|
مذكرة العشرة... مذكرة العشرة الآف
|
بسم الله الرحمن الرحيم مذكرة العشرة... مذكرة العشرة الآف العبرة بمنهج الإصلاح لا عدد المصلحين حملت أخبار الخرطوم أن مجموعة من الإسلاميين رفعت مذكرة لرئيس الجمهورية بصفته رئيسا لحزب الحكومة تنتقد فيها طريقة الأداء والتعاطي مع عدد من القضايا الوطنية الملّحة أبرزها أزمة دارفور والإتفاق مع الحركة الشعبية، وطريقة التعامل غير القانوني مع المؤتمر الشعبي، وأبرزت صحيفتا الحياة والشرق الأوسط اللندنيتين مصدرين لخبرهما بتاريخ الأحد 05.08.04 هما الدكتور الطيب زين العابدين الأستاذ الجامعي، وعبدالله بدري الأمين السابق لحزب المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم، حيث نقلت الصحيفتان عن الدكتور الطيب زين العابدين أن المجموعة بدأت صغيرة وتطورت لتضم وزراء ومسئولين كبار في الحكومة لمعالجة الأوضاع التي تشبه تلك التي سبقت أجواء العام 1999 التي قادت إلى إنشقاق الحزب وخروج المؤتمر الشعبي ،في إشارة إلى أن المذكرة الحالية تشبه مذكرة العشرة في ديسمبر 1998 والتي قال عنها قيادي في المؤتمر الوطني حسب الشرق الأوسط " انها جيرت لصالح مجموعة" . وقد عددت الشرق الأوسط على لسان الدكتور الطيب زين العابدين بعض أسماء المجموعة كامثال الدكتور غازي صلاح الدين مستشار السلام السابق والطيب مصطفى وزير الدولة بوزارة الإتصالات والدكتور حسن مكي ومحمد يوسف محمد وأحمد عبدالرحمن محمد أمين مجلس الصداقة الشعبية . والخبر في مجمله خير لأنه على الأقل يدل على أنه لا يزال بين "الإسلاميين" أصوات يمكن أن ترتفع، ولكن ليس للخبر أكثر من ذلك لجهة التأثير على الأحداث في السودان، لأسباب عدة أهمها أن المجموعة ليست الأولى فقبل أن ينفّض سامر الإسلاميين عن الإنقاذ – ولا أقصد الإنشقاق الأخير – سعت مجموعات مشابهة لتحقيق ذات الأهداف وأول هذه المجموعات كانت مجموعة القيادات الوسيطة أوائل التسعينات وأعني 1991، 1992من بينهم التجاني سينين فك الله أسره وجبريل النيل ، وعباس علي السيد وابراهيم كرتي وأخرين ، وكان حظها التشريد والتشتيت وتفرق دمها بين المحافظات البعيدة ووزارات الولايات ولا يزال بعض شخوصها حاضرين في كل محاولات الإصلاح ولكن غالبهم آثر الإبتعاد خاصة بعد " الفتنة" الأخيرة إلتزاما بأن "الجالس فيها خير من الواقف" الذي يقرأ مبتورا منزوعا من سياقه بعيدا عن أحكام التحكيم الدولية {وإن طائفتان من المؤمنين إقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ...} ولا أقول أن الإسراف في فشل محاولات الإصلاح السابقة سبب كاف لتثبيط الهمم فالمؤمن مدعو إلى عدم اليأس من الإصلاح حتى حين يسرف في الخطايا على خاصة نفسه، ولكن ينبغي مراجعة منهج الإصلاح، وأول ذلك كما تقرأ الآية السابقة ان الشروع في الإصلاح يستلزم الإستعداد للخطوة التي تليه في حال فشله وهي نصرة المظلوم والتي قد تقتضي القتال وقد وصفه المولى تعالى بالمكروه {كتب عليكم القتال وهو كره لكم} ولكنه ذكّرنا بأن { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } وقد يسئل سائل وما الخير في قتال المؤمن؟!! ولكن سيدة كبيرة السن في معسكرات نازحي دارفور تعلم الكثير عن الخير الوفير في قتال المؤمن الباغي، فتقول وقد طلب إليها الرجوع إلى بلدتها التى أحرقتها الطائرات المشتراة بحر ّ مالها " يا ولدي انت كان ضبعة دخلت قفص الجداد واكلت منو والباقي شرد انت بتتطلع الضبعة أول ولا ترّجع الجداد داخل القفص عشان الضبعة تكمل الباقي" -وللخالة العتبى حتى ترضى نفسها المروّعة لتحريفي كلماتها القوية التي فقدت جرسها بالتحريف ولكن الغاية تقريب المعنى لبعض أهلنا الجلابة أولاد البحر-. وثاني الأمور في مراجعة منهج الإصلاح أن تُراجع الجهة التي تُرفع إليها مذكرات الإصلاح، فصحيح أن السيد الرئيس هو رأس الهرم التنفيذي اسما ولكن جميعنا يعلم أن الظرف والطريقة الإستثنائية التي أتت بالرئيس إلى هذا المنصب وإلتباس المنهج - عمدا – حول من يحكم، وكثرة إستغلال البعض ، الذين ترفع في مواجهتهم المذكرة الحالية ، لشخص الرئيس ومنصبه في صراعهم الذاتي ضد مجتمعهم ثم ضد خاصة جماعتهم قد جردت الرئيس من السند، ومن الخطأ المتعمد في فهمنا لرد الأمر إلى أولي الأمر أن نفهمه على أنه رأس الدولة دون أن نفهم أن ولي الأمر الذي يرد إليه النزاع هو المختار من الأمة بعقد مبايعة بين طرفين وعهد ولاء،بما يجعل الأمة فوقه أي أنه أدنى مراتب ولاية الأمر فإذا تقاعس هو عن فض النزاع أو عجز أو تنازع هو نفسه مع آخرين فإن ولى الأمر من بعد الله والرسول هو الأمة . إن الحديث عن الإصلاح دون إتخاذ ما يلزم من إستعداد هو نوع من الحرث في البحر، والقتال ورد في معرض الحديث عن الإصلاح لأنه قوة مادية قاهرة، ونفوس الباغين تردعها القوة المادية وبعيدا عن أضابير التاريخ وحكايا الأمم السالفة يقف واقعنا المعاش اليوم شاهدا على أن البغاة تسوقهم أسباب القوة المادية سوقا إلى سهل نيفاشا ليبصموا على أضعاف ما كانوا يتوهمون أنهم باذلوه ثمنا لبقائهم،وينسوا سيل الإتهامات لدكتور علي الحاج "مخترع " حق تقرير المصير !!! ذلك أن ماديتهم هي التي سولت لهم أنهم أقوياء بما يمتلكون من أسباب السلطان فانبهروا بها حتى إذا رأوا قوة أكبر ذُهلوا بها عن اسباب قوتهم فخضعت لها نفوسهم، وثابت أن الرسل أُرسلت إلى أقوامها بمعجزات مادية قاهرة فوق ما يتباهون به من أسباب الحياة الدنيا، كأن ينتق الله سبحانه وتعالى من الصخر الجامد ناقة ذات روح تمشي بين الناس الذين تفننوا في نحت الجبال وتصميمها بيوتا وبرعوا فيه وانبهرت أعينهم به حتى عميت أن ترى قوة الله وبراعته في الكون الأوسع، فلما عتوا عن أمر ربهم وعقروا الناقة ضيقا عن عجزهم مجاراة خلق الروح جاءتهم القوة القاهرة، أما رد الأمر إلى الأمة فليس إستنكافا عن رد الأمر إلى الرئيس البشير ولكن التجارب الحديثة اثبتت أن السيد الرئيس لم يحكم مطلقا قبل ديسمبر 1999 بحسب مقولته هو في بيان أسباب إعلان حالة الطوارئ الذي لم يكتبه هو أيضا ، وبعد ديسمبر 1999 بحسب رأي أهل المذكرة أنفسهم الذين يشتكون من إحتكار الأمر في أيدي جماعة صغيرة، إذن إذا كان الرئيس ليس هو ولي الأمر أو لا يستطيع القيام به فلم تكرار رد الأمر إلى من ليس بيده الحل والعقد؟!!، وما أعنيه هو أن المجموعة ينبغي أن تكون مستعدة إلى مد الأمر أبعد من مستوى القصر الجمهوري وأن تتخذ لها سيارات ذات دفع رباعي تصلح للسير على دروب وعرة في صحراء العمل السياسي الذي خلّفته تجربتنا الماحقة في دارفور، وفي تيجان الجنوب الوحلة بصراع الأفيال الذي دار بيننا والحركة الشعبية هناك . وبالعربي الفصيح لماذا لا ينطلق مستشار السلام السابق إلى مسارات التفاوض الحر مع الحركة الشعبية وهو أكثر طلاقة وحرية هذه المرة عنه في المرات السابقة ومعه نسيبه وصديقه الدكتور حسن مكي المسكون بقضايا القرن الأفريقي كله والباحث الأكاديمي المهتم بقضية الجنوب الدكتور الطيب زين العابدين، وقد لمسنا من الدكتور جون قرنق في لقاءنا الأخير معه في أسمرا منتصف يوليو الماضي إهتمامه بإحداث إختراقات فكرية جريئة وجديدة تمهد لعلاقة سوية للجنوب والشمال في ظل وطن واحد. كذلك لماذا لا ينطلق الأستاذ أحمد عبدالرحمن محمد أمين الصداقة الشعبية المعروف بعلاقاته الإجتماعية الواسعة التي لم يكن يضاهيه فيها سوى المرحوم الدكتور عمر نورالدائم، لماذا لا يطلق أحمد عبدالرحمن لعلاقاته العنان لتتوظف لصالح حوار وطني جاد وصادق مع أصدقاء الجبهة الوطنية القدامى ؟!! بلا وعود بالوزارات الزائلة وهو أدرى الناس بزوالها منذ زمن وزارة الداخلية . ينكر البعض أنه كان للحركة الإسلامية خطة سابقة للإنقاذ تضع مواقيت للتطور الدستوري على مستوى الدولة ليرد الأمر إلى وليه وهو الشعب ويعيد الحياة السياسية بضوابط وهوادي رشد الممارسة، والتطور التنظيمي على مستوى الحركة بما يفتح الأمر لعامة الناس من أن تحتكره جماعة الحركة تصدهم باسم سابقة الإنتساب على حساب سبق الكسب، وفي هذا لا أزال أذكر أن أولى الإجتماعات بعد خروج الشيخ الدكتور حسن الترابي من المعتقل عقب الإنقلاب قد ناقش فتح الأطر التنظيمية لتستوعب الوافدين الجدد من العسكر الذين كانوا مخفيين تدابير تقية حتى عن الأطر التنظيمية أو الوافدين الجدد من الذين هفت قلوبهم للمشروع المعلن فتجاوزوا ولاءاتهم القديمة وتقدموا نحو الحركة ذراعا وكان ينبغي للحركة أن تتقدم نحوهم أميالا، ولكن ذلك لم يكن رأي أناس لا يزالون يحسبون أنفسهم في قيادة الحركة إذ ما كاد الإجتماع ينفضّ حتى همس أحدهم في أذن جاره : أرايت صاحبك (يعني الشيخ ) خارج من السجن جاهز عاوز يزحنا ويحكم هو!!!. ولقد ذكرت يومها مقولة ابي سفيان حين رأى جيوش المسلمين تدخل مكة من كل جانب وهو واقف بجانب العباس عم النبي (ص)يقول:لقد أصبح ملك ابن اخيك كبيرا يا عباس . ولكن العباس يلفت نظر أبي سفيان إلى النبي (ص) وهو يُحني رأسه حتى تكاد لحيته تلامس ظهر راحلته وقد راح في تسبيح عميق إمتثالا للتعاليم {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمدربك وإستغفره إنه كان توابا} والهيئة كلها لم تكن هيئة ملك فَرِحٍ بنصر ، يقول العباس لأبي سفيان:بل هي النبوة يا ابا سفيان . ولكن هل سمع أبا سفيان قول العباس؟!! والسفيانيين كُثر في كل زمان ومكان إذا رأووا جنازة يؤمها خلق كثير تمنوا أن يكونوا هم المحمولين !!! والآن وقد إستدار الزمان واتضح أن صاحبنا ذلك لم يحكم هو رغم أنه نجح في معارضة مشروع التطور التنظيمي نحو الإنفتاح، كما اتضح أن الشيخ أيضا لم يحكم لأنه لم يدفع خطته نحو النفاذ وفاضل بين مشورة أبوبكر الصديق ومشورة الفاروق عمر رضي الله عنهما في أسرى بدر (أسارى المعهود القديم في حركة الإسلام ) وراقت له مشورة أبوبكر أن يأخذ الفدية من قومه وأهله ، ونفرت نفسه عن نصيحة الفاروق أن يقدم الأطر القديمة ويضرب أعناقها والله يغنيه عن الفداء، الآن حان الوقت ليُدفع بتلك الخطة إلى النفاذ الفوري فتكمل مراحل التطور الدستوري الذي يفتح الأمر كله منافسة حرة للناس كافة فيكفي خمس سنوات عجاف من محاولات "رأب الصدع" و"التعايش السلمي" ومحاولات الرتق التي تختتم تجاربها بعبارات "أعجل ما تيسر" لتنسد في وجوهنا أبواب اليسر بالدرجة التي تجعل الحاج النيجيري الذي مرّ بدارفور عام 1999 في طريقه إلى الحج وترك بعض متاعه هناك وديعة ، وتركنا نستعجل ما يتيسر ، يعود هذا العام ليأخذ متاعه ولكنه يفاجأ بتجنيده في قوات مراقبة سوء معاملة الحكومة لمواطنيها بأمر من الرئيس أوباسانجو !!! فيتمتم بلهجته النيجرية المحببة في تلاوة القرآن : "إن بأد اليسر أُسرا" ، لفرط وقع الأمر عليه . كنت قد كتبت في مقال سابق أنه من الخير للقوى السياسية أن تبادر إلى إحداث إختراقات في صفوف جماعات النظام لصالح التحول نحو الديمقراطية، والآن وقد برزت هذه المجموعة من جماعات النظام فإنه من المفيد لها أن تمد محاولتها للإصلاح أبعد من من قصر الرئاسة في الخرطوم فلم يعد الأمر كله يدار من هناك ، وكما يعرف السادة أعضاء المجموعة وكما ينبغي لهم أن يتوقعوا فإن الطريق ليست معبدة فرغم سيرنا عليها نحن أهل الشعبي قبلهم إلا أننا لم نعبدها إلا بمقدار طاقتنا ولا يزال فيها الكثير من النتؤات والحفر ليس أقلها جماعات المعارضة الشابة الحديثة التجربة وجماعات اليسار غير المنظم من أصحاب الهوى غير الراشد وإن تطاول عمره على غرار "سفه الشيخ الذي لا حلم بعده" والتي تتمنى إختفاء النظام دفعة واحدة ويؤلمها أن ينجو من سفينة النظام المعطوبة وسط أمواج عاتية أحد، ولكن سيجدون بعض التمهيد في أصحاب التجارب من أهل الجبهة الوطنية واليسار المنظم الذي مشى المشوار قبلنا كلنا وأسعفته سنوات المناحة المنظمة بإسم النقد الذاتي أن يتوافر على حرية تسمح لهامش الخطأ في التجارب الإنسانية أن يكون فادحاً. ويا مصلحي المؤتمر الوطني ومهمشيه إتحدوا !!!! صديق محمد عثمان لندن
|
|
|
|
|
|