|
لماذا هنا عليكم يا قضاة السودان /خالد محمد الضو/ المحامى
|
" أيها السادة : أرجو أن يتسع لنا صدرُكم بالذي ضاق به صدرُنا أعزائى أن ما دفعنى لكتابة هذا المقال هو إلاهانة والأستهزاء التى يتعرض لها المحامين من القضاة اثناء تداول الجلسات وإلاهانة وعدم التعاون من الشرطة والحقُ أقول لكم ، وحقٌ أقول أن التصرفات التى تصدر من القضاة تعتبر مساساً بقيم المحاماة وأعرافها ، وحُسن العلاقة بيننا وإفتئاتاً علي القانون، سنكون فى هذا المقال صُرحاء .... أشد ما تكون الصراحة ، حتى ولو كانت موجعة للبعض ، أو تورم منها أنوف آخرين .. لأن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون ، وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم " ونقول .... ما الذي جعل العلاقة بين القضاء والمحامين وهم أبناء رحمٍ واحد وغاية واحدة ، تصل إلي هذا المنحنى وذلك المنعطف الخطر ؟! أقول لكم .. لم نبدأ نحنُ بالعداوة .. لم نتسلل إلي محرابكم .. ولكننا أصحاب حقٍ وأصحاب قضية وأصحاب رسالة .. وما آتينا نُمارس هذه الرسالة إلا بمقتضى القانون ومن منطق العدالة .. فلسنا دخلاء أيها السادة وليس الأمر منوط بالقضاة وحدهم .. فالعدالة لا تستقم علي قدمٍ واحدة. ونحنُ القدم الأخرى .. والقول بغير ذلك يهدم ميزان العدالة ويقوضها .. أليس للميزان كفتين ؟! ولئن كان الله خلق الإنسان من عينين ، وشفتين ، وأذنين ، وكفين ، وقدمين . فقد خلق الإنسان بقلبٍ واحد .. ولسانٍ واحد .. فأنتم أيها السادة القلب ، ونحنُ اللسان ، ومخطئ من ظن يوماً أن يضن علينا بالكلام ، وأُقر مطمئناً أن طبيعة عمل المحامي وخبرته المكتسبة من ممارسة المهنة ، لا يُمكن أن تحمله علي الإعتداء علي القاضي أبداً .. بينما طبيعة عمل القاضي الذي يؤدي وظيفته بين إحترام الجمهور ، ووسط الإبتسامات المتملقة ، والخضوع المغري من كل جانب تجعله يعتبر أن أي طلب يطلب منه أو مناقشة بينه وبين المحامي في عملهما المشترك خروجاً علي كرامة القضاء .. إن طبيعة عمل الفريقين جد مختلفة .. فالمحامي يرجو ويتوسل ويترافع علناً ويكتُب مذكراته .. ويؤكد في كل كلمة ثقته بعدالة قاضيه .. بينما طبيعة عمل القاضي السكوت ، علاوةً علي أنه لا يتكلم عن آداب المأمورية المشتركة بينهما .. بل لعله لا يراها كذلك .. ويعمل المحامي جاهداً علي إستمالة القاضي تمهيداً لإقناعه بحق موكله .. والقاضي لا يبغي شيئاً من المحامي .. ومن ثم لا تهمه حالته النفسية ، وقد يرى أن تكرار الخضوع حقاً خالصاً له .. فإذا قلنا بالمساواة والإخلاص بين الإثنين . أيها السادة : فإنما نرجو تلك المساواة الداخلية في التقدير والإحترام ، لا المساواة الخارجية المستمدة من خوف الجماهير وتحيات الجنود والحراس . فذلك مما لا مطمع لنا فيه ، ولا حاجة لنا به . نحن نعاني أيها السادة .. نعاني من إضطهاد السلطة وتهميشها لنا .. نعاني من عسف الإدارة وجهلها .. نعاني من ظلم الموكلين وأكلهم بالباطل حقوقنا .. بل ونعاني من ساعة دخولنا المحكمة ، وطمع صغار النفوس فينا .. ونعاني من صدود بعض القضاة وضيق صدورهم بنا .. نعاني في إنتظار بدء الجلسة والتي تتأخر لساعات .. فإذا ما إنصرفنا لقضاء مشاغلنا .. ثم عدنا .. يرفض القاضي أن يعيد القضية رغم أنه لا زالت الجلسة منعقدة وحينئذٍ تبدأ المُشاحنة التي ينتصر فيها القاضي دائماً . نعاني في حضورنا الجلسة وإبداء دفاعنا ، وما نعتقد أنه صواب ونؤمن به .. غير أن بعض القضاة يظهرون عدم الإكتراث بما نقول .. ويعرض عنا بصورة فيها إمتهان لكرامتنا .. ونلتزم في ذلك غاية اللياقة والأدب .. ونطوى الصدر عن ألمٍ دفين .. ثم يصدر القاضي حكمه .. وقد يكون خاطئًا .. فإذا ما طعنا علي ذلك ، نذكر في طعننا تأدباً ورقاً أن الحكم قد أخطأ ، ولا نقول أن القاضي هو الذي أخطأ .. نحنُ اللذينَّ ننتظر لساعات لبدء الجلسات .. نحنُ اللذينَّ نقف إجلالاً لكم حال دخولكم القاعة .. ونحنُ اللذينَّ نقف إحتراماً عند إنصرافكم .. ونحنُ اللذينَّ لا نتحدث بين أيديكم إلا بإذن ، ولا نصمت إلا بإذن .. نحنُ اللذينَّ تعلمنا من أسلافنا العظام الإنحناء في محرابكم تقديساً للعدالة .. ونحنُ اللذينَّ لا نخاطبكم إلا بالإحترام الكامل .. والتوقير اللازم ، ونلتمس ونبتهل ونتضرع ونفوض لكم الأمر من قبل ومن بعد .. ونحنُ اللذينَّ لا زالت أبواب نقابتنا مفتوحة لمن أراد منكم أن يعمل بالمحاماة بعد تقاعده .. بل ومن أكره منكم علي التقاعد .. ثم ماذا يفعل بعض القضاة معنا يومياً ؟! يضيق صدر بعضهم .. ويقطب جبين البعض الآخر .. بل ويصل الأمر أحياناً إلي حد التعريض بعملنا .. أليس هذا إنتقاصاً من الكرامة ؟!. سؤال يلح أيها السادة .. ويعيينا الجوابُ .. لماذا هنا عليكم .. ولماذا هان قدرنا لديكم .. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟! نحنُ لسنا عالة علي أحد أيها السادة .. وتقضي المادة (46) من القانون السوداني علي أن " للمحامى الحق في أن يعامل من المحاكم وسائر الجهات التي يحضر أمامها بالاحترام الواجب للمهنة " ، غير أن هذا الإحترام لا يصل إلي غايته ما لم تتضافر معه حماية تسبغ علي المحامي حال قيامه بواجبه وأمانته ، فلا جدوى من ترك واجب الإحترام للآخرين يبذلونه متى شاءوا ويفنون به متى أرادو " نملك الكثير أيها السادة من أخطاء ترد يومياً ونغضُ الطرف عنها ، لأننا نقدر القضاء وجلال دوره .. وتصوروا مدى إضطراب العدالة لو أننا تمسكنا بكل ذلك .. لكننا لن نفعل .. نعم .. ولن نفعل أي أمر من شأنه التهوين من مقامكم العالي .. فقيمكتم عندنا غالية وقامتكم في نظرنا عالية .. بقيت في كنانتي كلمة واحدة.. أجد من المناسب أن أُذكركم بها علَ الذكر تنفع المؤمنين .. وهو يوم الحديبية .. عندما منعت قريش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصدته عن المسجد الحرام والبلد الحرام ، فقال : " والله لا تدعوني قريش إلي خُطة توصل فيها الأرحام .. وتُعظم فيها الحرمات إلا أجبتم " .. صدق رسول الله .. ما أحوجنا أيها السادة إلي تعظيم الحرمات .. وإلي وصل الأرحام .. أيها السادة الأجلاء .. هذا بعض من معاناتنا خالد محمد الضو/ المحامى 20,01,2014
|
|
|
|
|
|