كان الصديق إبراهيم جعفر قد قام، قبل نحوٍ من شهرين، بإفتراع خيط نقل عبره تقريراً من "إذاعة تمازج" مفاده أن رئيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال، مالك أقار، أحال سبعة من أعضاء الحركة وضباط جيشها الشعبي إلى التقاعد. وكنتُ قد ساهمت برفد ذلك الخيط ببيان من هؤلاء الضباط – كان قد بلغني عن طريق وسيط خاص – كان بمثابة رد على ذلك القرار. ثم تلوتُ ذلك بمساهمة تالية وعدت فيها بتقديم مُلخَّصٍ عن إتصالاتٍ كنتُ – وما أزال – أجريها مع بعض هؤلاء الضباط، الذين ظلوا يرفدونني بوثائق إضافية، كما مع عددٍ من أعضاء الحركة وحفنةٍ من غير أعضائها من المهتمين أو المتابعين لذلك الحدث، بما قبله وما بعده من قضايا ذات صلة. كان هدفي من تقديم ذلك التلخيص أن أساهم في إضاءة الخلفية، السياق (التنظيمي-السياسي-الإداري)، وربما تنبؤات بتداعيات مثل ذلك القرار، لا سيَّما وأنه تزامن مع إصدار مالك أقار قراراً مماثلاً بتجميد عضوية أعضاء آخرين في الحركة الشعبية - شمال (قبل أن يتم فصلهم لاحقاً أو فصل ثلاثة منهم على الأقل) هم كمال كمبال تية، الرئيس المُنْتَخَب للحركة الشعبية - شمال/فرع الملكة المتحدة وآيرلندا، أمين زكريا، وهو عضو مقيم في الولايات المتحدة، خالد كودي، وهو عضو مقيم في الولايات المتحدة، وأبكر آدم إسماعيل، مدير معهد التدريب السياسي للحركة الشعبية - شمال. كما تزامن ذلك مع نشوب خلاف إداري-تنظيمي-سياسي داخل الجبهة الثورية بين الكتلتين العريضتين اللتين تتكوَّن منهما، أي بين "كتلة حركات دارفور" والحركة الشعبية - شمال حول تداول رئاسة الجبهة.
بيد أنه – وفيما كانت إتصالاتي تتكرر وتنداح دائرتها، وبالتالي تتراكم المعلومات ووجهات النظر عبر الأحاديث والوثائق، تفكَّرتُ في أنَّ مجرد تقديم مُلخَّص ربما لا يقدم إضاءة كافية، بل قد يبتسر هذه الأحداث، أي يحبسها داخل حَدَثيَّتها، بمعنى يعزلها عن سياق "النمو" أو "التَشَكُّل" العام الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، قبل وبعد مرحلة فك الإرتباط التي نجمت عن إستقلال جنوب السودان. لذلك، ولمَّا كنتُ – وما أزال – أنزع نحو رؤية هذه الأحداث بحسبانها "أجزاء طافية من جبل الجليد" فحسب، كما عبَّر لي صديق معنيٍّ بمجمل السياق الذي إنبثقت فيه هذه الأحداث، تطوَّرتْ لديَّ فكرة إفتراع خيطٍ مستقلٍّ، له طموح الملف، ينهضُ على هيكلٍ يتكوَّن من: وثائقَ، حواراتٍ صحفية، إستطلاعِ رأيٍ وتعقيباتٍ أو مداخلاتٍ، آمل أن تساهم جميعها في مساعدتنا في الخروج بفهم أشمل وأعمق لماضي، حاضر ومستقبل الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال، اللتين لم تخلوا يوماً من تعقيدات ضخمة لا تعادل كماً، ولا تشبه نوعاً، تعقيدات أي تنظيم سياسي سوداني آخر. هذا يعني، بحسب تعبير آخر لنفس ذلك الصديق، أنني أميل إلى النظر إلى هذه الأحداث ك"مدخل مفتاحي لفهم هذه القرارات في سياق تطور الحركة الشعبية بعد الإنفصال وقبله حينما لم تكن هناك علاقة تنظيمية بين قطاع الشمال والمنطقتين، بحكم تبعيتهما لقطاع الجنوب". هنا تنبثق أسئلة كالتالية:
هل كان تقسيم الحركة، إبتداءً، إلى قطاعين مجدياً؟
ما هو الأساس النظري لفكرة حركة واحدة بقطاعين؟.
هل هدف السودان الجديد ما زال في الأجندة؟ قبل ذلك: هل كان "مفهوم السودان الجديد" متماسكاً نظرياً؟ هل كان مفهوماً أم شعاراً؟.
ما هي الهويَّة الفكرية-السياسية للحركة: أين رؤية الحركة وبرامجها؟ أين هي هياكلها؟.
هل كان سؤال الديموقراطية والمؤسسية حاضراً، وبأية درجة، نظرياً على الأقل؟.
هل كانت مركزية القرار والفعل ضرورة بنيوية ما مِنْ بُدٍّ منها للحركة على الدوام؟.
وماذا كانت، وما تزال، جدواها؟.
وفوق هذا وذاك: هل النضال المسلح، كوسيلة للتغيير، ما يزال مجدياً؟ هل هو مجرد أداة للوصول إلى هدف التغيير، أم عقيدة أو آيديولوجيا غير قابلة للنقاش ومن المحرمات؟ .
هنا، أعتقد أنه يغدو مناسباً أن أبدأ هذا الخيط بإعادة نشر قرار الإحالة إلى التقاعد، ثم تعقيب/بيان الضُبَّاط أنفسهم عليه، فوثيقة (وربما وثائق) تالية منهم، ثم حوار صحفي أجريته مع ثلاثة منهم، هم أحمد بَلْقَا أتيم، ياسر جعفر السنهوري ورمضان حسن نمر. كما سأورد نص قرارات تجميد، ثم إلغاء، عضوية بعض هؤلاء الأعضاء الأربعة الآخرين وردود بعضهم عليها.
سيعقبُ ذلك إستبيان أو إستطلاع للرأي قمت بارساله إلى نحو عشرين شخصاً، حتى الآن، حيث جاءتني إستجابة عملية، حتى اللحظة، من ستة منهم، وثمَّة وعدٌ أو أملٌ قوي في وصول مزيد من الردود. غير أنه ثمَّة شك كذلك في الحصول على بعض الردود، لا سيَّما من قبل أفراد لم يعلمونني بوصول نسخة من الإستطلاع إليهم، ناهيك عن أن يناقشونني فيها. المهم سأقوم بنشر ما يصلني من إستجاباتٍ تباعاً. وفي هذه الأثناء مرحباً بالتعقيبات أو المداخلات المتباينة، بما في ذلك من القيادة المُكَلَّفة للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال. كذلك من غير المستبعد أن أقوم بإجراء حوارات صحفية أخرى مع أفراد أو شخصيات ذات صلة بهذه الأحداث و/أو بالقضايا التي قد تساهم في إستدعائها، بالذات تلك التي تستجيب أو تقارب نوع الأسئلة المُقْتَرَحَة قبل قليل، فيما سأوَسِّع دائرة الإستطلاع الصحفي، بإرسال نسخ منه إلى مزيد من الأشخاص. على أنني أرجو من كل من يرى أو ترى أن به أو بها إستعداداً للمساهمة في الإستجابة لسؤال الإستطلاع، الذي سأقوم بنشره في مساحة قادمة هنا، أن ألا يتردد أو تتردد في كتابة رأيه أو رأيها ونشره هنا إما مباشرة أو بواسطتي أو عبر أي عضو آخر/عضوة أخرى في هذا المنبر.
بقي أن أقول بأنني ما فتئت أزداد قناعة، إستناداً إلى تجربتي الشخصية المدعومة بقناعات أو تجارب أو إقتراحات أفراد آخرين، بأن تأجيل مناقشة بعض القضايا التنظيمية على الملأ – و"الملأ" من حقه أن يعرف، بالذات حين ندعي أننا فمه – بالحجة الأخلاقية القائلة بأن لا أحد سوف يفيد منها غير العدو، لم – والأرجح لن – ينجم عنها سوى مساهمة أخلاقية مماثلة، أو عكسية بالأحرى، تؤدي إلى مزيد من التعقيد، أي التدهور، الضحايا وغالباً الكارثة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة