الإزدواجية التي تعامل بها وزير الإعلام أحمد بلال في تصريحاته الأخيرة حول قناة الجزيرة الفضائية وسـد النهضـة الأثيوبـي ... والتي أدلى بها خلال إقامته في القاهرة .. هذه الإزدواجية أوضحت مدى الخلل الذي يكتنف حكومة الوفاق الوطني الحالية .. ومدى إختلاط الحابل بالنابل .... وكذلك أوضحت مدى الحاجة الماسة إلى إجراء تعديلات جوهرية في نسق وميكانيكية مسار العمل السياسي بحيث لا يسمح لوزير من الوزراء أن يدلي بتصريحات "سيادية" مستغلاً فيها منصبه .. وسواء بقصد أو بدون قصد. ولا أدري لماذا تصر العقلية السياسية والإدارية لدينا أن يكون وزير الإعلام هو المتحدث والناطق الرسمي ؟ ولماذا تظن أن هذا هو المفترض ؟ ... وكأنّ هناك علاقة بيولوجية بين وزير الإعلام ومنصب المتحدث والناطق الرسمي يإسم الحكومة. لماذا لا تراجع رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء قائمة بأسماء المتحدثين الرسميين في بلاد العالم المتقدمة قبل المتخلفة ؟ ..... وحتى يستبين لهما في نهاية المطاف أنه لا يشترط أن يكون وزير الإعلام هو المتحدث الرسمي إسم الحكومة والقيادة السياسية برمتها!! وزير الإعلام أحمد بلال دائما ما يصرح بأنه ولإرتباطه بتمثيل حزبه الإتحادي من جهة ومنصبه كوزير في الحكومة القائمة من جهة ... يصرح دائما بأنه له رأسين ورقبتين ، ونخاعين وقلبين ولسانين .... وأكثر من شفتين ونجدين .... وأربعة أيادي وأربع كرعين..... إلخ. أن وصفه بنفسه لنفسه هذا يشير إلى أنه يعاني إلى حد السخرية من تبعات كونه ينتمي لحزب غير الحزب الحاكم .. ويشغل منصب وزير الإعلام ... ويشغل كذلك منصب الناطق الرسمي بإسم حكومة البلاد ... وأنه ينبغي إدخال تعديلات تنفي عنه هذه الإزدواجية المثلثة. واقع الأمر فإن هذا الخلط .. وهذه الإزدواجية تظل تبعاتها ونتائجها كارثية ؛ لأنها لا محالة تتقاطع بين حين وآخر مع المصالح العليا للبلاد ... وأنها أحياناً توقع النظام السياسي القائم في مشكلة وتجهض مساعي سياسية .... وكذلك تخلق البلبلة عند التصدي بتصريحات شفهية لتبيين موقف السودان عندما يتعلق الأمر بتوازنات مصالح عليا في علاقاته الخارجية . في المؤاتمر الصحفي الأخير الذي عقده وزير الخارجية إبراهيم غندور بمناسبة تمديد الحظر الأمريكي حتى أكتوب المقبل .. وفي إجابة له حول تصريحات وزير الإعلام أحمد بلال من القاهرة .. أكد إبراهيم غندور أن هذه التصريحات لا تمثل وجهة النظر السودانية .. وأنها تخص أحمد بلال. ولكن الكارثة أن المصريين قد سارعوا بإلتقاط تصريحات أحمد بلال ؛ وعزفوا عليها موسيقى فرقة حسب الله ؛ ورقصوا بها على الواحدة ونص حتى الفجر وكما لم يرقصوا من قبل ..... وكأني بهم ولسان حالهم يردد شوفوا ياعرب ويا عالم: (عبيدنا السودانية الآبقين رجعوا لحظيرتنا وتحت طوعنا تاني وبمزاجهم) .. أو كما يرددون ويشتمون وينعتون بالحرف الواحد في إعلامهم. وبالطبع لا يعرف الشعب المصري ولا إعلامه . ولا مجلس وزرائهم أن وزير الإعلام السوداني أحمد بلال ليس من ضمن منظومة "حزب المؤتمر الوطني" الهيكل الأساسي للنظام الحاكم .. ولا يعرفون أنه إنما أتى للوزارة بوصفه موالي ورئيس لحزب متوافق مع حزب المؤتمر الوطني إسمه الحزب الإتحادي. ولا أظن أن مصر العليا والسفلى جميعها (عدا المخابرات) تعلم أن وزير الإعلام أحمد بلال يواجه ويعيش وغارق في أتون معركة شرسة مع جناح آخر في داخل حزبه الإتحادي تقوده "إشراقة سيد محمود" منافسته على رئاسة الحزب .. وأن بينه وبينها وبين جناحه وجناحها ما صنع الحدّاد....... وأن حجم الأموال التي يحصدها هذا الطرف أو ذاك ؛ ستكون هي وحدها الفيصل وصفارة الحكم الإيطالي في مجريات المنافسة بين الطرفين. وحتما لم يسمع الشعب المصري جميعة بمقولة الرئيس البشير أن "الكيكة السودانية صغيرة والأيادي كثيرة" ... وأنه قد ترتب على ذلك أن الأحزاب الموالية والمتوافقة لم تحصل على ما كانت تصبو إليه وتحلم به من أموال لتمويل أنشطتها. وتكريس عضويتها. وربما لأجل ذلك فقد توافقت وسائل التواصل الإجتماعي والمواقع الألكترونية الحرة على تفسير تصريحات وزير الإعلام الأخيرة بشأن قناة الجزيرة وسد النهضة ... توافقت على أنها مرتبطة بشكل مباشر بالأرز المصري البديل أو الرديف لأرز المؤتمر الوطني الحاكم. على أية حال ؛ يهمنا أن نؤكد لوزير الإعلام أحمد بلال أن العلاقة بين السودان و مصر هي أشد تعقيداً وتشابكا وحساسية مما قد يخطر على باله ... وأنها (على علاتها) منذ نشأة الحياة البشرية في هذا الوادي ؛ ولعوامل مرتبطة بالجوار اللصيق وما يفرضه من تضارب المصالح ؛ قد ظلت هذه العلاقة وستظل ما بين أخــذٍ و رد .. ومــدٍ وجـزر ... وأخطر وأعمق تبعات من أن يحددها شخص أو حزب واحد في هذا البلد أو ذاك ، حاضراً أو مستقبلاً ..... وحتى يرث الله الأرض ومن عليها. وكنا نأمل أن لا يندفع أحمد بلال في عواطفه إلى هذا الحد الجيّاش . فيسارع إلى حرق كل أوراقه ويرمي بنفسه كالعاشق الأندلسي في أحضان مصر . في الوقت الذي تحتل فيه مصر أجزاء غالية من تراب وطنه ..... وحبذا لو تماهى هو مع المصريين في السمح والزين وتعلم وأخذ منهم قولهم "الأرض مثل العرض". على أية حال فقد تدارك أحمد بلال سوء الفهم والخلط والحرج الذي أوقع فيه نفسه وحزبه ، وحكومة الوفاق بقيادة المؤتمر الوطني .. وأعاد تفسير تصريحاته تلك .. ولكن بعد فوات الأوان .. وبعد أن كادت تأكل الأخضر واليابس . وتجهض ثمار يأمل الرئيس عمر البشير جنيها من فضيلة الصبر ..... وأوشكت أن تفشل جولته المقبلة ما بين بعض دول الخليج العربي. ربما يتوجب علينا أن ننبه هنا إلى ثلاثة جوانب نرجو أن يعيد النظام الحاكم مراجعتها بدقة وهي كالآتي: 1) أنه ليس شرطاً أن يكون الناطق الرسمي بإسم الحكومة هو وزير الإعلام. 2) من الأفضل تعيين تكنوقراط متخصص في مجال العلاقات العامة والإعلام في منصب الناطق الرسمي بإسم حكومة الوفاق .... ومن الأفضل أن يكون من خارج عضوية الأحزاب عامة ؛ وحزب المؤتر الوطني الحاكم خاصة . وذلك حتى ينأى هو وتنأى هذه الأحزاب عن أية توجسات قد تنشأ لدى الرأي العام في تفسيره لتصريحاته.... وحبذا لو تم الإستعانة بأجهزة الإستخبارات لمراجعة تاريخه وميوله . وإرتباطاته الطائفية والسياسية وحتى الشخصية بهذه الدولة أو تلك. ...... وكذلك "محاكاة" الخواجات في ضرورة أن يخرج الناطق الرسمي إلى الصحافة بتصريحات على ورقة مكتوبة سلفاً ؛ لا يحيد عن فحواها.
3) حيث أن تصريحات وزير الإعلام في القاهرة قد إختلطت ما بين موقف حزبه من جهة ؛ ومصالح وموقف الحكومة من جهة أخرى . وواقع أن هناك أراضي سودانية ومواطنين سودانيين تحت الإحتلال المصري في حلايب وشلاتين .... فمن الأفضل الإنتباه لهذه الإزدواجية الماثلة . ومن ثم الشروع في تكوين لجان خبراء يعملون على منع تأثير إزدواج الإنتماء الطائفي والسياسي على المسار العام للحكومة ومصالح البلاد العليا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة