تربطني علاقة وثيقة بكمال الجزولي ، وتوثقت علاقتي به أكثر عندما تم فصلي من الخدمة ، إ لتقيت في وقت ما بعبدالله علي إبراهيم وكان كمال الجزولي هو السبب ، وكان الهدف مناقشة أمر فصلي ومنع الفنان محمد وردي من الغناء ، لن أخوض في تفاصيل اللقاء ، ولكني تعرفت على الراحل المقيم سمير جرجس مسعود ، أحببته ، كان رجلا صافيا ، فجعت كثيرا عندما رحل من دنيانا وأنا بعيد عن وطني ،أعتقد أن مثل سمير جرجس لا يموت بل يرحل " فعلا فارس ترجل من صهوته وغمرنا حزنا ، أعود ثانية وأقو ل ، أحبه كثيرا ، ثم عرفت أن له شقيق هنا في تورنتو إسمه ماهر جرجس مسعود ، وهو الشقيق الأصغر لسمير جرجس . جرجس تعلمت منه الكثير ، ألف باء صحافة ، تحريرا وإدارة أعمال ، لم يحدث أن شتمني أو مد يده ، وعندما قلت ذلك لوالدي – رحمه الله – قال لي : القبط ديل مسلمين بس داسينها ! سمير جرجس علامة فارقة في دنيا الصحافة ، صحفي ملتزم ، أنيق في كلماته بدون عجرفة وحب الذات ، متواضع جدا ، الخجل عنده عاطفة ثورية ، على الرغم من أنه كان يكبرني بسنوات وأنا في عز الشباب كان يشبه لي طفل صغير " مدردح " ، خير من كتب عنه د. عبدالله علي إبراهيم ، كمال الجزولي والسر مكي أبوزيد ، وثلاثتهم من كبار الكتاب
حول كتاب "جونتر جراس ومواجهة ماضٍ لا يمضي" لسمير جريس كان من المفترض أن أسافر إلى ألمانيا الديمقراطية وأدرس المسرح الملحمي ، فقد كنت معجبا جدا ببرتولد بريخت ، لدرجة أن أصدقائي في المسرح كانوا يسمونني بدرالدين بريخت ، وكنت أتمنى أن أقابل غونتر جلاس صاحب المواقف البطولية يعتبر كتاب "جونتر جراس ومواجهة ماضٍ لا يمضي"، لمؤلفه المترجم المعروف سمير جريس والصادر مؤخراً عن دار الكتب خان، أول كتاب نقدي باللغة العربية لأعمال الكاتب الألماني جراس، الحائز على جائزة نوبل عام 1999، ودوره المؤثّر في الأدب الألماني الجديد بعد الحرب العالمية الثانية. منصورة عز الدين إحدى مراسلي " قنطرة " قرأت الكتاب ، تقول منصورة : حين قرأت ترجمة حسين الموزاني لرواية جونتر جراس "الطبل الصفيح"، وقت صدورها عام 2000، اندهشت كيف تأخرت ترجمة رواية مهمة كهذه إلي العربية كل هذا الوقت! وحاولت تخيل ما كان يمكن أن يحدث لو سبقت ترجمة "الطبل الصفيح" - الرواية ذات الحمولة المعرفية والفلسفية العالية - ترجمات أدب أمريكا اللاتينية، خاصة أعمال ماركيز، إلي العربية! كنت مأخوذة بالعمل؛ بسخريته السوداء القاسية، وبشخصياته التي لا تُنسَي، وبالأساس بنكئه جراحاً كانت لا تزال حيَّة نازفة، في الوعي الألماني، دون مواربة أو تنصل من المسئولية الجماعية، ودون تضحية بمقتضيات الفن ومتطلباته. ثم تضاعفت دهشتي حين تحدثت عن الرواية مع آخرين، واكتشفت أن معظمهم إما لم يستطع إكمال قراءتها أو قرأها ولم تعجبه! دهشة مماثلة يعبر عنها الكاتب والمترجم سمير جريس في كتابه "جونتر جراس ومواجهة ماضٍ لا يمضي"، الصادر مؤخراً عن دار الكتب خان، ويعد مرجعاً مهماً لكل من يرغب في الولوج إلي عوالم الروائي الألماني الكبير، والاقتراب من وجوهه المتعددة المركبة.
تقول منصورة : غير أن سمير جريس لا يتوقف عند الدهشة والأسئلة، بل يقدم أجوبة نابعة من كتابة جراس نفسها ومن مستوي ترجمات أعماله للعربية، وهو إذ يفعل هذا، يتجاوز جراس، رغم أنه موضوعه وبؤرة اهتمامه، ليتأمل مشكلات الترجمة إلي العربية عموماً، واستهانة دور النشر العربية بدور محرر الترجمة، واستسهالها الترجمة عن لغات وسيطة، كما يستعرض جريس تأملاته الخاصة حول إشكاليات التلقي، وهو يتفحص اللامبالاة التي استقبل بها القراء العرب أعمال جراس، ويتوقف أمام ميل المثقفين العرب إلي التعامل مع جراس كرمز - تقديراً لمواقفه السياسية التي يفهمون خلفياتها تماماً - عوضاً عن قراءته ككاتب.
سمير جريس صحفي ومترجم مصري يعيش في ألمانيا. درس اللغة الألمانية وآدابها في القاهرة وجامعة ماينتس بألمانيا. ترجم سلسلة من الأعمال الأدبية الألمانية المعاصرة إلى العربية، منها "عازفة البيانو" للكاتبة النمساوية إلفريده يلينك الحائزة على جائزة نوبل عام 2004. وحصل في عام 2014 على جائزة الترجمة الأدبية من الألمانية إلى العربية من معهد غوته بالقاهرة، كما نال في عام 1996 الجائزة الأولى في ترجمة القصة من المجلس الأعلى للثقافة في مصر. وتقول : أثناء قراءة كتاب سمير جريس عن جراس، لم أتوقف عن المقارنة ورؤية واقعنا الثقافي في مرآة الواقع الثقافي الألماني ، لفت نظري مثلاً، أن يصل الأمر بالناقد الأدبي مارسيل رايش-رانتسكي إلي أن يظهر علي غلاف مجلة "دير شبيجل" وهو يمزق رواية جونتر جراس "مجال شاسع" كتعبير عن رأيه فيها! يري جريس محقاً أنه عند هذه النقطة كانت المعركة "قد خرجت من دائرة الأدب والنقد إلي حيز التشهير والتجريح، بل إن البعض اعتبر ذلك "شنقاً علنياً" للكاتب". لكن من جهة أخري، ثمة جانب إيجابي للأمر، فعبر هذا المثال وأمثلة أخري وردت في الكتاب، نكتشف أن الشهرة المبكرة لجراس لم تكن ضمانة لنجاحات نقدية مؤكدة، ففي حالة وجود نقد حقيقي، لا تعد الشهرة ولا المكانة عاصماً لأعمال الكاتب من النقد والتدقيق والتمحيص، المشوب بالتحامل أحياناً، وفي هذا علامة صحية مقارنةً بشيوع المجاملات النقدية عندنا والخضوع لسطوة الأسماء اللامعة بغض النظر عن المستوي الفني لما يكتبه أصحابها. نقطة أخري توقفت عندها، هي العواصف التي تعرض لها جراس في الستينيات، بسبب اتهام التيار المحافظ له بالبورنوجرافية والخلاعة؛ والتي وصلت حد أن أصبح جراس "كاتباً إباحياً" بحكم محكمة، ومع هذا لم تُمنع كتبه أو تُسحب من الأسواق. "جونتر جراس ومواجهة ماضٍ لا يمضي" كتاب مهم، يُعرِّف بأحد أهم كتاب القرن العشرين، ويقدم إطلالة مزدوجة علي الثقافتين الألمانية والعربية.
أبرز عناوين سودانيزواون لاين صباح اليوم الموافق ٤ يوليو ٢٠١٦
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة