ويمضي د. عصام البشير في تتبع بعض القضايا الفقهية منحازاً إلى المدرسة الوسطية ونورد اليوم حديثه عن كيف نصحح الدعاء؟، ويقول حول الموضوع ما يلي: هل اتسع الغبَش في المفهوم إلى حد أنك حين تصلي في المساجد تسمع الدعاء – حتى من غير جماعات التكفير فقط – دائماً ما يكون بالهلاك على اليهود والنصارى بل والمشركين... وهذا غير صحيح ومأخوذ من قصة خبيب بن عديّ حين أوثقته قريش وبضَّعت من لحمه وسفكت دمه وأوثقته إلى شجرة وقالوا له: "أتحب أن يكون محمد مكانك"؟ فرد: "والله لا أحب أن تكون معي عافية الدنيا ويُشاك رسول الله بشوكة". ثم قال: "اللهم بلّغ رسولنا ما يصنع القوم بنا، اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً" فجعلوا هذه المسألة قاعدة في الدعاء على الجميع. أولاً؛ الكافر إما يكون معاهداً أو مستأمناً أو محارباً أو مسالماً؛ المعاهد دمه وماله وعرضه مصان، وكذلك المستأمن مثل الشركات التي تدخل البلاد لإقامة طرق وخدمات، وهؤلاء دخلوا بأمان الدولة، الدولة أعطتهم تأشيرة دخول فهم آمنون. تبقّى المحارب الذي نردُّ عدوانه. اللعن الذي وجد في القرآن الكريم ذكرت فيه صفتان: " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ" (سورة المائدة، الآية 78) وحين أدعو على اليهود بوصفهم معتدين ظالمين مغتصبين محتلين "اللهم عليك باليهود الغاصبين"، ولكن حين أدعو على جنس النصارى وفيهم من بني وطننا المسالمين لنا الذين أمر الله تعالى " أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ" (سورة الممتحنة، الآية: 8) هل من تمام البر لرجل لم يبدأك، بعدوان ولم يظاهر على عداوتك ولم يخرجك من ديارك، وهو سلم لك ويلتزم بقانونك الذي مرجعيته الدين، ويتبادل معك المناسبات (الأفراح والأتراح) أنت مأمور بأن تبرّه، فهل من البر أن تلعنه وقد يكون جاراً للمسجد فيسمع كل جمعة هذا الشتم وهذا اللعن وهذا السب؟ ونحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبعث لعَّاناً ولا سبَّاباً، بل لما طلب منه أن يطبق على أهل الطائف الجبلين (الأخشبين) قال: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده". نحن دعاة ولسنا قضاة، نحن هداة ولسنا جباة، الأصل أن نلتمس الهداية ونتمنَّاها لكل البشر. كيف نصحح الدعاء؟ نقول اللهم اهدهم؟ نعم، المسالمون تقول "اللهم اهدهم للإسلام"، أو تقول بعبارة ثانية "اللهم من أراد بديننا ووطننا وأمتنا خيراً فاجعل الخير على يديه ومن أراد بنا شراً أو سوءاً فاجعل الدائرة عليه ورد كيده في نحره". أنت هنا قيَّدت الدعاء، من أرادك سلماً فالحمد لله، ومن أرادك عدواناً تسأل الله أن يردّ عدوانه، ولكن لا تدعُ على أهل دين وأهل وطن بالجملة، وفيهم الصالح والطالح، وفيهم المسلم وغير المسلم، وفيهم المعادي وفيهم المسالم، والدين لا يمكن أن يأخذ الجميع بجريرة واحدة. لقد نزلت تسع آيات تنصف يهودياً على مسلم وتقول للنبي صلى الله عليه وسلم: " لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا" (سورة النساء، الآية: 105)، وديننا دين عدل، ودين حق، ولذلك الغلو في هذه المسألة ليس سليماً. ولم يقتصر الدعاء على الكفار فقط بل توسّعوا فيه حتى شمل عصاة المسلمين المذنبين، فتجدهم يقولون: "اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعزّ فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك"، أليس الأولى أن نقول "يهدى فيه أهل معصيتك"؟ ألست أتمنى الهداية لأخي؟ والنبي صلى الله عليه وسلم فتح لنا باب التوبة وربنا فتح باب التوبة للجميع. الدعاء كذلك على الأمريكان (اللهم عليك بالأمريكان)؟ الدعاء على أهل بلد بالجملة لا يجوز، ففيهم المسلم، وفيهم المنصف لقضايانا، وفيهم المعادي، مشكلتنا أننا نعمم ونقول الغرب، الغرب ليس كتلة واحدة، نحن عشنا في الغرب، الغرب فيه الشعوب، والشعوب أكثرها مُجهّلة بفعل ترسانة الإعلام المعادي وضعف إعلامنا، وأيضاً الإعلام المعادي يصوّر أخطاء بعض المسلمين بأن يجعل من الحصاة جبلاً، فهم مشوّشون ومحتاجون إلى تجلية هذه الصورة، وهذا دور المراكز والأقليات المسلمة الموجودة في تلك البلاد. علينا أن نصحح الصورة. نحن مشكلتنا مع قوى الهيمنة والتسلط التي تريد أن تفرض على أمتنا رؤية حضارة مركزية كونية لا تعترف لنا بحق الخصوصية، ولكن القرآن في أهل الكتاب يقول "ليسوا سواء" (سورة آل عمران، الآية: 113). بعض شباب هذه المجموعات ينكرون إطلاق وصف شركاء لنا في الوطن من غير أهل الملة والدين بأنهم "إخواننا" كأن يقول رئيس الدولة "أخونا فلان" عن مسيحي شريك في الوطن بمعنى أن الأخوة لا تنعقد إلا بأخوة الإيمان؟ هذا ليس بصحيح، والذي يقرأ القرآن يجد إشارة إلى أنواع كثيرة من الأخوة. الأخوة تبدأ بالمعنى الأوسع وهو الأخوة الإنسانية وفي الحديث "وأشهد أن العباد كلهم إخوة" هذه أخوة إنسانية تنطلق من العبودية لله والبنوة لآدم، وأيضاً "أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد" هذه أخوة إنسانية. هناك أخوة رحم، وأخوة عشيرة، وأخوة قبيلة، وأخوة نسب، وأخوة مصاهرة، وأخوة دم، وأخوة إيمان. والأخوة الإيمانية أعلاها، والدليل على ذلك قوله تعالى: " كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ" (سورة الشعراء، الآية: 105 – 106)، فقد كذبوا بنوح وجحدوا نبوته، وكفروا برسالته ومع ذلك أثبت الله لهم الأخوة. " وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ" (سورة الأحقاف، الآية: 21)، " وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا" (سورة الأعراف، الآية: 65)، " وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا" (سورة الأعراف، الآية: 73). assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة