|
ما هي أسباب استمرار فشل المعارضة السودانية؟ زين العابدين صالح عبد الرحمن
|
ظلت المعارضة السودانية بكل فصائلها، و حركاتها المسلحة، تناضل من أجل إسقاط النظام، و مستخدمة العديد من الوسائل، و لكنها فشلت في إسقاط النظام، و ظل النظام باق رغم الخلافات التي حدثت في مؤسسته السياسية، منذ عام 1999، حيث حدثت المفاصلة، ثم جاءت قضية الانقلابات العسكرية من داخل جسم النظام، و أخيرا قضية الإصلاحات، و التي أدت لخروج قيادات مؤثرة في جسم النظام، كانت المعارضة تنظر لتلك الأحداث بأنها مسرحيات سيئة الإخراج، تهدف لتطويل عمر النظام الحاكم، و بالتالي تتعامل مع الأحداث بنوع من الاستخفاف، يؤكد ضعف القدرة التحليلية، و الابتعاد عن التقييم السليم لمجريات الأحداث، و أيضا إنها فشلت في اختراق التنظيم الحاكم لكي تتبين حقائق الأشياء، بدلا من الأحكام المستعجلة، و هذا يعود لآن المعارضة نفسها تعاني من إشكاليات، و هي نفس الأمراض التي يعاني منها النظام الحاكم. و إذا أجرينا مقارنة بسيطة جدا، للانتقادات التي توجه من قبل المعارضة للحزب الحاكم، نجد ذات الانتقادات من المفترض أن توجهها المعارضة لنفسها، فالفشل ليس فقط فشل النظام، و أيضا فشل مركب في المعارضة، إذا سلمنا إن المعارضة جميعها تناضل من أجل الديمقراطية و التحول الديمقراطي، و إطلاق الحريات، كان ذلك قد تبين للناس في تنظيماتها، ببروز قيادات جديدة، و تغيير في العقليات التي تسيطر علي مجريات الأمور، و لكنه لم يحدث رغم مرور العقود. أما إذا كانت المعارضة فقط تريد أن تكون بديلا للنظام، هذه تتطلب قراءة أخرى. 1 – واحدة من انتقادات المعارضة للنظام الحاكم، إن الرئيس البشير حكم 25 عاما عجافا، فشل في التنمية و السلام،إلي جانب أنه كان سببا في انفصال الجنوب، و الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.... إلي أخر الانتقادات. في الجانب الأخر؛ نجد إن المعارضة و حتى الكتاب الذين يميلون لها، سكتوا إن ذات الأمر الذي تعاني منه المعارضة، قيادات مكثت لأكثر من 25 عاما عجافا في قمة هرم المعارضة أيضا، دون أن تحقق أية نجاح في تاريخها السياسي، و هذه القيادات رغم فشلها تظل متمسكة بمواقعها، و ترفض أية نوع من التغيير و التحديث في واجهة القيادة، و رغم ذلك هي تتحدث عن الحرية و الديمقراطية، كيف تصدقها الأجيال الجديدة التي ليس يربطها معها أية نوع من التواصل و التفكير، لذلك أصبحت الأزمة تتعمق أكثر، و القيادات تعيد إنتاجها. 2 – إن الانتقاد الموجهة للسلطة إنها لا تملك برنامجا سياسيا واضحا، و سبب فشلها تخبطها و عدم مصداقيتها، و هي مرفوضة من قبل الشارع السوداني. و أيضا المعارضة لا تملك برنامجا واضحا، و هي مشتت و غير موحدة، و لا تجد من الشارع السوداني قوة السند و المعاضدة، و دلالة علي ذلك إحجام الشعب عن الخروج للإطاحة بالنظام، ليس حبا في بقاء النظام و لكن لا يمكن الذهب للمجهول، أنظر إن الأجيال، تتفاعل مع التنظيمات الجديدة أكثر من سماع أصوات ظلت تردد ذات النغمات عشرات السنين، دون أن يحدث تطور في خطابها السياسي. 3 – إن النظام يغيب عنه منهج التحليل، و النقد، الأمر الذي جعل النظام يتخبط، و التخبط دليل علي إن النظام تتحكم فيه عقليات تسلطية مشوشة الوعي، و يعتمد علي بقاءه علي القوي الأمنية فقط. و أيضا المعارضة فيها عقليات متسلطة، تحجب دخول الضوء، و تغلق كل المنافذ للتيارات الجديدة، هذه العقليات هي السبب في فشل المعارضة و وحدتها، لأنها تبحث دائما عن مصالحها الذاتية، و أيضا غياب المعارضة عن القراءات النقدية و التحليلية و الفكرية للواقع، و ظل الخطاب المعارض ثابت مثل ثبات عقليات قيادات فقدت خصوبة العقل. 3 - إذا نظرنا نظرة موضوعية، بعيدا عن الغلو، نجد إن الحراك داخل الحقل الإسلامي، فيه فاعلية أكبر عن حراك داخل أجسام في المعارضة، إذا استثنينا حزب الأمة القومي، فالخطاب في الساحة السياسية إن كان في السلطة أو في المعارضة هو خطاب إسلامي، مع خطابات للمعارضة بشكل فردي و ليس جمعي، و بالتالي تكون الموضوعات المطروحة داخل الساحة للحوار هي موضوعات تطرحها العقليات ذات المرجعيات الإسلامية، و يصبح التفكير ينحصر ضمن هذه الموضوعات، ليس للقوي المنظمة في أحزاب إنما للقوي الجماهيرية المستهدفة، و كان الأمل أن تقدم القوي السياسية الأخرى برنامجا سياسيا ديمقراطيا تتسيد علي ضوئه الساحة، و لكنها عجزت عن ذلك، لآن قياداتها لا تعرف ما هي متطلبات الأجيال الجديدة، و الموضوعات التي تجعلها تتفاعل مع أطروحاتها، و لكنها سدرت في غيها و فضلت الاحتفاظ بمواقع للقيادات التاريخية في المقدمة و حرمت الشباب من القيادة، هي نفس أزمة الحزب الحاكم، الفرق إن النخب تركز في انتقادها علي السلطة و تصرف النظر عن المعارضة، تحت إدعاء يجب كل الأشياء تسخر من أجل معركة الديمقراطية، و تؤجل انتقادات المعارضة لما بعد التحرير، أي تحرير سوف تحصل عليه البلاد من قبل عقليات عاجزة. 4 – إن النظام قدم أطروحته للحل، خطاب الرئيس " الوثبة" أي الحوار الوطني، و الحزب الحاكم طرح موضوع الحوار بسبب الأزمة التي يعيش فيها، و أطروحة الإصلاح الهدف منها كان امتصاص حالة القلق وسط الشباب، و تجاوز مرحلة الثورات و الانتفاضات العربية، و شعرت القيادات التاريخية إن أية تغيير في واجهة الحزب الحاكم هي طريق غير مضمون العواقب، لذلك خانت أطروحاتها التي قدمتها بنفسها، لأنها قيادات ارتكبت من التجاوزات و الفساد الكثير، غير انتهاكات حقوق الإنسان و الإبادة للمواطنين في عدد من المناطق أولها دارفور غيرها، و انتخاب الرئيس يعني استمرار الأزمة و تعمقها أكثر، و الرئيس ليس لديه جديد أن يقدمه، أنما هي أزمة العقليات التي حوله، و هو تأكيد إنها لا تملك أفضل مما كان. و أيضا خانت المعارضة أطروحاتها، عندما عجزت في تقديم قيادات جديدة، لها فكرا جديدا و برنامجا جديدا و تصورات جديدة، فهي رفضت برنامج الحزب الحاكم في قضية الحوار الوطني، حتى لا تكون مضاف إليه في العملية السياسية، و لكنها فشلت في تقديم البرنامج البديل المقنع للشارع السياسي السوداني، عجزت بحكم استنزاف قدراتها و نضب خيالها، هي قيادات بحكم تاريخها و سنها لا تستطيع أن تقدم أفضل ما قدمته في تاريخها السياسي، و كان الفشل دائما ملازمها، و هي مصرة أن تقود أجيال جديدة لكي تصنع بها التغيير، و الفارق في السن و في التصورات كبير، فالقيادات التي عجزت في تحقيق أهدافها، و إقناع الشارع بأطروحاتها لعقود، لا تقدر علي صناعة المستقبل، و لا فرق بين يمين و يسار، و لا بين تقدمي و رجعي، الكل يتعامل بذات المنهج، الغائب عن الممارسة هي الحرية و الديمقراطية، و الباقي هي شعارات مفرغة من مضامينها. نسأل الله أن يهدينا إلي سوأ السبيل.
|
|
|
|
|
|