|
مبروك لـ (محمد) فهو لم ينتحر حتى الآن..! – بقلم يوسف الجلال
|
الثقة في هذا الشعب الخلاق، تتنامى مع مرور الأيام، وتزداد مع تقادم السنوات، لكونه قادراً على انتزاع حقه، في ظل الموانع العاتية والمتاريس الجبارة. انظر إلى شعب السودان تجد أنه لا يزال يتقلّب في جمر التمكين وسياسة الصالح العام، ويتأذى من المحاباة التي تُدار بها الدولة، ومن انسياب العطاء وإجزاله لمن يوالون الأنظمة فقط دون غيرهم، ومع ذلك فهو قادر على أن يقول كلمته بصوت مسموع، وإن عزّ الكلام.
إما اذا أرسلت البصر كرتين، فستتيقن أن المكون الديمغرافي السوداني، يستحق لقب "الشعب المعلم"، فهو لا يزال حياً ولم يمت، حتى في ظل وصول التضخم إلى نسبة (46%)، وحتى في ظل ملامسة الدولار لحاجز الجنيهات العشرة ، حين يُعاير بالعملة المحلية.
وربما لكل هذه المعطيات كلها، سارع أحد المواطنين لترشيح نفسه للمنافسة على شخصية العام في السودان، وذلك في الاستفتاء الذي أجرته الزميلة (التيار). بل إن المواطن ويدعى "محمد عمر الرقيعة" تمسك بأنه الأجدار للتوشح بوسام شخصية العام، لاعتبارات عدة، رأى محمد - الذي يسكن أم بدة حمد النيل – أنها تؤهله تماما لاعتلاء منصة التنافس ونيل الجائزة.
مهلاً، فالرجل يستحق فعلاً أن نتفحّص حالته لكونها لا تبدو شاذة عن الواقع السوداني، بل إنها تعبر – بصدقٍ وعمق – عن حقيقة الوضع الذي يعيشه أكثرية السودانيين. يقول "محمد" في تبريره لترشيح نفسه لنيل لقب شخصية العام 2014م، إنه يعول أسرة مكونة من (12) طفلاً، وإنه لم يفكر في الهجرة، ولم يصب بالجنون. بل أبعد من ذلك – وهذا ما يجعل "محمد" يزداد تمسكاً بأحقيته في اللقب – أنه أنهى العام المنصرم في صمود كبير، وأنه لم يفكر في الانتحار..!
وعلى ذات النمط الذي مضى إليه "محمد" فإن مواطناً آخر قام بترشيح "الشعب السوداني" لنيل لقب شخصية العام 2014م في السودان، لأسباب مشابهة. وفي هذين الترشيحين مرموز كبير، يصلح لقياس درجة الأزمة السودانية الطاحنة، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي. إذ لم يعد احتمال الضائقة المعيشية أمرًا عاديًا أو سهلاً. فهو يتطلب قدرات خارقة، لاستحلاب المال أولاً، ثم يحتاج إلى قدرات أخرى أكبر من سابقتها لتوزيعه وتصريفه دون الدخول في عجز شهري، بسبب الإنفاق الخاطئ، أو الصرف على بنود غير أساسية. ولهذا تنازل معظم أفراد الشعب السوداني عن الكماليات، وحصروا أنفسهم في دائرة الضروريات. وتبعاً لذلك سقطت بنود صرف كثيرة، كانت حتى وقت قريب في المتاح، ولا تحتاج إلى قدرة مالية كبيرة. فهل بعد هذا كله يُلام "محمد" إن هو رشّح نفسه للفوز بجائزة رجل العام، لكونه يعول أسرة كبيرة، ولكونه لم يجن ولم ينتحر..!
حسناً، فقد تذكرت أمراً مهماً. وهو أن "محمد" ختم مشاركته في استفتاء صحيفة (التيار) بقوله: "هل يا ترى سوف أصمد حتى العام القادم.. أشك في ذلك.. ونسأل الله السلامة".
مكتبة فيصل الدابي المحامي
|
|
|
|
|
|