|
لأجـل من يسـرق الرجـل وينهــب ؟ ../ مصعب المشـرّف
|
لأجل من يسرق الـــرجل ؟
مصعب المشرّف:
• ينبغي الإشارة أن المقصود بالمرأة في هذا المقال إنما تلك التي توسوس في صدر زوجها بالباطل ؛ وتدفعه لظلم الناس وسرقة المال العام أو الحصول عليه بشتى الوسائل لتلبية رغباتها ولهفتها للرفاهية . ومدى مسئوليتها التضامنية عن سرقات زوجها أمام الله عز وجل. • قال الفرزدق : ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزراً مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا. • العلاقة بين الزوج والزوجة تكاد تكون هي العلاقة الإنسانية الوحيدة "الواقعية" في كافة جوانبها وبكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. • سرقة المال العام أعظم من الذنب والخطيئة والكبيرة. • سرقة المال العام إعتداء على الحقوق . والحقوق لاتغتفر إلا بردها في الدنيا بقيمتها الدفترية أو السوقية (أيهما أعلى) .... ويتم ردها إلى مصدرها ، وإصلاح أثرها الإقتصادي السالب. والمثول أمام القضاء طواعية. • تغليف مضمون السرقة بمصطلحات غير مباشرة ، تظل كتغليف الخمر بأنها مشروبات روحية والزنا بأنه بهجة. والربا بأنه أرباح. • البعض يستهين بفكرة ولوج نار جهنم . وينسى في غمرة غفلته أن النار حق . وأنها حين يسألها خالقها "هل إمتلأتي؟" ؛ ترد بالقول: "هل من مزيد؟" ... ثم وقوله عز وجل "وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" - 119 - هود .................. عمت ظاهرة سرقة المال العام والإعتداء والإستيلاء عليه . وصارت هذه الظاهرة لعظم مساحتها وتغلغلها وشدة عفونتها حديث المجالس ؛ والمصدر الأول لضيق وتبرم كافة أهل السودان كبارهم وصغارهم . لاسيما في غياب الرادع والمحاسبة والشفافية . وعدم تقديم جناة ومعتدين إلى المحاكم . وحيث تشكل اللجان للتحقيق وتظل متجمدة على أمل أن يطوي الأمر النسيان . وعلى نحو بدأ يعطي الإنطباع وكأنّ هناك مافيا وشبكة عميقة معقدة تدير هذه السرقات وجرائم التهريب وغسيل الأموال ..... ويكاد هذا الفساد المستشري يشكل أهم الأسباب التي أوقعت البلاد حالياً في حفرة الإفلاس وإحتمالات الأيلولة إلى دولة فاشلة... وبرزت بسببها ظاهرة "الكذب الرسمي". والذي لاحظه المرء أن سياق كلمات ومضمون الشعارات والهتافات التي صاحبت إحتجاجات رفع الدعم عن المحروقات ... لوحظ أن القاسم المشترك بينها هو إستهجان الفساد واللصوصية وسرقة المال العام كظاهرة ومنهح ... وأن الغالبية الكاسحة من الشعب على قناعة بأن التردي الإقتصادي وشبح إفلاس الدولة الوشيك إنما مردّه إلى هذه الظاهرة في المقام الأول. والحديث ومناقشة ظاهرة سرقة المال العام وظاهرة التكسب الحرام من الوظيفة العامة أصبحت ملح الأحاديث اليومية بين كل شخصين فما فوق. قالت لي جدتي: - يا ولدي عمرك شفت راجل سرق عشان أمه وعشان أبوه ؟ قلت لها : - أها عشان منو بيسرق ؟ إعتلت قسمات وجهها الجميل إيتسامة ذات مغزى ثم قالت: - الراجل يا ولدي ما بيسرق إلا عشان مرتــو. ............... قيل أن الشاعر "الفرزدق" إمتنعت عليه زوجته "النوار" وخاصمته لدى "عبد الله بن الزبير" طالبة الطلاق . فذهب الفرزدق يحاول توسيط "حمزة بن عبد الله بن الزبير" في الأمر . فاحتمت "النوار" بزوجة عبد الله بن الزبير (تماضر بنت منظور) . فحكم عبد الله بن الزبير لمصلحة "النوار" بعد أن توسطت لها إمرأته .... فقال الفرزدق في ذلك : أمّا البنون فلم تقبل شفاعتهم ..... وشُفِّعَتْ بنت منظور بن زبّانا ليس الشّفيع الذي يأتيك مؤتزراً ...... مثل الشّفيع الذي يأتيك عُرْيَانَا يقصد بذلك أن عبد الله بن الزبير لم يقبل شفاعة إبنه حمزة فيه. وقبل شفاعة زوجته بنت منظور ؛ بسبب العلاقة الحميمية التي تجمع بين الزوج وزوجته . وإستعداده تلبية رغباتها وطلباتها عندما تأتيه عارية إلى فراش المتعة وبحسب الأحوال ...... والمؤتزر عكس العريان. وهناك من ينسب نفس المعنى للشاعر الحسن بن هاني (أبو نواس) ؛ الذي قصده أحد التجارلقضاء غرض لدى هارون الرشيد ، فلم يتمكن أبو نواس من خدمته . ثم مضت فترة قابل فيها أبو نواس ذلك التاجر . فسأله عن أحواله وماذا جرى لمشكلته , فقال له التاجر: - شفعت لي فيها السيدة زبيدة بنت جعفر (زوجة هارون الرشيد وبنت عمه) . فتم حلها ما بين عشية وضحاها وأنت ظللت تعدني شهراً وراء شهر بلا فائدة. فرد عليه أبو نواس بقوله: - شفاعة مثل الذي يأتيك مؤتزراً ..... ليست كمثل الذي يأتيك عريانا ........... والزوجة بوجه عام تضغط على زوجها في كافة الجوانب المتعلقة بتكاليف وأعباء ومظاهر الحياة الدنيا . وقد يكون هذا الضغط مباشرة أو بطريق غير مباشر .... فهناك زوجات لا تكف الواحدة منهن عن التبرم والشكوى من ضيق الحال في المسكن والمظهر ، وحتى لياقة زوجها النفسية والجسدية وقدراته الجنسية. وتسعى (بدهاء) لغسل مخه وتلبيسه الإحساس السلبي وتأنيب الضمير بأنه مقصر في حقها ، بعد أن كانت تعيش في طمأنينة وخالية البال والمسئولية في بيت أهلها... ومن ثم فإن عليه أن يسعى حثيثاً لتعويضها بشتى الوسائل.... وأضف إلى ذلك مقالة الفرزدق وإيراده لوصفة المرأة السحرية للحصول على شفاعة الرجل. وبذلك تظل الزوجة هي الأكثر تأثيراً على قرارات زوجها وقناعاته فيما يتعلق بجوانب حياته الإجتماعية ومداخيله ومنصرفاته المالية. والزوجة التي تفهم زوجها وتضع أصابعها على مفاتيح شخصيته ؛ تحوله إلى محض لبانة في يدها ؛ وعلى نحو تستطيع فيها إعادة تشكيله من جديد…. بل نرى الزوجة الذكية بالفطرة تضع نصب عينها منذ يوم الدخلة أن تتعرف على نقاط ضعف زوجها؛ على إدراك أنثوي منها أن توظيف هذه النقاط لمصلحتها يظل كفيلاً بإحكام سيطرتها عليه .. هناك الزوج الغيور جداً .. هناك الجنسي .. هناك الرومانسي .. هناك العاطفي الإنفعالي .. هناك الماكر … هناك المتردد .. هناك وهناك وهناك مما لايعد ولا يحصى من أصناف الرجال لجهة التعامل والتعايش مع المرأة تحت سقف واحد ووراء باب مغلق إبتداءاً من الملك والأمير والرئيس وإنتهاءاً بالغفير مرورا بالوكيل والوزير … ومن البلاهة بمكان أن نحكم على الرجل داخل بيته وغرفة نومه بنفس المقاييس التي نحكم بها عليه خارج بيته… وأحياناً كثيرة يكون الفرق كما بين السماء والأرض... ومهما قال أحدهما أو كلاهما وإدعى واصطنع لنفسه بالكلمات فلا أحد يدري سوى الله عز وجل ماذا يجري بين الزوجين بعد إن يغلقا عليهما الباب .. وهل يتحول الزوج إلى خروف وفـار ؛ والزوجة إلى حـيّة ناعمة وأرملة سوداء ؟ .. أم هل يتحول الزوج إلى أسد والزوجة إلى لبوة ؟ ... أم تطغى على العلاقة أشكال وأنماط أخرى مابين تراجيدية وكوميدية سوداء؟ والزوجة هي أكثر المخلوقات دراية بمداخيل زوجها ، وتعرف كل جنيه يدخل جيب زوجها بالزيادة أو يخرج منه بالنقصان .... ولو زاد راتب الزوج جنيهاً واحداً فإن الزوجة تحس به في وجه زوجها وإنفاقه ، وثقته بنفسه وعروضه الإنفاقية وحتى من طريقة مشيته وتقلبه في السرير..... وطالما كان الأمر كذلك فمن واجبها أن تطمئن على أن هذه المداخيل المستجدة قد جاءت من حلال يحله الله وليس ذلك النوع من "الحلال" الذي يبرره المرء لنفسه وعلى الهوى. وأما ضغوط الزوجة على زوجها فيما يتعلق بميزانية الأسرة المالية وأوجه الإنفاق فهي لا تنتهي . وقد لاتجد أو تجد لدى الغالبية الكاسحة من الرجال أذنا صاغية ، وتعمل فيه بغسيل دماغ ممنهج تحوله من إنسان قنوع إلى ذئب شـره جائع وحوت لا يشبع أبدا. ونظراً لطبيعة العلاقة بين الزوج وزوجته ؛ فإن النساء عادة ما يعملن على إستغلال حاجة الزوج إلى إثبات كفاءته أمامها لجهة أنه رجل بمعنى الكلمة . وأنه الحامي والمشبع لكل حاجاتها ونزواتها وغرائزها . وأنه يعلو ولا يعلى عليه. ومن هنا تعزف المرأة الشريرة على هذه الأوتار الحساسة في دواخل وعقل زوجها . فتغذي فيه أولا الإحساس بأنه رجلها الوحيد . وأنها تعيش في ظله وتحت حمايته بوصفه الذي لايرفض لها طلباً . وأنه ماليء العين وشاغل البال .. فتتقلب في صدره وبين يديه كاللبانة اللادن الساخنة ، وتعطيه أعمق آهاتها وأكثر مما يتوقع . وتظل تنفخ فيه نفخ الضب في نار إبراهيم حتى يسخن ويصير إلى حالة الطرطور والدلدول ؛ والسميع المجيب. وأكثر الأسلحة الخفية والظاهرة التي تستخدمها الزوجة في جانب تحريض زوجها على مد يده للمال بكافة السبل الخطرة أو الحرام هي إستفزاز رجولته بوضعه في حالة مقارنة بين فلان وفلان وعلان .. وكيف أن قريبتها فلانة تنعم بقصر منيف وملابس غالية وحلى ذهبية وسيارة آخر موديل ؛ وخادمات وطباخين وإجازات في عواصم الغرب والضباب .... إلخ ….. وتغمز وتلمز خلال كل ذلك بما يشير إلى أن كل هذا الخير والمتعة والرفاهية التي تغرق فيها هذه وتلك إنما بسبب ذكاء أزواجهن وفلاحتهم التي وفرت لهم مداخيل عالية. وأن هؤلاء ليسوا أفضل منه ولا أذكى ولا وكذا أو كذا .. إلخ من مقارنات حق تقصد بها باطل. فإذا حاول الزوج في البداية أن يدافع عن (فاقته) و (قصر يده) بالقول أن هذا يسرق المال العام ، وأن ذاك يأكل الربا أو يتلقى رشاوي . وأن قريبه يغسل أموال أو أن بعض أصدقائه الذين تتحدث عن رفاهية نسائهم يمارسون أعمال سمسرة غير قانونية مشبوهة. .... تسارع الزوجة بالنفي والتأكيد على نظافة أيدي أزواج صديقاتها وقريباتها وجاراتها وهلم جرا من صديقات صديقاتها أو زميلاتها في العمل أو قريبات زميلاتها .... وتذكره بأنه ليس الوحيد في زمانه . وعليه أن لايفترض أنه هو الصحيح وكل من حوله على خطأ … وتلمزه بأن هذه تبريرات الرجل الفاشل … وحيث الفشل هنا يقاس بكثرة المال وقلته دون قناعة بأية مقياس آخر. بعض الزوجات يدركن شبهات التغيرات الدراماتيكية أو حتى العادية في مداخيل زوجها سواء أكان موظفاً أو تاجراً .. ولكنهن مع ذلك يكتمن هذا الإدراك والشبهات عن أزواجهن ، ويمثلن فيها دور "المرأة الغبية" و "آخر من تعلم" ؛ ظناً منها أن ذلك يعفيها من المسئولية أمام الله عز وجل يوم الحساب العظيم . ولا يمنعها من التمتع بمسروقات زوجها في آن واحد. فهل ترعوي الزوجات اللواتي يشاركن أزواجهن ، ويدفعونهم إلى الحصول على الأموال بشتى الطرق الحرام ؟ ويبقى على الأئمة وأهل الوعظ والإرشاد أن يتحلوا بالشفافية والشجاعة اللازمة فيكثروا من تناول مثل هذا الأمر بالشرح والتفنيد والتوضيح ؛ لعل الذكرى تنفع المؤمن والتخويف يجبر اللاهي الساهي على الإعتدال . وحيث هناك مؤاخذات على هؤلاء الأئمة بأنهم يتحاشون الحديث المباشر عن مثل هذه الأمور المتعلقة بسرقات المال العام ، وأكل الربا ، وغسل الأموال خوفاً من أن يضرب السوط رأس المسئولين فيبطشون بهم أو يغضبون منهم .. وذلك على إدراك منهم أن الكبار وحدهم هم الذين يمتلكون النفوذ والجرأة والمقدرة ، والفرصة السانحة لمد اليد وسرقة المال العام.
|
|
|
|
|
|