادة حاكمها النبي الرسول محمد؛ يجد أنها لم تأت أمرا من القرآن إبتداء بالقتال؛ وكأنما القتال واحد من الأجندة المقدسة أو كأنه من العبادات اليومية والموسمية. * ولكن يتضح ويتبين لنا أن كل معركة كانت بأسبابها وملابساتها، كتلك التي تستدعي دخول أي دولة سوية كانت فيها، بغض النظرعن توجهها العقدي. - فمعركة "بدر" نجدها في سورة "الأنفال" بملابساتها السياسية واإقتصادية والإجتماعية،التي أدت إليها. ثم حركة كل من الفريقين متمثلين في دولة المدينة يثرب ودولة "المشركين" في مكة...ومن وراء كل ذلك تدبير يد الخالق: "وما رميت إد رميت...ولكن ألله رمى".. "إذ أنتم بالعدوة الدنيا... وهم بالعدوة القصوى.. ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد".. " ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا" - ولئن كانت سورة الأنفال قد كشفت للمسلمين ولسكان دولة المدينة يثرب وغيرهم ما كان يجري وراء الكواليس..والتي تبينت واقعا لمن حضر وشهد. - ولكن تلك اليد كانت ولا زالت هي في الواقع وراء تقرير مصير كل معركة بين الخلق إلى يوم الدين: - فالقرآن قد سمي إنتصار الروم على الفرس "نصر الله": "غلبت الروم في أدنى الأرض.. وهم من بعد غلبهم سيغلبون.. يومئذ يفرح المؤمنين بنصر الله.. ينصر من يشاء". - وأولئك "الروم" الذين فرح المؤمنون بإنتصارهم لما إعتبروه "نصر الله"، وذلك بالنظر إلى القياس الجزئي المرحلي.. هم أنفسهم "الروم" الذين كان في إنتصار دولة المسلمين عليهم فيما بعد أيضا "نصر الله" بمنظور القياس الكلي "إذا جاء نصر الله والفتح". - فهو ينصر من يشاء، وقتما يشاء وكيفما يشاء، تثبيتا لجذور الحق إلى يوم يزهر ويعم الأرض جميعا.. "فأما الزبد فيذهب حفاء.. وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. - وقد يتمثل تدخل يد الغيب ظاهرا في بعض الأحيان في سنة: "بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد". * وجاءت سورة "آل عمران" بأكملها مفصلة عن معركة (أحد)، بملابساتها وسيرها ومواقف مواطني المدينة يثرب من المعركة، قبلها وفي أثناءها، ثم من بعد إنفضاضها. * وجاءت سورة "التوبة" عن وقائع ما بعد الحديبية وما قبل فتح مكة ثم معركة مؤتة... وكذا سورة الأحزاب وغيرها. * وتضمنت كل من سورة محمد"القتال" وسورة الحج إرهاصات الفتح الأكبر..لتحرير الكعبة ..محور رسالة النبي محمد(ص). - ففي هاتين السورتين،"محمد" والحج"، نجد مقدمات الإندفاع لتحرير الكعبة لربها..ويتمثل ذلك في سعي النبي ورعايا دولته المؤمنون عامة والمهاجرون خاصة "الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق" يسعون لإثبات حقهم في البيت الحرام بالذهاب للعمرة.. ثم سعي دولة المشركين لمنعهم وحرمانهم بوسائل من العنف والقوة؛ إذ رأت "دولة المشركين" في السماح بتلك العمرة نوعا ودلالة على إعتراف بدولة المدينة بحاكمها النبي الرسول محمد.. ثم ما ترتب على ذلك من إتفاق بين الطرفين على الهدنة وعهد الحديبية. * وجاءت سورة "الفتح" بالتفاصيل الدقيقة عن أوضاع الناس ومواقفهم داخل مكة وفي الجزيرة العربية، التي صارت مجموعاتها السكانية، بغض النظر عن إيمانها برسالة محمد من عدمه، صارت متقسمة دخولا في ذمة وتحالف إحدى الدولتين: "المدينة يثرب" و"دولة المشركين" في مكة، حتي تحقق تحريرها لاحقا بقيادة المهاجرين الذين أخرجوا منها. - فكانت الحجة القانونية الدولية، التي هيأها الغيب ظاهرا، والتي أتاحت لدولة المدينة يثرب فتح مكة؛هو نقض قريش إتفاق الحديبية؛ بمهاجمتها قبيلة،ليست من المسلمين، ولكنها كانت ضمن حلفاء دولة المدينة. **وبعد فتح مكة، نجد أن أوضاع الواقع قد تحورت وتبلورت إلى أن مجموعات سكانية في الجزيرة العربية قد صارت تحت ولاية وحماية دولة المدينة..ومن ثم نجد أن ذلك الواقع الجيو- سياسي (جيوبوليتيك) هو الذي ساق دولة المدينة إلى الدخول في معارك مع إمبراطورية الفرس شرقا ومع الروم غربا. - ومن ثمّ كان الإندياح التلقائي والتأثير الإجتماعي والدخول الطوعي في دين الله أفواجا.. مما يجعل المؤرخين، حينما يبحثون في تاريخ إمبراطورية الإسلام، يجدون أن الحكم قد ظل في يد أهل البلاد المفتوحة أنفسهم، ولكن صاروا يسمون مسلمين..وبقيت وظلت النظم السياسية والإجتماعية والثقافية لتلك الشعوب لم تتغير كثيرا..بل أنه في كثير من تلك المناطق قد تم إحتواء ودمج نظم الإسلام وربما عباداته في عادات وثقافات تلك الشعوب. ** لقد كان ما سبق سرده هو قدر مسيرة دعوة الرسول محمد(ص) لتحرير مكة بكعبتها، أول بيت وضع للناس،رمزا ودلالة على توحيد الخالق سبحانه في الأرض. - فقد بدأ دعوته طامعا أن يستجيب له الأقربون، أهل مكة، بإصلاح شأن دينهم بأن "يعبدوا رب هذا البيت"؛ وذلك برد البيت رمزا وعبادة لصاحبه الخالق عز وجل.. متحررا وخارجا عن الإستغلال السياسي والإقتصادي لأيًّما فئة كانت في سبيل دعم موقفها في معركة التدافع بين البشر،والتى هي قائمة إلى يوم الدين، ما دام ذلكما العنصران الدافعان، السياسي والإقتصادي، وغيرهما من أسباب البقاء والرفاه والسيطرة قائمة. - ثم هاجر النبي محمد (ص) إلى المدينة يثرب، حاكما لها بسلطان النبوة وهدف تحرير البيت الحرام ورده لصاحبه..وما إقتضاه ذلك بحكم طبيعة الأشياء وسنن الخالق فيها؛ من مدافعة لدولة النبوة مع "دولة الشرك"على كافة الأصعدة والمجالات، عقديا وسياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وتسابقا على التواصل مع العالم الخارجي وعقد الأحلاف. - وشهدت دولته حروبا وقتالا فرضت عليها.. فواجهتها بمجاهدة النفس والعقل والجسد حتى وقفت ندا،مفاوضا،مهادنا،معاهدا، ومن ثم مستردا بيت الله الحرام من "دولة المشركين" - وما كان النبي محمد (ص) في ذلك بدعا من الرسل؛ فقد أسس النبي موسى دولته بعد هجرته من مصر وتحقق فيهم قول تعالى: "ونجعلهم أئمة".. كما أن أتباع عيسى المسيح "أصبحوا ظاهرين" في أمبراطورية الرومان.. فلاحقهم وشردهم تحالف السلطة السياسية الرومانية والدينية اليهودية، ثم تم إحتواء المسيحية وإتباعها عقديا وسياسيا في عقيدة الثالوث. * لقد حقق النبي محمد(ص) غاية رسالته بتحرير البيت الحرام، وذلك من خلال سنة مدافعة الدول فيما بينها..وبلغ رسالته الأخلاقية، مبثوثة في ثنايا إدارته لدولته عدلا وتكافلا، وتعاملا مع الآخر خارجا، توافقا وتعاونا على المعروف، وإنصافا إذا وقع الإختلاف. * أما ما صار إليه الأمر بعد في دولة المدينة يثرب، سواء على مستوى التنازع حول الملك، أو ما حققته من إمتداد بجهد سكانها المسلمين، ومن بعدهم على يد أولئك الذين دخلوا في دين الله أفواجا..فتلك الدولة،وما توالد من وراءها من دول للمسلمين، فإنما شأنها كشأن كل دولة يتنازع الناس من سكانها بداخلها ويتدافعون مع الأمم الأخرى خارجها بسنة "تلك الأيام نداولها بين الناس". - فالمسلمون، ماضيا وحاضرا؛ إنما شأنهم كشأن غيرهم من خلق الله وأممه في الأرض.. تنصلح شئونهم بقدر ما يقومون به من مجاهدة يريهم بها ربهم سبل النجاح.. تماما كما يمنح غيرهم من خلقه إستبصار دروب وتدابير نظم سياسية وإقتصادية وإجتماعية، تقلل أسباب تناحر وتقاتل الأمة بين أفرادها.. والمسلمون أفرادا وأمة يسهمون مع عباد الله في تبني نظم للتوافق حول ما هومعرف كما جاءت رسالة نبيهم (ص) "يإمرهم بالمغروف وينهاهم عن المنكر" *** ** التنازع داخل مجتمعات المسلمين: * لقد كان للقراءة التي قرئت بها آيات سورة "التوبة - براءة"، وغيرها من الآيات، من قبل الأستاد سيد قطب والشيخ أبوالأعلى المودودي، في ستينيات القرن الماضي؛ أثرها في بروز ظاهرة التكفير والهجرة، والتي تكاد تعصف بما تبقى من الهياكل السياسية للمسلمين بل كياناتهم البشرية. - فربما كان القمع الذي واجه به النظام السياسي الحاكم الحركة الإسلامية في مصرأثره على المفكر سيد قطب. كما لا يمكن تجاوز درجة المثالية لشخصية الأديب في قراءته للنصوص وتأوليها ومن ثم صياغة تلك القناعات. - ولعل العالم الشيخ المودودي كان إبن بيئته؛ حيث الأديان، تاريخيا هي إستقطاب وتفرقة طائفية.. ذلك إلى جانب ما كان ينتظره مسلمو باكستان، حينما إنفصلوا عن شبه القارة الهندية، بحجة أنهم مسلمون، وما توقعهوا من دولة قائمة على نظم الإسلام، كما تصورها بمثالية..ثم فوجئوا بواقع سيطرت عليه السياسة..وربما يكون للمستوى اللغوي لترجمة نصوص القرآن والأحاديث والسيرة، ثم من بعد ذلك كتابات المودودي نفسه من وإلى لغة العرب، بعض تأثير أيضا. * فقد قرئت تلك آيات وفسرت على أنها أحكام نهائية في التعامل مع "الكفر والشرك"، من حيث المبدأ، بالمفاصلة، بحكم ما ورد في السورة من أن: "براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين". * ولكن بالنظر إلى آيات سورة التوبة؛ نجد أنها قد عالجت وضعا معينا بين دولة يثرب في المدينة ودولة المشركين في مكة. - فسورة التوبة "براءة" نزلت كبقية السور التي عالجت المعارك الأخرى من "بدر" و"أحد" و"الأحزاب"..فعالجت الوضع الذي صارت إليه دولة المدينة يثرب في علاقتها مع "دولة المشركين" في مكة، وغيرهم من القبائل المعادية لها في الجزيرة العربية،وذلك عقب التطورات التيصارت إليها الأوضاع ،حينما بلغت دولة المدينة مستوى الندية مع "دولة المشركين" في مكة.. فكانت الهدنة والعهود والتي نقضتها هذه الأخيرة. - فآيات سور "التوبة" لم تتناول مسألة "الشرك والكفر" كعنصر للمفاصلة بين البشر، الذين شاء خالقهم أن يكونوا مختلفين في الدنيا، حتى يفصل بينهم يوم القيامة: "ولو شاء ربك لهدى الناس جميعا.. ولا يزالون مختلفين".. "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض".. "أن الذين أمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا، إن االله يفصل بينهم يوم القيامة". - كما أن آيات سورةالتوبة والقرآن عامة لا تتناول العلاقة مع المشركين الأفراد..بل تنادي سورة التوبة وغيرها بأن: " وإن أحد من المشركين إستجارك فآجره حتى يسمع كلام الله..ثم أبلغه مأمنه".."لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم، أن تبروهم وتقسطوا إليهم" - ولعلنا نلاحظ أن آآيات القرآن تورد "المشركين" و"الكفار" بصيغة الجمع وكإسم علم مقصود..وهم مشركو وكفار مكة، الذين إستولوا على بيت الله في مكة، وفرضوا شكل تعبدهم؛ وسيلة للتحكم في العباد..الذين جعل الله لهم "البيت حرما آمنا". - كما نجد القرآن يطلق ذك الإسم العلم "المشركين والكافرين" بتلك الصيغة، حينما يتناول علاقة التنازع مع جماعات ناوءت دولة الإيمان في المدينة يثرب بالعداء العملي المنظم.. سواء كان من داخلها، كما تمثل ذلك في المنافقين واليهود، أو من خارجها، كما تمثل في المعادين أو المنافقين ممن حولها من القبائل. وقد تعامل القرآن، ومن ثم دولة المدينة يثرب، مع تلك الجماعات بمقتضى موقف كل منها العملي، ثابتا كان أو متحركا متبدلاَ. ولم تؤسس العلاقة أو التعامل والمعاملة مع تلك المجموعات على أساس موقف عقدي إيماني من دولة المدينة. وحينما ننظر إلى ما أورده القرآن من صيغ متنوعة متبدلة بمقتضى الحال،حينما جاء توجيهه في التعامل مع المنافقين من الأفراد والمجموعات القبلية في الجزيرة العربية التي كانت تحارب وتعتدي على دولة المدينة، نجد تراوحا في المعاملة بمقتضى الحال كما جاء في آيات سورة النساء(88 -91) هكذا: "فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا..".."فلا تتخذوا منهم اولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا، فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا".."إلا الذين غلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم؛ أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم..ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم.. فإن إعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا إليكم السلم، فما جعل الله لكم عليهم سبيلا".."ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم..كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها..فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم، فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم..واولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا". *وربما يستند البعض إلى آيات مثل: "أقتلوا المشركين حيث وجدتموهم".. "واقتلوهم حيث ثقفتموهم".. "وقاتلوا المشركين كافة".. "وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد".. "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله" - فهذه الآيات إنما تعالج الواقع الذي أشرنا إليه متمثلا في علاقة "دولة المدينة" مع "دولة المشركين" في مكة وحلفاءها، الذين كانت إستراتجيتهم المعلنة هي: "أقتلوا أتباع محمد، حيث وجدتموهم". - إذ أن الجزيرة العربية كانت قد صارت ساحة معركة مفتوحة بين "دولة المدينة" في يثرب و"دولة المشركين" في مكة.فتلك الآيات تقرأ في إطار: "قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" - ولا يفهم من ذلك أن الأفراد من المسلمين كانوا يتصرفون، تنفيذا لتلك الآيات أعلاه، دونما توجيهات ورجوع للقيادة قبل وبعد..ولعل آيات في سورة النساء تعالج تلكم الأوضاع السالبة التي كانت تقع من الأعراب المتفلتبن: "ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا.. تبتغون عرض الحياة الدنيا..كذلك كنتم من قبل..فمن الله عليكم..فتبينوا". * ولعل المطلوب في شأن القتال والتعامل مع الآخر إنما هو قراءة شاملة متكاملة لمجمل القران؛ ربطا للآيات ببعضها البعض..وليس قراءة كل آية قائمة بذاتها أو إنتزاع جزء من آية إنتزاعا. - لقد كان المعيار الذي إعتمده كل من سيد قطب وأبوالأعلى المودودي المتمثل في أن "من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" "....الفاسقون"..."...الظالمون". وما يتر تب على ذلك من التعامل مع كل من أنطبق عليه ذلك المعيار بمنظور"أبيض أو أسود"؛ سواء أن كان ذلك نظاما سياسيا أو مجتمعا راضيا بذلك.. كان له أثره في ظهور تيار التكفير والهجرة؛ حينما تم إسقاط ذلك المعيار على المجتمعات المسلمة ونظمها السياسية، وذلك وفقا لتقدير وقياس أي فرد أو جماعة لما يراه أو تراه من درجة قرب وتطابق أو مفارقة لما أنزل الله، جزئيا أوكليا. - وربما لم يكن ذلك الفهم والتأويل الذي قرأت وفهمت به كتابات، كل من سيد قطب والمودودي، وما ترتب عليها، هو ما قصد إليه الرجلان.. ولكن لا يمكن تجاوز أثر روح المرارة أو الصياغة الأدبية والتحميس التي صدرت بها كتابتهما. - والواقع أن جذور هذا التوجه وآثاره إنما ترجع إلى فترة الثورة على الخليفة عثمان إبن عفان رضي الله عنه، ثم من بعده..حين صارت كل فئة، في سبيل دعم موقفها السياسي، تدعي أن ما عندها هو الحق، وأن الآخر على باطل بإطلاق. - كما كان للحركات الإسلامية الحديثة بقياداتها المتعلمة، دورا وسهما في ذلك التوجه.. وذلك حينما إلتقطت قفاز حكم الشريعة... فربما وجدت الجماعات السياسية الأخرى بقياداتها التقليدية، أو تلك التي أُطلق عليها مسمى علمانية، وجدت نفسها مجردة من ميزة الإستفادة من تبني ذلك الشعار..إذ أن مقياس ما هو شريعة وما ليس كذلك صارت هي تلك الحركات الإسلامية الحديثة. - كما أن الحركات الإسلامية لم تكن مركزية في مدى إلزامية ووحدة تبنى المنضمين إليها للأفكار والتوجهات..إنما كان الإنتماء إليها بالحد الأدنى من الإلتفاف الفكري العريض حول الشعار.. فكان المجال مفتوحا لأفرادها أن يتبنوا، أو قل ، أن يكونوا معرضين للإستقطاب لكل أطروحة أو توجه يرونه أو يظنونه محققا لذلك الشعار. - كل ذلك في ظل إنعدام تأسيس مفاهيم مشتركة للحركات الإسلامية، والتي كانت تركز على ما تسميه "التربية" متبوعة بقراءات فكرية عامة، بظن أنها وحدها فقط كافية لتأهيل الفرد..وربما في بعض الأحيان لما تحققه من طاعة الفرد للقيادة دونما سؤال. - ولكن تلك الحركات ربما لم تنتبه إلى أن تلكما التربية والقراءة التثقفيية المفتوحة دونما منهج، ستكون وراء ذإستجابة الأفراد، وبخاصة الشباب، لكل نداء بما يرونه جهادا ضد "الكفر" و"الظلم" و"الفسوق"، وذلك دونما فقه يعين على التمييز والتفريق. *وكان للمدرسة السلفية أثرها وإسهامها؛ وذلك بإستسهال شيوخها تقسيم ووصف التعاملات بأسلوب "أبيض أو أسود" حراما أوحلالا.. ودمغ الأفراد في داخل المجتمع المسلم بالخروج على تعاليم الإسلام وفقا لذلك المقياس..ووصف الآخرين من غير المسلمين، أفرادا وأمما، بالكفر وتمييزههم والتبرأ منهم . * والواقع الذي نشهده ونعيشه اليوم، ويكاد أن يعصف بكيان الشعوب الإسلامية، إنما يتمثل في أن التنازع حول إمتلاك سلطة ونظام الحكم بين المجموعت؛ والذي صار إلى أن تبادر إحدى الفئتين إلى تبني شعار "أنها تجاهد في سبيل الله"..وبالتالي فالطرف الآخر هو باغي ومصيره إلى النار. *ولكن،إعتمادا على التجارب العملية تاريخا وواقعا، فإن كلا الطرفين؛ عندما يحل مكان ذاك الآخر نجده يمتلك ناصية السلطة وينفرد بها؛ بما يظنه بنفسه أنه "المؤهل"و"المقتدر" على تحديد وتنفيذ ما هو"حكم الله".. وربما أدخل ذلك الأمة في دورة أخرى من الظلم ومفارقة لسبيل الله..ومن ثمّ يفتح المجال لظهور جماعة ترمي اولئك الحاكمين الجدد بأنهم لايحكمون بما أنزل الله وتجب محاربتهم وقتالهم "جهادا في سبيل الله"! *ولكن لو أننا رددنا الامر تحليلا وعلاجا إلى جذوره بسبيل: " إرتدا على أثارهما قصصا"، ربما وجدنا أن علة الأمة إنما هي متمثلة في كلا الطرفين المتنازعين جميعا، أينما ومتى ما وقع النزاع. * إذ أن الأمة جميعا لم تستبين بعد سبيل ووسائل تحقيق العدل سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا، وصولا لكيان متماسك بتضامن أفراده في داخله حول مصلحة مشتركة، ومن ثمّ قوة في التعامل بندية مع العالم خارجه. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
** ملحق الآيات: - "والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله" (218 البقرة) – "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" (142 آل عمران) – "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرروالمجاهدون في سبيل الله.. فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة..."(95 النساء) – "اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله" (35 المائدة) – "وأقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم..."(53 المائدة) – "يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم" (54 المائدة) – "إن الذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين أووا ونصروا اولئك..."(72 الأنفال) – "والذين أمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين أووا ونصرواونصروا أولئك هم المؤمنون حقا"(74 الأنفال) – "والذين أمنو من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم" (75 الأنفال) – "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصاابرين"(16التوبة) – "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله..."(19 التوبة) – "الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله" (20 التوبة) – "قل إن كان أباؤكم....أحب إليكم .....وجهاد في سبيله..."(24 التوبة) – "انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله..."(41 التوبة) – "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم"( 72 التوبة) – "لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا ..."(81 التوبة) – "فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا...""(81 التوبة) - وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله،إستأذنك أولوا الطول منهم..."(86 التوبة) – "لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم" (88 التوبة) - "ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم" (110 النحل) – "ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين"(6 العنكبوت) – "وإن جاهداك على أن تشرك ..."(8 العنكبوت) – "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" ( 69 العنكبوت) - "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا" (52 الفرقان) –"إنما المؤمنون الذين أمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوابأموالهم..."(15 الحجرات) – "تؤمنون بالله وتجاهدون في سبيل الله"(11 الصف) – "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم..."(9 التحريم) – "وجاهدوا في الله حق جهاده..."(78 الحج) – "إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وإبتغاء مرضاتي"(1 الممتحنة) – "ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم ونبلوا أخباركم"(31 محمد) ***
مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب
- اللولايا رواية بالدارجية السودانية الفصيحة حكاية ديك السُرَّة بت يعقوب عبدالله عمر 04-02-15, 05:20 PM, السفير عبدالله عمر
- عطاءات زواج ودعثمان بقلم السفير عبدالله عمر 03-20-15, 05:54 AM, السفير عبدالله عمر
- اللولاية ديك السُرَّة بت يعقوب (17) بقلم عبدالله عمر 02-22-15, 03:23 PM, السفير عبدالله عمر
- اللولاية ديك السُرَّة بت يعقوب بقلم السفير عبدالله عمر 02-01-15, 07:33 PM, السفير عبدالله عمر
- اللولاية حكاية ديك السُرَّة بت يعقوب بقلم عبدالله عمر 01-26-15, 04:25 AM, السفير عبدالله عمر
- إعادة قراءة في فواصل تاريخ السودان...ثورة 24 السفير عبدالله عمر 02-03-14, 04:22 PM, السفير عبدالله عمر
- إضاءة على خلفية فواصل في تاريخ السودان إعادة قراءة لأسباب غزو"محمد على باشا" للسودان* السفير عبدال 01-13-14, 04:39 PM, السفير عبدالله عمر
|
|
|
|
|
|