|
كتاب الأبعاد المعرفية لمفهوم الاستخلاف/د. صبري محمد خليل
|
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الأبعاد المعرفية لمفهوم الاستخلاف
د. صبري محمد خليل
الناشر: مركز التنوير المعرفي
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد: حول مصطلح الفلسفة الاسلاميه: هذه الدراسة هي محاوله لعرض أسس فلسفه إسلاميه تحاول تفسير العلاقة بين محاور الوجود الثلاثة الله تعالى والعالم والإنسان ، انطلاقا من المفاهيم ألقرانيه الكلية ،وقد أطلقنا عليها اسم الاستخلاف من باب إطلاق الجزء على الكل و لان هذه المحاولة هي في- التحليل النهائي - اجتهاد إنساني وان كان محدود بقواعد الوحي المطلقة ، ولأنها تحاول أساسا تقديم تفسير للوجود الانسانى. وليس المقصود بالاستخلاف كفلسفة إسلاميه إنها امتداد نامي للفلسفة الاسلاميه التقليدية إذ أن الفلاسفة الإسلاميين قد اتخذوا الفلسفة اليونانية نقطة بداية لأن الشعوب التي ضمها الفكر الإسلامي كانت تسود بها عقائد وأديان ومذاهب اتخذت من الفلسفة والمنطق اليونانيين أدوات أو أسلحة للدفاع عن هذه العقائد، فكان على الفلاسفة الإسلاميين الذين عنوا أساساً بالدفاع عن الدين الإسلامي في وجه هذه العقائد والمذاهب ومحاربتهم بنفس سلاحهم أي الانطلاق من ما هو مسلم بصحته لديهم (الفلسفة والمنطق اليونانيين) للوصول على ما هو مسلم لدى الفلاسفة الإسلاميين (الدين الإسلامي) مع الإقرار أنه قد أصابهم نوع من التبجيل للفلسفة والمنطق اليونانيين كنتيجة لطول استخدامهم لها كأدوات أو أسلحة بخلاف علم الكلام الذي اتخذ من مفاهيم الدين الإسلامي نقطة بداية لأن المتكلمين خاطبوا أساساً المسلمين وانطلقوا من ما هو مسلم لديهم (الدين الإسلامي). وبعبارة أخرى فإن الفلسفة الإسلامية التقليدية قد كانت محاولة لبناء عقلانية إسلامية ذات خطاب موجه (بصورة أساسية) إلى شعوب تسلم صحة الفلسفة والمنطق اليونانيين ولا تسلم بصحة الدين الإسلامي بخلاف علم الكلام الذي كان محاولة لبناء عقلانية إسلامية ذات خطاب موجه (بصورة أساسية) إلى جماعات تسلم بالدين الإسلامي. تعريف بفلسفة الاستخلاف تقوم فلسفه الاستخلاف على محاوله تحديد العلاقة بين المستخلف(الله تعالى) والمستخلف(الإنسان) والمستخلف فيه(الكون) وذلك باتخاذ المفاهيم ألقرانيه الكلية( التوحيد والاستخلاف والتسخير) مسلمات أولى لها، ثم محاوله استنباط النتائج الفلسفية لهذه المفاهيم متخذه من اجتهادات أهل السنة الكلامية نقطه بداية لا نقطه نهاية.
نظريه الوجود: ومضمون مفهوم التوحيد هو إفراد الربوبية والالوهيه لله تعالى ، ومضمون توحيد الربوبية أن الله تعالى ينفرد بكونه الفاعل المطلق ،يقول ابن تيميه في معرض رفضه لاستدلال المتكلمين على وجود الله بطريقه الأعراض الدالة على حدوث الأجسام( إن هذا المسلك مبنى على امتناع دوام كون الرب فاعلا وامتناع قيام الأفعال الاختيارية بذاته) (ابن تيميه، درء التعارض،1/98.). و مضمون توحيد الإلوهية أن الله تعالى ينفرد بكونه الغاية المطلقة، يقول ابن تيمية ( .... ولكن المراد المستعان على قسمين: منه ما يراد لغيره ..... ومنه ما يراد لنفسه فمن المرادات ما يكون هو الغاية المطلوب فهو الذي يذل له الطالب ويحبه وهو الإله المعبود ومنه ما يراد لغيره).. فالتوحيد يتعلق بإفراد الوجود المطلق فعلا وغاية لله تعالى، والوجود المطلق هو الوجود القائم بذاته وكل وجود سواه قائم به وبتعبير الغزالي( فهو القيوم لان قوامه بذاته ،وقوام كل شيء به ،وليس ذلك إلا الله تعالى)( الغزالي، المقصد الاسنى في شرح أسماء الله الحسنى). ومضمون مفهوم التسخير هو أن عالم الشهادة قائم على ظهور صفات الربوبية" اى ما دل على الفعل المطلق لله تعالى" يقول ابن القيم( فالكون كما هو محل الخلق والأمر مظهر الأسماء والصفات فهو بجميعه شواهد وأدله وآيات دعا الله سبحانه عباده إلى النظر فيها). ولهذا الظهور شكلان تكويني: يتمثل في الكون، والسنن الإلهية التي تضبط حركته يقول ابن تيميه(المخلوقات كلها آيات للخالق والفرق بين الايه والقياس إن الايه تدل على عين المطلوب الذي هو أيه وعلامة عليه)( ابن تيميه، مجموع الفتاوى،1/48)وتكليفي :يتمثل في الوحي يقول ابن القيم( القران كلام الله وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته) . ويترتب على مفهوم التسخير قاعدتان هما:الموضوعية والسببية . ومضمون مفهوم الاستخلاف هو إظهار الإنسان لربوبيه وألوهيته الله تعالى في الأرض ، وهو ما يكون بالعبودية والعبادة، وذلك على المستوى الصفاتى، اى إظهار لصفات ربوبيه والوهيه الله تعالى (ما دل على وجوده المطلق فعلا وغاية ) في الأرض (عالم الشهادة المحدود بالزمان والمكان ) قدر طاقته المحدودة. يقول الالوسى ( فلابد من إظهار من تم استعداده وقابليته ليكون مجليا لي ومراه لاسمائى وصفاتي)( الالوسى،روح المعنى،ص223) وإظهار صفات الالوهيه يكون بتوحيد الالوهيه كما سبق بيانه والعبادة،وللعبادة معنى خاص ومعنى عام ومضمون الأخير اتخاذ الله تعالى غاية مطلقه واتخاذ صفات الوهيته مثل عليا -قيم-مطلقه يسعى الإنسان لتحقيقها في الأرض ( اى في واقعه المحدود زمانا ومكانا)دون ان تتوافر له امكانيه التحقيق النهائي لها، ولا يكون ذلك بإلغاء تصور الإنسان للمثل العليا- القيم- المحدودة زمانا ومكانا بل تحديدها باتخاذ مقتضى صفات الالوهيه ضوابط موضوعيه مطلقه لها يقول ابن تيميه( أن من أسماء الله تعالى وصفاته ما يحمد الاتصاف به كالعلم والرحمة والحكمة). أما إظهار صفات الربوبية فيكون بتوحيد الربوبية كما سبق بيانه والعبودية، ولا تعنى العبودية إلغاء الفعل الانسانى بل تحديده، وذلك باتخاذ مقتضى صفات الربوبية ضوابط موضوعيه مطلقه للفعل الانسانى ، وبناء على هذا يصبح مضمون الاستخلاف أن تأخذ حركه الإنسان شكل فعل غائي محدود بغاية مطلقه(الالوهيه) وفعل مطلق( الربوبيه)، اى كدح إلي الله بالتعبير القرانى" يا أيها الإنسان انك كادح إلي بربك كدحا فملاقيه" نظريه المعرفة: أما الاستخلاف كنظرية للمعرفة فقائم على أن العلم صفة إلوهية ،وبالتالي ذات مضمون دال على كونه تعالى غاية مطلقة ،وهذه الصفة تظهر في عالم الشهادة من خلال شكلين: شكل تكويني: يتمثل في عالم الشهادة (المتضمن للكون المسخر والإنسان المستخلف) كمصدر للمعرفة – والإحساس والتفكير المجرد (التذكير والإدراك والتصور) والرؤية الصادقة شكل تكليفي:يتمثل في عالم الغيب كمصدر للمعرفة والوحي كوسيلة لمعرفته. يقول ابن القيم (وهذا البيان نوعان: بيان بالآيات المسموعة المتلوة، وبيان بالآيات المشهودة المرتبة، وكلاهما أدلة وآيات علة توحيد الله وأسمائه وصفاته وكلامه) ومضمون الاستخلاف هنا إظهار العلم الإلهي( المطلق) في الأرض (عالم الشهادة المحدود زماناً ومكاناً)، وذلك بإفراد العلم المطلق لله واتخاذ صفة العلم الإلهية مثل أعلى مطلق يسعى لتحقيقه في واقعه المحدود وهو ما يتم باتخاذ مقتضى هذه الصفة كضوابط موضوعية مطلقة تحدد المعرفة الإنسانية ولا تلغيها.فالوحى يحدد جدل المعرفة القائم على الانتقال من الموضوعي (المشكلة العينية) إلي الذاتي (الحل المجرد) إلي الموضوعي (الواقع) مرة أخرى من أجل تغييره ولا يلغيه فيكون بمثابة ضمان لاستمرار فاعليته. وسائل المعرفه:يمكن هنا إيضاح وسائل المعرفة المشار إليها أعلاه: (1) الإحساس: أول مراحل عمليه المعرفة، وهى معرفه تلقائية للوقائع المحيطة بالإنسان عن طريق ما تنقله الحواس" أن السمع والبصر والفؤاد كل أؤلئك كان عنه مسئولا" (الإسراء: 3) (2)التفكير المجرد: ا- التصور: وهو اعاده تشكيل عناصر الواقع في صوره جديدة هي الغاية أو المثل الأعلى وهنا ميز القران بين مصطلحين: • الرجاء: هو تصور غاية مع السعي لتحقيقها" من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا" • التمني: هو تصور غاية دون السعي لتحقيقها" ليس بأمانيهم ولا امانى أهل الكتاب" 2-التذكر: استرجاع وقائع الماضي" أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" 3-الإدراك:وهو معرفه العلاقة بين مفردات الواقع على الوجه الذى تنقله الحواس وقد عبر عنه القران بالتفكر والنظر والتدبر... الرؤية الصادقة:قال (ص) "الرؤية الصادقة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة". والرؤيه الصادقه تقارب الحدس كوسيلة معرفه لكن وجه الاختلاف أنها محدودة بوسائل المعرفة الأخرى "الحواس والعقل والوحي" بينما الحدس كما في التيار الحدسي الغربي وسيلة معرفه مطلقه. فالحدس مصدره الخبرة المعرفية المتراكمة ( لا الوجود الغيبي المطلق كالوحي ) فهو معرفه ذاتيه لابد له من معيار موضوعي له للأخذ به كوسيلة للمعرفة ، هذا المعيار هو عدم تناقضه مع الحواس والعقل و الوحي. نظريه القيم: القيم بين النسبية والإطلاق:وطبقا لهذه الفلسفة الاسلاميه فإن الإجابة على السؤال ما هو مصدر القيم يجب أن يسبقها السؤال أي القيم، أي أنه يجب التمييز بين نوعين من القيم، قيم مطلقة، وقيم محدودة ، أما النوع الأول من القيم فمصدرها الله تعالى، أما النوع الثاني من القيم فمصدره الإنسان ،وبعبارة أخرى يجب التمييز بين مستويين للقيمة مستوى مطلق ومستوى محدود. هذا التمييز بين النوعين من القيم أو بين المستويين من مستويات القيمة مصدره توحيد الإلوهية، إذ كما أوضحنا فإن توحيد الإلوهية قائم على إفراد المطلق من صفات الإلوهية لله تعالى، فالإلوهية لا تنصب على هذه الصفات في ذاتها بل على المطلق منها، وهذه فيما نرى علة وصف القرآن الله تعالى والإنسان بهذه الصفات.فالرحمة قيمة وصف نفسه تعالى بها كما في الآيات (ربك الغني ذو الرحمة) "الأنعام: 132"، (كتب الله على نفسه الرحمة) "النعام: 12"، كما وصف الإنسان بها كما في الآيات (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) " النمل: 77" فالرحمة كقيمة مطلقة عند الله تعالى محدودة عند الإنسان كما تدل الآيات (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) "فاطر: 2"، (ورحمتي وسعت كل شئ) "الأعراف: 156 يقول ابن القيم (اختلف النظار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد كالحي والسميع والبصير والعليم والقدر والملك ونحوه ثم يورد رأيين ويقول عن الثالث الذي يرجحه الثالث أنها حقيقة فيهما وللرب تعالى ما يليق بجلاله وللعبد ما يليق به).(1) القيم كغاية فى ذاتها وكوسيلة إلى غاية أخرى :هناك ثنائية أخرى تندرج تحت مشكلة طبيعة القيم وهي هل القيم غاية في ذاتها أم وسيلة إلى غاية أخرى أن الغاية هي المحرك لسلوك الإنسان، غير أنه هناك نوعان من الغايات: الغايات المحدودة:وهي تصور ذهني يقوم على إعادة تركيب عناصر الواقع المحدود في الزمان والمكان كما يدركه الإنسان ويمكن تجاوزها إذ بمجرد تحققها في الواقع يتصور الإنسان غاية غيرها وبالتالي تتصف بالتعدد. وهنا يمكن الحديث عن قيم ذات طبيعة وسيلة أي قيم تكون وسيلة إلى غاية سواها (إذ القيم هي شكل من أشكال الغايات) فما هي هذه الغاية؟ هذا ما يقودنا إلى النوع الثاني من الغايات. الغاية المطلقة: وهي ليست من تصور الذهن الإنساني بل ذات وجود موضوعي لا يخضع للتغير في المكان أو التطور خلال الزمان وبالتالي لا تتوافر للإنسان إمكانية التحقيق النهائي لها فضلاً عم تجاوزها وبالتالي تتصف بالوحدة وهي مضمون الألوهية، يقول ابن تيمية ( .... ولمن المراد المستعان على قسمين: منه ما يراد لغيره ..... ومنه ما يراد لنفسه فمن المرادات ما يكون هو الغاية المطلوب فهو الذي يبذل له الطالب ويحبه وهو الإله المعبود ومنه ما يراد لغيره).( 1) يترتب على هذا أن الله تعالى ينفرد بكونه غاية مطلقة أي بكونه غاية في ذاته وأن صفات ألوهيته من حيث هي قيم مطلقة تنفرد بكونها قيم يمكن اعتبارها غايات في ذاتها. وقد قرر القرآن بصيغ مختلفة أن الله تعالى ينبغي أن يكون هو الغاية المطلقة وراء الغايات المحدودة لأي نشاط فكري أو مادي يقوم به الإنسان: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) :الأنعام: 162". ولما كانت الغاية المطلقة لا تلغي الغايات المحدودة إنما تحدها (إذ المطلق إنما يتجلى عندما يحد سواه لا عندما يلغيه) فإن اتخاذ الله تعالى غاية في ذاته واتخاذ صفات ألوهيته من حيث هي قيم -غايات في ذاتها لا يلغي اتخاذ الإنسان لقيم ذات طبيعة وسيلة أي وسائل لغاية غيرها (هي الله (1)ابن القيم، بدائع الفوائد، ص 164. (2) ابن تيمية، كتاب التوحيد، ص 46 – 47. تعالى كغاية مطلقة). إذ نجد القرآن يقرر أن كون الله تعالى هو الغاية المطلقة لنشاط الإنسان لا يلغي وجود غايات محدودة له.وقال تعالى: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) "الحج: 37".يترتب على هذا أن الرؤية الإسلامية تتفق مع الحل القائل بوجود قيم تعد غايات في ذاتها والذي أشهر ممثليه كانط في نظريته في الواجب غير أنها تختلف عنه في أنها لم ترتب على هذا إلغاء القول بوجود قيم هي وسائل لغاية أخرى. وبناءاً على هذا فقد أتاحت هذه الرؤية الأخذ بمعيار المنفعة الذي قرره القرآن في عدة مواضع:(وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) "الرعد: 17"وقرر علماء أصول الفقه المصلحة كمصدر من مصادر التشريع التبعية.والرؤية الإسلامية هنا تتفق مع الحل الذي يقول بوجود قيم تعتبر وسيلة إلى غاية غيرها (مذهب المنفعة) في تقريره لمعيار المنفعة ولكنه يختلف عنه في أن هذه الغاية المطلقة هي الله تعالى ، وبالتالي فإن تصور الإنسان لهذه القيم يجب أن يكون محدوداً بضوابط موضوعية مطلقة هي مقتضى صفات الألوهية (أي مقتضى كونه تعالى غاية مطلقة وكون صفات ألهويته مثل عليا مطلقة)، ونجد هذه القاعدة ماثلة في الشروط التي وضعها الأصوليين للمصالح المرسلة يقول الغزالي: (إن المصلحة المرسلة إذا كانت ضرورية كلية قطعية يحتج لها فإن فقدت شروط هذه الشروط لا يعمل بها)(1) فهذه المصالح المرسلة تتضمن الغايات المحدودة إذ المصلحة هي الحل الصحيح للمشكلة المعنية والتي تحددها الغاية المعينة.اما طبيعة العلاقة بين هذين النوعين من القيم فتحدد طبقا للمنهج الاستخلافى. حيث تمثل القيم التي هي غاية في ذاتها او القيم المطلقة (المطلق)، بينما تمثل القيم التي هي وسيلة إلى غاية غيرها أو القيم النسبية( المحدود). وحركه الإنسان طبقا لهذا المنهج هي محاوله لتجاوزهما كنقيضين والتأليف بينهما، فهو بمثابة ضمان موضوعي مطلق لاتساق الحركة الجدلية بين النوعين من القيم. منهج المعرفة الاسلامى: إذا كان ما سبق من حديث عن الاستخلاف كفلسفة إسلاميه فان حديثنا هنا عن الاستخلاف كمنهج اسلامى للمعرفة تعريف المنهج: منهج المعرفة هو محاوله للكشف عن القوانين الموضوعية (السنن الالهيه بالتعبير القرانى) التي تضبط حركه الإنسان. الفلسفة الاسلاميه للمنهج :ومنهج المعرفة الاسلاميه يتخذ المفاهيم القرآنية الكلية (التوحيد والتسخير والاستخلاف) (بما هي مبادئ ميتافيزيقية غيبية) مسلمات أولى للمنهج تحده ولا تلغيه ولهذا الموقف شرعيته في الفلسفة الغربية إذ أن المنهج بما هو الكشف عن القوانين (السنن) التي تحكم حركة الأشياء والظواهر والإنسان يقوم على التجربة والاختبار العلميين ولكنه في ذات الوقت يقوم على افتراضات سابقة على التجربة مثل الموضوعية والحتمية.. كما أن هذا لا يعني أن يتحول المنهج إلي منهج ميتافيزيقي بالمفهوم الغربي أي يتحول إلي البحث في مشاكل ميتافيزيقية، إذ المنهج بعد ذلك هو النظر في سنن الله تعالى في الطبيعة والمجتمع أي معرفتها والتزامها كي ننجح في تحقيق ما نريد "قد خلت من قبلكم سنن قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين". ويترتب على هذا أن هذه السنن الإلهية تحكم حركة الإنسان كونه إنسان، بصرف النظر عن كونه مسلم أو كافر كما يجوز أخذها من أي مصدر مادامت صحيحة أما المفاهيم القرآنية السابقة الذكر والتي تشكل المسلمات الاولي للمنهج (فلسفة المنهج) والتي تمثل الجدل ألتكليفي فمقصورة على من يؤمن بها (يسلم بصحتها). و هي من بعد لا تلغي معرفة والتزام الإنسان بهذه السنن الإلهية بل هي ضمان موضوعي مطلق لاستمرار هذه المعرفة وهذا الالتزام. ويقوم الاستخلاف كمنهج للمعرفة على أن صفات الربوبيه (اى ما دل على الفعل المطلق لله تعالى) تظهر في عالم الشهادة على شكلين: شكل تكليفي: يتمثل في القواعد التي مصدرها الوحي والتي تحدد ظهورها في شكلها التكويني ولا تلغيه. شكل تكويني: يتمثل في السنن إلالهيه التي تضبط حركه الوجود الشهادى ،وهى على نوعين: السنن الالهيه الكلية:التي تضبط حركه الوجود الشامل للطبيعة المسخرة والإنسان المستخلف: (1) الحركة: "والفلك تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من ماء فأحيى به الأٌرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح، والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون". (2) التغير: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". (3) التأثير المتبادل: وهى ما يمكن استخلاصها من مفهومي الغنى والفقر، فالله تعالى غني وكل ما سواه فقير، وهذا الفقر نوعان: فقر إلي الله تعالى، وفقر إلي غيره من المخلوقات، والنوع الأخير هو ما يعبر عنه علميا بالتأثير المتبادل. السنن الالهيه النوعية: وهى التي تضبط حركة نوع معين من أنواع الوجود الشهادى ،كسنه "الكدح إلى الله " ( اى الترقي الروحي المادي من خلال صراع المتناقضات في ذات الإنسان) المقصورة على الإنسان، و هناك أيضا بعدان لهذا الترقي أو الكدح إلى الله: بعد تكويني: النقيضان فيه الواقع والغاية ومضمونه أن حركة الإنسان تتم عبر ثلاثة خطوات: • المشكلة:اى التناقض بين الواقع وغاية في الذهن، وقد عبر القرآن عن هذه الخطوات بمصطلح المسألة:"يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس"."يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول" • الحل:اى إلغاء التناقض بينهما في الذهن ، وقد عبر الفقهاء عن هذه الخطوة بمصطلح الحكم . كما عبر القرآن عن الحل الرافض للوقوف إلي أحد النقيضين ويؤلف بينهما بالوسطية والقوامة:"وكذلك جعلناكم أمة وسطاً". "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكانوا بين ذلك قواماً".. • العمل:اى إلغاء التناقض بينهما في الواقع بتنفيذ الحل في الواقع، وقد أشار القرآن إلي هذه الخطوة." إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات... " بعد تكليفي: النقيضان فيه المطلق في مستواه الصفاتى لا مستواه الذاتي ( اى صفات الالوهيه (ما دل على كونه تعالى غاية مطلقه) كمثل عليا مطلقه يسعى الإنسان لتحقيقها في واقعه المحدود دون أن تتوافر له امكانيه التحقق النهائي لها، و صفات الربوبيه(ما دل على الفعل المطلق لله تعالى) كضوابط تحدد ولكن لا تلغى للفعل الانسانى في سعيه لتحقيق هذه المثل العليا المطلقة في واقعه المحدود زمانا ومكانا) والمحدود(اى الواقع المحدود بالزمان والمكان) ، لذا قرر القرآن والسنة أن هذا الوجود الإنساني قائم على صراع المطلق والمحدود وهو ما عبر عنه القران والسنة بالجهاد في الله أو جهاد النفس: فيروون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك قال :"رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر". وأورد أبن تيمية الحديث " المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله"كما قرر علماء أهل السنة أن الوجود الإنساني هو سير لا ينقطع إلي الله، يقول ابن القيم (فإن السالك لا يزال سائراً إلي الله تعالى حتى يموت ولا ينقطع سيره إلا بالموت فليس في هذه الحياة وصول يفرغ معه السير وينتهي) . وهذا البعد يحدد البعد التكويني ولا يلغيه فيكمله ويغنيه فيكون بمثابة ضمان موضوعي مطلق لاستمرار فاعليته ، فيحدد للإنسان نوع المشاكل التي يواجهها، وطرق العلم بها ونمط الفكر الذي يصوغ حلولها ،وأسلوب العمل اللازم لحلها.
مفاهيم فلسفيه فيما يلي من حديث تناول تطبيق الاستخلاف كفلسفة ومنهج إسلاميين على بعض المفاهيم والقضايا الفلسفية مفهوم العقل الاستخلاف كفلسفة إسلاميه ترفض النظر للعقل باعتباره وجود مطلق ، اى قائم بذاته ومستقل عن الحواس في إدراكه لعالم الشهادة، والوحي في إدراكه لعالم الغيب أو جوهر كما في التيار العقلاني(المثالي) في الفلسفة الغربية يقول علاء الدين الطوسى في كتابه الذخيرة أو تهافت الفلاسفة(... فقوته الادراكيه أيضا وان كانت أتم قواه وأقواها ليس من شانها أن تدرك حقائق جميع الأشياء وأحوالها حتى الأمور الالهيه إدراكا قطعيا لا يبقى معه ارتياب أصلا، كيف والفلاسفة الذين يدعون أنهم علموا غوامض الإلهيات باستقلال العقل ويزعمون أن معتقداتهم تلك يقينيه وان كانوا أذكياء أجلاء قد عجزوا عن تحقيق ما بمرأى أعينهم حتى اختلفوا في حقيقته). بل تنظر إلي العقل باعتباره نشاط معرفي أو فاعليه لذا لم يرد في القران لفظ عقل( بصيغه الاسم) بل ورد بصيغه الفعل ( يعقل، تعقلون، يعقلون) ﴿ً وكذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ﴾ فالعقل كفاعليه معرفيه محدود بالوحي في إدراكه لعالم الغيب المطلق عن قيود الزمان والمكان يقول الشاطبى (فهذا أصل اقتضى للعاقل أن لا يجعل العقل حاكما بإطلاق، وقد ثبت عليه حاكم بإطلاق وهو الشرع) ويقول البوشنجى عن تعريف الإيمان(... وان يجعل الأصول التي نزل بها القران واتت بها السنن من الرسول غايات للعقول ولا يجعلوا العقول غايات للأصول) فالإيمان بالوحي كوسيلة للمعرفة إذا يحدد (يقيد) ولا يلغي اتخاذ العقل كوسيلة للمعرفة وهو بهذا التحديد يسهم في إطلاق العقل الإنساني أي يمده بإمكانيات غير محدودة للتطور. كما أن العقل كفاعليه معرفيه محدود بالحواس في إدراكه لعلم الشهادة المحدود زمانا و مكانا ﴿ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والافئده لعلكم تشكرون﴾ مفهومي الميتافيزيقا والغيب الدلالة الاصليه لمصطلح الميتافيزيقا: ترجع الدلالة الأصلية للمصطلح إلى أندرونيقوس الروديسي أحد شراح وناشري كتب أرسطو والذي رتب مؤلفات أرسطو بحيث وضع أولاً كتاب بعنوان الطبيعة درس فيه أرسطو فيه الظواهر الطبيعية وتلاه بكتاب تناول فيه أرسطو الألوهية أسماء اندرونيقوس (ما وراء الطبيعة) أي الكتاب الذي يلي كتاب الطبيعة في الترتيب. دلاله خاطئة للمصطلح: ثم اكتسب المصطلح دلالة أخرى وهو (الدراسات النظرية المجردة التي تبحث في ماهية الظواهر أي فيما هو خارج الطبيعة) وجاءت هذه الدلالة نتيجة سوء فهم الدلالة الأصلية إذ أن أرسطو لم يكن يؤمن بوجود وجود ما وراء الطبيعة والإله عنده كامن في الطبيعة كمون النفس في الجسد. كما اكتسب المصطلح دلالات أخرى خلال تاريخ الفلسفة الغربية.هذه الدلالة رفضها بعض فلاسفة الغرب المحدثين و يلتقي التصور الاسلامي معهم في رفض الدلالة السابقة لمصطلح ميتافيزيقا لأنها مؤسسة على سوء الفهم السابق ذكره ولأنها اتخذت من الطبيعة معياراً لها (طبيعة وما وراء الطبيعة). فضلاً عن أنها تناقض التصور ألتنزيهي لله تعالى والقائم على عدم توافر إمكانية إدراك أو تصور العقل الإنساني المحدود بالزمان والمكان للوجود الغيبي المطلق عن قيود الزمان أو المكان.(يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً).وفي الحديث القدسي (تفكروا في مخلوقاتي ولا تفكروا في ذاتي فتهلكوا). دلاله الميتافيزيقا على الإيمان بالغيب: لكن هناك دلالة أخرى لمصطلح ميتافيزيقا لا يرفضها الإسلام مضمونها الوجودي هو الإيمان بأن الوجود لا يقتصر على الوجود الشهادي المحدود بالحركة خلال الزمان والتغيير في المكان ويمكن للإنسان أن (يشاهده) بحواسه وبالتالي يدركه بوعيه ويشمل الوجود ألتسخيري (الطبيعة) و ألاستخلافي (الإنسان). بل يمتد ليشمل الوجود الغيبي بشكليه المحدود (غير القائم بذاته "كوجود الملائكة" والمطلق "القائم بذاته"وكل وجود سواه "سواء كان وجود شهادي أو غيبي") قائم به وهو وجود الله تعالى فهو (غائب) عن حواس الإنسان وبالتالي عن إدراكه وتصوره. فشرط توافر إمكانية إدراك العقل للوجود الغيبي المطلق أن يكون محدوداً (مقيداً) بالوحي، وأولى خطوات هذا التحديد (التقييد) هي الإيمان بالغيب والإيمان في اللغة هو التصديق كما في قول إخوة يوسف (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين)، ومعناه الاصطلاحي (هو تسليم وإقرار العقل بصحة فكرة أو اعتقاد لا يمكن إثباتها بالتجربة والاختبار العلميين لأن الوجود موضوع الفكرة أو الاعتقاد غير محدود بالزمان أو المكان أي وجود غيبي (هو موضوع الوحي). وهذا التسليم والإقرار هو الخطوة الأخيرة من شكل من أشكال الاستدلال العقلي (انتقال العقل من حكم إلى آخر لعلاقة ضرورية بينهما) قائم على استدلال بالوجود الشهادي المحدود (الكون) على الوجود الغيبي المطلق (المتضمن لوجود الله تعالى). (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لقوم يعقلون) "البقرة: 164".. ضرورة الميتافيزيقا: ضرورة الميتافيزيقا بالدلالة السابقة (الإيمان بالغيب) مرجعة السنن الإلهية التي تحكم حركة الإنسان إذ كما بينا سابقاً فإن حركة الإنسان ليست مجرد فعل غائي (مجرد تطور) بل هي فعل غائي (تطور) محدود بغاية مطلقة (الألوهية) وفعل مطلق (الربوبية) أي كدح إلى الله بالتعبير القرآني: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) من هنا جاءت ضرورة الميتافيزيقا (الإيمان بالغيب (وأساسه إيمان بالله تعالى) لمعرفة الإنسان تلك الغاية المطلقة وهذا الفعل المطلق لكي يحدد بهما حركته. هكذا فإن الدلالة السابقة للميتافيزيقا لا يترتب عليها إنكار الوجود الموضوعي (الحقيقي) للوجود الشهادي أو انضباط حركته بسنن إلهية لا تتبدل (السببية). "فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً" أو إنكار كون العقل هو وسيلة لمعرفته ولكن يترتب عليها إنكار دلالة أخرى للميتافيزيقا قائمة على التسليم والإقرار بصحة فكرة أو اعتقاد عن ظاهرة تقع في نطاقه دون التحقق من كونها صادقة أو كاذبة بالتجربة والاختبار العمليين (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً" (الإسراء: 26)، (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها) "الحج: 46". كما يتضح لنا هذا الرفض من خلال رد ابن تيمية على من أنكروا كون حركة الكواكب لها أسباب يجب تفسيرها بها (إنه ليس من السلف من أنكر كون حركة الكواكب قد يكون من تمام أسباب الحوادث، كما أن الله جعل هبوب الرياح ونور الشمس والقمر من أسباب الحوادث). وهنا يجب التمييز بين الدلالة السابقة المرفوضة ودلالة أخرى مشروعة قائمة على التسليم بصحة فكرة يمكن إثبات صحتها أو خطأها بالتجربة العملية (لأنها تقع في نطاق الوجود الشهادي)، ولكن لم تتوافر إمكانية إثبات صحتها في زمان ومكان معينين نتيجة قصور المعرفة الإنسانية في هذه المرحلة وهي دلالة لها مشروعيتها في الفلسفة وفلسفة العلوم. الغيب المطلق والغيب النسبى: وهنا كان التمييز بين الغيب المطلق الذي يتضمن الوجود الغيبي المطلق من قيود الزمان والمكان بشكليه المطلق (وجود الله تعالى) والمحدود (مثل وجود الملائكة) والغيب النسبي الذي يتضمن كل ما لم تتوافر للإنسان إمكانية معرفته في مرحلة معينة مع توافر هذه الإمكانية في مرحلة تالية فالإسلام إذ ينهى عن الخوض في الغيب المطلق لا ينهى عن البحث العلمي و العقلي في الغيب النسبي لأنه يقع أصلاً في نطاق عالم الشهاده.
فلسفه العلم: الفلسفة الاسلاميه للعلم تنطلق من أن العلم من صفات الألوهية ، و بالتالي فان اولى نتائج تطبيق مفهوم التوحيد (توحيد الإلوهية تحديداً) هو إفراد العلم المطلق لله تعالى ، لذا صوره القرآن شاملاً لكل الوجود (الشهادي والغيبي) (عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم) "التغابن: 18).وبالتالي فإن إسناد العلم المطلق (أي المعرفة المطلقة) لسواه هو شرك في الألوهية (سواء كان شرك علمي أو اعتقادي) لذا نفى القرآن حتى عن الأنبياء هذا العلم المطلق المتضمن للعلم بالغيب (قل لا أملك لنفسي إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني من سوء ...) ولهذا العلم الالهى المطلق شكلين من أشكال الظهور: ظهور ذاتي في عالم الغيب (المتضمن للحياة الآخرة) وظهور صفاتي في عالم الشهادة (الحياة الدنيا) وللأخير شكلين : تكويني: يتمثل في عالم الشهادة (المتضمن للكون المسخر والإنسان المستخلف) كمصدر للعلم التكويني– والإحساس والتفكير المجرد (التذكير والإدراك والتصور) كوسائل لمعرفته تكليفي:يتمثل في عالم الغيب كمصدر للعلم التكليفى والوحي كوسيلة لمعرفته. ومضمون مفهوم التسخير هنا هو ان الأشياء والظواهر التي لها درجة التسخير تظهر صفه العلم الالهيه على وجه الإجبار، فهي دائماً آيات دالة على العلم المطلق لله تعالى. كما يترتب على مفهوم التسخير قاعدتان: الموضوعية التكوينية: اى أن الكون ذو وجود مستقل عن وعي الإنسان غير متوقف عليه وسابق على معرفته:(لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون).وبيان ذلك أن مضمون التسخير أن الكون يظهر صفات الله تعالى فهو بمثابة آيات دالة على وجوده تعالى، والآية لابد أن الكون ذات وجود حقيقي، وإن كان محدوداً، لتدل على الوجود المطلق. السببية: فالفعل المطلق لله تعالى (مضمون الربوبية) إنما يظهر من خلال السببية ، ويأخذ شكل سنن إلهية لا تتبدل، وبالتالي فإن الكون قائم على قاعدة السببية ومنضبطة حركته بسنن إلهية لا تتبدل. ومضمون مفهوم الاستخلاف هنا هو إظهار الإنسان لصفة العلم الإلهية في الأرض ، يقول الغزالي(فتعليم العلم من وجه عباده لله ومن وجه خلافه لله تعالى ومن اجل خلافه الله تعالى فان الله قد فتح للعالم العلم الذي هو اخص صفاته).وإظهار الإنسان لصفة الإلوهية (العلم) يكون بالآتي: توحيد الإلوهية على الوجه السابق بيانه. العبادة:ومضمونها هنا اتخاذ صفة الألوهية (العلم)، (أي ما دل على علمه المطلق) مثل أعلى مطلق يسعى الإنسان إلى تحقيقه في الأرض (أي في واقعه المحدود زماناً ومكاناً). ولا يعني هذا إلغاء العلم الإنساني بل تحديده وذلك باتخاذ مقتضى صفة العلم الإلهية التكويني (السنن الإلهية الكلية والنوعية) والتكليفي (الأوامر والنواهي التي جاء بها الوحي) ضوابط موضوعية مطلقة للمعرفة الإنسانية. محصلة هذا إطلاق العلم الإنساني أي مده بإمكانيات غير محدودة للتطور لأنه لا تتوافر للإنسان إمكانية التحقيق النهائي للعلم الإلهي المطلق " وما اوتيتم من العلم إلا قليلا" " وفوق كل ذي علم عليم" علاقة العلم بالدين والفلسفة:وفي الفلسفة الاسلاميه للعلم نجد أن علاقة العلم بالدين (كما الفلسفة) علاقة وحدة (لا خلط) وتمييز (لا فصل). العلم التكويني والعلم ألتكليفي:هذا التصور يتضح بالرجوع إلى التصور الإسلامي للعلم الذي يميز (ولا يفصل) بين نمطين من أنماط العلم. العلم التكويني:مضمونه البحث في الظواهر( الجزئية، العينية) والقوانين الموضوعية (السنن الإلهية بالتعبير القرآني) التي تضبط حركتها، ومجال بحثه الوجود (الإنساني والطبيعي). العلم التكليفي:مضمونه القواعد الموضوعية المطلقة التي جاء بها الوحي والتى ينبغي أن تضبط النشاط المعرفي العقلي (الاستدلالي) هادف إلى الكشف عن الافتراضات الكلية، التجريدية التي تسبق البحث العلمي السابق الذكر.والعلاقة بينهما هي علاقة الجزء (العلم التكليفي) بالكل (العلم التكويني) فالثاني يحد الأول فيكمله ويغنيه ولا يلغيه.يترتب على هذا أنه يمكن استخدام مصطلحي العلم التكويني للدلالة على الفروع التجريبية للعلم المعين والتي تسمى في الفكر الغربي (بصورة عامة) اسم العلم التجريبي( علم الاجتماع التكويني، علم النفس التكويني، علم السياسة التكويني، علم الاقتصاد التكويني ...)، والتي معيار التحقق منها التجربة والاختبار العلميين والتي يلزم من التحقق من كونها صادقة لهذا المعيار قبولها بصرف النظر عن من تحقق منها. حتى لو كان من تحقق منها كافر) كما يلزم من التحقق من كونها كاذبة بهذا المعيار رفضها (حتى لو كان من تحقق منها مسلم). كما يمكن استخدام مصطلح العلم ألتكليفي للدلالة على الفروع النظرية للعلم المعين ( كعلم النفس الفلسفي، علم اجتماع ألمعرفه، النظرية السياسية، النظرية الاقتصادية...) التي يطلق عليها (بصورة عامة) فلسفه العلم المعين(فلسفه اجتماعيه، فلسفه النفس، فلسفه سياسيه) بعبارة أخرى فان مصطلح العلم التكويني يقابل مصطلح العلم في الفكر الغربي ومصطلح العلم التكليفى يقابل مصطلح فلسفه العلم في الفكر الغربي لكن بعد التحقق منها بمعيار الوحي، بعبارة أخرى هو ذلك النشاط المعرفي العقلي الهادف إلى الكشف عن الافتراضات الكلية المجردة التي تسبق البحث العلمي في الظواهر النفسية الجزئية والمنضبط بقواعد الوحي بناءا على التقسيم السابق للعلم إلى تكوينى وتكليفى وبناءا على استناد الفلسفة الاسلاميه للعلم يمكن تقسيم العلوم إلى الاتى: 1/علم التوحيد: ما يقابل الدراسات الدينية في الفكر الغربي 2/علوم الاستخلاف ما يقابل الدراسات الانسانيه في الفكر الغربي، وتنقسم إلى: ا/علوم الاستخلاف التكويني ما يقابل العلوم الانسانيه في الفكر الغربي ب/علوم الاستخلاف التكليفى ما يقابل فلسفه العلوم الانسانيه ففي الفكر الغربي 3/علوم التسخير: ما يقابل العلوم الطبيعية في الفكر الغربي الفلسفة السياسيةالاسلاميه: أما ما يلي من حديث فنتناول فيه الأسس الفكرية التي يقوم عليها الاستخلاف كمذهب اسلامى ونبدا بالفلسفة السياسية الاسلاميه.هذه الفلسفة تستند إلي المفاهيم القرانيه الثلاثة( التوحيد، الاستخلاف، التسخير) الحاكميه والأمر: ا ن الفكر السياسي الاسلامي لم يستخدم مصطلح السيادة علي الوجه المستخدم في الفكر السياسي الحديث، فإن المصطلح جديد نسبياً إذ يترجم كلمة فرنسية مشتقة من أصل لاتيني تعبر عن صفة لمن له السلطة لا يستمدها من غير ذاته ولا يشاركه فيها غيره بهذه الدلالة كان يستعملها بعض ملوك فرنسا القدامى للتعبير عن استقلالهم بالسلطة عن البابوية. أما المصطلح الذي يقابله في الفكر السياسي الاسلامي فهو مصطلح ألحاكميه ويتضح لنا هذا في قول الإمام الغزالي:" الحاكم هو الشارع ولا حكم إلا لله تعالى لاحكم غيرة،وأما استحقاق نفوذ الحكم فليس إلا لمن له الخلق و الأمر فإنما النافذ حكم المالك علي مملوكه ولا مالك إلا الخالق فلا حكم ولا أمر إلا له أما النبي ( ص) السلطان والسيد و الأب والزوج فان أمروا أو أوجبوا لم يجب شئ بإيجابهم بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم ، فالواجب طاعة الله تعالى وطاعة من اوجب الله تعالى طاعته (1). فالحاكم عند الغزالي هو الذي له حق وضع القانون ابتداء ( الحاكم هو الشارع) كما انه مصدر السلطة ( أما النبي (ص) والسلطان والسيد والأب والزوج فان أمروا أو أوجبوا لم يجب شئ بإيجابهم بل بإيجاب الله تعالى). 