|
كلمات في ذكري رحيل الازهري : كتب صلاح الباشا من بحري
|
من سمات القيادات التي اسست للحركة الوطنية في السودان منذ تاسيس مؤتمر الخريجين في العام 1938م حتي انتهاء مهام المؤتمر في العام 1945م حين اعترفت الادارة الانجليزية بحركة الوعي السوداني فسمحت بقيام الاحزاب بالبلاد . من سمات تلك القيادات التي اتصفت بها هي التجرد التام والتواضع التام والالتصاق العميق بحركة الجماهير . وها هي الذكري الخامسة والاربعين لرحيل الرئيس الجليل اسماعيل الازهري الذي علم بالانقلاب المايوي المراهق في الرابعة صباحا بتاريخ 25 مايو 1969م وكان بامكانه ترك داره والاختفاء لحين اتضاح الرؤية ... لكنه اثر عدم المغادرة وذلك لسبب بسيط وهو انه كان متاكدا من طهارة جانبه ومن خلو صحيفته من اي جرائم سواء كانت مادية او جنائية.. فادي صلاة الفجر وجهز نفسه للاعتقال دون وجل . من الصفات الحميدة التي كان يمتاز به الازهري ومعظم جيله انه كان شديد الحفاظ علي مقدرات الدولة .. وذلك ناتج من خوفه وابناء جيله من سؤال الخالق جل وعلا .. ومن السمعة التاريخية لشخصيته من جانب ولسمعة حزبه من جانب اخر. كما ان الازهري كان يمتاز برحابة صدر ضد انتقاد معارضيه له وبلا مبررات تذكر خلاف الادعاء بالتقدمية او بحركة الاسلام السياسي اللتان كانتا تحدثان ضجيجا اعلاميا عالي الوتيرة .. وحين تحتدم المعارك الانتخابية فان حزبه يحقق الفوز الكبير قبل منتصف النهار. فكان لابد من واد ديمقراطية الازهري بالانقلابات في كل مرة قبل ان تكتمل الدورة البرلمانية المحددة باربع سنوات ... فتدخل البلاد في نفق مظلم يصعب الخروج منه الا بشق الانفس . قرات ذات مرة رواية تقول ان السيد محمد احمد محجوب حين كان رئيسا للوزارة ابان الحكم الائتلافي بين حزب الامة والاتحاي وكان الازهري رئيسا لمجلس السيادة الذي يمثل راس الدولة .. جاء المحجوب للازهري في القصر في اخر النهار واراد الازهري اكرامه بنفجان من القهوة .. غير انه تذكر ان عامل بوفيه الرئاسة متغيبا عن العمل بسبب زواج ابنه .. وقد كان الازهري مدعوا للغداء لهذا الزواج فطلب من المحجوب ان يرافقه .. كما كان هناك ايضا الوزير يحي الفضلي .. وفي السيارة طلب الازهري من المحجوب ان يقرضه مبلغ خمسه جنيهات ليمنحها للعامل صاحب الدعوة .. فاعتذر المحجوب بانه لا يحمل معه غير جنيها واحدا .. وهنا قال يحي الفضلي بانه يحمل مبلغ عشره جنيه فتقاسمها الازهري مع المحجوب ودفع كل منهما للرجل مبلغ خمسه جنيهات ... فتامل !!! من خصائص رجال ذلك الزمان انهم لا يسببون اي اذي لمعارضيهم في ميدان السياسة ولا يكممون افواهم ولا يصادرون صحفهم ولايوجد شيء يسمي بالفصل من الخدمة للصالح العام.. لذلك كان الموظف يخطط تماما لمستقبله .. متي يتزوج وكيف يمتلك قطعة ارض وفي كم سنة يبنيها .. وماذا يعمل بعد بلوغه سن التقاعد .. كما كانت الثقافة السياسية بالصحف مزدهرة ويانعة الاغصان وممتعة جدا وجاذبة للقاريء وللكتاب معا. ولقد شاهدت بنفسي في العام 1968م وقد كنت وقت ذاك طالبا بالمرحلة الثانوية بودمدني حيث قدمت الي ام درمان لزيارة اهلي ببيت المال ان شاهدت ومعي شلة من ابناء الاهل وقد كنا قادمين من مقهي يوسف الفكي بشارع الشهداء المؤدي الي صينية الازهري .. ان شاهدنا صيوان زواج لحفل عشاء في طرف الشارع في حي الشهداء .. وقد كان هو زواج الراحل الاستاذ عبدالخالق محجوب السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني .. وكان عبدالخالق نائبا برلمانيا عن دائرة الازهري نفسها حين فاز فيها مستقلا علي المرشح الاتحادي الراحل الاستاذ احمد زين العابدين المحامي .. وكان الصراع وقتها علي اشده بين الازهري وبجانبه المحجوب وبين الحزب الشيوعي الذي تم حله في العام 1965م . وهنا كانت المفاجاة ان راينا في صيوان العرس كل من الزعيم الازهري والمحجوب ورئيس البرلمان الراحل الدكتور الراحل مبارك الفاضل شداد وكوكبة من الوزراء وهم وقوفا خارج الصيوان يتبادلون الضحك والقفشات مع العريس عبدالخالق محجوب .. تاركين خلف ظهرهم صراعات السياسة ... فوقفنا مشدوهين ننظر اليهم في اعجاب مقرون مع الدهشة لهذا السلوك الذي فارق الحياة السياسية في السودان لاحقا . فهل ياتري يعود التسامح السياسي الي بلادنا تارة اخري بعد الفشل الذريع الذي حققته الانظمة السياسية التي اتت لاحقا ؟؟ ورحم الله الازهري ورفاقه الخالدين باعمالهم. mailto:[email protected]@gmail.com
|
|
|
|
|
|