|
محنة الاطباء في عهد الانقاذ.. انهم يحتاجون الي طبيب ليداوي اوجاعهم المثني ابراهيم بحر
|
(مشهد اول)
(م.ن) طالبة تخرجت من احدي الجامعات الولائية من كلية الطب , وهذه قصة واقعية عشت تفاصيلها الكاملة قبل حوالي اربعة اعوام وكانت فرحة اسرتها كبيرة بهذا الانجازالكبير, كحال معظم الاسر السودانية تتمني الكثير منها ان يدرس ابنائها الطب بغض النظر عن ميول ابنائهم الاكاديمية , وكل ذلك من اجل العائد المادي و الوجاهة الاجتماعية, وظن والد( م ن) انه قد تخلص أخيرا من عبء ثقيل, فدراسة الطب ترهق اولياء امور الاسر المتوسطة والفقيرة ماديا , والان وظيفة ابنته ستعينه علي تسيير شؤون الاسرة المالية وخصوصا في اعانة متبقي الابناء في مواصلة مشاوير الدراسة بكل يسر , ولكنها كانت في الحقيقة البداية لسلسلة من المتاعب, لان (م.ن) انتظرت حتي جاء دورها لتبدأ مرحلة الامتياز, ولكنها ومع ذلك لازالت تستلم المصروف من والدها الذي بدأ مستغربا ....! مر شهر وشهران حتي خمسة حتي شك الاب في هذا (الامر) وقرر ان يحسم هذه(المهزلة) وذهب بنفسه الي ادارة المستشفي, وبعد نقاش طويل اوضح له المدير الاداري للمستشفي بأن الامر ليس بيده, وانما انما هي اجراءات روتينية تتعلق بالادارة المركزية في الخرطوم ! ولكن الاب فاض به الكيل وقرر ان تنهي ابنته علاقتها بالمستشفي, و بعدها سافرت( م ن) الي الخرطوم لتبدأ مرحلة الامتياز من جديد , وهذه مشكلة عادية اصبحت تواجه اطباء الامتياز في الولايات, وكما علمت ان مشكلة تأخير مرتبات اطباء الامتياز مستمرة حتي اليوم, فمرحلة الامتياز هي مدخل الخدمة للأطباء الجدد, فالتعامل معهم بهذه الطريقة التي تزرع اليأس والاحباط في نفوسهم في اول بداية عملية لهم في حياتهم سيكون لها تأثيرها السلبي والنفسي في مقبل حياتهم.......................................................... (مشهد ثاني)
بحكم مروري اليومي بشارع ميز الاطباء في( بورسودان) تتملكني الدهشة ,وانا اري حالة من البؤس تخيم علي هذا المبني ,لا تتناسب مع اللافتة التي تحمل اسمه, وتنعدم فيه اهم مقومات الحياة الكريمة لملائكة الرحمة, فتخيلوا معي لو كان هذا سكنا لظباط من القوات النظامية فكيف سيكون حاله....؟ فواهن من يعتقد ان امريكا قد تفوقت علينا بفضل ترسانتها النووية وقوتها العسكرية, فتقديس الاستاذ والعالم والمفكر والمبدع في تلك الاوطان لا يعادلها عندنا الا احترام الضابط والعسكري, وفي ولاية البحر الاحمر تم تشييد مبني فخيم يسر الناظرين لسكن الاطباء والكوادر الصحية ولكن السلطات حولته الي شقق فندقية للايجار , فالراحة النفسية اذا توفرت للاطباء ستنعكس علي ادائهم في العمل,فمعظم الولايات التي زرتها تنوء مساكن الاطباء فيها بالاهمال و تعطي اشارة سالبة مفادها عدم الاهتمام بهذه الشريحة المهمة التي اصبحت تشتكي لطوب الارض و(لكن لا حياة لمن تنادي), ولا اريد ان احكي عن مرتبات الاطباء , وانتظار الكثير من خريجين كليات الطب في صفوف الانتظار,واما المتبقين من ساعده الحظ فر بجلده الي دول الخليج هربا من هذا النفق المظلم الذي يعاني منه الاطباء في عموم السودان , التي لم تحدث منذ قيام الدولة السودانية في تاريحها القديم والحديث........
(مشهد ثالث) في تفاصيل تؤكد الواقع المأساوي للاطباء والعاملين في المجال الطبي في السودان كشف د سيد عبد القادر قنات في تقرير صحفي ان من بين 8607 طبيب اخصائي لم يعد يعمل بوزارة الصحة سوي1916 من الاخصائيين ,الذين اما هاجروا الي خارج البلاد او تحولوا الي القطاع الخاص,واضاف ان هناك تخصصات مثل جراحة المخ والاعصاب العاملين بالوزارة لا احد ....! وتحدث عن الذين يتحدثون عن تأهيل الاطراف ونقل الخدمة لها ولا ندري عن اي اطراف واي تأهيل؟ هل التأهيل هو افتتاحات سياسية وحيطان ,انها فرية لن تنطلي علي الغبش اهل المصلحة الحقيقية, واضاف بأن مستشفي الخرطوم فقط به 6 اخصائيين يتبعون للصحة الولائية وتم تجفيف جراحة الاطفال والمسالك البولية, واضاف بأن مستشفي ام درمان التعليمي به فقط (4) اختصاصي تخدير, واذا كان هذا حال مستشفيات العاصمة فكيف يكون حال الولايات.....؟ ............................................صحيفة حريات11/2/2014 ثلاثة مشاهد تحكي بوضوح عن الاحوال التي وصلت اليها اوضاع الاطباء في عهد حكومة الجبهة الاسلامية, وفي يوم الخميس الاخير 6/3/2014 شهد رئيس الجمهورية كرنفال الخريجين بجامعة البحر الاحمر, وتفاخر بثورة التعليم العالي التي فجرتها حكومة الانقاذ ومتفاخرا بنجاحهم في هذا المشروع مستدلا بأن الكوادر السودانية اصبحت مرغوبة في الخارج, وعلي سبيل المثال الطلب المتزايد علي الطبيب السوداني, واشار علي سبيل المثال بأنهم في احدي جلسات مجلس الوزراء كانوا بصدد حظر سفر الاطباء ولكنه رد عليهم بعدم حظر هجرلة الاطباء الي الخارج ,بل يجب التوسع في انشاء كليات الطب لتخريج اعداد كبيرة تلبي حاجة الوطن الكبير, ولكن فشل ثورة التعليم العالي يا سيادة المشير لا يحتاج الي دليل , و فق دراسات علمية مؤكدة لا يتناطح عليه (تيسان ) وبأعترافات صادرة من قيادات الحزب الحاكم نفسه, ولي شرح مفصل في هذا الصدد لا يكفي هذا المقال لشرحه, ولكن السيد رئيس الجمهورية لم يوضح لنا اسباب هجرة الخريجين والكوادر بهذه الكثافة غير المسبوقة في زمن اصبحت فيه هجرة المرأة الي الخارج من اجل العمل من الامور الاعتيادية بعكس ما كان في السابق, حتي الرعاة في كردفان ودارفور هاجروا بماشيتهم الي دول الجوار, وهاجرت رؤوس الاموال والعمال المهرة والسواعد الفتية, وفي عهد حكومة البشير اصبح السودانيون يهاجرون الي اسرائيل في سابقة تعد الاولي من نوعها في تاريخ السودان القديم والمعاصر ونكاية في حكومة البشير التي تزعم انها اكثر عروبة واسلاما من كافة العرب والمسلمين...................................... منذ ان استولت عصبة المشروع الحضاري علي سدة الحكم تم توجيه موارد الدولة المالية في اتجاهين (الاول) في اتجاه تمكين القوي الامين المحاسيب والقلة المتنفذة و(الثاني) في اتجاه الحرب لشراء السلاح وتوفير الكادر البشري عبر تكوين مليشيات جديدة من دفاع شعبي وخدمة وطنية لكي يكونوا خير سند لهذا النظام الفاشي, ومن اجل اخضاع الجنوب بالقوة الجبرية لصالح المشروع الحضاري المزعوم , وزادت بالتالي ميزانية التسليح العسكري بصورة كبيرة جدا ولاول مرة في تاريخ السودان وادي تسخير موارد الدولة المالية لصالح الحرب وتمكين القلة المتنفذة الي افقار الشعب بصورة غير مسبوقة, وفي الجانب الاخراهملت موارد الدولة الاقتصادية الكبري ,وخفضت ميزانية الصحة والتعليم اللذان شهدا تدهورا مريعا انعكس علي الشعب السوداني المغلوب علي امره, بينما زادت ميزانية الدعم الامني والعسكري , ولكن ما يدهش في ان دائرة الحرب توسعت بصورة كبيرة اكثر من ذي قبل, واصبحت المؤسسات العسكرية تقود حربا بالوكالة لصالح نظام الجبهة الاسلامية, وبالرغم من هذا لم تساهم الزيادة والاهتمام الكبير علي الدعم العسكري والامني في اخماد الحروبات التي انهكت الدولة السودانية وكانت وبالا وخرابا علي المواطن السوداني ............,......................... منذ بداية سبعينيات القرن الماضي ولاول مرة كان عدد الوظائف الشاغرة بميزانية الدولة اقل بكثيرمن عدد الخريجين, ثم بدأت الهوة تتسع وتزيد عاما بعد عام ولكن بطريقة تدرج بطيئة , وبحسب قانون الخدمة المدنية الذي ورثناه من المستعمر وكنا نفاخر به العالم واصبحنا نتباكي عليه الان , لا يجوز خلق وظائف بدون اعباء كما يحدث اليوم من فوضي ,لان ذلك يعني تضخم الفصل الاول علي حساب التنمية الشاملة والخدمات, وبالتالي حرمان المواطن من اشياء اساسية بالنسبه له, ولا يساعد ذلك علي تحسين الاجور اكبر الية لمحاربة الفساد , وتجويد وترقية الاداء والخدمات , واحترام الموظف وظيفته تفانيا واخلاصا وحرصه عليها, ولا يتحقق ذ لك الا اذا كانت للوظيفة قيمة مادية ومعنوية واجتماعية, وهذه هي الاشياء التي كانت موجودة سابقا و تلاشت في عهد الانقاذ, وقبل مجيءالانقلابيين حتي بداياتهم الاولي كانت وزارة الصحة تنشيْ وظائف جديدة في ميزانيتها كل عام تحوطا لطلاب السنة النهائية بكليات الطب ,بمعني ان كل الاطباء الذين يدرسون في السنة الاخيرة وظائفهم ستكون مضمونة, ولكن الوضع الان للاطباء يختلف, حيث يتخرج الاطباء بأعداد مهولة , و لكن لا توجد المستشفيات و العيادات لممارسة وظائفهم , و بالمقابل يوجد المرضي ولكن لا يوجد يوجد ما يكفي من الاطباء والكوادر الفنية المساعدة انظروا لهذا الوضع المقلوب, ومن المؤسف اننا اصبحنا نستورد الاطباء من مصر بالعملة الصعبة ,حالتان منها في ولاية البحر الاحمر والولاية الشمالية علي سبيل المثال , وكذلك نستورد الممرضات من الفلبين وندفع لهم بالعملة بالدولار في نفس الوقت الذي يعاني فيه الاطباء والكوادر المساعدة من الاهمال المتعمد مع سبق الاصرار, و قديما كان بالمستشفيات القومبة العامة مدارس للتمريض , وفي كل قرية داية قانونية , وكان السودان يسير بخطوات علمية و منهجية متدرجة وكنا نفاخر بوضعنا الصحي كل العالم, وكان السودان قبلة لدول الجوار ودول المنطقة العربية والافريقية واقيمت اول عملية زراعة كلي في المنطقة العربية والشرق الاوسط في السودان لمواطن سعودي في سبعينيات القرن الماضي, فمن الطبيعي ان نكون الان قد ذهبنا خطوات كبيرة في تطوير المجال الطبي في السودان عموما,ولكن المجال الطبي والوضع الصحي في السودان تدهور بصورة مريعة و لاسباب متعمدة من قبل نظام الجبهة الاسلامية لشيء في نفسها لفرض المزيد من الارهاب علي هذا الشعب المغلوب علي امره ..... ......................................................... بنظرة منطقية من المعقول انه مهما توسعنا في كليات الطب والكوادر الصحية المساعدة سنظل في حوجة للمزيد من من هذه الفئات خصوصا مجتمعات دول العالم الثالث لاننا تحتاج اليها بشدة , فالسعودية الان انتبهت لهذا الامر واستعانت بالكوادر السودانية في المجال الصحي واغرتهم بالريالات والامتيازات وعملت علي توظيفهم وتوزيعهم جغرافيا في كل مناطق المملكة من اجل راحة المواطن السعودي, والمشكلة الان فقط في السودان الطريقة العقيمة التي تدار بها المرافق الصحية وايجاد منهج نوعي لتطوير المجال الطبي في هذه البلاد, فعدد السكان يمضي في تصاعد و سيتضاعف كما يقول الخبراء في فترة زمنية وجيزة اكثر من ذي قبل ,وستظل نسبة الاطباء مقابل عدد السكان دون المقاييس العالمية وهذه مشكلة كبيرة تعاني منها غالبية دول العالم الثالث ,ما لم نتحرك بمعدلات اسرع ونحقق طفرات كبري مثلما تفعل السعودية وسلطنة عمان وكل دول الخليج بأعتبار اننا كنا افضل منهم بمراحل كبيرة منذ قديم الزمان , ولكن بطريقة علمية ليست عشوائية علي النحو الذي تدار به الامور في السودان, ومن المحن والعجائب في بلاد العجائب ان عدد الاطباء السودانيين في بريطانيا وايرلندا يزيد عن عددهم في وزارة الصحة السودانية ! ومن الطبيعي ان يزيد اضعافا في دول الخليج.....؟ وفي ظل هذه الاوضاع المأساوية التي يعاني فيها الاطباء في السودان تحول ملائكة الرحمة الي تجارجشعين يتاجرون بمعاناة هذا الشعب المغلوب علي امره , وهناك الكثيرين من الاطباء الذين هجروا مهنة الطب وتحولوا الي تجارة المواشي والمحاصيل و السمسرة في العربات والعقارات والتجارة لظروف بعلمها جميع الشعب السوداني المغلوب علي امره, احدي اصدقائي يمتهن الطب ويعمل في السعودية , و تزداد دهشتي كلما ادخل علي صفحتي في موقع التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك) اجده متواجدا باستمرار وفي اوقات مختلفة ! فسألته علي الفور: ( انتو ما عندكم شغلة ولا شنو كل يوم في الفيس) فذكر لي انه يعمل فقط في الاسبوع لمدة ثلاثة ايام تقسم علي ايام الاسبوع ولمدة ستة ساعات فقط في اليوم وبمقابل مجزي جدا, وكل هذا من اجل الراحة النفسية والجسدية من اجل العمل بتركيز , والمشكلة الكبري ان الاطباء في السودان يعملون علي مدار اليوم في المستشفيات الحكومية والخاصة من اجل تيسير امورهم الحياتية بلا انقطاع, ومعني ذلك انهم يعملون اكثر من عشرة ساعات علي اقل تقدير في اليوم , وهذا مؤشر سلبي لان الطبيب يمارس عمل ذهني مرهق فهو يحتاج للراحة النفسية والبدنية من اجل التركيز في عمله, وفي معني هذا ان الارهاق الذهني والبدني اللذان يعاني منهما الطبيب السوداني من اكبر الاسباب التي تساهم في وقوع الاخطاء الطبية التي نلاحظ تكررها بصورة مخيفة حتي كبار الاطباء لم ينجوا من تلك الظاهرة التي باتت تغلق الكثيرين, وهي اكبر معضلة يعاني منها الطبيب في السودان........! ارتكبت حكومة الجبهة الاسلامية سلسلة من الاخطاء التي يمكن ان نصنفها في خانة الجرائم الخطيرة جدا ,التي تضاهي جرائم الابادة الجماعية ومن هذه الاخطاء تدمير اهم المرافق الحيوية في البلاد الاقتصادية والزراعية والصحة والتعليم بجانب الاهمال المتعمد للمجال الصحي, فمن سيصدق ان خريجين كليات الطب في السودان اصبحوا مثل رصفائهم من الخريجين في بقية التخصصات الاخري ينتظرون دورهم في صفوق الوظيفة ومن قبلها المعاناة من اجل اجتياز مرحلة الامتياز! والاغرب من هذا حال الاطباء الصيادلة الذي اصبح يغني عن السؤال ,وكانت الرخصة التجارية في الماضي لفتح الصيدليات تمنح فقط للمؤهلين من ذوي الاختصاص ولكن الان وزارة الصحة الغت هذا النظام وفتحت تراخيص الصيدليات للتجارمن اجل ان يستفيد متنفذوا النظام ومحاسيبهم ,وبالحسابات كم يكلفنا طلاب الكلية الطبية الي ان يتخرجوا....! فمهنة الطب من المهن العملية التي تحتاج الي الممارسة بدون انقطاع بعد التخرج, فالخريج يفقد صلاحيته اذا لم يمارس المهنة لمدة عام او عامين وهذه اكبر المعوقات؟ ومن اكبر المعوقات ان حكومة الانقاذ الان ركزت في مشروعها علي صفوية التعليم , ولكن من اين للاطباء الفقراء بالحصول علي المراجع الطبية ثمن الواحد منها يفوق المائتان جنيها, والحصول وسائل التكنلوجيا الحديثة التي اصبحت مهمة جدا لدارسي كليات الطب كجهاز اللابتوب لمتابعة التطورات المتسارعة في علم الطب! فالتعليم استثمار قومي تتولاه الدولة وترعاه وعلي سبيل المثال الاردن كدليل يغني عن المجادلات, فالانسان اداة للتنمية ووسيلتها قبل ان يكون غايتها وهدفها بمعني انه رأس المال والبنية التحتية الاولي كما فعلت ماليزيا علي سبيل المثال, والانسان المريض عالة علي المجتمع المجتمع فحكومة المشروع الحضاري هي المتهم الاول والاساسي والجاني مع سبق الاصرار والترصد عن تدهور الاوضاع في المجال الصحي بهذه الطريقة المزرية, وحتي في بداية حكومة الانقاذ وفي بدايات تنفيذ مشاريعها ومخططاتها الفاشلة, كان للتدريب برامج وميزانيات لكل مؤسسات الخدمة المدنية, وكان الطبيب في مستشفي الفاشر او كادقلي او حلفا او كسلا وفي كل بقاع السودان النائية يتفأجأ بأختياره متفرغا للدراسات العليا علي نفقة الحكومة, وكان ذلك كما ذكر لي احد الاطباء الذي عمل في الخدمة المدنية لفترة طويلة ,كان ذلك من المناسبات السعيدة التي يحتفل بها الاطباء مع زملائهم واصدقائهم الموظفين بالاقاليم المختلفة( تهنئة ووداعا) وكان الاختيار يتم وفقا لضوابط معينة موضوعية , و ليس كما نشاهد اليوم في حكومة التمكين التي تدير الدولة بعشوائية ويتم المنح للكوراسات و للدراسات العليا في الخدمة المدنية لاهل الولاء والانتهازيين من اجل تمكين القلة المتنفذة ومحاسيبها ....................................................................؟ لقد استبشر الاطباء في الخرطوم خيرا وهللوا لتعيين البروفيسور( مامون حميدة ) وزيرا للصحة علي وزارة ولاية الخرطوم بأعتبار انه من اهل البيت ,وبأعتبار انه من المعروفين بشخصيته القوية والامينة لعلاج ما امكن وتسنده في ذلك الكثير من المواقف المشرفة منها عندما كان مديرا لجامعة الخرطوم في بداية تسعينيات القرن الماضي, حتي انه كان قد تقدم باستقالته من جامعة الخرطوم احتجاجا علي الاوضاع والفوضي التي كانت حاضرة في بدايات العشرية الاولي من عمر النظام, وانا شخصيا تعشمت خيرا في البروف في ان يقف بجانب بني جلدته لان لي معه من الاحداث التي اذكرها ,في العام 1994 ذهبت مع والدي بتوجيه من (ا م) احد معارف البروف في النظام الحاكم وكانت العيادة التي يديرها حينها البروف ( مامون حميدة )عادية جدا ومتواضعة وغير مكتظة بالزوار, والي ان يأتي دورنا في الدخول تجاذبنا اطراف الحديث مع موظف الاستقبال بعد ان علمنا انه من نفس المنطقة الجغرافية التي ننتمي اليها ,وكان وقتها طالب في احدي الجامعات يدرس اثناء النهار ويعمل ليلا في عيادة البروف , وكان من خلال حديثه معنا يثني كثيرا علي البروف من الناحية الانسانية , حتي انه ذكر لنا ان تعليماته واضحة بخصوص من لا يملكون ثمن الكشف وشراء الادوية , ثم دلفنا الي الداخل عندما جاء دورنا وطلب البروف من موظف الاستقبال ان ( يعيد) لنا رسوم الكشف التي دفعناها عندما علم بأن (أ م) الذي يعرفه يمت لنا بصلة القربي , ومن ثم قام بتوجيهنا لعدد من الاخصائيين دون ان يتم تحصيل اي رسوم ,كل هذه الاحداث تركت في ذهني انطباع جميل عن البروف ( مامون حميدة), ثم تباعدت بعد ذلك الايام فالسنوات و دارت الدوائر واستفاد البروف من ثورة التمكين, واصبح من اصحاب المال والاستثمار والنفوذ,ولذا كانت توقعاتي عندما استلم وزارة الصحة بأن يقلب الاوضاع الي الاحسن فالافضل, ولكن كانت دهشتي ان اول ما فعله البروف بأن سلط سيفه علي رقاب (بني جلدته) وساهم في المزيد من التدمير والتجفيف والخراب والدمار علي نحو بشع لم يحدث له مثيل من قبل و ساهم كمفعول به في استخدام اليات للمزيد من عمليات الهدم والتمكين من اجل تنفيذ المزيد من خطوات المشروع الحضاري, لصالح الجبهة الاسلامية, ولكن يبدو انني لم احسن قرأة المشهد من الناحية السايكلوجية لجماعة الاسلام السياسي لانها كانت ستغنيني عن عنصر المفاجأة, واستفاد البروف من ثورة التمكين واصبح من اصحاب الاستثمار والنفوذ ,فهذا هو حال هؤلاء مدعي الاسلام ,فمن يتحصل منهم علي الالف يتمني العشرة الف وعندما يجدها يتمني الخمسون الف وهكذا حتي يصبح هدفه الملايين والمليارات حتي تحولوا الي مدمنين لجمع الاموال كحالة البروف مامون حميدة نموذجا يغني عن المجادلات, وهكذا هي النفس البشرية ضعيفة امام غواية الدنيا فهكذا ارادها المولي عز وجل ليمتحنها بالرغم من ادراك الانسان بأن هذه الدنيا مجرد خلية عابرة وزائلة لن ينال منها سوي الذنوب......................................... لقد تحولت الدولة السودانية في عهد الانقاذ الي مؤسسات تجارية تقدم الخدمات لمواطنيها في مقابل الرسوم الباهظة, وتتقاضي الحكومة رسوم باهظة مقابل التدريب بمؤسساتها الطبية , والاغرب من ذلك ان الاطباء الذين يتم اختيارهم للمنح الحكومية في دول الخليج يطالبون بالاستقالة من وظائفهم , فهناك اطباء قد لا يستطيعون التضحية بالاستقالة ويصبحون امام (امران احلاهما مر) وفي هذه الظروف البائسة لا تستطيع الكثير من الاسر التي يدرس ابنائها في كليات الطب ان توفر لهم رسوم التدريب والتخصص لانها تتحمل اعباء مادية ثقيلة حتي يتخرج ابنائها من كليات الطب, وتكون الفرحة بالتخرج والحلم الكبير من رب الاسرة الذي ينتظر ثمرة مجهوده والامل بتغيير اوضاع الاسرة الي الافضل, ولكنه ما يلبث ان يصطدم بالواقع المرير الذي يحتم عليه المزيد منه الاعباء الاضافية, فالمشوار لا زال طويلا حتي ينتهي الابن/الابنة من التخصص في مجاله ويصبح طبيبا متخصصا, ومن العجائب ان الكلية الملكية وهي مؤسسة و بريطانية تتقاضي رسوم اقل بكثير من الاطباء الذين اختاروا التخصص علي نفقتهم الخاصة كسبا للوقت, وكان هذا قبل ارتفاع الدولار ,واكبر المحن ان خريجين كليات الطب في السودان يعملون بالمستشفيات التجارية ليلا ومع الاختصاصي المشرف علي التدريب بالنهار علي حساب قدرتهم علي التحصيل , فالصنايعية كالنجاريين والميكانيكيين والبنائيين في المنطقة الصناعية لا يستخدمون تلاميذهم بالمجان كما يحدث في ولاية البحر الاحمر مع طلاب الامتياز وعموم ولايات السودان, فهؤلاء يقدمون لتلاميذهم الشاي والفطور و(وقروش المواصلات) , فالمتدربون بالمستشفيات اهم ايضا كتلاميذ النجار ورئيس البنائين واسطة المكانيكي يقدمون خدمات حقيقية فلا يجوز اختزال قضية الاطباء في تأخر صرف المرتبات والحوافز وما يحدث في غالبية الولايات يلفت الانتباه فعلا, فهذا هو حال الاطباء في عهد حكومة الجبهة الاسلامية تدحرجت احوالهم الي الاسوأ منذ قيام الدولة السودانية وليس كما زعم البشير في البحر الاحمر, فالحركة الاسلامية هي الخطر الحقيقي الذي احال الوطن الي افلام للرعب وهي الخطر الحقيقي الذي يهدد وحدة السودان الكبير الجغرافية والبشرية ولا وجود لاي خطر علي السودان الا بقدر ما احدثته هذه الفاشية المركبة من تصدع في تركيبتنا القومية وحكومة الانقاذ علي استعداد لاحراق كل السودان والجلوس علي كوم الرماد مثلما فعلت النازية في المانيا...
|
|
|
|
|
|