لم يتضرر السودان ضررا أكبر من مجانية التعليم ، ليس لأن أغلب سفهاء القوم كنافع والخضر وخلافهما قد انتقلا من طبقة البروليتاريا الكادحة إلى طبقة المتعلمين (المتكبرين على ماضيهم) كمزارعين وجزارين وبائعي لبن ، ليست هذه فحسب مساوئ مجانية التعليم ، بل الأسوأ من ذلك أن مجانية التعليم حولت الغالبية إلى موظفين أو راغبين في التوظيف بدلا عن امتهان العمالة ، مما جعل السودان خاليا من العمال المهرة ، وهو دولة ذات اقتصاد ضعيف يحتاج إلى مزارعين ونجارين وحدادين وميكانيكيين وعتالين وخلافه ، كان بامكان التعليم المهني الصناعي -كما ذكر شوقي بدري- أن ينقل السودان إلى دولة قادرة على ملء فراغ العمالة المهنية ، فلنتخيل الآن أن هناك هجمة استثمارية في السودان -طبعا بعد زوال الحصار الاقتصادي وتهيئة قانون الاستثمار والقوانين المعينة الأخرى- فأين سيجد المستثمر عمال ، الآن ومن خلال دراستي القانونية هناك آلاف من المحامين ، لا يجدون موطئ قدم في المنافسة داخليا وخارجيا ، أغلبهم جاء من مناطق الانتاج ، وصاروا أفندية ، اما ثورة التعليم وفتح مئات من الجامعات والكليات ، فقد أغرقت السودان بالأفندية العاطلين عن العمل فصار أفندي بشهادته ، وأغلب هؤلاء أبناء رعاة ومزارعين وحدادين وخلافه كان بإمكانهم أن يكونوا أكثر انتاجا في مناطقهم وأكثر فائدة لأنفسهم وأسرهم والوطن لو ظلوا عمالا. في مصر (القريبة) نجد العمالة الماهرة في كل مجال وفن ، نجد النحاسين والحدادين والنجارين والحلاقين وغيرهم يتوارثون المهنة أبا عن جد ، وبالتالي فإن الصناعات الصغيرة متقدمة ورخيصة ، وكذلك الحال في الهند والصين ، القوة العاملة أهم بكثير من تزايد طبقة الأفندية ، لا سيما عندما يتحقق الانفتاح الاقتصادي ، وتتقدم الرأسمالية خطوات وتنتشر في ربوع الوطن ، إن ديموقراطية التعليم هي أسوأ ما مهد له الانجليز ، وكان بإمكانهم فتح المعاهد التقنية فهي أكثر أهمية من الجامعات والكليات ، الآن هناك معاهد تقنية كثيرة في مصر تدرب عمالا مهرة على أعمال شديدة الأهمية ومطلوبة في سوق العمل ، كتدريب لحامين أنابيب البترول ،وهي دراسة لا تتجاوز ستة أشهر فقط ، يصبح فيها الشخص مؤهلا للعمل في كل دول الخليج بكل إرتياح ، أو العمل داخل السودان في مناطق البترول أو في دولة جنوب السودان أو نيجيريا أو غير ذلك من الدول البترولية ، كذلك هناك معاهد تخصصت في تدريب العمالة المهرة في مجال التكنولوجيا ، كصيانة الحاسب المحمول والهاتف الجوال وماكينات الطباعة، في مرحلة الدكتوراة عانيت من عطب في شاشة الكمبيوتر وتعتبر هذه كارثة بالنسبة لي في هذا الوقت الحرج ، ولحسن الحظ أرشدني صديق إلى شاب مصري صغير السن لم يتجاوز العشرينات ، قام هذا الشاب الذي صار ماهرا في اصلاح الشاشات (فقط الشاشات) باصلاح شاشتي التي فقدت الأمل في اصلاحها خلال نصف ساعة فقط وحصل على مبلغ محترم ، وهو يعمل لدى عشرات الشركات ولا يحمل معه سوى حقيبة كبيرة بها أدوات العمل وينتقل من شركة إلى أخرى ليجمع آلاف الجنيهات في اليوم الواحد ، فعن أي وظيفة أخرى يبحث وﻷي أفندنة يسعى ، وهكذا في كل المجالات المهنية الأخرى ، إذا كان من مجانية للتعليم فمن الأوفق للدولة أن تخصصها لتدريب عمالة مهرة في مختلف المجالات ، وهناك آلاف المنح من المعاهد في كافة دول العالم مخصصة للدول النامية ودول افريقيا تستأثر منها مصر بنصيب الأسد رغم أننا أكثر حوجة لها ، كالمعاهد الايطالية والألمانية والكورية وخلافه. لابد من الاهتمام بالتعليم المهني لتوفير عمال مهرة ، فبمجرد زوال هذا النظام المتخلف ، ربما تحدث هجمة استثمارية كبيرة بعد زوال المعوقات كالفساد وبؤس القوانين والحصار الاقتصادي...الخ. لابد أن يكون التعليم العالي مدفوعا عليه ، حتى لا نفقد القوة البشرية العاملة ، في حين نطور التعليم المهني. ولا أعتقد بأن الشباب سيرفض هذه الفرصة الكبيرة وهو يعلم بأنها أفضل من غيرها وتنافس داخل سوق العمل. لا لمجانية التعليم ، ونعم لمجانية التعليم التقني. 8ديسمبر2016
انت غير طبيعي !!الزفت البشير لا يتحدث عن عدم مجانية التعليم الجامعي بل هو يتحدث عن عدم مجانية التعليم قبل الجامعي ايضا . التعليم المجاني للتعليم قبل الجامعي حق للجميع فهمت يا بتاع القانون !!(الزفت ليست شتيمة بل هي صفة عشان ما ينطوا لينا دعاة الفضيلة )
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة