|
لـو أنَّ غازي يصـمت..!! بقلم/ محمد قسم الله محمد إبراهيم
|
لـو أنَّ غازي يصـمت..!! بقلم/ محمد قسم الله محمد إبراهيم [email protected] أخيراً وكأنّما أفاق غازي صلاح الدين من نومة أهل الكهف فخرج بورقه إلي سوق المدينة،هاهو يدعو للإصلاح رفقة آخرين بعد ربع قرن كانوا فيها شركاء الحكم نؤومي الضحي في عسل السلطة وبريق السلطان. وهي دعوة يطلقها الدكتور غازي تحت لافتة لإصلاح لكنها في حقيقة الأمر محاولة فاشلة للتبروء من مآلات الوضع الراهن الذي قادت إليه سياسات حكومة الإنقاذ. ومنذ بواكيرها في 1989 كان غازي من الصقور وكان يبصم بالعشرة وكان من ابطال مذكرة العشرة. والدكتور غازي صلاح الدين الذي يتبرأ الآن ويسعي لتسويق نفسه ليبدو مثل القديسة جان دارك في شعبيتها ورمزيتها عند الفرنسيين حين لعبت دور المنقذ والملهم. يبدو الدكتور غازي في حاجة للصمت اكثر من السابق لا لشئ إلا لأنه شريك أصيل في مآلات الحال ولا ينبغي له أن يخرج الآن متأخراً جداً رافعاً يديه ولسان حاله يقول:(أنا برئ مما يفعلون) ..صمت غازي كثيراً وهو يري ما يري ثم يتحدث الآن في موضع يظهره بمظهر الذي اغترف الخيرات لسنوات وسنوات وحين جانبته هذه الخيرات واستعصت عليه لم يلتزم داره وآثر الخروج بمظهر البطل القومي. وغازي الذي ترعرع في كنف الحركة الإسلامية وشارك ضمن فصيلها في أحداث 1976 ضد النظام النميري فصلته كلية الطب بجامعة الخرطوم وعاد إلي كليته بعد المصالحة الوطنية في 1977 التي استوعبت كل فصائل الجبهة الوطنية بمن فيهم الإسلاميين الذين شاركوا في السلطة وكان من نصيب غازي التدريس بجامعة الخرطوم والإنتداب للدراسات العليا بلندن التي تقلد فيها رئاسة المؤسسة الإسلامية ثم وبعد الإنقاذ ترك الجامعة وانخرط في صفوف الحكومة مستشاراً سياسياً للرئيس وتقلب في المناصب الوزارية الرفعية ما بين الخارجية والثقافة والإعلام والإتصالات ومؤسسات الحزب الحاكم وتولي كثيراً مستشاريات في رئاسة الجمهورية وملفات حساسة في السلام ومشكلة دارفور وكان من المقربين للقصر الجمهوري.وله مؤلفات فكرية طالعناها ونحن لم نزل بعد شأني شأن الكثيرين من أبناء جيلي في مقتبل دراستنا الجامعية هو والدكتور أمين حسن عمر والدكتور أزهري التجاني الذي يخضع لمشكلات قانونية أما القضاء. رجل بكل هذا الثراء المعرفي والفكري وثراء المشاركة التنظيمية التي أتاحت له مناصب رسمية ودستورية رفيعة ما كانت تأتيه منقادة إليه تجرجر أذيالها لولا إلتزامه التنظيمي الذي من دونه لبقي غازي محض طبيب في مكتب منزوٍ يقوم بتدريس الكيمياء الحيوية لطلابه عاماً بعد عام دون أن يسمع به أحد. والإلتزام التنظيمي مدعاة لكثير من التاريخ المصنوع ، وكثيرون من ذوي السيرة الذاتية المملوءة بالمشاركات صنعتهم تنظيماتهم وأحزابهم وفق نظرية الولاء وليس الكفاءة، والشاهد أنّ العشرات من الاكفاء تحتويهم مكاتبهم التي يعلوها الغبار. وغازي أحد هؤلاء الذين صنعهم التنظيم وليس الكفاءة وحدها فعبر الحركة الإسلامية وجد التدريب والتأهيل والإستوزار وسنحت له سوانح التأليف والنشر والتلميع كمفكر ومثقف يعبر عن أيديولوجية بعينها لطالما خدمها وخدمته حتي صنعت منه غازي صلاح الدين الذي يخرج للناس اليوم متبرئاً وكأنّ شيئاً لم يكن. وإن جاز لي السؤال أين كان الدكتور غازي طوال سنواته السابقة بل ومنذ العام 1976 حين كانت الحركة الإسلامية الراعي وكان هو يسعي بتبتل في محرابها؟ أين كان ولماذا صمت غازي أيام الإستوزار؟ ولماذا يملأ الدنيا ضجيجاً بعد أن فارق مكاتب المناصب؟ العشرات والمئات مثل غازي انسحبوا في صمت حين جانب الواقع المثال وبعضهم لم يشاركوا قيد أنملة وانسحبوا باكراً ولم يحاولوا الظهور كأبطال قوميين رغم تاريخهم العريق في العمل العام!!. إستبدّ الحنق بالدكتور غازي وكأنِّي بكل خطواته التي تلت إزاحته عن المناصب الرسمية ثمّ فصله من الحزب هي ردود افعال جاءت هكذا خبط عشواء بدليل أنه لم يكن للرجل خطة واضحة المعالم يسير عليها حتي عندما سُئل في وسائل الإعلام بعد فصله عن خطوته القادمة اجاب كل الإحتمالات مفتوحة وكأنه ينتظر الفعل الحكومي ليأتي برد الفعل المضاد للحكومة و(محل رهيفة التنقد). برغم أنّ غازي حتي الآن يتبع سياسة ناعمة غير معهودة في أحوال التضاد السياسي المكشوف والعمل المعارض. المثير للعجب في إستبراء الدكتور غازي هذا أنّه وصف نيفاشا في إحدي تعليقاته بعد فصله بأنها( أسوأ إتفاقية في تاريخ السودان) مع أنّ غازي نفسه كان باكراً جداً عراباً للمفاوضات مع الحركة الشعبية حتي مشاكوس الأرضية الصلبة التي انطلقت منها الحركة الشعبية للتمسك بتقرير المصير فيما بعد في اتفاقية نيفاشا الإبنة الشرعية لإتفاق مشاكوس الإطاري بقيادة غازي صلاح الدين الذي عاد وقتها للبلاد مزهواً كزهو هانيبال في معارك الرومان، ولعمري ما رأيتُ رجلاً يهجو نفسه إلا أبا دلامة حين يلبس العمامة وحين يخلع العمامة. يخطئ الدكتور غازي حين يسوِّق نفسه كبطل قومي وحين يستبرئ (وينفض يديه) وبراءة الأطفال في عينيه ثم يدعو للإصلاح هذه اللافتة البراقة ويتناسي الدكتور غازي المسئولية الأخلاقية لكل مشاركاته السابقة ومترتبات ذلك ويرمي باللائمة كلها حين ينتقد الحكومة علي زملائه السابقين ليبدأ من جديد رحلة البحث عن معطف آخر يتزيأ ومنعطف آخر يتخذه نقطة إنطلاق جديدة ولأنّ العبرة بالخواتيم فخواتيم مشروع الدكتور غازي الآنيَّة لا تنبئ بجديد يُعوَّل عليه مستقبليَّاً ولسنا علي استعداد لإعادة إنتاج الازمة.. يتحدث الدكتور غازي وهو أحوج ما يكون للصمت المطبق فليس ثمة ما يدعوه للكلام وقد تحدّث كثيراً طوال ربع قرن.
|
|
|
|
|
|