في هذا الزمن الاغبر اصبح من اصعب الاشياء في بلادنا هو الحصول على العلاج ، سواء كنت غنيا او فقيرا ، فالغني يعرف كيف يدبر حاله ويسافر إلى بلد طيره عجمي ويتلقى العلاج ، من الممكن ان يتحايل ويحصل على العلاج مجانا في بلاد العم سام ومن الممكن أن يحصل على الجواز بحجة أنه اتي من السودان بلد الحروب والنزاعات . وقد لفت نظري بالأمس تشييع الراحلة فاطمة احمد ابراهيم التي اتى جثمانها بالطائرة من لندن ، وكذلك الممثل الكويتي الراحل عبدالحسين عبدالرضا ايضا اتى من لندن .
والكثير من اعالي القوم والاغنياء لايثقون في العلاج ببلادهم ويسافرون إلى مستشفيات اوروبا وامريكا لتلقي العلاج ، لكن في المقابل رئيس وزراء العدو الاسرائيلي الاسبق ايريل شارون ، دخل المستشفى في تل ابيب ولم يغادرها منذ عدة سنوات حتى وافته المنية .
ونحن الذين تأسست كل الطب لدينا قبل تأسيس الدولة العبرية في عام 1948 ونحن في 29 فبراير 1924 افتتحت مدرسة كتشنر الطبية وقد قامت على نفقة حكومة السودان وأوقاف رجل البر والاحسان أحمد هاشم البغدادي رحمه الله الذي أوقف جميع ثروته للصرف على الكلية. وتعتبر مدرسة كتشنر أول مدرسة طب في شمال إفريقيا تنشأ على منهج متناسق ومتكامل ولم تتقيد بمنهج كليات الطب بإنجلترا. ونحن لسنا في وجه مقارنة ، او نقول من منا الاحسن، لكن لدينا جميعا سؤال واحد. لماذا تدهورت الخدمات الصحية في السودان بهذه الطريقة المريعة.
اذكر ولفترة قريبة عندما نذهب لمستشفى مدني ، لايطلب منك رسوم لمقابلة الطبيب أو حتى ابراز بطاقة شخصية أو بطاقة تأمين صحي أو اي اوراق ثبوتية ، وبمجرد انك مقيم في الاراضي السودانية ، من حقك العلاج والتعليم وغيرها من الخدمات المجانية . التي توفرها أي دولة من دول العالم للمقيمين فيها سواء كانوا مواطنين او مقيمين فيها من الجنسيات الأخرى حتى لو كانوا بصورة غير مشروعة. وأنت تقوم بتشخيص مرضك هل هو باطنية او جراحة ، ثم تجلس في احدى الكنبتين ، والدخول يتم بصورة حضارية ، دون أي شخص مختص من المستشفى ، مرة يدخل شخص من الكنبة اليمنى ومرة من الكنبة اليسرى. بكل ادب واحترام. ولايأتي شخص يطلب الدخول بدون نظام، ثم تدخل للطبيب الذي يقوم بالواجب تجاه بكل ادب واحترام ،ويقوم بتحويلك للأخصائي اذا لزم الامر ، دون واسطة او رسوم . وقد قابلنا الاخصائي دون ان ندفع قرشا واحدا ، وحتى الدواء ، تقوم بشراء زجاجة بقرش واحد حتى يقوم الصيدلاني باعطائك الدواء.
ففي كل قرية في السوداني أو مدينة أو حتى اماكن العرب الرحل يحصلون على خدمة العلاج المجاني في جميع المراحل ، دون أن يسأل عنه سواء كان سودانيا أو غير سوداني، ولم يكن حتى الاطباء والاخصائيين الذين يفتحون عيادات لا يأخذون الا مبالغ رمزية تعادل الجهد الذي يقدمونه.
و اليوم فالمستوصفات والعيادات والمستشفيات الخاصة فحدث ولاحرج ، يدخلونك إلى العناية المركزة بلا سبب حتى تدفع المزيد والمزيد من المال. حتى وجد الناس سفرهم إلى الاردن أو مصر او حتى اوروبا للعلاج ارخص بمليون مرة. وحتى بعض وزراء الصحة لديهم عيادات ومستشفيات يتكسبون منها ، وكيف تسمح الدولة للوزراء والتنفيذيين وهم من يجب عليهم السهر من أجل توفير الخدمة المجانية للمواطن المسكين الذي لايستطيع حتى شراء حبة الصداع او نزلة البرد أو غيرها من الاعراض وليس الامراض التكسب من وظائفهم.
وعدم توفر العلاج المجاني هذا قليل من كثير من معاناة اهلنا المساكين ، حيث يتركز الاخصائيون وغيرهم من المهن الطبية التخصصية في الخرطوم. ولايرضون الخروج منها ، ومعهم العذر ، بسبب عدم توفر الامكانيات لأداء واجباتهم الوظيفية. وكذلك المعدات والاجهزة الطبية . وحتى الكادر التمريضي والفني في شتى التخصصات على الرغم من تخرج الالاف من الجامعات السودانية المنتشرة في شتى انحاء البلاد.
ورحلة العلاج عند اهلنا البسطاء معاناة حقيقية تقضي على الاخضر واليابس، مما يضطرهم لطلب العون والمساعدة ، وطرق جميع الابواب حتى يتمكنون من الحصول على العلاج ، ويتعرضون للكثير من أجل ذلك ، لماذا الدولة ترفع يدها من هذه الخدمة الاستراتيجية المرتبطة بحياة الناس ، وكيف يربطون ذلك بصندوق الزكاة ، لأن الكثيرين يتعففون من ذلك ، ولماذا نربط كرامة الانسان بهذه الخدمة الضرورية التي يجب أن تقدم للفقير قبل الغني ، حتى يشعر بالعزة وهو داخل بلده.
وهذه المعاناة التي يعيشها البسطاء من ابناء شعبنا ليس مشكلتهم بل مشكلة من يتولون أمرنا ، الذين يغلبون المصلحة الخاصة القريبة على المصلحة العامة ، وقلة الحيلة ، لأن من يريد أن يستفيد يجب ان يكون ذكيا يفيد ويستفيد دون أن يحس به احدا ، اما الذي يقوم بتفكيك المستشفيات العامة حتى يستفيد هو شخصيا ، بعد هذه الثروة الهائلة التي جمعها يريد أن يجمع أكثر اعوذ بالله. ولنا عودة ان شاء الله
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة