حينما يكون تحسين العلاقات مع اسرائيل هى الوصفة السحرية لعلاج مشاكل الاقتصاد والعلاقات الخارجية فى الدول العربية هنا تكمن المحنة الحقيقية التى يعيشها الشعب العربى .
فى عزاء رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق شمعون بيريز تهافت القادة العرب فى مواكب حزينة وفى مقدمتهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ولعمرى قد أفلح صاحب الكاميرا عندما إلتقط صورة لأبو مازن وهو مطأطئاً رأسه ينتابه حزن عميق على وفاة الرئيس الاسرائيلى وربما أخطأت الكاميرا ولم تلتقط دموعه وهى تنزل ولا نستبعد نزولها.
حينما تطلب الحكومة السودانية ود إسرائيل والتقرب منها وتدعوها للتوسط بينها وبين الولايات المتحدة لإصلاح العلاقة المتعثرة ندرك أن الشعوب العربية فى محنة عظيمة خاصة وأن الحكومة السودانية نفسها كانت تتوعد كل من يريد التقرب من إسرائيل أو حتى من يصف تعاملها مع شعبها فانه يوصف بالعمالة والخيانة للدين والوطن وما حادثة الاستاذ عثمان ميرغنى ببعيدة.
الإحباط الذى أصاب الشعوب العربية جراء النتيجة المحزنة التى وصلت إليها دول الربيع العربى خاصة أن ثوار الربيع العربى كانوا يمنون أنفسهم وشعوبهم بوطن خالى من الطواغيت المحلية ويعدهم بحرية وتقدم فى كل المجالات , ذلك الإحباط تراكم فى عزاء شمعون بيريز حيث هدم كل أحلام الشعوب العربية بإزاحة الطغيان الإسرائيلى فهاهى تزداد إحباطاً وهى ترى أن قادة الدول العربية يتهافتون على صيوان العزاء ويزرفون دموع الحزن على الفقد الجلل وذروة الأحباط عندما يرون رئيس السلطة الفلسطينية فى مقدمة المعزين .
تظل ثورات الربيع العربى حلم جميل إنتهى بكابوس مزعج وما زال يراوح مكانه وكل عشم الشعب فى التخلص من هذا الكابوس إلا أن القادة العرب يصرون على إنتاجه بصور مختلفة وبسيناريو أكثر ألماً فهم يعبدون الإنبطاح والإنكسار وإهدار الكرامة .
فى ذروة هذا الخنوع يعلمنا التاريخ أن الشعوب يمكن أن تفاجئ أعداءها فعندما دك المغول حصون العرب وأساموهم سوء العذاب فقد العرب الأمل وأصابهم إحباط عظيم وفقدوا الثقة فى أنفسهم وأصبح جيشهم يعاقر الخمر ليل نهار وفى ظل كل هذه المأساة جاء سيف الدين قطز وخطب فى جيشه خطبة جعلتهم يدلقون كأسات الخمر وانتفض الجيش واستعد لمعركة عين جالوت وحقق انتصاراً مدوياً على المغول وأعاد الأمل الى الامة العربية . وكذلك فى مصر حديثاً حيث كان يوصف الشباب المصرى بشباب الانترنت وشباب عدم اللامبالاة وشباب اللهو الفارغ وغيرها من الأوصاف المحبطة إلا أنه فى لحظة فاجأ هذا الشباب العالم وقام بثورة عظيمة إقتلعت حكم الطاغية وكذلك فى تونس وغيرها من دول الربيع العربى ورغم النهاية المحزنة التى أنتهت إليها هذه الثورات ستظل ثورات الربيع العربى شعلة فى فضاء مظلم .
كذلك فى السودان يعلمنا التاريخ قديماً وحديثاً كيف فاجأ الشعب السودانى أعداءه بثورات إقتلعتهم من جذورهم ’ فقديماً واجه التصوف إنتقادات كبيرة وعنيفة جدا منها خنوعهم السياسى والاستسلام للسلطان حتى لو كان مستعمر وبرز هذا فى السودان بصورة أوضح إبان الإستعمار التركى الإنجليزى فكان رجال الطرق الصوفية مناصرون وموالون للمستعمر وبالرغم من ذلك فقد فاجأ التصوف الأتراك والإنجليز بثورة عظيمة وهى الثورة المهدية ذات الجذور الصوفية فاقتلعتهم من جذورهم .
أيضاً فى حكومة نميرى حيث كان الشعب فى حالة استسلام كامل للحكم الدكتاتورى وخاصة بعد المصالحة والإحباط الكبير الذى ألمّ بالشعب جراء فشل ما سمى بأحداث المرتزقة بالرغم من ذلك فاجأ الشعب السودانى الرئيس نميرى بإنتفاضة كبرى أزاحت حكمه للأبد .
مما سبق نستنتج أن الإحباط حالة عابرة أو هى مجرد حالة يأس تصيب الشعوب فى لحظات الإنكسار والخنوع وهذه الحالة ليس لها مكان عند من يقرأ التاريخ جيداً ويستفيد من دروسه فإننا نبشر شعوبنا بفجر أبلج رغم الظلام الحالك وليس الصبح ببعيد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة