الفساد : ضد الصلاح والجد والإخلاص في تولي الأمانات في التعامل والحفاظ عليها ، ويعني لغة البطلان والاضمحلال ويعرفه معجم أوكسفورد الإنجليزي بأنه " انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة " . أما البنك الدولي في تقرير له عن التنمية الصادر سنة 1977 فقد عرفه بأنه { سوء استغلال السلطة العامة من أجل الحصول على مكاسب شخصية } ( د سيف راشد الجابري ود كامل صكر القيسي ـ كيف واجه الإسلام الفساد الإداري ص 28 ) . لم يعجب تعريف البنك الدولي منظمة الشفافية الدولية ، لأنها حصرت الفساد في القطاع العام ، في حين أن الفساد قد يتجاوز القطاع العام إلى القطاع الخاص والمجتمع المدني . فعرفت الفساد بأنه { إساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة . } ( منظمة الشفافية الدولية ـ تقرير الفساد العالمي لسنة 2007 ) . وعلى كل فالفساد بمفهومه السياسي ، هو سوء استخدام السلطة واستغلالها من أجل ابتزاز الناس واختلاس الأموال العامة والاستفادة من الرشوة والمحسوبية وتمكين الأقارب والزبناء والأصدقاء والوسطاء وكل من يتعاطف مع المفسدين ، من أحزاب وطوائف وميلشيات من المكاسب والوظائف والمناصب غير مشروعة ودون مراعاة للعدل ولا للأهلية أو الكفاءة والجدارة والاختصاص العلمي ...
وفي المتداول اليومي يطلق مصطلح الفساد على الزنا ، فالذي يأتي الفاحشة ويشتهر بها يطلق عليه "فاسد " وأحيانا يقال له " فاسق "
والقرآن الكريم اهتم بالفساد ، كظاهرة اجتماعية عرفتها جميع المجتمعات الإنسانية قديمها وحديثها ، غنية كانت أم فقيرة ، ديكتاتورية أم ديمقراطية ، متطورة أم متخلفة ، متقدمة أم متخلفة . ولذلك تعمد القرآن الكريم شد الانتباه لخطورة هذه الظاهرة ، فكرر ذكرها في العديد من الآيات الكريمة أذكر منها : قوله سبحان وتعالى : [ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ] ( الروم آية 41 ) وقوله تعالى : [ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعقبة للمتقين ] ( القصص آية 83 ] وقوله : [ أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ] ( سورة ص آية 28 ] وقوله : [ ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين ] ( يونس آية 40 ) .
إن كلمة الفساد ترددت في القرآن الكريم خمسون مرة وذلك للتنبيه والتحذير من مخاطر هذا الوباء ونتائجه المدمرة للفرد والمجتمع على مستوى القيم والمثل العليا ، وله انعكاسات سلبية على سير الحياة سيرا طبيعيا مستقيما ، فهو يقضي على الروح والقيم الإنسانية ، لدى الفرد كما يقضي على القوى الإنتاجية والعطاء الاقتصادي وعلى كل الإمكانات والمصادر التنموية في المجتمع ، وقد يعرض الأمة بكاملها للانهيار على جميع المستويات ومنها الاستعمار ، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة [ وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ] ( سورة البقرة آية 205 ) . ولهذه الأسباب حث القرآن الكريم على التصدي للفساد وكشفه وفضحه .
إن محاربة الفساد ومواجهته تعتبر واجبة شرعا ، وهي ضرورة دينية قبل أن تكون ضرورة مجتمعية وأخلاقية وإنسانية في بناء المجتمع الصالح ، وكل من قصر في محاربة الفساد ، أو تعاون مع المفسدين مباشرة أو بطرق ملتوية ، أو رضي بالفساد في مجتمعه فهو عاص ، آثم ، مخالف لشرع الله ، ويحسب في أعداد المفسدين . وللفساد مظاهر عديدة منها : الفساد الفكري ـ الفساد الديني ـ الفساد الاقتصادي ـ الفساد السياسي ـ الفساد الإداري ـ الفساد الأخلاقي ـ الفساد المالي ـ الفساد ـ القضائي ـ الفساد الأمني والاجتماعي ـ الفساد الإيماني أو العقدي ـ الفساد المؤسساتي ...
إن لهذه الأنواع من الفساد ولغيرها ، أسباب متعددة ومختلفة ، ولكن نتائجها ومخاطرها على مستوى الواقع والحياة الاجتماعية واحدة ، فهي تجتمع كلها وتتفق على تدمير الإنسان وإفساد المجتمع ، وهلاك الأمة وخلق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية ، وتقويض رزق العباد ، وتغييب العدل ونشر الظلم ... مقابل تحقيق مصالح فردية وشخصية ضيقة . وبما أن الفساد ظاهرة معقدة مركبة من العديد من الاختلالات ، يرى البعض أن لها أسباب متعددة ولكني أختزلها في ثلاثة :
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة