. يموت المبدعون في بلادنا مرتين، مرة في حياتهم عندما يصبح التجاهل ونكران الجميل هو جزاء إبداعهم، ومرة أخرى بعد موتهم عندما يطويهم النسيان..!!
. فرحت عندما قرأت خبر تكريم المبدع الفنان شرحبيل أحمد، هذا العملاق الذي ساهم في تشكيل وعي أبناء جيلي من خلال أعماله الإبداعية في مجلة الصبيان وغيرها من الرسومات التي ما زالت راسخة في ذاكرتنا، ومن خلال مدرسته الفنية التي نحتها بأظافر من فولاذ حتى توج على قمتها (ملكاً للجاز)..!!
. الاستاذ شرحبيل أحمد هو فنان حقيقي متكامل، (مطرب، رسام، مؤلف، شاعر، قاص) برع في كل ضروب الفن وابدع وأوفى وكفى، وساهم بكل فخر في تشكيل جزء كبير من وجدان الشعب السوداني..!!
. لم يتوقف الإبداع عند شرحبيل، ظلت حواء السودانية تنجب المبدعين والمبدعات في شتى ضروب الابداع والفن والفكر، منهم من وجد حظه من التوثيق والإحتفاء به، ومنهم من ينتظر، وكثيرون ذهبوا بصمت ومع سبق الإصرار لا لشئ سوى الإختلافات الإيدلوجية والسياسية وأحيانا كثيرة القبلية.. ولكن رغم كل هذا الجحود ظل الإبداع يرفرف وما يزال..!!
. الأزمة الحقيقية في تعاملنا مع المبدع، تظل في كوننا نظن أننا بمجرد إعتلاء المسرح وإلقاء كلمة عصماء في حقه، وجلب الفرق المسيقية والإحتفاء به في ليلة بهجاء نكون قد أوفيناه حقه ومستحقه، وكرمناه في حياته قبل مماته، وازلنا الحرج أمام أنفسنا وتأنيب الضمير، نعم هكذا نظن، ولكن في الحقيقة ليس هذا هو التكريم الحقيقي للمبدع وليس هذا هو ما يستحق..!!
. احياناً كثيرة، نظن بأننا عندما نقيم في ذكرى موته تأبيناً، وتقديم كلمات الرثاء والمدح في حقه، نكون بهذا قد أحيينا ذكراه، ونسجنا له خيوط الخلود لأعماله.. لا .. سادتي ليس هكذا يكون الإحتفاء بالمبدعين (وليس بالمهرجانات تحيا ذكراهم)..!!
. المبدع عندما يتوقف عطاءه بسبب عامل السن أو المرض، أو بسبب الموت، يتوقف فقط العطاء الجسدي، ولكن تظل أعماله نبراسا يضئ للأجيال طرقات الإبتكار والابداع، وهنا التكريم والإحتفاء الحقيقي ليس بالتكريم الدعائي و(الإعلاني)او المهرجانات كما اسلفنا وإنما ببناء مؤسسات حقيقية تدرس خلالها كل هذه الفنون وتوثق لأعمالهم، تخيلوا معي، عندما تكون هناك (مؤسسة) إبداعية في كل مجال مقابل رحيل كل مبدع في هذه البلاد، فقط تخيلوا كمية الإبداع والإرث على هذه الأرض، واين كان موقع (سوداننا بين الأمم) في كل المجالات الإبداعية، من فن وفكر وفلسفة وعلوم حيوية ورياضيات وموسيقى ورسم وغناء ورياضة...الخ من ضروب الإبداع.. اين كنا سنكون بين الأمم؟.. ولكن للأسف.. يموت المبدعون في بلادنا ويموت إبداعهم الف مرة ومرة ولا عزاء..!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة