|
ماذا قصد إمام مسجد بُري أن يقول؟! محمد وقيع الله
|
ذكرت إحدى الصحف اليومية على صدر صفحتها الأولى أن إمام أحد المساجد العاصمية قال في خطبة الجمعة إن أسماء الله الحسنى أكثر من تسعة وتسعين اسما. وكأنما استعجبت الصحيفة هذا القول واستكبرته واستنكرته وسلطت عليه لذلك أضواء الصفحة الأولى التي تخصص عادة لنشر كبائر الأخبار وعجائب الآثار وتُحف النُظار. وقد كان الأولى بالمحرر الذي صاغ الخبر وبالمسؤول الصحفي الإداري الذي أجاز نشره أن يتحريا التدقيق اللُازم في المضمون الذي قامت الصحيفة بنشره. فليست أسماء الله تعالى الحُسنى والحَسَنة من طائفة الأنباء التي تُعامل بالتسرع والخفة ويُبادر إلى نشر خبر عنها ابتغاء الغرابة والطرافة. وقد كان على عقلاء المسؤولين بالصحيفة أن يسألوا عالما من أهل الذكر ليبين لهم ما خُفي عنهم من أمر الأسماء الحُسنى والحَسَنة وعددها. أو يراجعوا فضيلة الشيخ الإمام الذي تحدث في هذا الموضوع ليأخذوا منه درسا وشرحا إضافيا لما أدلى به من على المنبر الشريف ووعد بالعودة لتكملته. ونرجح أن يكون فضيلة السيد إمام وخطيب مسجد الشهيد محمود شريف ببري الشيخ عماد الدين حسين قد قال بما يقول به علماء العقيدة المعتمدين من أهل السنة والجماعة. وخلاصة قولهم هو ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم:" إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة ". ومعنى هذا أن من أحصى التسعة والتسعين من أسمائه تعالى دخل الجنة، وليس معناه أنه ليس له جل وعلا إلا تسعة وتسعين اسما. وقد وردت أسماء الله تعالى الحسنى في القرآن الكريم وأمرنا الله تعالى أن ندعوه تعالى بها. فقال تعالى:(وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ). الأعراف:180. والإلحاد في أسماء الله تعالى هو أن يُسمَّى بها غيره كتسميتهم اللات من الإله، والعزى من العزيز، وتسميتهم غير الله إلها. وقبل سنوات كنت أقوم بتدريس مقرر في التاريخ الإسلامي من تأليف البروفسور ألبرت حوراني فوجدته يقول إن محمدا جاء باسم الله من اسم الصنم اللات، وإنه اختار إلها واحدا ليعبده العرب، وحطم بقية الأصنام، واستنتج أن هذا هو معنى التوحيد الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وقد فطَّنت طلابي إلى سوء فهم البروفسور ذي الأصل العربي لمفهوم التوحيد الإسلامي، وذلك بسبب وقوعه في حبائل المستشرقين والمنصرين، الذي كتبوا كثيرا عن الإسلام في الغرب، وشوهوا مفاهيمه الجليلة، بمثل هذه التخرصات الوبيلة. ومن الإلحاد في أسماء الله تعالى تسميته تعالى بما لا يليق بجلاله. مثل وصف اليهود له بأنه فقير، وأن يده مغلولة، وأنه يصيبه التعب من العمل فيستريح في يوم السبت، وغير ذلك مما أنكره عليهم القرآن المجيد. ومن الإلحاد في أسماء الله تعالى تسمية النصارى له أبا. أو تسمية الفلاسفة له موجبا بذاته، أو علة فاعلة بالطبع. أو تسمية بعض المفكرين له بالمدير العام للكون، أو المهندس الأكبر، ونحو ذلك من الأوصاف التي أطلقها عليه - بحسن نية وجهل - الدكتور مصطفى محمود. ومن المؤكد أن فضيلة إمام مسجد بري لم ينح هذا المنحى ليضيف إلى أسماء الله تعالى وصفاته العُلى ما ليس منها على سبيل الإلحاد فيها. وإنما أراد أن يقول إن أسماء الله تعالى كثيرة لا تحصى. وإن منها ما استأثر الله تعالى في علم الغيب عنده، فلا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلا عن سائر البشر. فقد جاء صحيح ابن حبان:" ما قال عبدٌ قطُّ إذا أصابه هَمٌّ أو حُزْنٌ: اللَّهمَّ إنِّي عبدُكَ ابنُ عبدِكَ ابنُ أَمَتِكَ ناصِيَتي بيدِكَ ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فيَّ قضاؤُكَ أسأَلُكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ سمَّيْتَ به نفسَكَ أو أنزَلْتَه في كتابِكَ أو علَّمْتَه أحَدًا مِن خَلْقِكَ أوِ استأثَرْتَ به في عِلمِ الغيبِ عندَكَ أنْ تجعَلَ القُرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ بصَري وجِلاءَ حُزْني وذَهابَ همِّي إلَّا أذهَب اللهُ همَّه وأبدَله مكانَ حُزْنِه فرَحًا. قالوا: يا رسولَ اللهِ ينبغي لنا أنْ نتعلَّمَ هذه الكلماتِ؟ قال: أجَلْ، ينبغي لِمَن سمِعهنَّ أنْ يتعلَّمَهنَّ ". فالشاهد في هذا الحديث الشريف أن أسماء الله تعالى منها ما أُنزل في الكتاب ومنها ما لم يُنزل. ومنها ما استأثر بها الله تعالى في علمه. ومنها ما علمه لبعض أفاضل خلقه. ودليل ذلك ما جاء في الحديث الشريف الذي رواه أصحاب السنن، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، سمع داعيا يدعو:" اللهم إني أسألك بأن لك الملك، أنت الله المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى ". وقد ثبت في الصحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال:" إن الله وَترٌ يحب الوَتر". وفي الصحيح عنه أنه قال:" إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا". وفي الحديث الذي جاء بصحيح مسلم أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يقول:" سُبُّوح قُدُّوس". ومعنى سُبُّوح: المبرأ من النقائص والشريك، وكل ما لا يليق بمقام الألوهية. ومعنى قُدُّوس: المبارك المطهر من كل ما لا يليق بالخالق جل وعلا. وجميع أسماء الله تعالى التي وردت في السنة النبوية المكرمة تسمى بالأسماء الحَسَنة. وأما أسماء الله تعالى التي ورد ذكرها في القرآن الكريم فتسمى بالأسماء الحُسنى. وهذا ما قصر عن علمه المحرر الصحفي العجلان الذي حضر الخطبة واختطف منها خبرا مبتسرا سارع إلى نشره وشوش به على الناس.
|
|
|
|
|
|