|
مأساة دارفور بين انتهازية الاعلام الغربى وأكاذيب المتمردين
|
مأساة دارفور بين انتهازية الاعلام الغربى وأكاذيب المتمردين
المتابع للتغطية الاعلامية لمشكلة دارفور فى بعض أجهزة الاعلام الغربى لابد أن يلاحظ أن هذا الاعلام استغل مأساة إخواننا فى دارفور ابشع استغلال وأوضح الأمثلة على ذلك ما تبثه قناة البى بى سى من سموم عن طريق مراسليها الذين منحتهم الحكومة حرية الحركة داخل الاقليم ومن يرى تقارير هؤلاء المراسلين والمراسلات لابد أن يعتقد بأن جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقى يجرى فى دارفور ليس من قبل الجنجويد وحدهم وانما من قبل الجيش أيضا ومن بين التقارير التى عرضتها هذه القناة مؤخراً تقرير يصور الأوضاع فى بعض معسكرات النازحين تم تنسيقه بهدف أحداث أقصي درجات الضررعلى السودان وقدم التقرير أحد الأجانب بصفة مصور دون الافصاح عن الجهة التى يعمل لها و تحدث هذا المصور عن مقابر جماعية مع لقطات لبعض القبور المحفورة حديثا لتكملة السناريو المعد سلفاً ثم عرض التقرير بعد ذلك مناظر تصور جنود الجيش السودانى كأنهم وحوش يفتكون بدجاجة حية مما يعطى الانطباع بان هذه المناظر حدثت فى معسكرات النازحين ومن المحتمل أن تكون هذه اللقطات من تسجيلات قديمة لا علاقة لها بهذه المعسكرات لكن لامانع من عرضها بالصورة الخبيثة التى تؤدى الغرض وتعطى الدليل على أن الجيش السودانى هو سبب المأساة. فطبخ التقارير الصحفية المصورة ليس غريب على الاعلام البريطانى فخلال حرب العراق الاخيرة أرسل أحد المراسلين تقريرا ً الى القناة التى يتعامل معها يصورسفينة بريطانية وهى تطلق صواريخها الرهيبة على العراق واتضح لاحقاً أن التقرير مفبرك وان اللقطات مأخوذة من تقارير قديمة تسجل تدريبات للسفينة المعنية ولا علاقة لها بحرب العراق وكانت فضيحة إعلامية مجلجلة. إلا أن المشكلة ليست فى قناة البى بى سى ولا فى تقارير مراسليها المغرضة فهذا نهجهم نحو السودان منذ قديم الزمان فالذى يتوقع تغطية موضوعية من هذه القناة لأي شأن سودانى واهم. لقد ارتكبت الحكومة العديد من الاخطاء فى تعاملها إعلامياً مع مشكلة دارفور ولعل من أسوئها السماح لقناة البى بى سى ببث سمومها من داخل السودان والكل يعلم علم اليقين أن التقارير الاعلامية أصبحت تستخدم كأداة لتسهيل تنفيذ أهداف الدول الكبرى فى الهيمنة على مقدرات الشعوب المغلوبة على أمرها وما حدث فى العراق ليس ببعيد وعليه من المتوقع أن يكون لهذه التقارير تأثيرات سلبية على أي جهود دبلوماسية تقوم بها الحكومة لتفادى الادانات العالمية. والخطأ القاتل الآخر الذى ارتكبته الحكومة يتمثل فى منح تأشيرات دخول لكل من هب ودب بحجة الاغاثة وقد استغلت العديد من الجهات هذا الانفتاح للحصول على الأدلة التى تدين السودان سواء كانت أدلة حقيقية أم وهمية وما قامت به منظمة هيومان رايتس وتش اكبر دليل على ذلك حيث عرضت على أجهزة الاعلام الاجنبية ما تدعى بانها وثائق تحصلت عليها من داخل السودان تؤكد ضلوع بعض المسئولين فى الحكومة فى تحريك وتسليح الجنجويد وكل ما عرضته الكاميرات ترويسة الوثائق المزعومة ولم تشر المنظمة للجهد الذى بذلته للتحقق من صحة الوثائق المعروضة لكن الضرر المنشود قد وقع. من المؤكد أن الحكومة لاتستطيع منع وكالات الاغاثة من العمل وينبغى ألا تحاول فعل ذلك تحت أي ظرف لان أوضاع النازحين لاتسمح بذلك لكن عليها أن تراقب تحركات هذه الوكالات للتأكد من أن أفرادها لايستغلون الحرية الممنوحة لهم لتحقيق أهداف دول أو منظمات تسعى للنيل من السودان وتجربة الحكومة مع منظمات الاغاثة فى الجنوب غير بعيدة عن الأذهان حيث كانت بعض هذه المنظمات تستغل كل إمكانياتها لنقل العتاد للحركة الشعبية. لا شك فى أن السودان يواجه حملة إعلامية شرسة لم نعهدها حتى فى أوج انتهاكات حقوق الانسان فى الجنوب مما يثير كثير من التساؤلات ويعزز الاعتقاد السائد بان الهدف منها هو إكمال تركيع الحكومة فى الجنوب و تفتيت ما تبقى من السودان عن طريق تحريك الجبهات الغربية والشرقية وقد باغتت هذه الحملة الحكومة التى لم تعتد اصلاً التعامل مع الاعلام الأجنبي حيث تكشفت العديد من الثغرات أهمها عدم وجود كادر إعلامي ودبلوماسى متمرس يتقن اللغة الانجليزية ويجيد عرض المواقف أمام أجهزة الاعلام الأجنبية فحتى سفيرنا فى واشنطن عجز عن ذلك فى المقابلة التى أجرتها معه السى ان ان. ربما لم يفت الأوان بعد على توضيح الحقائق للرأي العام العالمى رغم المتاريس والفخاخ التى نصبتها وتنصبها البى بى سى والسى ان ان إلا أن تحقيق ذلك يتطلب أن تعي الحكومة أهمية التعامل باقتدار واحتراف مع وسائل الاعلام الغربية وذلك عن طريق حشد الطاقات ووضع الخطط والبرامج لحملة إعلامية منسقة ليس من خلال الاعلام المحلى وإنما من خلال الوصول المدروس لأجهزة الاعلام الأجنبية وخاصة الغربية. أما الاعتماد على تلفزيون أمد رمان لعرض وجهات النظر فلن يجدى فى دحض افتراءات الاعلام الغربى والاشاعات والأكاذيب التى ينشرها المتمردون ويتلقفها الاعلام الغربى كأنها حقائق مؤكدة فالواضح أن الحكومة لديها الكثير من المعلومات والأدلة التى تدين الطرف الآخر فى النزاع لكنها لاتصل الى الجهات الخارجية المؤثرة وان وصل بعضها يكون بصورة بدائية تؤدى الى عكس النتائج المرجوة منها فالحكومة ومعها السودان فى ورطة حقيقية فالنهج العشوائى الذى اعتدنا عليه فى تعاملاتنا الداخلية لايجدى فى هذه الظروف العصيبة. فكسب أي متعاطفين لموقف السودان يتطلب مجهودات ضخمة حيث أن السودان دولة منبوذة من قبل الاعلام الغربى ودوائر صنع القرار حتى قبل مشكلة دارفور ولأسباب معروفة هذا إضافة الى أن جهابذة المعارضة والمتمردين بلغ بهم الاستهتار مرحلة باتوا معها مستعدين للتضحية بالسودان وكيانه فى سبيل تفكيك نظام الجبهة فى الخرطوم عن طريق التكالب عليه من الأطراف بالتزامن مع الضغوط الخارجية ونسوا أو تناسوا أن حدوث ذلك سوف يؤدى الى صوملة السودان وعندها لن يجدوا الكراسى التى يلهثون خلفها. كل هذه العوامل تعقد وربما تحبط أي محاولة لتلافى الضرر الذى أصاب ويصيب السودان من خلال الحملة المنسقة التى تقودها دوائر صنع القرار فى الغرب بمساعدة المتمردين وفصائل المعارضة الأخرى إلا أن ذلك لايمنع من بذل أقصى جهد مستطاع على الصعيد الخارجى وبالتزامن مع ترتيب البيت الداخلى بحيث لا نسمح بالاختراقات سواء من قبل الاعلام المغرض أو منظمات الاغاثة فأي حكومة تحترم نفسها لا يمكن أن تسمح لقناة مثل قناة البى بى سى بالعمل من داخل أراضيها خاصة مع تغطيتها لما يحدث فى دارفور على أساس من الخبث وسوء النية والتحريض المكشوف.
حسن محمد على الرياض – المملكة العربية السعودية
|
|
|
|
|
|