|
لا «للفُول» و«نعم للعدس».. !! بقلم أبوبكر يوسف إبراهيم
|
§ حينما ضاقَتْ في وجهنا السبل، وفي وجه المواطن الصالح «ابراهيم» بعد أن عمل في مهن عديدة انتهى بها جميعاً الى الفشل لأسباب خاصة وعامة وفي أغلب الأحيان الأمرين معاً!! .. وبعد سلسلة متصلة طويلة وعريضة ارتفاعاَ وهيوطاً ، كانت حافلة بشتى أنواع وألوان الإحباطات والانتكاسات والهزائم والصدمات, جاءه الإلهام - من عند الله – ثمّ تفتَّقت عبقريته عن اكتشاف يفسح له المجال مجدداً الى خوض غمار الحياة بنجاح, والوقوف على أرض صلبة لا يهزُّها هبوط الدولار ولا ارتفاع أو هبوط سعر برميل النفط ، ولا تلاعب وَدَحْرَجَة أي برميل آخر ، ولكن مع كل هذا فلا أحد يضمن من أن يظهر علينا أحدهم بأن يدعي أن سعر البقوليات مرتبط بهبوط وارتفاع اليوان الصيني أو الاوقية الموريتانية ، فكل شيء في مباح وممكن في بلادنا بلاد العجائب والغرائب !!
§ المهم قرَّر المواطن الصالح الكالح " ابراهيم " أن يفتح دكاناً لبيع «شوربة كوارع بدون كوارع»! واختار شارعاً شعبياً مكتظاً بالناس بالسوق العربي في زاوية مطلع درج لمبنى قديم يعود لأيام ميدان الامم المتحدة , ثمَّ عَلَّق لافتة قماشية كبيرة تعلن عن الافتتاح وبدء تقديم الشوربة الساخنة تحت اسم «شوربة الرصيف الوطني لمحاربة الجوع ». كان يشتري جوز كوارع عجلالي لعمل الشوربة ، أي أن الكوارع ليس جزءاً مباشرا مع الشوربة وانما مكون لرائحة وطعم الشوربة فقط، لأنه في نهاية اليوم يأخذ جوز الكوارع لاطعام عائلته بعد أن يكون حلب كل بهاريزها في الشوربة الوطنية المباعة للغلابة اسهاماً في محاربة الجوع واطعاماً لاصحاب الدخول المنخفضة " أوي "!!
§ وتصادف أن كان دكان «ابراهيم» مواجهاً تماماً لدكَّان على الرصيف المقابل لبيع «الفول» المصري. وتبيّن أن فكرة مشروع «العدس» بالذات, كان لها دلالات وإشارات ومعانٍ و«مغازٍ» كبيرة, واعتبرت من قبل الجميع ركيزة من ركائز التكافل الوطني المنشود ، ومدخلاً إيديولوجياً الى جوهر «التسامح والتراحم » وركناً أساسياً في مسيرة بناء التنمية المستدامة, وحصناً حصيناً منيعاً يحضن ويقي ويحمي صيغة العيش المشترك بين الضعفاء "التحت" والاغنياء الاثرياء السُمان الفوق، التي بسببها ارفع من قيمة «الهوت دوق والشاورما » و«البيتزا» وأي «خازوق» أو «زُنبَرَك»!! هذا الى جانب مزايا وعطايا «الفول» وحضوره التراثي الدائم في حياتنا كضرورة قومية وطنية في سياسة الانماء المتوازن والتكافل الاجتماعي بين الطبقات الدنيا , وفي تشكيل وبلورة معنى الاخوَّة المنضوية تحت بيارق الجهوية والطائفية والمناطقية والقبلية وباقي الجماليات المخفية.
§ وعليه يا سِيدِي الامانتي عليك، وتبعاً لمبدأ المنافسة في ظل «الاقتصاد الحر والخصخصة», كان لا بد من أن تندلع حمى المضاربات بين الدكَّانين المتقابلين. وكالعادة انقسم السودانيون الغلابة الى جماعتين, جماعة أكل «الفول» وجماعة أكل «شوربة العدس» فيما بقينا نحن الفريق الثالث, من جماعة أكل «الهوا!!» واقفون على الحياد نشاهد ما يجري دون أي تدخل أو انحياز لضمان النتائح التي قد تفرزها المنافسة الشعواء وبذلك نضمن نتائج نزيهة خالية من التزوير!!.
§ ووقوفنا على الحياد أمّن لنا حسن المشاهدة والمراقبة والاصغاء إذ علا بعد ذلك وطيس الصراع فَبَرَزَت تيارات عديدة ومدعومة من أكثر من طرف خارجي وداخلي وقارب أمر النزاع حدوداً ونقاطاً خطيرة, وَوَصَلَ الأمر الى «منظمة الحبوب العالمية» و«جامعة البامية العربية وجمعية المفروكة السودانية»!! ، وبحث الموضوع في «مجلس الشعير والقمح والعدس الدولي!!». وعلى الرغم من كل الوساطات وصدور القرارات, استمَّرت الخلافات والانشقاقات بالاتساع وبدأت البلاد بالتفسُّخ والتفتت والضياع!!.
§ عموماً نحن كجهة محايدة رصدنا في إحدى المعارك الضارية بين الجماعتين أن أصيب صاحبنا «ابراهيم» بضربة «مغرفة» ألمونيا كبيرة أعطَبَت له كتفه «اليمنى», مما حمله على الهرب متحاملاً على آلامه المبرّحة, فهاجر الى «بريطانيا» كلاجيء سياسي وكانت أسباب لجوئه هو التعرض للختان!!, حيث سريعاً تلقَّى هناك ضربة «مغرفة» ثانية من أحد الاخوة العرب, لخلاف عنيف حول «افريقيةأم عروبة السودان», فأعطبت له كتف «يسرى»!! ومنذ ذلك الحين ضاع «ابوخليل» وطاش حجره بين كتفيه المعطوبتين، ليعود في نهاية المطاف الى قريته في «جنوب كردفان » ويموت هناك بإحدى دانات الثورية التي استهدفت «المدنيين», فيما كانت البلاد بأمها وأبيها وعَجْرها وبَجْرِها تتهدَّم وتنهار بين قنابل «العدس» ومدافع «الفول!!».!! .. معليش الشلاقة رمت بأبي خليل لحتفه بنيران أهله الثوريين الذين لفقوا شهادة له وشهدوا على أنه غير مختون وهارب حتى لا ينفذ فيه حكم الختان، وبذلك أعطته السفارة تأشيرة اللجوء السياسي وبعد أن قدم شهادة طبية "ملفقة" أيضاً تثبت ذلك .. رحم الله أبوخليل بدأ بالعدس وانتهى باللحد!! .... بس خلاص ... سلامتكم.
|
|
|
|
|
|