فعلاً كما قال كثيرٌ من العُقلاء ( القصة ما قصة دواء ) ، و كنت أثناء متابعتي لتداعيات حركة العصيان المدني التي آتت أُكلها بكل المقاييس أخاف أن يكون حد المساحات المطلوبة للتغيير هو مجرد تراجع حكومة المؤتمر الوطني عن ما إتخذته من قرارات في موضوع الدولار الدوائي ، إن وعاء التغيير يجب أن يستهدف مصادر أزمة المواطن السوداني التي تلخصت في صعوبات حياته اليومية و صراعاته المتتالية فقط من أجل البقاء ، و أقصد بالبقاء أن يعيش أبسط إنسان فينا و أقلنا دخلاً خارج دائرة الفقر عبر الحصول على لقمة عيش شريفة بدون عنت و لا إذلال ، ثم الحصول على الإستطباب و الدواء مجاناً أو بدعم شبه شامل على أقل تقدير ، ثم تعليم مجاني و حكومي صالح و فاعل ليكون قاعدة أساسية لمحاربة الجهل و بديلاً مطلقاً لتجارية و صفوية التعليم التي تتسيَّدها الآن المدارس و الجامعات الخاصة ، الإحتجاج و التمادي في فعاليات التغيير يجب أن يستهدف المصادر التي أوصلت البلاد و العباد إلى حافة الهاوية ، إن كنا صادقين في ذلك لن تكون هناك إمكانية لتحييد الفعل السياسي و الإتجاهات التي إتخذتها حكومة الإنقاذ منذ توليها حكم السودان إلى يومنا هذا ، فعبر هذه التوجهات و التي أقل ما يمكن أن توصف به أنها كانت إقصائية و شمولية و منكفئة على صراعاتها و مصالحها الذاتية ، بالقدر الذي يدفع بالمراقبين و المهتمين اليوم بالحراك السياسي في السودان إلى الإشارة المسئولية الكاملة في إتجاه من كانوا وما زالوا قابضين على زمام السلطة ، لأن كل المشاركات التي توالت عبر مراحل من التحالفات الآنيه و المرتبطة بمصالح مؤقته كانت تؤكد صورية تلك المشاركات و إنحصارها داخل خانة المزايدات و المصالح الشخصية لقادة تلك الكيانات التي تآلفت مع حزب المؤتمر في أزمان محدودة و أحياناً كانت ممتده ، لذا على الذين يحملون لواء التغيير و ينادون به أن لا ينسوا أن الوقود قد رُفع عنه الدعم فإرتفعت أسعار السلع الإستهلاكية إلى أضعافها ، و عليهم أن لا ينسوا أن سعر غاز الطعام قد إرتفع سعره 25% بعد الـ 150% الأولى و ذلك بسبب دخول الحكومة و شركاتها الظاهرة و المستترة في تجارة الغاز ، كما عليهم أن لا ينسوا أن حكومة المؤتمر الوطني قد رفعت الدعم عن الكهرباء فزادت فاتورتها إلى الضعف إلا قليلاً ، إن التغيير السياسي يجب ألا يستهدف النتائج الشكلية لإسقاطات الأنظمة التي تعثرت عن تحقيق آمال و طموحات شعوبها ، لأن هناك إخفاقات كبرى و أساسية و مهمة و هي في حقيقة الأمر مخاطر حقيقية قد لا تكون مرئية على المدى المباشر لأبصار عامة الناس ، منها ضياع المشاريع الوطنية الكبرى التي كانت تمثل داعماً أساسياً للناتج الوطني الإجمالي بسبب جرثومة التمكين السياسي ، و منها أيضاً هجرة الكفاءات و الخبرات الوطنية بسبب تضييق الخناق و التشريد السياسي ، و منها الرمي بالبلاد في شرك العداوات الخارجية و تصنيفها داعمة للإرهاب و من ثم تداعيات ذلك من مقاطعة إقتصادية و حظر إقتصادي دولي و إقليمي ، وكذلك ما أصاب الخدمة المدنية من دمار إداري و مهني و قانوني و فساد مالي ، ثم تمدد دولة التنظيم السياسي و إختلاطها بهياكل العمل الحكومي و المؤسسات العمومية ، ثم الفساد الذي إستشرى و ضرب بأطنابه التنظيمات و القوانين و اللوائح ، و لا تنسوا الجراحات الغائرة الناتجة عن الحروب و النزاعات في دارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق ، و بعض جراحات دولية تمثلها حلايب و الفشقة و أبيي .. القائمة طويلة و فعلاً ( القصة ما قصة ما قصة دوا ).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة