|
ليس بالأمر المُزعج/الطاهر ساتي
|
:: ذهبوا بمدمن خمر ومخدرات إلى طبيب بغرض الترهيب والإقلاع عن (السُكرو السطل)، وكان الفصل خريفاً والطقس رائعاً.. قابله الطبيب، وبعد الكشف والفحص ومعرفة قصد أسرته من الزيارة، شرع يحذر المدمن: (البيرة مع الجو البارد دا بترفع الضغط، وقع ليك؟)، فهزّ رأسه موافقاً.. ثم حذره: (الويسكي مع الجو البارد بيقتل خلايا المخ، وقع ليك؟)، فهزّ رأسه موافقاً.. ثم حذره: (العرقي مع الجو البارد دا بعمل قرحة في المعدة، وقع ليك؟)، فهزّ رأسه موافقاً.. ثم حذره: (البنقو مع الجو البارد بيعمل تضخم في الرئة، وقع ليك؟)، فهزّ رأسه موافقاً.. وهكذا.. وعندما هبوا للمغادرة، سأله الطبيب عما يجب أن يفعل حتى لا يُصاب بتلك الأمراض، فرد بمنتهى الحيرة: (والله حيرتنا يا دكتور، ما في حل غير أخلي البلد دي طالما الأمراض دي كلها سببها الجو البارد دا)!!. :: وهكذا تقريباً طرائق تفكير وزارة التربية والتعليم بالخرطوم عندما تبحث عن حلول قضايا التعليم، إذ تدع القضية الأساسية في محلها بلا حلول ثم تلف وتدور على هامش القضية بحلول لا تحل (القضية الأساسية).. وعلى سبيل المثال الراهن، نقرأ ما يلي نصاً: (تأجيل العام الدراسي بسبب الأمطار والسيول ليس بالأمر المزُعج، ولا يوجد ما يستدعي فرض يوم السبت بحيث يكون يوماً دراسياً)، هكذا يُصرح وزير التربية والتعليم بالخرطوم، د.عبد المحمود النور، مُعقباً على انزعاج الأسر من العطلات التي تفرضها وزارة التربية على المدارس - أسبوعاً تلو الآخر - منذ (أول مطرة).. أسبوع ثم آخر (عُطلة)، وبالتأكيد الأمطار والسيول - وليس المسمى بالتخطيط الوزاري - هي التي سوف تتحكم في أمر الأسابيع القادمة. :: ونُقصان العام الدراسي، بحيث تُخصم منه الأسابيع أو الشهر حسب معدل الأمطار والسيول، يؤثر في العام الدراسي ومستوى التحصيل.. وهذا التأثير السلبي هو ما يُزعج أولياء الأمور، ومع ذلك يطمئنهم الوزير قائلاً: (ليس بالأمر المُزعج).. والأمر ليس بمزعج فقط، بل مُزعج للغاية، لأن كل ساعات اليوم الدراسي وكذلك كل أيام وأسابيع العام الدراسي معدودة - ومحسوبة - بدقة بحيث تكفي حجم التحصيل الأكاديمي، أو هكذا تفعل وزارات التعليم بدول الدنيا والعالمين، وهذا ما يُسمى بـ(التخطيط).. ولكن ربما في بلادنا لا توجد علاقة بين أسابيع العام الدراسي وحجم التحصيل الأكاديمي، أي يتم وضع جدول الحصص بالمزاج، وكذلك يتم تدريس تلك الحصص بالمزاج أيضاً، ولذلك لا ترى وزارة التربية في أمر هذه العُطلات الأسبوعية المتوالية (إزعاجاً)!. :: المهم، فلندع هذا العام الدرسي يمر (مقدوداً)، أي بما تم - وقد يتم - خصمه من أسابيع، إذ ربما فوجئت خُطط وزارة التعليم – أيضاً، كما خُطط الأخريات - بالخريف وأمطاره.. فهل تستفيد وزارة التربية من هذه الأزمة وتراجع أشهر عامها الدراسي بحيث لا تتأثر - وتتمزق - في المستقبل بالأمطار والسيول؟.. فالعام (24 شهراً)، وأشهر الخريف بالخرطوم لا تتجاوز (3 أشهر)، فلماذ تُقدس الوزارة أشهر الخريف بحيث تكون (جزء من العام الدراسي)؟.. تجميد يوم دراسي - ناهيك عن أسبوع أو شهر- له آثار على مستوى تحصيل الطالب، ولهذا نحمد لعقل مجتمعنا تقدمه على عقول سادة التربية والتربية بهذا (القلق النبيل).. ولو كانت كانت كل العقول - الشعبية والرسمية - سواسية أمام الحرص على مستوى التحصيل لكانت وزارة التربية والتعليم هي أكثر قلقاً وتوجساً من آثار هذه الأسابيع التي تُخصم من العام الدراسي.. ولكن الوزارة (ما فارقة معاها)، أو كما وصف حالها تصريحها بـ(ليس بالأمر المزعج)!.
|
|
|
|
|
|