|
ما عادت هاتيك الأشياء هي الأشياء بقلم عثمان محمد حسن
|
· صار الحديد فرعاً رخواً في ( الشجرة) ينكسر مع هبوب رياح الخماسين عابرة ديار ( التمكين) .. و لم يعد الأسمنت يحتمل المطر القادم على جناح ( سفر التكوين). .. و الأمطار تتحكم في التهميش و التسكين.. و الليل و النهار يتبادلان الأدوار في اللامبالاة بحياة إنسان السودان.. و رُبَّ حجرٍ- ينطلق من نبلة طفل- غيّر مسار القبيلة من رحلة ( النشوق و الدمر).. إلى رحلات الرصاص و السيف..
· " نحن بقينا ما نحن".. و النزيف تحرك بسرعة البث الفضائي إلى القرى البعيدة.. فحين سافر ذاك الشاب المتوثب إلى قريته لخطبة نوارة الفريق السمراء.. جاءته مبتسمة في انتشاء.. لم يعرفها.. كانت بيضاء.. بنات الحي صرن كلهن بيض الوجوه.. أقفل عائداً إل الخرطوم يغالبه النعاس.. و بداخل حقيبته ( صرةً) من رمال القرية.. إختطفها على عجل مخافة أن تتحول هي الأخرى إلى جليد مستورد من السويد أو النرويج..
· و السماسرة في الخرطوم لا عمل لهم سوى التحلق حول ستات الشاي تحت أشجار النيم و اللبخ استعداداً لاصطياد المزارعين و الرعاة القادمين من القرى البعيدة.. و تساعد الحكومة جيوش السماسرة في معاركهم ضد القوى المنتجة..
· و انتشر العفن في المكاتب- جميع المكاتب- رِشَىً ( مدنكلة) يحلبها المحاسيب عل مرآىً و مسمع من الجميع.. يحلبونها من جيوبنا دلالة على ضعفنا و عدم قدرتنا على إرسال الفساد إلى حبل المشنقة.. و الكل يدافع عنه بالصمت حيناً و التبرير حيناً و بوضع الخطوط الحمراء في معظم االأحايين.. و المال يسيل من كفوفهم في ( هانقر السيارات) و ( المولات) ذات البضائع المستوردة لأن البلاد لا تنتج.. فالمنتجون لا يربحون أبداً.. و السماسرة لا يخسرون إطلاقاً.. و ريع خدمة الفساد يجعل المعادلات تميل لكفة المستورَد من السلع حتى تلك التي للسودان ميزة التفوق فيها.. " ما عادت هاتيك الأشياء هي الأشياء.."
· و أضحكني مسئول ناشد الرأسمالية الوطنية أن تتجه نحو لاستثمار الزراعي.. معذور ذاك المسئول.. إنه لا يعرف ما نعرف عن اللوائح و القوانين الحاضنة للفساد.. لذا بنى على الانسياب الطبيعي للاجراءات في المكاتب المعنية.. و لا يدري أن جماعته قد غيرت كل الأشياء.. و " نحن بقينا ما نحن"..
· السماسرة و الجوكية يقتفون آثار المستثمرين المحتمَلين.. و يطاردونهم براً و جواً و بحراً.. و تقديم معلومات ( مخيفة) عن تسويفات ( مُتَفق عليها).. و لوائح تقنن التسويف.. و تضخيم المهام التي سوف يقدمها السمسار للمستثمر المحتمل.. و من ثم تحديد مبلغ خرافي يتم دفعه خارج أورنيك 15..
· كيف لا يفزع المستثمر المحتمل من بيئة كهذه و كيف لا يهرب إلى حيث المؤسسية و الأمان..
· إن ما يتقاضاه السمسار في العملية الواحدة.. مبلغ كفيل بجعل كل المزارعين التقليديين يهجرون الزراعة.. و يأتون إلى الخرطوم ليجلسوا تحت أشجار النيم و اللبخ و يحتسون الشاي.. و المال يهبط عليهم مدراراً..
· يعلم ذاك المسئول بلا ريب أن معظم المستثمرين السودانيين هاجروا للاستثمار في إثيوبيا.. ماذا فعل النظام لجعل عودتهم إلى السودان في دائرة الإمكان؟
· في خاطري لقاء تم قبل حوالي الخمس سنوات بين وزير الدولة للاستثمار السوداني و السفير الاثيوبي الذي قدم إلى السودان قبل فترة وجيزة من اللقاء.. كنت حاضراً لتسهيل مهمة التواصل بين المسئولَّين ترجمةً لما يعن عليهما فهمه من مصطلحات.. و كان الغرض من الزيارة هو تبادل الاستفادة من خبرات البلدين في مجال الاسثمار.. و قد شرح السفير ما تعرضه إثيوبيا على المستثمر المحتمل.. و في مقدمتها الإجراءات ( الشفافة):- بنى تحتية.. و خرائط استثمارية جاهزة بمواصفات تتسق مع جميع أنواع المشاريع صناعية كانت أو زراعية أو خدمية.. مع بيان نوع التربة- لمن أراد- و المساحات كبيرها و متوسطها و صغيرها.. يختار منها المستثمر ما يتفق و رغبته و إمكاناته.. بلا تعقيدات..
· ربما استفادت اثيوبيا من سلبيات الخبرة السودانية .. لكننا لم نستفد من إيجابيات الخبرة الاثوبية.. فقد أقيل الوزير بعد فترة قصيرة من اللقاء بسبب ( هفوة) حدثت في أحد المؤتمرات الداخلية.. و ربما لم يترك تقريراً لذاك اللقاء في ملفات الوزارة.. فقد تم شنق الخدمة المدنية بحبل ( التمكين) المتين.. " و نحن بقينا ما نحن"
|
|
|
|
|
|