1- مصطلح الآمر كمقابل لمصطلح السلطة كذلك فأن مصطلح السلطة كما في الفكر السياسي الغربي لم يستخدم في الفكر السياسي الاسلامي وان اشتق من كلمة سلطان التي وردت في القرآن كما في الآيات " هلك عني سلطانية" ( الحاقة: 28،29 )" يا معشر الإنس والجن إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان " فإنها كما هو واضح لا تعني السلطة باعتبارها ممارسة السيادة على الوجه الذي أوضحنا والمصطلح المقابل له في الفكر السياسي الاسلامي هو مصطلح ( الأمر) ومنه سمي من اسند إلية السلطة ( الأمير) واؤلي الأمر). " يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله والرسول والي الأمر منكم " ( النساء: 59) ، وهو المصطلح الذي استخدمه الخلفاء الراشدين والصحابة ، فعند وفاة الرسول(ص) تحدث ابو بكر عن السلطة فقال " ان محمد قد مضي لسبيله ولابد لهذا الآمر من قائم يقوم به. إسناد الحاكمية لله وحدة : يقرر القرآن أن الحاكمية صفة من صفات الربوبية " أن الحكم إلا لله يقضي الحق هو خير الفاصلين " ( الأنعام:57) " أن الحكم إلا لله، أمر إلا تعبدوا إلا إياه" ( يوسف: 40) " ألا له الخلق و الأمر" ( الاعراف:54). وعلى هذه فإن الحاكمية ( السيادة ) لله تعالى وحدة و لا يجوزإسنادها إلى غيره سواء كان فرد أو فئة أو حتي الشعب " لم يكن له شريك في الملك " ( الفرقان:2). أ– الحاكميه لله في الدنيا: لما كان حكمته تعالى من خلق الكون إظهار صفاته وانه تعالى اظهر صفاته تكويناً وتكليفاً: فأن حاكميتة لهذا الكون هي حاكميه تكوينيه وتكليفيه . الحاكمية التكوينية :أي سننه تعالى تحكم حركة الأشياء والظواهر والإنسان حتما "سنة لله في الذين خلوا من قبل ولا تجد لسنة لله تبديلا" ( الاحزاب : 62) "ولن تجد لسنّنا تبديلا" ( الاسراء:77). الحاكمية التكليفيه: مضمونه وجوب أن تحكم قواعد شريعته حركة المجتمع "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله" ( الشورى: 10)."ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون" يقول سيد قطب ( والله الذي خلق هذا الوجود الكوني وخلق الإنسان والذي اخضع الإنسان لنواميسه التي (1) الغزالي المستصفى ص66. خضع لها الوجود الكوني...وهو– سبحانه- الذي سن للإنسان" شريعة" لتنظيم حياته الارادية تنظيماً متناسقاً مع حياته الطبيعي، فالشريعة على هذا الأساس- ان هي إلا قطاع من الناموس الإلهي العام الذي يحكم فطرة الإنسان وفطرة الوجود العام وينسقها كلها جمله واحدة ). ويقول أبو الأعلى المودودي(والفكرة أو النظرية التي قدمها الكتاب والرسول عن حياة الإنسان في الدنيا على أن الكون الذي نراه سائراً علي قانون منسجم مذعناً لنظام محكم قوي له إله يحكمه ويتصرف في شئونه ولا قبل لهذا الكون بان يخرج علي حكمه أو يعصي له أمرا.).. ب- الحاكمية لله في الآخرة : ولما كانت الآخرة في التصور الاسلامي هي ظهور ذاته تعالى فأن الحاكميته ستكون له تعالى وحدة " قال الذين استكبروا إنا فيها، وان الله قد حكم بين العباد" ( غافر: 48). استخلاف الجماعة في إظهار حاكميته:-ولما كان لله تعالى الوجود المطلق المنزه عن الوجود في المكان والحركة خلال الزمان كانت حكمته تعالى في استخلاف الإنسان إظهار لصفاته في الأرض ( أي عالم الشهادة المحدود بالزمان والمكان ) وبهذا فان الله تعالى بعد ان اسند ألحاكميه لذاته استخلف الجماعة في إظهار حاكمتيه في الأرض. ولما كانت السلطة-الأمر- هي ممارسة السيادة- الحاكمية- في الزمان والمكان، فإن السلطة هي إظهار للسيادة فاستخلاف الجماعة في إظهار حاكمية الله إذا تعني إسناد السلطة- الأمر- لها أما أدلة أن المستخلف في السلطة- الأمر- الجماعة لأفراد أو فئة، تقرير القران الأمر شورى بين المسلمين ومصطلح الأمر كما أوضحنا يقابل مصطلح السلطة "وأمرهم شورى بينهم" وكذلك عموم الاستخلاف في القرآن ... "ويجعلكم خلفاء الأرض" ( فاطر: 39). "وهو الذي جعلكم خلائف الأرض"...( الأنعام:165) يقول المودودي( أن الله قد وعد جميع المؤمنين بالاستخلاف ولم يقل أنه يستخلف احد منهم ، فالظاهر من هذا أن المؤمنين كلهم خلفاء الله و هذه الخلافة التي آويتها المؤمنين خلاف عمومية لا يستبد بها فرد أو أسرة أو طبقه). قواعد السلطة في النظرية السياسية الإسلامية المساواة: مادام المستخلف عن الله تعالى هي الجماعة لا فرد أو فئة كانت أول قاعدة من قواعد النظام العام الاسلامي في السلطة هي قاعدة المساواة " إن أكرمكم عند الله اتقاكم"."الناس سواسية كأسنان المشط " ثم يكتفي الإسلام بما هو صالح للمحافظة علي القاعدة في أي مجتمع في أي زمان وأي مكان وهما قاعدتين العدل والشورى. العدل: هو نظام إجرائي لبيان وجه الحق بين المختلفين فيه طبقا للقواعد المنظمة لعلاقات الناس قبل الاختلاف وذلك بما يسمي الحكم ( القضاء) ثم تنفيذ الأمر الذي ترتبه القواعد في محله ولو بالإكراه. فقال تعالى(( إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)) ( النساء:85). الشورى: هي تبادل العلم بمشكله مشتركة ، ثم تبادل المعرفة بحلولها المحتملة وأساليب تحقيقها ، ثم تعين القرار الذي يرى كل مشارك انه الحل الصحيح للمسألة والمعرفة وذلك بالإشارة به على الآخرين، فخطوات الشورى: هي تبادل العلم بالمشكلة المشتركة وعبر عنه القرآن بلفظ ( يسألونك) ﴿ يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول﴾، ثم تبادل العلم بحلولها المحتملة، ففي غزوة بدر نزل الرسول (ص) عند اقرب بئر إلى المدينة فاسأل الحباب بن المنذر الرسول(ص) يا رسول الله أرأيت هذا المنزل ...أمنزل انزلكه الله فليس لنا أن نقدمه أو نتأخر عنة أم هو الرأي والحرب والمكيدة ، فقال (ص) بل هو الرأي والحرب والمكيدة فقال الحباب يارسول الله أن هذا ليس لك بمنزل فانهض بنا حتي تأتي ادنى ماء من القوم ( قريش) فننزله ونغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء فشرب فاستحسن الرسول (ص) رأي الحباب وفعله. ثالث خطوات الشورى هو تبادل العمل تنفيذاً للحل الذي رأته الأغلبية انه الحل الصحيح في الواقع ،وهنا نوضح أن مبدأ ترجيح راىالأغلبية فيما ليس فيه نص يقينى الورود قطعي الدلالة مبدأ إسلامي. أما عند علماء أهل السنة : فيقول الغزالي في مسألة ( إذا بويع لإمامين) أنهم لو اختلفوا في الأمور وجب الترجيح بالكثرة... ولأن الكثرة أقوى مسلك من مسالك الترجيح. وقال ابن تيميه في مبايعة أبى بكر( وإنما صار إماما بمبايعه جمهور الصحابة)، ولذا اختار علماء السنة لأنفسهم اسم ( أهل السنة والجماعة) أي الكثرة . البيعة :ولما كان القرار الذي يتضمن الرأي الذي رأت الأغلبية أنة الحل الصحيح مما لا يستطيع أن ينهض بة كل أصحابه، دخل اختيار من يتولي القيام علي تنفيذه في نطاق الشورى، فان اختاروه ثم قبل أصبح والي ذلك الأمر تفويضا من أصحابه ملزما بقرارهم ، وعلي هذا فان مصدر شرعية ولاية ولي الأمر ( الحكومة أو السلطة التنفيذية ) تفويض محدد المضمون بالقرار ذاته ، وهذا هو مضمون البيعة يقول الماوردي عن البيعة أنها " عقد مرضاة واختيار لا يدخله اكراة ولا إجبار " كيفية قيام السلطة: أما كيفية قيام السلطة فيتوقف علي ماهية كل مجتمع وظروف الناس فية المختلفة مكانا ، المتطورة زمانا وعلي هذا فان النظم و الأشكال الفنية الملائمة لتحقيق الشورى في زمان ومكان معين خاضع لاجتهاد المسلمين. الفلسفة الاجتماعيةالاسلاميه: والفلسفة الاجتماعية الاسلاميه تستند إلي الاستخلاف