تهليل الحكومة لرفع العقوبات الإقتصادية الذي تعتبره إنجازا تاريخيا كما وصفه أحد الوزراء ، يمكن إعتباره تحصيل حاصل ، لأنه جاء بعد أراقة ماء الوجه والإنبطاح وما يشبه الإستجداء للحكومة الأمريكية ، التي دنا عذابها ، فأرسلت الوفود وفد إثر وفد ، أفراداً وجماعات ، طرق صوفية ، إدارات أهلية ، وفود برلمانية ، ووساطات ، من دول قالت فيها ما قالت ، أيام سكرة السلطة ، ولم تترك الحكومة جهة يمكن أن تجعل أمريكا ترضى عليها ما وستطها ، لدرجة أنها استخدمت مؤسسات العلاقات العامة في أمريكا والتي صرفت عليها ملايين الدولارات لتحسين صورتها لمراكز صنع القرار في البيت الأبيض والكونجرس أو مجلس الشيوخ ، ومراكز الدراسات وغيرها . ( ويارب تكون الحكاية فيها فقرا ؟ ) . هذه هي ذاتها الحكومة التي تشتم الأمريكان صباحاً ومساءً ، وتصف دولتهم بأنها دولة الإستكبار والتي تنبأ أحدهم بأنها سوف تنهار قريبا وتكون نهاية الإستكبار ، رغم إننا كشعب لم نشتم هذه الشتائم ولم نردد تلك الشعارات التي تبرأ منها وزير الخارجية وآخرين لكن الواقع يقول إن هناك أضراراً كثيرة طالت المواطنين أخرها كان القرار الأخير بمنع دخول مواطنين من سبع دول بينها السودان . هذا التهليل والزغاريد يعكسان مدى اللهفة على هذه الخطوة ، وهذا الفرح لم يكن مبعثه أن رفع العقوبات يعود على البلاد بخير كانت البلاد محرومه منه ، فالخير موجود بدليل أن صادرات الذهب فقط أكثر من ثمانين طن ، وقبلها كان البترول يعود علي الخزينة بمليارات الدولارات والسياحة تدخل لخزينة الدولة أكثر من مليار دولار حسب تصريحات وزير السياحة وهناك إستثمارات بمئات المليارات و( برضو ) الأرقام دي حسب تصريحات وزير الإستثمار ، هذا عدا الصادرات التقليدية ( ثروة حيوانية وخلافه ) إذن الأموال موجودة حسب الرصد أعلاه ، فالمفروض أن تكون هذه الأموال مكدسة في بنك السودان وبالتالي يكون سعر الدولار لا يتعدى الجنية مادام يوجد ذلك الإحتياطي من الأموال خاصة وأن المشاريع التي نفذت كلها بالقروض ، وإذا كان الأمر متعلق بالتسهيلات البنكية فالواضح أن عمليات التصدير والإستيراد لم تتوقف ، خاصة أن كل واردات البلد التي تستوردها شركات وتجار لا يخافون الله ، وجلها من نفايات الدولة " الصديقة " التي لا تكلف كثيرا ولكننا نخسرمنها كثيرا( لمبات الإضاءة لا تصمد أكثر من أسبوع ) . عموما يتفق الجميع أن هذه العقوبات الإقتصادية كانت نتاجاً للطفولة السياسية ، وهناك إجماع من خبراء الإقتصاد بأن الأزمة الإقتصادية تكمن في تعطل الإنتاج بأشكاله المتنوعة ، زراعي وصناعي وخدمي وغيره ، وهي مشكلة ممكن حلها بالعودة إلي الإنتاج الذي عطلته الحكومة ، مشروع الجزيرة والمؤسسات التي كانت مملوكة للدولة والتي تم بيعها لصالح جماعات من الباطن فيما أطلق عليه الخصخصة إضافة للفساد الذي يمثل السبب الثاني الرئيس للأزمة الإقتصادية ، فإذا كانت الحكومة صادقة فعليها توجيه وزراءها وولاتها بتكريس الوقت للإنتاج بدلا من المشاريع الكلامية الإنصرافية والمهرجانات التي لا تقدم ولكنها تؤخر ، شي مهرجان تسوق ( تسوق في شنو ؟ ) شي دورة مدرسية شي مهرجان بركل في ظل تلك الحالة الإفتصادية ، فما يصرف على هذه الأشياء كان يمكن أن يفعل الكثير للإحتياجات الفعلية مثل الأدوية التي يعاني المواطن في الحصول عليها من مستشفيات الدولة والتأمين الصحي . العقوبات لا شك أنها كان لها تأثير في بعض الأنشطة الإقتصادية ، لكنها ليس هي السبب في كل شيء ، فما صرح به وزراء الحكومة يظهر وكأن الحياة في هذا البلد متوقفة على رفع العقوبات فللنظر للتصريحات في يوم رفع العقوبات والأيام التي تلته لنرى ذلك التهافت في هذه التصريحات ، معظم السادة الوزراء كان لهم شرف الإدلاء بتصريح في هذه المناسبة ، مؤكدين أن وزاراتهم ما عطلها عن الإنجاز والأداء غير العقوبات الإقتصادية ، ولا أدري إن كانت هذه إستراتيجية متفق عليها لتغطية العجز ؟ أم أن الحكاية تعود لقاعدة " تحدث تُعرف " وإثبات وجود ليس إلا . أتركو التصريحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع يرحمكم الله ، فإذا كان هناك فعل سيراه الناس ولا يحتاج للتصريحات الكتيرة التي يظن السادة الوزراء أنها تعزز الثقة في الإقتصاد ، علماً بأن ذلك يأتي بنتائج عكسية ، لأن الذي ينوي الإستثمار بالطبع لن يكتفي بالتصريحات التي ترد في الصحف . الموضوع لا يحتاج لكل هذه الهيصة ، كان يكفي بيان وزير الخارجية ثم يعقبه وزير المالية والطاقم الإقتصادي ليطرح رؤيته في ما ينبغي أن يكون عليه الحال في الفترة المقبلة مثل إعلان البداية بتعمير بمشروع الجزيرة يليه قطاع الثروة الحيوانية وهي موارد مثلها مثل الذهب والبترول ، ثم السكة حديد ، فالخطوط الجوية ، واللحاق بالخطوط البحرية قبل تصفيتها وبقية المنظومة من " الأوتاد " التي كانت تثبت الإقتصاد في هذا البلد . هذه الفرحة نعلم أنها ليس من أجل ورفقا بعامة الشعب الذي ظل المسؤلين يكثرون المدح لصبرة الطويل ، بل هذا التهليل فرحا بما سيأتي من أرزاق لهم ، وبدلا من هذا التهافت من كل الوزراء في الحكومة ، هذه فرصة ليت القائمين على الأمر إدركوها وربطوها مع مخرجات الحوار لتكون مدخلاً للإنتقال إلي مربع جديد يبدأ بفتح ملف التفاوض مع المعارضة الممانعة والتي قاطعت الحوار لعدم تهيئة الأسباب ، والوصول إلي إتفاق تنتهي معه الحرب حتى يتحقق الإستقرار ، ويأخذ كل ذي حق حقه وتهدأ النفوس وتصفو لتبدأ هذه المرحلة الجديدة بعد الإتفاق على حكومة قلبها على البلد والشعب .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة