|
كلمة السيد كمال الدين حسين في تابين الراحل د قريب الله الانصاري
|
كمال حسين احمد خريج جامعة الخرطوم/ ما جستير في علوم الادراة من جامعة نيويورك ضابط مجلس بلدي بمدينة القضارف نائب امين عام مجلس الوزراء ورئيس مجلس ادارة الخطوط الجوية السودانية 1970-1969 امين عام الهئية العليا لمؤسسات القطاع العام 1970 1971 معتقل لفترة ستة اشهر بسجن كوبر مدير تنفيذي سابق بمنظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية ( اليونيدو) مقيم بالعاصمة النمساوية فيينا
ان تأبين قريب الله محمد حامد فرصة للتعبير عما علق في اذهاننا عن قريب الله وعن شخصيته المميزة التي حظيت بالتقدير في كل مراحل حياته. تعرفت على قريب الله في مرحلة الدراسة بجامعة الخرطوم وفترة النضال ضد الاستعمار, وقد كان مناضلا جسورا ومقداما شجاعا, وامينا مع نفسه وصريحا مع زملائه. تميز قريب الله بالذكاء والجرأة مما اكسبه تقدير واحترام الكثير من الطلاب وزملائه من الحزب الشيوعي. في تلك الايام كانت المظاهرات ضد الاستعمار نشاطا متصلا يقوم به طلاب الجامعة والمدارس الثانوية ممن كانوا يتجمعون بالمحطة الوسطى في قلب الخرطوم ومنها تنطلق المظاهرات. كان قريب الله ممن يقودون لك المظاهرات في جرأة وشجاعة بالرغم من تصدي رجال الشرطة بالعصي الغليظة لتفريقها واخمادها. كان يقود الصفوف, وبطوله الفارع يبدو ظاهرا حتى في المظاهرات المسائية. وفي احدى تلك المظاهرات التي تصدى لها البوليس بعنف نشطا في اعتقال قياداتها ممن كانوا يبقون لاخر فترة ممكنة بازلين كل جهد ممكن الا يتم اعتقالهم خشية القاء القبض عليهم وطردهم من الجامعة. في احدى تلك المظاهرات بعد هجمة شرسة من البوليس تفرق المتظاهرون فيما بقى عددا محدودا كان من ضمنهم قريب الله وعندما زاد عدد رجال الشرطة وضاق الخناق بدأنا نركض تفاديا للاعتقال. اذكر اننا كنا نجري نحو شارع القصر في اتجاه محطة السكة الحديد وكان قرب الله مسرعا امامي وخلفه شرطي يطارده. عندما وصلنا امام فندق فيكتوريا" ايامها" دلفت وعدد محدود لشوارع جنبية وازقة لكن ورغم ذلك وقعنا في قبضة الشرطة وتم اعتقالنا وحكم علينا القاضي الانجليزي بالسجن ستة اشهر مع وقف التنفيذ. ولدهشتي لم يكن قريب الله من بين المعتقلين كما توقعت. عندما التقيت به سالته كيف افلت من رجل الشرطة الذي كان يطاره؟؟ اوضح لي بطريقته الفكهة ان المطاردة استمرت الى مسافة طويلة من شارع القصر حتى قرب المحطة وعندما اعياه العدو وايقن انه لن يفلت من رجل البوليس استدار اليه وبشجاعته المعهودة وقوة حجته قال للشرطي:( انتو امرتوا بتفريق المظاهرة وتم ذلك... وانا هربت... وانت لسه جاري وراي... كلمني عاوز شنو؟؟)..... وما زلت ضحكه وهو يصف مدى دهشة الشرطي الذي ودعه قائلا( مع السلامة ارجع يا ولدي جامعتك بس بالشوارع الخلفية حتى ما يشوفك رجل بوليس) من المواقف الاخرى التي عشتها مع قريب الله حادثة تعود لايام الحكم الوطني الذي بعد فترة قصيرة واجه انشقاقا داخل حزب الاشقاء الى جناحين احدهما بقيادة الازهري الذي كان رئيسا للوزراء وجناح بقيادة الشيخ علي عبدالرحمن والاستاذ حماد توفيق مما افقد الازهري الاغلبية في البرلمان فبدأت مشاورات لايجاد حكومة جديدة. يوم ذاك اجتمعت قيادة الطلاب الشيوعيين بالجامعة لمناقشة الوضع السياسي والمخاطر المحيطة باستقلال البلاد نتيجة الانقسام الذي سيصب في مصلحة الاستعمار والموالين له. قرر الاجتماع ارسال وفد لمقابلة زعماء الجناحين ومطالبتهم باعادة النظر في مواقفهم قبل انتخاب حكومة جديدة تكون الوفد الطلابي من قريب الله وعمر مصطفى المكي وشخصي. ذهبنا ثلاثتنا لمنزل الازهري دون موعد مسبق ورغم ذلك احسن استقبالنا مستمعا لوجهة نظرنا, مشيرا ان الاغلبية معه وليس هناك خوف على مستقبل البلاد, مؤكدا انه حرر السودان من الاستعمار, وانه لن يهمل او يتهاون في مسيرته من اجل مصلحة البلاد. ,,,, عندها هب قريب الله بجرأة معلقا على حديث الازهر بقوله" ان مساهمتك ونضالك ضد الاستعمار تحظى بتقدير الشعب السوداني لكن الشعب السوداني بمختلف توجهاته ونقاباته وجماهيره المعادية للاستعمار ناضل وحرر السودان من الاستعمار. ....عندها رد الزعيم الازهري على جملة قريب الله الاعتراضية بقوله" نعم الشعب السوداني هو الذي حرر السودان ومن ثم هتف يعيش الشعب السوداني الذي لولاه ما كان لنا وجوده, مبديا استعداده لبذل كل جهد لازالة الخلاف وتوحيد حزبه لمواصلة النضال. بعدها توجهنا لمنزل الاستاذ حماد توفيق الذي بدوره استقبلنا في تواضع جم, واستمع لوجهة نظرنا واعدا ببذل كل جهد لازالة الخلاف توحيدا لحزبهم, مبديا تقديره لموقف الطلاب ولمبادرتهم.. لم تتح لنا الظروف بعد اكمال الدراسة الجامعية والتحاقنا بالخدمة المدنية داخل البلاد وخارجها بالتواصل المستمر كان اخر لقاء لي بقريب الله في مدينة هراري حيث كان مديرا لمكتب منظمة العمل الدولية, وممثلا لها معتمدا لدى بتسوانا وليسوتو وسوازيلاند من جانبي ذهبت الى هراري مندوبا عن اليونيدو" منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية) ترتيب وادراة مؤتمر يضم تلك المجموعة من الدول مما اتاح لي فرصة لقاء قريب الله. خلال ايام ذلك المؤتمر تبادلنا الحديث مع عدد كبير من وراء تلك الدول وما ان يعرفوا اني سوداني الا ويندفعوا في الثناء على شخصية قريب الله وتقدير مساهماته في تنمية بلادهم وعطائه في مجالات عمله نيابة عن منظمة العمل الدولية. ان تأبين الفقيد قريب الله من قبل من اتيحت لهم الفرصة للمشاركة يعكس ويبين الكثير من الجوانب الايجابية في شخصية قريب الله ونضاله المتصل من اجل وطنه ومثابرته لخدمة العمال والمزارعين, وتقدم البلاد اقتصاديا واجتماعيا, والعمل ضد الطغيان والظلم ومصادرة الحريات . ان مسيرة قريب الله ورفاقه ورفيقات دربه ممن فارقوا وفارقن دنيانا ستظل نبراسا مضئيا في طريق الشعب السوداني لتحقيق اهدافه. فارقنا قريب الله ملتحقا بمن فقدنا من افراد اسرته المناضلين برير محمد حامد وحامد الانصاري ورفيقة درب حامد المناضلة سعاد ابراهيم احمد ممن فارقونا بعد ان قدموا التضحيات وساهموا بالكثير في دعم نضال الشعب السوداني في مختلف مراحل حياتهم. ستظل ذكرى قريب الله باقية في اذهان كل من تعرف عليه وكل من اطلع على منجزاته وتضحياته التي لا تقدر بثمن...... ولتحيا ذكراه.
|
|
|
|
|
|