الاجتماعي الذي هو إبدال وتغيير قوم بقوم آخرين: إما أدلته ﴿ : قال عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون﴾ ( الأعراف: 119) ﴿واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض﴾ ( الأعراف:74) وفي تفسير الطبري ( خلف فلانا في هذا الأمر إذا قام مقامه بعده كما قال جل ثناؤه﴿ ثم جعلناكم خلائف في الأرض لننظر كيف تعملون﴾ يعني بذلك انه أبدلكم في الأرض منهم خلفاء بعدهم من بعد ذلك. فالاستخلاف الاجتماعي هو تغيير قوم بقوم لا يتم للناس جملة بل خلال وحدات اجتماعية متعددة ( قوم أو أمة بتعبير القرآن) وهي سنة التعدد التي أشار إليها القرآن﴿ ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ﴾ ( الشورى : 8), , وهذا التعدد مضطرد خلال الزمان ﴿ ولقد أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها الأمم ﴾ ( الرعد: 30), كما أنه مضطرد في المكان ﴿ وقطعناهم في الأرض أمما ﴾ ( الأعراف: 168) أطوار الاستخلاف الاجتماعي: أ-إلاسرة: يقرر القرآن أن الأسرة هي أول أطوار الاستخلاف الاجتماعي﴿وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين﴾ كما أنها وحدة التكوين الاجتماعي الأساسية لكل الأطوار التالية, ﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾. ب- العشيرة: ويستمر إنتشار البشر ﴿ ومن آياته أن خلقكم من ترأب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون﴾ فتصبح الأسرة كطور قيداً على الاستخلاف فيرتقي الناس إلى طور العشيرة ولكن لا تنعدم به الأسرة بل تتضمنها تضمن الكل وقد عرض القرآن للعشيرة كوحدة اجتماعية لا كطور في عهد الرسول (ص) ﴿ وانذر عشيرتك الأقربين﴾ التوبة:24) ج- القبيلة: ثم يستمر إنتشار البشر فتصبح العشيرة كطور قيد على الاستخلاف الاجتماعي فيرتقي الناس إلى طور القبيلة ولكن لا تنعدم به العشائر بل تتضمنها القبيلة تضمن الكل لجزئه.﴿ وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا﴾ وتتميز القبيلة بالأصل الواحد فكان مقياس ألانتماء إليها هو النسب ولا تتميز عن غيرها بالأرض المعينة إي الديار لحركتها من مكان إلى مكان كما جاء في القرآن في وصفه لبني إسرائيل ﴿ وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماؤكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وانتم تشهدون ثم انتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً من دياركم وتظهرون عليهم بإلاثم والعدوان﴾( البقرة: 84-85). د- الشعب: ثم كان طور الشعب وفيه أرسل الله صالح عليه السلام ﴿ واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين﴾ ( الأعراف:74).وعندما جاء الإسلام كانت المجتمعات إما في طور الشعب أو طور القبيلة ﴿ وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ﴾ إما أدلة أن الشعوب طور متقدم على القبيلة أنه متميز بالاستقرار على الأرض وان لم يكن دائماً- كما في الآية السابقة في وصف ثمود.قال التهانوي ( الشعب الجماعة الكبيرة كعدنان ودونه القبيلة). هـ إلامة:بعد أن كانت الأديان السابقة تتميز بأن الدعوة فيها مقصورة على جماعة معينة ولكل أمة رسول جاء الإسلام كدعوة عالمية ﴿ وما أرسلناك إلا كافة للناس﴾ وأن عالمية الدعوة كانت بشرى بالعالمية كطور من أطوار الاستخلاف الاجتماعي ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم كما استخلف الذين من قبلكم ﴾. وعندما جاء الإسلام كانت بين طوري القبيلة والشعب ﴿ و جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ﴾ غير أن هذه الأطوار لم تكن تصلح أن تكون وحدات طور العالمية إذ أن كل طور استخلاف إجتماعي لا ينشأ من العدم بل يكون بمثابة كل يتخذ الطور السابق له كأجزاء له. * أن علاقة الانتماء في القبيلة النسب ورغم أن الأنساب تاهت في طور الشعب فأن آثارها باقية فيه. * أن طور القبيلة لم يتميز بالاستقرار في الأرض ورغم أن طور الشعب يتميز بالاستقرار إلا أنه استقرار غير دائم. فكان السائد على البشرية خصائص الطور القبلي من عصبيته وإخراج الناس من ديارهم فكان لأبد من ظهور طور الاستخلاف الاجتماعي العالمي فكان ظهور الأمة الذي يتميز بالاتي: أولا:مناط الانتماء للّسان لا النسب:إذا كان مناط الانتماء إلى قبيلة النسب فكان الإسلام دعوة لتجاوز الطور القبلي لدعوته إلى التخلي عن العصبية. قال (ص) (دعوها فإنها منتنة) ( رواه البخاري والترمذي) وبين أن مناط الانتماء لطور الاستخلاف الاجتماعي- الأمة- هو اللسان قال ( ص) "إلا أن العربية اللسان.. إلا أن العربية اللسان) وهذا الأمر لا ينطبق على أمة العرب وحدها بل سائر الأمم لذا جعل القرآن تعدد الألسنة أية من آيات الله ﴿ ومن إياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ﴾. ثانيا:الديــار: كما أن الأمة تتميز عن الأطوار السابقة باستقرار الجماعات في الأرض فتكون ديارها. لذا جاء الإسلام بالنهي عن إخراج الناس من ديارهم﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين﴾ الممتحنة:8) و- العالمية:إن عالمية الدعوة في الإسلام كانت تعني أن غاية الإسلام الارتقاء بالبشرية إلى طور الاستخلاف الاجتماعي العالمي ﴿ وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الأرض كما استخلف الذين من قبلكم ﴾ ، لما كان كل اطوار الاستخلاف الاجتماعي لا يتكون من العدم بل يتخذ الطور السابق له وحدات لتكوينه فيتضمنها تضمن الكل لجزئه فأن الأمم هي وحدات تكوين طور العالمية وروافده.. الفلسفة الاقتصاديةالاسلاميه : كما أن الفلسفة الاقتصادية للإسلام هي محصله لتطبيق المفاهيم ألقرانيه الثلاثة كما سنوضح هنا إسناد ملكية المال لله تعالى وحده:أول ما يقابلنا في هذا التصور هو التمييز بين ملكية المال والانتفاع به. ففيما يتعلق بالملكية نجد أن القرآن يقرر أن الملكية صفة من صفات ربوبية الله تعالى:﴿ولله ملك السموات والأرض وما بينهما﴾ (المائدة: 17). و على هذا فان الفلسفة الاقتصادية الإسلامية قائمة على إسناد ملكية كل شئ لله تعالى وحده. وإسناد الملكية إلى غيره سواء كان فرد أو حتى الشعب هو شرك في الربوبية يقول تعالى﴿ ولم يكن له شريك في الملك﴾ (إلاسراء: 111) وهو شكل من أشكال الاستكبار إذ الاستكبار صفة من صفات ربوبيته تعالى إلى غيره. وقد عرض القرآن النماذج منه ، ففرعون اسند ملكية مصادر الثروة في مصر إلى نفسه " اوليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي" ، فالملكية الخاصة للمال لا تمثل التصور الاسلامي غير أن الملكية المقصودة هنا هي ما تسمى (بملكية الرقبة) الملكية التي تخول للفرد التصرف المطلق في الملك دون التقيد بالقواعد التي وضعها الله تعالى مالك المال ودون اعتبار مصلحة الجماعة المستخلفة أصلا عن مالك المال في الانتفاع به. إما الملكية الفردية بمعنى انتفاع الفرد بالمال مقيدا في التصرف فيه على الوجه الذي حدده الشارع وعلى وجه لا يتناقض مع مصلحة الجماعة فقد اقرها الإسلام على الوجه الذي سنوضحه بعد قليل. فالقول أن الإسلام قائم على الملكية الخاصة غير صحيح، من أدلة ذلك: * وضع الإسلام حد السرقة وجعل عقوبتها قطع اليد واتخذ البعض هذا دليل على إقرار الملكية الخاصة وهو غير صحيح إذ أن الحدود هي "محظورات شرعية زجر الله عنها بعقوبة مقدرة تجب حقا لله تعالى" (2وما كان حق الله يعنيان وضعه كان لحماية مصلحة الجماعة لا مصلحة الفرد يقول الكاساني والمقصود بما وجب اتيانه و لامتناع عنه باعتباره حق لله كل فعل أو امتناع ترجع علة إيجابه أو النهي عنه إلى الجماعة".1 وهذا دليل على أن حد السرقة إنما وضعه الشارع تعالى لحماية مصلحة الجماعة التي لها حق الانتفاع أصلا وأن كان الانتفاع بيد الفرد، اذ لو كان المراد إقرار الملكية الخاصة لكانت عقوبة السرقة قصاص لا حد إذ المقصود بالقصاص" ما وجب إتيانه أو الامتناع عنه لحق الفرد". إي أن القصاص وضع لحماية حق الفرد ولذا يجوز العفو في القصاص ولا يجوز في الحد. * إن كلمة ملكية في القرآن تسند إلى الله تعالى إذ الملكية من صفات الربوبية على الوجه الذي أوضحنا. وأن أسندها القرآن مرة إلى سواه وهو الجماعة لا الفرد في معرض الحديث عن الأنعام ".. فهم لها مالكون" بمعنى منتفعون. * إن القرآن اضاف كلمة المال إلى ضمير الفرد سبع مرات فقط 6 2غلب عليها صفة الذم منها. ﴿ويل لكل همزة لمزة * الذي جمع مالا وعدده * ايحسب أن ماله أخلده * كلا لينبذن في الحطمة﴾ (الهمزة: 1-4). استخلاف الجماعة في إلانتفاع بالمال: إذا كانت ملكية المال لله وحده كما بينا فإنه تعالى منزه عن الانتفاع به ومن هنا كانت حكمة استخلاف الجماعة في الانتفاع بالمال على الوجه الذي يحدده ملك المال تعالى يقول تعالى: ﴿وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ (الحديد: 7). اما كيفية ذلك: اولاً: اذا كان المالك الأصلي سبحانه قد استخلف الجماعة في الانتفاع بالمال فان للجماعة حق الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية دون الفرد وأدلة ذلك قال (ص) الناس شركاء في ثلاثة الماء والكلاء والنار (روه احمد و أبوداود) وفي حديث أخر الملح وفي روإية "لمسلمون شركاء في ثلاث الماء والكلاء والنار ومنعه حرام" (روه أبن ماجة وأبن حنبل). كما أن الشرع جاء لحمى وهو (الأرض المحمية من الانتفاع الفردي لتكون لانتفاع المسلمين جميعا. وثانياً: وان انتفاع الجماعة بمصادر الثروة الرئيسية يكون بان تتولى الدولة إدارة الإنتاج باعتبارها وكيل للجماعة ونائب عنها.قال تعالى ﴿يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾دلت الآية على وجوب طاعة أولي الأمر ونستخلص من هذا الأمر أن يكون لأولياء الأمر (إي الدولة) إدارة الإنتاج بم يحقق مصلحة الجماعة. ثالثاً: أما ما دون مصادر الثروة الرئيسية فان للجماعة أن تتركه حقا ينتفع به الفرد بشرط أن يكون ذلك محققا لمصالحها المتغيرة مكانا والمتطورة زمنا. فإذا ناقض ذلك مصلحة الجماعة كان للجماعة أن تأخذ من مال الأفراد ما يحقق مصلحة الجماعة بواسطة الدولة كنائب ووكيل لها. اخذ الدولة بالمصالح المرسلة: أوضحنا في مقدمة المبحث أن إسناد ملكية المال لله تعالى هي ضمان موضوعي ( أي أن الشريعة لم يضعها البشر بل هي وضع الهي سابق علي العلاقات بينهم ) مطلق ( أي قواعد الشريعة العامة التي تنظم الانتفاع بالمال لا تخضع للتغير في المكان والتطور في الزمان) لتحقيق مصلحة الجماعة. فشريعة الله تعالى قائمة علي أصول ما يحقق للناس مصالحهم في كل زمان أما ما دون ذلك من مصالح مرسلة أي التي ترك للجماعة امر وضعها بما لا يتناقص أصول الشريعة يقول الامدي عن المصالح الاصوليه " أن الأحكام إنما شرعت لمقاصد العباد ( أي مصالحهم).كما يقول ألشاطبي عن المصالح المرسلة " إنا وجدنا الشارع قاصداً لمصالح العباد والأحكام العادية تدور معه حيثما دار فترى الشئ الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة فإذا كان فيه مصلحة جاز" يترتب علي هذا أن الدولة الإسلامية هي نائب ووكيل عن الجماعة المسلمة (المستخلفة أصلا من الله تعالى في الانتفاع بالمال) في تحقيق مصلحتها وبلغة علم الاقتصاد أن احد الغايات الأساسية للدولة الإسلامية هي إشباع الحاجات المادية والروحية المتجددة للجماعة كوكيل ونائب عنها، وأدلة ذلك في القران قوله تعالى " ﴿ يسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك بين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ﴾ ( البقرة: 219). جمهرة من المفسرين قالوا العفو هو ما فضل عن العيال فالمعني ( أنفقوا ما زاد عن حوائجكم ولم تؤذوا فيه أنفسكم فتكونوا عاله ) منهم عبد الله ابن عباس والحسن البصري وقتادة بن دعامه. أما في السنة فردى أبو سعيد الخدري عن الرسول (ص) من كان عندة فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل زاد فليعد به علي من لا زاد له ... قال ان الرسول قد ذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا انه لاحق لأحد منا في الفضل ( رواة مسلم وابن سبيل). ومما يدل علي أن غاية النشاط الاقتصادي في الإسلام هو إشباع الحاجات ما ورد من اعتبار ما زاد عن الحاجة كنز(1). وإشباع الحاجات المتجددة للجماعة يتجسد في كون وظيفة الدولة في مجال الاقتصاد هو توفير الحاجات الأساسية من ملبس مأكل ومسكن وتكوين الاسره ... روى أحمد عن الرسول" من ولي لنا عملا وليس له منزلاً فليتخذ منزلا أو ليس له زوجه فليتزوج أو ليس له خادم فليتخذ خادم أو ليس له دابة فليتخذ دابة ومن أصاب شيئا سوي ذلك فهو غالي " فهذا الحديث وان انطبق علي موظفي الدولة إلا أن هناك ما يدل على عمومة فالإمام ابن حزم يقول" وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السلطان علي ذلك أن لم تقم الزكوات بهم ولا في سائر أموال المسلمين بهم فيقام لهم بما ياكلون من القوت الذي لابد منه ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك بمسكن يقيهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة"(2). التخطيط الاقتصادي:إن التخطيط بما هو تحديد مسيرة الإنتاج من مصادرة حتى استهلاكه على الوجه الذي يحقق به غاية محدودة من قبل يمكن اعتباره تطبيق معاصر لمفهوم تسخير الكون للإنسان الذي قرره القران ﴿ الم ترى أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ﴾ لأن مضمون التسخير أن الطبيعة هي موضوع فعل الإنسان من اجل إشباع حاجته ويتم ذلك بان يحول الإنسان دون الامتداد التلقائي للظروف المادية ويفرض عليها أن تتجه حيث يريد كما أن في القرآن سابقة للتخطيط الاقتصادي في قصة يوسف عليه السلام وملك مصر . ﴿ تزرعون سبعة سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبلة إلا قليلا مما تأكلون ﴾ ".. ثم ياتي بعد ذلك ﴿ سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصدون ﴾" ".. ثم يأتي بعد ذلك ﴿عام فيه يغاث الناس... ﴾ على أن التخطيط يجب أن يتم في إطار الفلسفة ألاقتصاديه الاسلاميه ووفقا لضوابطها. المراجع
(1) القران الكريم (2) ابن منظور،لسان العرب. (3) أبن كثير , تفسير القرآن العظيم (4) ابن تيمية، كتاب التوحيد،تحقيق د. الجليند ، مصر، 1980. (5)ابن القيم، بدائع الفوائد، دار الكتب العلمية، القاهرة، 1973 (6)ابن حزم، المحلى، ج1 ، المطبعة المنيريه، القاهرة . (7) ابن القيم، مفتاح السعادة، دار العهد الجديد، مصر (8)البستاني،محيط المحيط ،الجزء الأول (9) د. عصمت سيف الدولة، الأسس، دار الوحدة، بيروت، 1965م. (10) الماوردي, الأحكام السلطانية، طبعه مصر، 1970 (9) بدران أبو العينين، أصول الفقه، دار المعارف، القاهرة. (10)الباقلانى، التمهيد، طبعه مصر. (11) ابويعلى، الامامة، مطبعه البابى الحلبى، القاهره، 1356 (12) الغزالي ، الاقتصاد فى الاعتقاد، طبعه مصر، 1950 (13) الكاساني، بدائع الصنائع، ج7، شركه المطبوعات العلميه، القاهره 1327
|
|
|
|
|
|