|
محبة المريدين
|
محبة المريدين شاءت الصدفة أن أكون بجواره ، وانشغل الآخرون عنا برهة من الزمن ، فهمست في أذنه :ــ ــ شيخنا...أيمكن أن يتسع صدرك ؟ فلدي أسئلة لم أجد لها إجابة منذ حين . ــ نعم إن تيسر لي . ــ سيدي أرني كيف يُحببكم العامة من الناس ؟ ــ إنها الأسرار...، التواضع ثم الصبر على المريدين ، و التأني في الرد . أكثر من الترديد : (إنشاء الله ، بإذن الله )، لمن لديه حاجة لديك . تبسم في وجه الجميع . لا يرى العامة ضجرك ، و لا تلون وجهك بالانفعال . لا تُكثر الحديث و البس ثياب الوقار . تحرك ببطء و لا تتعجل . بالترحاب تقبل المتشككين ممن لديهم فكرة مسبقة عن أنك تتخطف قلوب العامة لعباً بعواطفهم و استغلالاً لمحبتهم لك و حاجة نفوسهم عندما تشرق عليهم بمقدمك. خاطب العامة بمقدار فهمهم . المحبة سلعة يمكن تطويعها ، فهي ذخيرتك و أنت تُقبل على الناس ، هاشاً باشاً عند الضائقة و في الملمات . إنك بلسم النفوس الحزينة. دائماً تذكر حديث أفضل المرسلين : ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) ، نجعله نُصب أعيننا. ثم ما ورثناه من آبائنا و أجدادنا ، و لا دخل لنا فيه ، تلك مما يُحبب الناس فينا . ــ أراك تضع يدك على رأس مريديك تبركا ، خاصة الضُعفاء منهم ، داعياً بالشفاء طالباً المعونة من المولى جلّ و علا أن يمُدك بوسيلة الشفاء ، ثم انظر بعد ذلك فأرى الضعيف كأنك تنفُخ في وجهه نسمة من نسمات الحياة !. ــ إن قوة العافية ، تأخذ مساراً من جسدٍ إلى آخر .إنها من بعض ما يتيسر لنا بفضل المولى . الكهنة منذ القِدم ، و الروحانيون، و المتصوفة ، لهم القدرة على التأثير الفاعل في أنفس الآخرين ، بل على أجسادهم أيضاً . الأمر تتطلب بناء للفِكرة و منحها القوة و التركيز و تمني الخير ، مع صفاء السريرة ، و من ثم الإرسال. تجدها بعد حين تفتح المسام لتنتقل الطاقة الكامنة من جسدك و روحك و تسافر إلى الآخرين ، وتمنحهم بعض الشفاء . ــ وماذا لو كانت مُحملة بالشر إلى الآخرين ؟ ــ نحن تربينا على الدين ، و الاستقامة . و نهجنا هو أن ننشد الخير كله ، و المحبة للآخرين . خبائث الشيطان و ألاعيبه لا تقربنا . الخبرة و المران تنمي الموهبة ، لأنها تنهض بالروح الكامنة في كل جسد وهي من أعظم المواهب ، تنمو مع المداومة و الاعتياد . كثيرون لا يعرفونها ، لكن الكل يملكها ، و بذورها كامنة فينا جميعاً. ــ عفواً أكرر ... كيف تنمو محبة المريدين ، و من ثم يتعلقون بكم ؟ ــ النفس البشرية غنية ، و الذهن البشري خلاق . فهو يُرسل شُعاع محبته ، فتتخطى كل الحواجز ، و تتصيد النفوس القلقة ، و تهبها السكينة التي تفتقدها . في الحياة العامة ،الكل يهرب من زحام الحياة . لا يسمح الوقت بالصبر حتى تعرف موضع قدمك ، من أنت ؟ و إلى أين مآلك ؟ . لكنك تجد عندنا ما لا تجده عند غيرنا ، صبراً على شكواك ، و تلطفاً قلّ أن تشهده ، إلا عند حبيب أو قريب ينظر إليك ثم يبسُط قلبه فرحاً لتنعم أنت بالراحة ، و ذلك ما يندر حدوثه في العادة . تربينا على دقة الملاحظة، فنحن نعرف الآخرين من مظهرهم ، تنظر الوجوه ، كأنك تنفذ إلى العقول. هنالك بعض الأوراد نرددها في زمان و مكان محدد، تُحبب فينا خلق الله جميعاً ، و تمنحنا وهجاً يشُف كل سريرة. من يتحدث عنا خيراً أو شراً ، نعرفه بإذن الله ، و لا يسع أحد النَيل منا إلا بما شاء المولى و قدر. ــ أتمارسون ما يُسمى بالسِحر؟ ــ السِحر ...كلمة هُلامية لا حدود لها . أنت تقف أمام مزهرية ، و نبتة تتفتح أمامك و روائح مُبهجة تشتم، إنها لحظة ساحرة . ــ تلك أخلاط من المعاني ... ــ إنها كذلك ، قبس من السحر ، أينما تغمرك الدهشة ، تجد السِحر حاضراً بكل تجلياته . ــ أهذا ضرب من خِداع اللغة ، و إبداع البلاغة ؟ ــ لم يكن سِحراً بالمعنى الذي تعرفه ، رغم أن السِحر قد لعب دوراً كبيراً في تطور الحضارة ، و سيفعل هذا ثانية حين تُفهم قوانينه بشكل صحيح , و ليس لدي شك في ذلك . السِحر هو في النهاية ، مجرد كلمة تستخدم لتجلي تلك القوى التي لا تُفهم ، و التي عندما يتم فهمها سنجد أن لها أساساً علمياً كالكيمياء و الفيزياء كما تقولون في مصطلحاتكم ، وهو سِحر غير ما تعرف ...... أسمعت " بالشامانية " ً ؟ . ــ أليس "الشامان " هو الناسك؟ ــ نعم . ــ أهو السلف المشترك للدجال ،أو المعالج بالإيمان ،أو الوسيط والقائد الكاريزمي ؟ ــ نعم ، تكاد لا تخلو حضارة مما يدعى بصورة" الشامانية ". بل إنه حسب التعبير الدقيق ( فنيّ ما هو مقدس ) إن صّح التعبير، و لديه ما يقوم به من الأعمال ، يشفي الكثير من أمراض البشر ، و يعمل كمستشار نفسي للفرد و للمجموعة على حدٍ سواء . يترتب عليه أن يضع قدماً في الحاضر و الأخرى في الأبدية ، ونحن على منهاجه نسلُك ، و لكن مآل عقيدتنا صحيحة ، رفيقنا الكتاب و السُنة و الاجتهاد وفق ما يتيسر. إن لم تنتبه يا عبد الله ، تحسبنا نمارس الموبقات من السِحر . ــ أنت رجل دين ، و تنهج كالنُساك !. تراث الإنسانية القديم يأسرك بوهجه ، كأن غماماً وثنياً يظلل صفاءك. ــ أظنك لن تستطيع معي صبرا . ــ أريد مهُلة أرتب أمري ، لا أحسبُك شفيف الروح بهذا القدر ! ــ نحن نفتح نافذة تُطل أعماقاً سحيقة في أغوار النفس البشرية ، نسلُك دروبها الوعرة ، نواجه الضعف الإنساني بكل تجلياته . لا يمكنك أن تتصور العامة من الناس ، و هم يفتحون لنا قلوبهم النضرة بالبساطة و الأريحية ، متاعبهم تذوب على صدرٍ حنون . لن تُصدق إن قلت لك ، زيدٌ من الناس ، يلبس صولجان الحُكم ، بكل جبروته ، عندما نكشِف ستر نفسه ، يسقط صريعا باكياً . من يسعه رؤية كل هذا ؟.... قادة من القوات النظامية ، نفر لا بأس به من أساتذة الجامعات ، الوزراء و نوابهم ، و أصحاب الجاه في دنياكم ، الجميع تضمهم سجادة "الخلوة " ، تجمعهم المحبة في الله ، و صحبتنا . ــ هذا أمر غريب و عجيب ! ــ نحن نترفق بالجميع ، القوي عندكم، هو ضعيف في مجلسنا . نفوسنا مشرقة بيضاء ناصعة كالشمس ، لا نمس الآخرين عندما نشهد الجبروت يخر ساجداً يطلب المغفرة من المولى . نحن ننبه ( إن الظلم لا يدوم أبداً )، صاحبه تخنقه عبرات الندم ، يتقلب في فراش الأرق و لا ينام إلا في رُكن من هذه " الخلوة " ! ، تلمح من بعيد الحرس المدجج بالسلاح يتخفون في لبس العامة ، ينتظرون عودته و لا يأمن أحداً إلا نحن . البواطن لا تنجلي إلا عند ساعة الصفاء ، إذ يرى الإنسان نفسه في مرآة الحقيقية ...لقد داهمنا الوقت يا عبد الله ....، فلنُفرد للأمر زماناً و مكاناً يتسع ، فقد انتبه الناس إلينا . ــ تلك الأسرار ، كيف تسنى لك أن تبوح لي بها ؟ ــ يا حبيبنا إنها زلّة من لسان ، وأنت تعرف إنك ضعفي ، وأرى فيك صورتي التي غطى عليها الوقار الذي لبسني رغماً عني .أرى فيك دائماً ما أتمناه و لا أقدر أن أكونه . أُمني نفسي ، أن تنسى كل ما ذكرت لك ، و تحسبه حديثاً غايته الترويح عن النفس . عبدالله الشقليني 6/4/2004
|
|

|
|
|
|