البروفيسور إبراهيم غندور وزير خارجية السودان رجل لا يشك أحد في قدراته السياسية وذكائه، قبل أيام قلائل، وفي حضرة بعض الزملاء قال إن واحداً من أهداف وزارته (Rebranding السودان).. أي إعادة تقويم صورة السودان الخارجية. الوجه الحميد لهذه العبارة أنه إقرار رسمي بأن الصورة الحالية للسودان خارجياً سيئة بما يستحق إعادة ترميمها وهندستها.. والإقرار- دائماً- هو أول خطوات الإصلاح. ولكن... هل تستطيع وزارة الخارجية– أي وزارة خارجية في أي بلد- أن ترسم وجه البلاد خارجياً.. بكل يقين لا.. إلا إذا أغمضنا أعيننا عن الحكمة التي نطق بها لسان صاحب الاستديو المصري في القاهرة.. الذي (تصور) عنده بعض أهلنا السودانيين وعندما استخرج لهم الصورة أنكروا عليه قبحها، فقال لهم بمنتهى السخرية: (هو- لا سمح الله- أنا جبت حاجة من عندي؟..). وزارة الخارجية ليست إلا مرآة لـ (حال البلد)!.. لن تفلح في تغيير الصورة ولو أوتي وزيرها لسان أبي الطيب المتنبي.. خاصة مع ازدهار وسائط التواصل الأثيري الخارق للحدود التي تكشف كل ما يدور داخل أي بلد.. بما لا يتطلب حتى انتظار تقارير حقوق الإنسان الروتينية. لا أنكر على الوزير أن يجتهد في إعادة ترميم وجه البلد الخارجي، لكن الأوفق أن تقدم وزارة الخارجية رؤيتها إلى مؤسسات الداخل؛ لتدرك كيف تدرأ عن السودان وعثاء التصريحات المرتدة (النيران الصديقة).. ولدينا في هذا تجارب ثرة.. ليس أقلها تصريح (الحقنة) الشهير. لكن– حسب تصريحات سابقة لوزير الخارجية السابق- فإن مؤسسات الداخل تنفر من (تحشر) وزارة الخارجية في عملها.. بل- ربما- ترى في لغة (الدبلوماسية) ميوعة لا تتناسب مع (رجولة) الدولة.. فكثيراً ما سمعنا من مسؤولين كبار في الإعلام عبارة (نحن ما بهمنا العالم الخارجي)!.. رغم أنف حمولة الطائرات التي تنقل وفودنا في رحلتي الشتاء والصيف إلى لجنة حقوق الإنسان الدولية في "جنيف"؛ لالتماس العفو والتخفيف.. مسؤول كبير سابق في العدل قال لي: (نحن بنمشي جنيف "مُرَدِفِين").. وللأجيال الحديثة كلمة "مُرَدِفِين" تستخدم في المدارس زمان.. وتعني أن يتعمد التلميذ لبس أكثر من قطعة ملابس داخلية؛ ليخفف آلام الجلد بالسوط. لم يكن السودانيون يظنون يوماً أنهم في حاجة إلى عمليات ترميم السمعة الخارجية Rebranding، فنحن شعب وافر القيم، ساهمنا في بناء دول كثيرة كانت تستعين بالمعلم السوداني؛ لتربية أجيالها الناشئة.. (دول الخليج مثلاً طلبت معلمين سودانيين منذ خمسينيات القرن الماضي).. وأسس خبراؤنا وزارات الإعلام في دول تسبقنا الآن بسنين ضوئية.. بل وكتب خبراؤنا دساتير بعض هذه الدول. في تقديري نحن في حاجة لبناء دولة جديدة.. وليس تجديد السمعة الخارجية فحسب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة