|
محمد حسين بهنس .. صرخة في وجه الحياة, وقُبلة في جبين الموت/عوض عثمان عوض
|
محمد حسين بهنس .. صرخة في وجه الحياة, وقُبلة في جبين الموت
مساحة تأمل و سيرة متخيلة حول نبأ رحيل مفجع أكثر من أربعة عقود في هذا العالم وما زلت أبحث عن معنى لهذه الحياة , أتجول في أزقة الخيال والتأمل .. ها أنذا أُهيم تائهاً في دروب هذه المدينة المُكتظة بالبشر, هنا الإنسان يذوب ويضيع كالإبرة في عرض البحر , لا يُرافقني سوي وجعي وحفنة غبار عالقة في ظلي المُتخم بالتعب , أسمع ضجيج الباعة المتجولين الذين يتبارون في إظهار مهاراتهم الصوتية بألحان تنساب في الفضاء الفسيح خالية من النشاز , أصوات أطفال صغار يلعبون عند ناصية شارع ضيق .. توقفوا فجأة من اللعب كأنهم شاهدوا كائن فضائي غريب هبط بالقرب منهم دون سابق إنذار , حدقوا كثيراً في ملامحي وشعري الكثيف , صاح أحدهم توقف قليلاً : أحضر لي بعدها زجاجة ماء باردة أفرغتها في جوفي دفعة واحدة خلال ثوانٍ معدودة , بدوت كأني لم أشرب ماء منذ الف عام , إبتعدت عنهم وشكرتهم بنظرات صامتة وتركت دهشة عريضة مرسومة في أعينهم ربما لحين من الوقت .. أن يعطف عليك أحد في هذه المدينة الملعونة أمر إستثنائي يستحق التوقف عنده والإحتفاء به , في زمن قل فيه الوفاء وأصبح البشر ينهشون بعضهم كالذئاب الجارحة ..أيها الإنسان ما أكبر خيبتك في هذا الوجود .. قليلون الذين تجرأوا وقالوا بالفعل إنه عالم منحط بمعني الكلمة .. صوت من الفراغ يقول بنبرات حزينة : إذا لم تبتسم لنا الحياة علينا أن نزدريها ونلعنها .. عند ناصية شارع عدلي أوقفني شخص عابر حياني بحرارة .. أخرج بعض الأوراق والرسومات قال إنها لي .. نظرت لها بصمت وقلت له : - إنني لا أعرف عنها شئ .. - هل تذكرني ؟ - قلت له إذا كنت لا أعرف نفسي هل يمكن أن أعرفك أنت ؟ لمحت دموع حارة تنساب من عينيه خلع بعدها الجاكيت وألبسه لي بإصرار : لا أدري ماذا أقول له .. أشكره أم أقول له: ( أرحمونا من هذا الحُب القاتل ) كما صاح درويش في سالف الأزمان ..قلت لنفسي : قتلني الحُزن والألم وسؤ الظنون قبل أن يقتلني الجُوع والبرد القارس .. ما أقساكم أيها الأصدقاء ( تريدونني أموت كي تمدحوني ) وتقولون كان رسام وشاعر وفنان وطرزان.. عذراً فكل هذه الألقاب لا تلزمني.. فقط قولوا : كان إنسان يحمل قلب فراشة وضمير طائر صغير .. أشعر بتعب كثيف يتسرب فجأة في جسدي .. إتكأت علي إحدى العتبات..نسائم ريح باردة تلف المكان, صوت المطرب محمد منير يأتي من البعيد ( مهما تغيب حاضر شايفك بعيد حاضر ) .. أيها الجسد الهزيل هنيئاً لك سوف ترتاح قريباً من كل هذا التسكع واللهث خلف السراب ,أيها الموت الجميل دعني أصافحك وأقبلك على جبينك قبلة حارة حتى تُزيح كل تعب الأرض عن كاهلي , تمدد .. تمدد الآن بسلام أيها الجسد في وسادة الأبدية وأترك خلفك قافلة الظنون والأوهام ... عوض عثمان عوض باريس 21 ديسمبر 2013م
|
|
|
|
|
|