أقول للقوى السياسية جميعها ونحن نودع أياماً مباركات هي الأجدر بأن تبذل فيها أقصى الطاقة ويستنفد فيها غاية الوسع في سبيل جني ريعها الوفير تقرباً إلى الله القدير، أقول إننا نحتاج إلى أن نخضع قراراتنا السياسية جميعها إلى المراجعة المستمرة، فالقرار الصحيح الذي نتخذه اليوم بحيثيات صحيحة -أكرر بحيثيات صحيحة - قد تكشف لنا الأيام في وقت لاحق، مع متغيرات المشهد السياسي، أنه كان خطأ فادحاً. أقول هذا بين يدي قرارات المؤتمر الشعبي بقيادة المرحوم بإذن الله الدكتور حسن الترابي والتي اتخذها خلال السنة الأخيرة من عمره بالصبر على الحوار الوطني والتسامي على المرارات الشخصية وإعمال قيم التضحية والفداء في سبيل تحقيق الأهداف الكبرى بالرغم (الخرمجة) التي ارتكبها المؤتمر الوطني حين خرق خارطة الطريق التي تواثقت عليها القوى السياسية حكومة ومعارضة قبل الانتخابات الأخيرة. أحكي لكم القصة فأقول إن المؤتمر الشعبي كان جزءاً من قوى المعارضة التي اتفقت مع الحكومة خلال مداولات الحوار الوطني على خارطة طريق من شأنها أن تنقل السودان إلى مربع جديد عبر مسار ديمقراطي يُنهي حالة الاحتقان والانسداد السياسي ويوقف الحرب ويحقق التراضي الوطني بين جميع القوى السياسية عبر فترة انتقالية يعقبها انتخابات شفافة تؤمن للمعارضة خلالها المشاركة فيها على قدم المساواة مع الحزب الحاكم. ما تم الاتفاق عليه مع الحزب الحاكم أن يهيأ المناخ للانتخابات بل للفترة الانتقالية بما يقنع المعارضة والحركات المسلحة لإلقاء السلاح والدخول في حلبة المنافسة عبر صندوق الانتخابات وذلك من خلال إطلاق الحريات السياسية وحرية التعبير وإطلاق سراح المعتقلين والتوافق حول قانون الانتخابات واختيار أعضاء مفوضية الانتخابات. للأسف الشديد فقد مضت الحكومة رغم ذلك الاتفاق إلى إجراء الانتخابات بعد إجازة القانون واختيار أعضاء المفوضية بدون استشارة المعارضة ولم تطلق الحريات السياسية وحرية التعبير وفقاً لخارطة الطريق. قامت المعارضة المشاركة في الحوار والتي صاغت مع الحكومة وأحزابها خارطة الطريق، وكنا نحن في "منبر السلام العادل" من بين تلك الأحزاب، بالانسحاب من الحوار ولكن المؤتمر الشعبي تسامى على جراحاته وما تعرض له شيخه وقياداته من سجون وتضييق وواصل الحوار.. غضبنا عليه غضباً شديداً وجرمناه لموقفه الذي خرج به علينا ورجمناه مذكرينه بموقفه القديم قبل أكثر من (15) عاماً حول الحريات والذي أدى إلى المفاصلة التي شقت صف الإسلاميين وأضعفت الدولة ومشروعها الإسلامي. لم أدرك مغزى إصرار الشعبي على مواصلة الحوار رغم تناقضه مع موقفه القديم إلا بعد أن اطلعت على الأوراق التي قدمها لمؤتمر الحوار خاصة ورقتي قضايا الحكم والحريات واللتين حظيتا بإجماع المحاورين من مختلف القوى السياسية بما فيها المؤتمر الوطني الحاكم الذي لم يتحفظ إلا على نقاط قليلة كان الرأي الغالب فيها مسانداً لورقة المؤتمر الشعبي ومن تلك النقاط دور جهاز الأمن وما إذا كان يحق له أن يتجاوز مهمة تزويد السلطة التنفيذية بالمعلومات إلى أن يكون له دور تنفيذي مستقل، فقد كان الرأي الغالب أن يعود الجهاز إلى دوره القديم كمزود للمعلومات فقط. أكثر ما أثارني وأدخلني في مراجعات لا أزال أسيراً لها سؤال من الأخ المسلمي الكباشي مدير مكتب قناة الجزيرة الفضائية بالخرطوم: "ماذا كان سيحدث لو صبرتم وبعض الأحزاب الأخرى المنسحبة من الحوار رغم عجره وبجره وخروقاته كما فعل الشعبي؟ أما كان ذلك أفضل لدعم أوراق الشعبي التي تتفقون على معظم بنودها وموادها؟". أقول إن موقف الترابي زاده رفعة ومكانة في نفسي فقد علمني درساً لن أنساه في إعمال قيمة العفو والصفح، مقدماً مثالاً في الصبر على الأذى والتسامي على حظوظ النفس الأمارة بالسوء وتجاوز المرارات الشخصية في سبيل القيم العليا. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة