|
لماذا تأخر انتباه الوالي الكريم ؟/أ ُبي عزالدين عوض
|
لماذا لم ينتبه الوالي المجتهد دوما بإخلاص والمتفاني بصدق وحسن نية ، أو أجهزته الرقابية مبكرا لما يدور في مكتبه من اثنين من المجرمين مستحقي قطع اليد تعزيرا ؟
الإجابة قد تكون بسيطة : وهي أنه ليس لديه وقت لمكتبه ليجلس فيه لما يكفي !
فالوالي طوال اليوم في حالة دوران على ولايته وخروج عن مكتبه، نزولا لأرض الولاية، يفتتح مستشفى وعيادة هنا ومركزا صحيا هناك ، ويفتتح مدرسة وينشغل بافتتاح مشروع صغير أو كبير وحضور تأمين صحي لواحد من الأحياء وتدشين أمر وتلبية دعوة وندوة و مخاطبة حشد ويجتمع بوزرائه وبمعتمديه وبحزبه وبلجنة الأمن بالولاية و و و و (و كل واوات إسحاق ! ) ... وكل ما أراد مسؤول أو وزير أو معتمد أن يداهن الوالي وأن يطلب رضاه ويثبت له أنه يعمل، فإنه يقوم بدعوته ودعوة الإعلام لافتتاح منشأة لا تستحق أن يأتيها الوالي بذات نفسه !بل أحيانا قد لا يستحق الأمر أن يأتيه الوزير بنفسه، وإن كانت المشاريع مهمة للمواطنين في المناطق التي تقام فيها. ونحن لا نجد دولة فيها مثل هذا التواصل الكثيف بين الحاكم والمواطن بصورة يومية تثير الشفقة مثلما يحدث في كل جنبات السودان، وما زاد عن حده انقلب إلى ضده.
والوالي دائم الخروج من مكتبه محتكرا الظهور في كل مناسبات افتتاح المنشآت بالولاية بصورة ((يومية)) ! فلا نراه يقدم مسؤولين آخرين للذهاب لافتتاح المنشآت الخدمية والتنموية بدلا عنه، إلا نائبه أحيانا... حتى صار الشيطان يلبس علينا ليوهمنا أن الوالي يقوم بذلك كي يزكي نفسه إعلاميا لفترة انتخابية جديدة ! فالنأي بنفسك هو أفضل سيدي الوالي، سدا لذارائع الأقاويل، مثلما فعل سيدنا عمر متخوفا من ألسنة الناس مع إبل إبنه عبدالله في قصة: ((فيقولون)): ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين..
وإن الوالي الذي نحترمه -بلا شك- وندهش لنشاطه يظهر (يوميا) في كل مكان بالولاية وفي كل زمان ويعمل حتى بعد منتصف الليل ونشهد له بذلك... فمتى يجلس مرتاحا ليركز مع مكتبه وعمله ؟
الوالي ينزل بنفسه كأنه شاب تنفيذي صغير ويرهق نفسه بمتابعة كل المشاريع على أرض الواقع ، ويزور مشاريع كل وزراء الولاية الذين قام بتعيينهم ، وكذلك يحضر برامج كل معتمدي المحليات الذين جاء بهم ، فمتى يجلس الوالي المجتهد مثل الآلة ليقوم بعمله ؟ وكيف يتابع الأداء العام بتركيز من داخل مكتبه ؟ وكيف يستطيع أن يراقب طاولته الكبيرة ، ناهيك عما يدور خلف المكاتب الأخرى !!
وكيف تجد سيدي الوالي الوقت لرئاسة اللجنة الأمنية بالولاية ؟ وترأس المجلس الإستراتيجي الأعلى، وترأس الحزب الكبير في ولاية عضويتها أكثر من 1,047,000 عضو مسجل بقاعدة بيانات الحزب، وأنت ترأس المكتب القيادي لحزبك بالولاية ، وترأس عدة لجان ومسؤوليات ! كيف بالله ترأس كل ذلك !
أيها الوالي ، طالما تريد مواصلة لعب دور السوبرمان ، فستكون طائرا هكذا دوما ، ولن ترى ما يدور على الأرض، وسترهقك بشريتك وآدميتك ! ولن تجد الوقت لتقوم بإنشاء مفوضية مكافحة الفساد بالولاية. ولن تجد الوقت لتحضر بعض جلسات المجلس التشريعي الولائي.. كما لن تجد شورى الولاية وقتا لمحاسبتك على أدائك التنظيمي الحزبي ، ولا حتى أدائك التنفيذي الحكومي.. لتعينك بذلك على رؤية أوجه القصور، قبل التكبير لرؤية أوجه الإنجاز الذي لا تخطؤه عين. ولن تجد وقتا هكذا يا سيدي، لتبني الأنظمة الرقابية كما ينبغي، ولن يسعفك من حولك في وضع لوائح الضبط والمحاسبة، ابتداءا من محاسبة الغفير والمزارع بمبنى الولاية، وحتى تصلك في عليائك.
انزل أيها الوالي لمكتبك ، واترك المهام الشاقة الأخرى لموظفين ومسؤولين آخرين ، و قلل من الظهور في الإعلام ، ولا تذهب لكل افتتاح وإنجاز بولايتك في كل يوم ! ويمكنك تقديم وإظهار غيرك من الرجال، فالبلد والحزب والولاية لم تعدم الرجال، ولا تنقصها الكودر المؤهلة ، ولن تعاني أبدا من نقص المسؤولين الأكفاء الذين يمكن أن يذهبوا نيابة عنك ! فلماذا أنت وحدك دون غيرك تحضر ؟ ولماذا يصر المسؤول الأدنى على حضورك أنت فقط ؟ ما السر في إصرارهم هذا !
يا والينا يا عفيف اليد ، لديك وزراء تحتك ولديك معتمدون تحتك ، فمن أين ستجد الوقت لتلبي لهم طلباتهم بالحضور لمناسباتهم ؟ وهل كل مناسبة وإنجاز في محلية أو وزارة يستحق منك أن تترك مكتبك لتزوره ؟ سيسألك الله عن وقتك الإداري هذا فيم أفنيته ! وليس كثرة المرور على مرافق الولاية هو حكمة في الإدارة.. لا تظنن ذلك. بل هذا يضيع عليك الأسلوب القويم في مراقبة نفس هذه المرافق ... والتي تتعطل لحظات زيارتك، وساعات قبلها للإعداد لذلك.. بل كان يجب أن تكون زياراتك كلها مفاجئة.
السيد الوالي ورئيس الحزب بالولاية، إن تحتك كذلك أمناء أمانات بالولاية أتيت بهم في الحزب الحاكم الذي قدمك ضمن عدة مرشحين، واختارك لتكون مرشحا له قبل سنوات ، فهذه مسؤولية حزبية إضافية عليك ، فكيف تراقب كل هؤلاء في الحزب كذلك ؟ وكيف ترأس كل ذلك لوحدك ؟
وكيف سيجد مجلس شورى ولايتك الوقت ليحاسبك كما ينبغي على أدائك ؟ وأنت الذي ترأس حتى حزبك كله بالولاية ! بل كيف ستجد الوقت لأهل بيتك ليلا عندما تعود إليهم ؟ ووالله إن عصبيتك التي صارت تظهر كل آونة وأخرى عند ردك على من ينتقد أداء جهة تتبع لك، هي من جراء الضغط الكثيف والمتواصل عليك لخمس سنوات كاملات في هذه الولاية وحدها.. فمن يستطيع تحمل كل ذلك؟ وإن لبدنك عليك حقا.. وإن لنفسك عليك حقا .. أين حق النفس والبدن والعقل نفسه ؟ أفلا تطيع توجيهات رسولنا بأن ترتاح قليلا ؟ لله درك يا عبدالرحمن !
والينا الكريم ، إنما هي دورة واحدة فحسب ، فلا تترك تركة ثقيلة لمن سيأتي بعدك .. ولا تستقيل، فأنت قد لدغت من داخل حجرك وتعلمت الدرس، فابدأ حملة ضد الفساد وضد تأخير العمل وضد إخفاء الملفات في مكتبك وحكومتك. ولتتفرغ أيها الوالي للعمل الإداري الحقيقي بدل كثرة الزيارات والمناسبات والإفتتاحات التي تــــشـــرفــهـــا. ونعلم أنك قد نفذت أكثر من 72 % من برنامجك الإنتخابي وتبقى لك شهور معدودات لتكمل الربع الأخير من برنامجك بالولاية، ولكنك تحتاج وقفة مع النفس قبلها، وبعيدا عمن يدور في فلكك، حاملا البخور... فما قدمته كاف، فاهدأ قليلا، لترى ما لم تجد الفرصة لتراه... فقد تبقت المسؤولية على نواب الدوائر والمعتمدين الذين ينتظرون المجالس المحلية لتشاورهم، فخذ بيدك عليهم...
أيها الوالي المحترم ، أريد أن أجد لك وقتا لتختلي فيه مع نفسك ، وتقيم أداءك بنفسك بعيدا عن المطبلين الذين لا يجرؤون على تقويمك ، فالرجولة لدى البعض تنكسر عند ظهور المسؤول الذي يعلوهم !بل إن عقولهم تغيب عند حضور ولي الأمر، فتعقد ألسنتهم دهشة القداسة ! أريد لك عطلة أو فسحة قصيرة تلتقط فيها أنفاسك ... ففي أمريكا والدول المتقدمة شرقا وغربا، يرتاح المسؤول والرئيس نفسه يومين كاملين في الأسبوع، ولا يصيب عجلة العمل أي خلل.
أريد لك وقتا تعيد فيه حساباتك ، وتنظر من على البعد لما يدور ، ثم تأتي عائدا مسلطا سيف الإصلاح والتطوير ، طائعا في المنشط والمكره لقرارات رئيس الجمهورية الأخير في خطابه الأخير الذي وجه فيه الجميع بالإصلاح والتطوير والتجديد ، وأشار سيدنا رئيس الحزب والجمهورية بوضوح أن نبدأ بأنفسنا في المؤتمر الوطني قبل أن نطالب الآخرين بالإنتباه لعيوبهم وأسقامهم في العمل والخلل في أسلوب معارضتهم، التي صارت إدمانا أكثر منها عملا مفيدا وبناءا.
واستيقظ أيها الوالي المجتهد صادق النية ولا نزكيك على الله، وانتبه أنت وكل الولاة لمن تظن أنهم أهل لثقتك، واعلم حديث رسولنا المسطر في البخاري:
"ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى" .
عصمنا الله وإياكم سيدنا الوالي، وأعانك لتكون رقيبا على بطانتك، فلن تتركك بطانة الشر أينما ذهبت بنص الحديث، والنفس الأمارة بالسوء موجودة أنى ذهبت، فكن رقيبا عتيدا عليهم، مستعينا بالله على كشف ما يضيرك.. ومن الأمانة على إعلام الوالي وإعلام الولاية وإعلام حزبه بالولاية أن ينقلوا له المكتوب، بل من واجبه أن يطلع بنفسه على كل ما يكتب، لا أن ينتظر -فقط- ملخص ما يسمى بالراصد الصحفي!
ولك كل الإحترام والتقدير على كل ما قدمت، وما تقدمه منذ أن تفتح عينيك وحتى منامك بعد منتصف الليل والناس نيام. وجزاك الله خيرا سيدي الوالي وأعانك على مسؤولياتك في أصعب الولايات وأكثرها ملفات متنوعة وساخنة... وهل أفضل من ذلك دعاءا يأتيك منا ؟ وإن لم نكن نحبك في الله ، لما أضعنا سويعة لنكتب لك
م.أ ُبي عزالدين عوض [email protected]
|
|
|
|
|
|