|
كمال عبد اللطيف و..اختلال المعايير بقلم: بدور عبدالمنعم عبداللطيف
|
كمال عبد اللطيف و..اختلال المعايير بقلم: بدور عبدالمنعم عبداللطيف [email protected]
انتابت "كمال عبد اللطيف" - الوزير المُقال عن وزارة المعادن - نوبة هستيرية أثناء حفل قد أقيم لوداعه بمقر وزارة المعادن. وانخرط "كمال عبد اللطيف" في نوبة من البكاء الحارق مع موظفي الوزارة الذين اجتمعوا لوداعه. وكان السيد "كمال عبد اللطيف" قد أحدث حالة من الهرج والمرج أثناء اجتماع المجلس القيادي للحزب الحكومي مساء السبت 7 ديسمبر 2013 الماضي. وشُوهِد "كمال عبد اللطيف" عقب البت في أمر إقالته من الوزارة وهو غاضب ليعود بعدها وينفجربالبكاء داخل مقر وزارة المعادن. عرض مقطع اليوتيوب مشهداً "لخطبة الوداع" التي ألقاها الوزيرالمُقال "كمال عبد اللطيف" أمام حشد من مرؤسيه، وقد أوردتُ هذا "المشهد الفريد" والذي كان ينقصه "صيوان عزاء وأباريق قهوة"، لأنه قد أعاد إلى ذهني مشهداً من نوع آخر.. مشهدٌ أبطاله من نوعٍ آخر، لأن زمانهم – للأسف - كان غير هذا الزمان الذي اختلّت فيه المعايير. بدايةً أعرض هنا خطبة الوزير المُقال "كمال عبداللطيف"، والتي من الواضح أنه قد ارتجلها وهو فاقدٌ للبوصلة تماماً فجاءت على ذلك النسق من التشتت والعشوائية والكلام غير المفهوم .. الوزير: (( نحن عارفين ومتأكدين إنه يوم الحساب لا في برلمان..ولا في مُراجِع عام..ولا في حزب.عارفين إنه المراجعة والمحاسبة يلزمها في يوم لا بتلقى فيهو زول..ولا بتلقى فيهو مرة..ولا بتلقى فيهو أبو..ولا بتلقى فيهو أخو..ولا بتلقى فيهو صديق..ولا بتلقى فيهو شفيع. شفيعك أعمالك..شفيعك تجرُّدك..شفيعك إخلاصك..شفيعك عملك الصالح. وعشان كده يا جماعة أنا كنت زول (؟) ..وكنت زول هايج..وبكورك وبجوط في الناس..وبثور في الناس..وبكورك في الناس. ولكن والله ما حصل في يوم من الايام طوال السنتين القعدتها معاكم دي شلت لى حقد على زول ولا شلت لي كراهية على زول...))
الحضور: "حاشاك والله.. والله حاشاك" (نهنهة وبكاء). الوزير: ((والله ما حصل يوم نمت ولا ختيت راسي في المخدة إلا قلبي ده نضيف..وقلبي ده صافي...(نشيج ونحيب من الحضور) عشان كده مِن جيت وزارتكم دي كنت بنوم في اليوم "ساعة واحدة".. ساعة واحدة في الاربعة وعشرين ساعة.. لكن "الساعة بتساوي اطناشر ساعة لأنه القلب فاضي والضمير نضيف" .. الساعة باطناشر ساعة )) الحضور:" الله اكبر الله اكبر.". الوزير: ((فإنتوا أنا أسألكم بالله العلي القدير..أسألكم بالله العلي القدير..أسألكم بالله العلي القدير ..أسألكم بأولادكم..أسألكم بأزواجكم..أسألكم بنسوانكم.. أسألكن بأمهاتكن.. أسألكن بأبواتكم تعفو لي..تعفو لي لله والرسول..تعفو لله والرسول..(عويل وبكاء ونحيب وسط الحضور)..ما في زول إكون شايل حاجة في قلبو..اوعكم ما في زول إكون خاتي حاجة في قلبو..)) الحضور: (نشيج و عويل) الوزير: ((أعفو لى لله والرسول..الزول الشاكلتو..الزول الكوركت فيهو أعفو لى لله والرسول..وأنا الله أعلم قلبي من تالاكم نضيف.. نضيف زى جلابيتي دي..نضيف زى الجلابية دي)) قبل أن أدلف لعرض هذا المشهد الذي يماثل في جوهره المشهد أعلاه أرجو أن يسمح لي القارئ بتسليط الضوء على "شخصية" قد عايشت ذات التجربة، ليقيني أنها تعكس نوعية رجالات ذلك الزمن الجميل ومواقفهم حيال المناصب .. شخصية "المرحوم عبد المنعم عبد اللطيف". وأنا إذ أذكر والدي في ذلك الاطار، أجد نفسي رغماً عني وقد تداعت السنوات القهقرى، طفلةً في منزل يلجه أنماطٌ متباينة من البشر..كلهم تجمع بينهم الحاجة. التلميذ الذي تقف المصاريف حائلاً بينه وبين الدراسة..المدرس الذي يرجو نقله بجانب أسرته بعد وفاة والده..المريض يحتاج العلاج والدواء..الأرملة فقدت عائلها..العاطل ينشد عملاً..وأنماطاً أخرى كثيرة تسعهم الدار ولا يضيق بهم صاحب الدار، وكيف يضيق بهم وهو يلقاهم دوماً بوجه بشوش ضاحك يتبعه بدعابات طريفة كانت جزءاً من شخصيته، مما يرفع عن صاحب الحاجة الإحساس بالحرج. لم يُذكَر عن والدي أنه قد تخلّف عن دفن أو تشييع ميت يسمع به طوال حياته.عربته "الفولكس فاجن" الصغيرة، وبعدها "الفولجا" تنهبان الارض نهباً بين العاصمة "الخرطوم" و"مدني" و"رفاعة" وما جاورهما من قُرى "حَلاّل" لا تثنيهما العواصف والأمطاروالرعود، حتى عند ما كبر وذوى عوده، ظل لاخر لحظة يؤدي ذلك الواجب المقدس وكانت له عبارته الماثورة "أنا لا يمنعني من تشييع ميت اسمع به إلا إذا كنت أنا في النعش مكانه". شببت عن الطوق فرأيتُ في والدي إنساناً صريحاً، واضحاً، شجاعاً، يرفض أن يحني هامته أمام أي نظام شمولي مهما كانت ضراوته و شراسته. عارض سياسة "مايو" المُرتجلة في وزارة التربية والتعليم، فكان أن أُعفِي من منصبه، وأُعفي معه وكيل الوزارة المرحوم "مندور المهدي"، وعميد بخت الرضا المرحوم "أحمد حامد الفكي". وكالعادة صدر قرار الاعفاء من خلال المذياع "في أخبار الساعة الثانية والنصف بعد الظهر"، ودون أن يتسلم المفصولون خطابات تمهِّد لذلك القرار المرتجل. وحسبما جاء في المذكرة المؤرخة 4 أغسطس من عام 1969، والتي رفعها "محيي الدين صابر" وزير التربية –آنذاك- إلى مجلس وزراء "انقلاب مايو"، فقد كان سبب الإعفاء هو "عدم التجاوب مع ثورة مايو المظفرة" وعدم التعاون مع العاملين وبخاصة اتحاد نقابات المعلمين والمعلمات.. وفي صبيحة اليوم التالي، من صدور قرار الإعفاء كان منزلنا في ثكنات الجيش الإنجليزي "البركس" يعج بأفواج المعلمين والمعلمات وعلى رأسهم قيادات نقابات المعلمين الذين ورد في المذكرة أن قرار الإعفاء قد جاء بسبب عدم التعاون معهم.. كلهم قد هرعوا إلى منزلنا مناصرين ومؤيدين ومستنكرين ما زعمه "الوزيرالمايوي" في مذكرته من أن قرار الإعفاء قد جاء بسبب عدم التعاون معهم. وأمام تدفق ذلك الجمع لم يملك جدي الشيخ "عبد اللطيف" إلا أن يقول لابنه مداعباً: "الزول ما بعرفوا قيمته الا بعد موته. دحين يا ولدي إنت عرفت قيمتك في حياتك" ومن جهةٍ أخرى، فقد زار الوالد "المرحوم عبد الخالق محجوب" برفقه "المرحوم محمد سعيد القدال" وأكدا له أن ليس لحزبهم أو أيٍ من نقابات المعلمين التي يسيطرون عليها بما فيها اتحاد المعلمين العام دخلٌ بتك التوصية (فيما يتعلق به). في أعقاب انتفاضة رجب (أبريل 1985)، رُشِّح "عبد المنعم عبد اللطيف" من قبل التجمع الوطني لشغل منصب "وزير التربية والتعليم" إلا أنه اعتذر عن قبول ذلك المنصب فلم يكن رجالات ذلك الزمن الجميل- وهم يؤدون عملهم بكل التجرد والصدق وإنكار الذات – يلهثون وراء سلطةٍ أو منصبٍ أو جاه. تخريمة: كان "إبراهيم عبد المنعم عبد اللطيف" في طليعة الدبلوماسيين الذين تم استبعادهم من الخارجية في حكومة الإنقاذ – تحت مسمى الصالح العام – وكان "إبراهيم" وقتها يشغل منصب "القنصل" في سفارة السودان بلندن.
|
|
|
|
|
|