كشف حساب بعد الكارثة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 03:31 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-14-2004, 00:29 AM

عـبدالـله عـلقـم-Dammam


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كشف حساب بعد الكارثة

    كشف حساب بعد الكارثة

    لم تعرف كسلا منذ مولدها حضنا غير حضن القاش الحاني المترع بالحب لكن ذلك الحضن ضاق بمحبوبته في الخريف الماضي فأطبق علي أتفاسها في غضبة مدمرة شرسة أشاعت الخراب والعدم .. لم تكن تلك الغضبة بلا نذر ولكن ما من مستمع.. حامد محمود مهندس وزارة الري في مدينة كسلا تغطي جدران مكتبه خرائط كبيرة للقاش توضح المسارات والمنحنيات والنقاط التي يمكن أن ينفلت منها النهر الجامح والمواقع التي تستوجب إقامة السدود والحواجز على طول المجرى والجداول الزمنية لتقوية تلك السدود والحواجز.. المهندس حامد كان ينظر للمستقبل بخوف وتشاؤم بسبب جفاف الاعتمادات المالية التي كانت تكفل صيانة هذه السدود والحواجز وتخليص مجرى النهر وما تحت الجسر من الرواسب والطمي. تنبأ المهندس حامد بالكارثة قبل سبع سنوات من وقوعها.. الأموال الحكومية ليست شحيحة كما يقولون للناس ولكنها كانت تذهب في أوجه صرف يرى أهل السلطان أنها أكثر أهمية من القاش.

    المسئولون عن شئون الري في أريتريا المجاورة حذروا من الكارثة قبل أيام من وقوعها.. قالوا إن النهر مندفع بسرعة شديدة وهو يسوق في طريقه كميات كبيرة من المياه ملفتة للنظر وطلبوا ممن يعنيهم الأمر، بحق الجوار والقربى والتاريخ، أن يفعلوا شيئا قبل فوات الأوان لحماية جارتهم الراسخة في وجدانهم.. التحذيرات الاريترية ذهبت أدراج الرياح في ظلمة خصومة فاجرة لم يأذن بها أهل كسلا ولم يستشر بشأنها أهل السودان.

    الوالي قال لمواطني المدينة فور تسلمه المنصب إنه لا يعدهم بشيء لأنه جاء فقط للاهتمام بالمسائل الأمنية والعسكرية في تلك المنطقة الحدودية الحساسة.. المدينة وأهل المدينة أنفسهم والقاش جميعهم لا حظ لهم من أولويات الحاكم.. منتهى التسلط الذي لم يوفر للمواطن حقه في البقاء بعد أن صادر حقه في الاختيار.. الوالي الجريء أنفق قبل الكارثة بأيام قليلة أكثر من 750 مليون جنيها لتجديد أسطول السيارات التي يستخدمها هو ومعاونوه وهو مبلغ كان كفيلا بدرء الكارثة أو التقليل من ضررها لو وضع تحت تصرف المهندس حامد محمود في الوقت المناسب. الوالي الذي لم يعد أهل المدينة إلا بالدم والعرق والدموع كان يجد الوقت الكافي لمتابعة مباريات كرة القدم لحد الهوس. عشية الكارثة طار إلى الخرطوم ليشهد مباراة بين الهلال والمريخ وروما توشك على الإختفاء تحت المياه..

    مشاهد الكارثة ستظل راسخة لسنوات طويلة قادمة في ذاكرة أطفال كسلا.. هرع الناس والطوفان في أعقابهم إلى ولي الأمر.. كان المحافظ هذه المرة.. الرجل صدهم في قبح شديد وكلمات فاجرة " أعمل ليكم شنو؟ أشرب ليكم الموية؟".. حسبهم الله ونعم الوكيل..
    تداعى كل شيء.. المساكن.. المدارس.. المستشفي.. المرافق العامة.. الدوائر الحكومية.. لم يعد هناك ما يصلح للعمل.. أكثر من نصف المدينة أصبح قاعا صفصفا.. المولى عز وجل لطف في قضائه الذي لا يرد.. اجتاح النهر المدينة في وضح النهار في غرور الفاتحين.. لم يتسلل للأزقة والحواري في جنح الظلام مثلما يفعل اللصوص ، لو تستر النهر بالظلام لبلغ عدد ضحاياه رقما فلكيا.. الله عز وجل لطف في قضائه وهو أرحم بالبشر من بعضهم ببعض.. رغم اللطف في القضاء أصاب المدينة نقص من الأنفس غير يسير.. أحد الضحايا ابتلعته أحد خنادق "سوداتل" التي تركتها مكشوفة مهملة قبل الطوفان.. لم يتقدم أحد من أهل المدينة إلى اليوم بمطالبة "سوداتل" بالتعويض عن الأضرار التي أحدثتها خنادقها في الشوارع والمتاجر والمنازل.. لم يطالب أهل الضحية التي ابتلعها الخندق بالتعويض.. ولكن من يجرأ على مساءلة امبراطورية "سوداتل" ؟ أو.. لماذا مساءلة "سوداتل" وحدها دون غيرها فهي مجرد طرف واحد من أطراف عديدة تكاتفت كلها لتصنع الكارثة؟

    عرفت كسلا الظمأ لأول مرة في حياتها.. غدت كل مياه الشرب ملوثة لا تصلح لشرب البشر.. هبطت في مطارها طائرة "هيركيوليز" ضخمة وهي محملة بكراتين المياه الصحية التي تبرعت بها إحدى منظمات الإغاثة العالمية.. الشحنة بأكملها وما أعقبها من شحنات تخاطفها أولو الأمر وذهبت لعيالهم وأتباعهم ومحاسيبهم. بعض كراتين المياه وجدت طريقها لأرفف المتاجر.. نفس هؤلاء اللصوص وتجار الكوارث من رسميين وغير رسميين سطوا على كل ما طالته أيديهم من غذاء ودواء وخيام وكل ما جاد به المحسنون الذين هم في معظمهم من خارج البلاد.. أبناء قبيلة الرشايدة وحدهم الذين هبوا ليطفئوا ظمأ المدينة حينما هبوا ليجلبوا الماء من نهر عطبرة على ظهر سياراتهم المحملة بالخزانات بدلا من سقي قطعان إبلهم على مدى يوم أو يومين كاملين في مشهد إنساني شديد الروعة.

    في خضم الكارثة جاءت منظمة دولية عصر يوم لوزير صحةالولاية لتسلمه معدات جديدة كافية لتعيد الحياة للمستشفى من جديد الذي دمرته المياه العمل. السيد الوزير رفض استلام الهدية عصر ذلك اليوم وطلب الانتظار حتى ضحى الغد.. السبب؟ لم يستح الوزير من القول إن التسليم والتسلم لا بد أن يتم أمام كاميرات التلفزيون التي لن تكون جاهزة للتصوير إلا في اليوم التالي.. مشهد قبيح غني عن التعليق.

    منظمة أخرى وفرت الخيام الكافية المجهزة لاستيعاب تلاميذ ثمانين مدرسة جرفتها المياه وطلبت من وزير التربية في الولاية قيام وزارته بأعمال تسوية الأرض التي ستنصب فيها الخيام .. لا أكثر.. السيد وزير التربية رفض الهدية هو الآخر لأنه ليس في وسعه توفير المخصصات المالية ولا المعدات اللازمة لتسوية الأرض.

    آلاف الوجبات الجاهزة الت تبرعت بها منظمات الإغاثة ظلت قابعة في المخازن حتى تلفت والضحايا يتضورون جوعا.. قافلة الإاثة القادمة من اريتريا ظلت محتجزة على بعد أميال قليلة من كسلا تنظر السماح لها بعبور الحدود.. بعض منظمات الإغاثة، ومن بينها منظمات قطرية، قفلت راجعة بمعوناتها حينما اشترط أهل السلطان في كسلا وفي الخرطوم على أن تسلمهم هذه المنظمات ما لديها ليقوموا بالتصرف فيه وفق ما يرون.. المانحون آثروا أن يقوموا هم بأنفسهم بتوصيل المعونات لمستحقيها مباشرة دون وسطاء، ربما لتجارب مريرة سابقة خبروها في كسلا وفي غير كسلا مع اللصوص تجار الكوارث وتيقنهم من أن ولاة الأمور ليسو فوق الشبهات..

    مشاهد كثيرة قبل وأثناء وبعد الكارثة مفجعة وتدمي القلب..

    تحرك الجبل بعد شهور طويلة والناس على أعتاب خريف جديد ونذر كارثة متجددة.. شهور قليلة ويعاود النهر الجامح غضبه وكسلا لا تزال مستسلمة لأحضانه في حب غريزي يودي بها للهلاك في كل مرة.. كونوا في الخرطوم لجنة جديدة سموها لجنة "ترويض القاش" الإسم جميل هو الآخر بمثل جمال مسميات كثيرة روضت أسماعنا لما يزيد عن عقد من الزمان.. إعادة صياغة الانسان السوداني.. الثورة التعليمية.. التكافل.. الأسلمة... المشروع الحضاري... الصالح العام.. الابتلاءات... المجاهدات... التأصيل... الإنقاذ.. الثوابت..التمكين.. وأخيرا "ترويض القاش".. لكم هم بارعون في صناعة الكلمات الجميلة المضللة التي تتخفى في ثيابها مصيبة قائمة أو كارثة قادمة.. "كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا"..

    قبل "ترويض" القاش ..من سيدفع فاتورة الكارثة التي وقعت والكارثة التي قد تقع مجددا؟ هل سيدفع أهل كسلا وحدهم مثل كل مرة؟


    (عـبدالـله عـلقـم)























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de