بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة وإهداء: يُطلق على الجغرافيا (أم العلوم) وهي بحق أم العلوم إذ هي العلم الذي يمهد الطريق لمعرفة ماهية الأشياء وهي التي تفتح أبواب المعرفة لكل العلوم. يكفي أن يغوص كل منا في خبايا تخصصه مهما بدا بعيداً عن الجغرافيا فسيجد في ركن قصيّ منه شيئاً من الجغرافيا. أما التاريخ بما يحفل به من حضارات غابرة ومدن دارسة كما تحتشد فيه أحداث جسام وحراك ندركه في الحقبة التي نعيشها فلا ينكر أحد أن للجغرافيا نصيب وافر في صياغته. لاشك في أن لعلوم الزراعة وتربية الحيوان والغابات والبيئة إرتباط وثيق وصلة مباشرة بالجغرافيا ولكننا نرى أن أكثر العلوم ارتباطاً بها هو علم الاقتصاد! نستند في رؤيتنا هذه على أن الاقتصاد هو علم إدارة الموارد وان أهم الموارد التي نسعى لإدارتها وعليها معاشنا هي المياه وهي الأرض بما يزخر به سطحها وبما يكتنزه جوفها وهي الموارد التي تشكل جوهر علم الجغرافيا..من زاوية ثالثة وفي أيامنا هذه يتبلور اقتصاد العولمة كمرحلة متقدمة من اقتصاد التنمية ومراحل النمو. أننا إن أمعنا النظر في اقتصاد العولمة فسنكتشف أنه الابن الشرعي لجغرافية العالم إذ يهدف إلى الإستخدام الأمثل لموارد العالم من خلال تفعيل نظرية الأفضلية النسبية. من زاوية أخرى يتداول المفكرون والزعماء والساسة في العالم مصطلح جيوسياسي Geopolitical . وهو في الأصل جيغو- سياسي أي الجغرافي/ السياسي – للتعبير عن رؤاهم السياسية ذات الأبعاد الجغرافية والاقتصادية. أن هذا المصطلح المركب يعبر عن أهمية الجغرافيا في وضع السياسات والاستراتيجيات ذات الأبعاد الإقليمية والدولية. لقد أدركت الدول المتقدمة أهمية الجغرافيا في إعداد أجيالها الصاعدة فأعدت لها الكوادر المؤهلة من المعلمين في كل المراحل. من جهة أخرى وظّفت تلك الدول ثورة الاتصالات والمعلوماتية لإشاعة المعارف الجغرافية بين مواطنيها تارة بوثائقيات الجغرافيا وتارة أخرى بتخصيص قنوات فضائية بأكملها وتكفي هنا الإشارة إلى نظام " قوقل" الذي يحلق بنا في الفضاء الذي يحيط بكوكبنا ويهبط بنا إلى منازلنا أينما كانت مواقعها!. بعد هذه المقدمة أود أن اهدي هذه الدراسة إلى أساتذتي الأجلاء في مادة الجغرافيا بالمدرسة الأهلية الثانوية بأم درمان في السنوات (1960-1964) وهم: الأساتذة: كمال إبراهيم شكاك، د. علي الشيخ، عبد الله زكريا أمد الله في أيامهم وإلى روح فقيد العلم الدكتور محمد جبارة رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. لقد أبدعت هذه النخبة المتميزة من الأساتذة أيما إبداع في أداء رسالتها التربوية التعليمية وقدمت لنا مادة الجغرافيا في قوالب جذّابة. كانت حصص الجغرافية تحلق بنا في الكون الواسع كما كانت سياحة مثيرة في العالم المترامي الأطراف، لذلك شغفنا بها وظلت حقائقها في معظمها راسخة في عقولنا نجترها متى ما استثارتها إشارة عابرة خبراً كان أم صورة. يحدث هذا التفاعل بين الذاكرة والخبر رغماً عن مضى خمسة عقود على تخزين تلك المعارف في إرشيف الذاكرة. لم تكتفي تلك النخبة بتجويد المهنة على مستوي الحصص بل زادت على ذلك برعايتها لجمعية الجغرافيا التي كانت ذروات نشاطها السنوي هي رحلات الشتاء – أي عطلات الفترة الثانية - لأحد أقاليم السودان. لم تكن تلك الرحلات للاسترواح وتوسيع الآفاق فحسب وإنما كانت تمثل الدراسة الميدانية لمادة الجغرافيا. في واقع الأمر أتاحت تلك الرحلات للكثيرين منا فرصة الخروج من عالم أم درمان الضيّق جغرافياً – الواسع أدباً وفكراُ وسياسة ورياضة وفناً- إلى رحاب فضاءآت السودان الواسع العريض ومن خلال تلك الرحلات عرفنا أهله فأحببناهم وأحبونا وأكرمونا أينما حللنا ضيوفاً. من خلال هؤلاء تجذّر فينا حب السودان فالسودان هو شعب متفرد قبل أن يكون أرضاً يفيض العالم بما يفوقها جمالاً وثراءً! بتنظيم ورعاية تلك الرحلات غرس فينا أساتذتنا الأجلاء "فيروس" حب الأسفار الحميد فكان لمعظمنا نصيب منها في مسيرة حياته. بقى أمر آخر لابد من الإشارة إليه هو إسهام أولئك الأساتذة المتميزون في إثراء معارفنا في اللغة الإنجليزية إذ كانوا يملكون ناصيتها. لقد تعمقت معرفتنا بتلك اللغة من خلال الكم الهائل من الكلمات والمصطلحات التي كانت تأتي في سياق الشرح والتوضيح فكما هو معلوم كانت مادة الجغرافيا ومراجعها باللغة الإنجليزية. بتلك الحصيلة اللغوية كان انتقالنا إلى مدرجات الجامعة سلساً وميسراً كما كنا نغترف من ذلك المستودع اللغوي في حياتنا المهنية ومازلنا ونحن في التقاعد فجزاهم الله عنا كل خير. لقد سبق لى في السنوات الماضية أن نشرت عبر صحف "السوداني" ، "التيار" ، "الأخبار" ، "الأيام" و "الصحافة" " مجلة الدستور"، " القرار" ، " أيلاف" و" كوش الألكترونية" دراسات وبحوث حول قضايا المياه والسدود والنقل والطاقة والبيئة وكان ما اختزنته الذاكرة من الحقائق الجغرافية خير معين لي في بسط أفكاري. في ختام هذه المقدمة – الإهداء أبعث بتحياتي وودي لإخوتي أعضاء جمعية الجغرافيا بالأهلية الثانوية في تلك السنوات كما أبعث بالتحية والإجلال لكل أساتذة مادة الجغرافيا من الجنسين في كل مراحل التعليم وآمل أن يقتدوا بالنخبة التي كانت تشّع في سماء المدرسة الأهلية بأم درمان في ذلك الزمن الجميل ولكن قبل ذلك لا بد من أن تتوطن الجغرافيا في قلوبهم ويعشقونها ويقبلوا على أدبياتها قراءة وتدويناً. أعتذر عن هذه الإطالة والآن إلى الدراسة
عمر محمد علي أحمد
الغرض من الدراسة: تقترح هذه الدراسة حفر قناة جانبية للقطاع من مجري نهر النيل الذي يغطيه شلال السبلوقة وذلك لتحقيق هدفين وهما إطلاق الملاحة النهرية شمالاً حتى تنساب حركة النقل بين النيلين الأبيض والأزرق من جهة ونهر النيل من جهة أخرى. من زاوية أخرة فإن إنتظام الملاحة على النيل الأبيض ونهر النيل يعني قيام محور نقل نهري عابر للحدود الدولية بين منطقة الشريك وجوبا وهو محور يكتسب أهمية إقتصادية وجيوساسية عالية كما سنرى. اما الهدف الثاني من حفر القناة فهو حماية الواجهات النيلية المنخفضة من العاصمة القومية من الإجتياج المائي الذي يتهددها في ذروات الفيضانات العالية. ظاهرة الشلالات على نهر النيل: للمشروع المقترح صلة وثيقة بظاهرة الشلالات على نهر النيل ولذلك نرى ضرورة تقديم نبذه قصيرة عن تلك الظاهرة. من بين القواسم المشتركة بين الأنهر الأفريقية التي تنحدر من الاخدود الأفريقي العظيم والهضبة الأفريقية كثرة الشلالات الصغيرة Cataracts والمنحدرات المائية السريعة Rapids كما لا تخلو تلك الأنهر من المساقط العالية للمياه Waterfalls كشلالات فكتوريا على نهر الزمبيزي وشلالات ميرشيسون على نيل فكتوريا في اوغنده. لقد حمت هذه الظواهر الجيولوجية قلب القارة الأفريقية من الغزاة الاوائل كما كانت في ذات الوقت سبباً في عزلتها من المؤثرات الخارجية حتى نهاية القرن التاسع عشر. توجد تلك العقبات الملاحية في نهر الكنغو وروافده في إنحدارها غرباً نحو المحيط الاطلنطي وفي نهر الزمبيري في إنحداره شرقاً نحو المحيط الهندي كما توجد في نهر النيل في إنحداره شمالاً نحو البحر الأبيض المتوسط. تفسر هذه الظواهر الحيولوجية بكونها تمثل الحافات الصخرية للهضبة الأفريقية في إنحدارها المتدرج نحو البحار المحيطة بالقارة. لقد أستعصت تلك الحافات على التعرية المائية رغماً عن مرور ملايين السنين. لهذا ظلت في معظمها كُتلاً صخرية مغمورة تحت سطح المياه وتبرز أحياناً كنتوآت أو كتل صخرية تتناثر على سطح المياه وقد تحولت بعضها إلى جزر بفعل الإطماء. أن نهر النيل الذي يفوق بقية الأنهر الأفريقية طولاً له نصيب وافر من القطاعات الوعرة التي تحتشد فيها الصخور والجزر متباينة الاحجام والمساحات وجميعها تبرز من قواعد صخرية تكاد تسد مجرى النيل أحياناً. أن أول القطاعات الوعره هي تلك الموجودة على بحر الجبل في القطاع نمولي - الرجاف. يعتبر هذا القطاع الأكثر إنحداراً على إمتداد نهر النيل. في هذا القطاع ينحدر مجرى بحر الجبل 136متر في مسافة 156 كيلومتر. للمقارنة نذكر أن النيل الأبيض ينحدر بأثني عشر متر(12متر) فقط في مجراه الممتد بين ملكال والخرطوم وهو بطول 815كيلومتر! لهذا الإنحدار الحاد قيمة كبري لدولة جنوب السودان إذ يسمج بإنشاء خمسة سدود كهرمائية وهي سدود: الفولة(1)، الفولة(2)، لاكي، شكولي وبدين التي يقدر مجمل إنتاجها بحوالي 2000ميقاواط وفقاً لما جاء بالدراسة التي أعدتها الهيئة القومية للكهرباء (NEC) في عام 1993 بالتعاون مع بيت الخبرة الاستشاري أكرس العالمية Acres International. نظراً لأن الشلالات الستة على نهر النيل تشكل مواقع منحدرات الهضبة الأفريقية كما ذكرنا فهي الأخري مواقع لإنشاء السدود الكهرومائية. لذلك تم ترشيح الشلال السادس – أي شلال السبلوقة – لإنشاء سد محدود التوليد (120 ميقاواط) وذلك خشية أن يؤثر التخزين على المناطق العمرانية بالعاصمة، الشلال الخامس (شلال الشريك) وقد صدر التوجيه الرئاسي بإنشاء سد عليه، الشلال الرابع وقد قام عليه سد مروي، الشلال الثالث وهو مرشح لإنشاء سد "دال"، الشلال الثاني وقد غمرته مياه بحيرة النوبة أما الشلال الاول فقد قام عليه خزان أسوان منذ بداية القرن العشرين (1902). تجدر الإشارة هنا إلى أن التسلسل الجغرافي لهذه الشلالات يجعل من شلال السبلوقة الشلال الأول بدلاً عن السادس كما يجعل شلال أسوان الشلال السادس. لأسباب تاريخية ترتبط بالرحالة الأوربيين الأوائل الذين كانوا يسعون لاكتشاف منابع النيل إنطلاقاً من جنوب مصر تم ترقيم الشلالات الستة عكسياً على النحو الشائع فأصبح شلال أسوان هو الشلال الاول وشلال السبلوقة السادس! يلاحظ في مجرى النيل الأبيض انه يعبر سهول منبسطة وقليلة الإنحدار على إمتداده ما بين الرجاف والسبلوقة وهو إمتداد بطول 1840 كيلومتر. في كل هذا القطاع يبدو النيل متمهلاً ومتراخياً ولشدة بطء جريانة يخيل للمرء أنه تحول إلى بحيرة ساكنة كما هو الحال في منطقة السدود! يستعيد النيل عنفوانه وصخبه عند عبوره لشلال السبلوقة فالكتلة الصخرية القاعدية المنحدره تجعل المياه تندفع بقوة فوق السطح لتجد لنفسها دورباً بين الكتل الصخرية وبين الشقوق التي حفرتها المياه في المواقع الهشة. يبدأ شلال السبلوقة عند النهاية الشمالية لخانق السبلوقة The Sabaloka gorge وهو القطاع من مجري النيل الذي تحاصره جبال الحقنة بسلسلتين ولهذا شبه الخانق بالسبلوقة! تقع نهاية هذا القطاع ما بين قريتي الحقنة بالغرب والمسيكتاب بالشرق وكلا القريتين تقعان في أقصى جنوب ولاية نهر النيل. يغطي القطاع الوعر من مجرى النيل – أي الشلال – 27 كيلومتر تنتهي عند قرية حجر العسل يعود بعدها النيل إلى جريانه الطبيعي والهادئ ولكن إلى حين، أي لمسافة 120 كيلومتر يدخل بعدها في حيّز الشلال الخامس، شلال الشريك وفي كلتا الحالتين تصعب الملاحة في موسم الفيضان وتصبح مستحيلة في معظم أيام السنة. زيارة إلى شلال السبلوقة: لدّى فرضية أو أطروحه Thesis أؤمن بها منذ عدة سنوات ومفادها أن الكتلة الصخرية التي يتكون منها شلال السبلوقة تشكل سداً طبيعياً في مجرى النيل وأن الاحتقان المائي الناتج عنها في ذروات الفيضان العالية مسئول عن حالات الاجتياح المائي الذي تتعرض له الواجهات النيلية المنخفضة من العاصمة القومية. أن أكثر تلك الواجهات تعرضاً للاجتياح المائي هي تلك التي تقع عند أو دون خطوط الارتفاع " الكنتور" الأسفل من سهل الجزيرة وهو 381 متر فوق سطح البحر. أن أهم تلك الواجهات هي واجهة النيل الازرق في شمال الخرطوم والتي تمتد من بري الشريف شرقاً إلى مقرن النيلين غرباً ، هي أيضاً واجهة النيل الأبيض في غرب الخرطوم التي تمتد من مقرن النيلين شمالاً وحتى الحدود الجنوبية عند محلية جبل الاولياء. لاستقصاء هذه الفرضية ميدانياً أخترت منتصف شهر مايو من عام 2006 للقيام برحلة عبر شلال السبلوقة. اخترت هذا التوقيت لأن نهايات شهر مايو تشهد تراجع إيراد النيل الأزرق إلى الحد الأدني الذي تسبق بداية الفيضان، في هذه الفترة تتضح معظم معالم الشلال التي تغمرها عادة المياه وتظهر المواقع التي يختنق فيها النيل او يكاد. إستعنت بالصديق ورجل الأعمال عبد القادر البرقدار لمعرفتي بعلاقاته الواسعة والطيبة مع أبناء منطقة الشلال، نشأت تلك العلاقات وتعمقت خلال تعاملهم معه في حفظ إنتاجهم من البطاطس في مخازن التبريد التي يمتلكها. قضيت يوماً كاملاً على قارب بخاري يستخدم في صيد الأسماك وكان يقود القارب باقتدار ومهاره بين صخور وجزر الشلال صاحبه الريس عبد المنعم أحمد عبيد يساعده الإبن فضل المولى الدقير وكلاهما من قرية المسيكتاب جنوب. بعد إبحار متعرج ومندفع إحياناً بين الصخور ما ظهر منها وما بطن تجلت فيه مهاره الربان وصلنا بعد عدة ساعات إلى الموقع الذي كنت أسعى إلى الاستوثاق من وجوده وهو الموقع الذي يكاد النيل يختنق فيه. يطلق على الموقع عاشور وفيه يضيق النيل بحيث يصل إلى أربعين متر عرضاً وخمسة إلى ستة عمقاً وهي حالة أشبه بالإنسداد لثاني الأنهر طولاً في العالم! علمت أيضاً أن هناك موقع أكثر ضيقاً ويسمى "برقبة الجمل"، ولكنني أكتفيت بما رأيت ففيه وجدت ضالتي التي تؤكد اختناق مجرى النيل. قفلنا راجعين والقارب البخاري يتعرج بين الصخور والجزر التي تكسوها والضفاف خضرة يانعة. كنت مسحوراً بعبقرية المكان وروعته وأستعادت ذاكرتي رائعة المخرج الأسباني لويس بنيول " أليس في بلاد العجائب"، فيلم كنت شاهدته قبل ما يزيد عن الثلاثين عاماً خلت حينذاك. أنتهز هذه السانحة لأبعث بتحياتي ومودتي إلى الذين أعانوني في القيام بتلك الرحلة وهم الصديق عبد القادر حمد البرقدار ، وإلى آل الصادق أحمد الحاج وأبنهم عبد الله بقرية الحقنة الذين استضافوني بكرم لليلتين متتاليتين. أبعث بالتحية أيضاً إلى آل الريس أحمد عبيد فضل المولى بقرية المسيكتاب وأبنه الربان الماهر عبد المنعم احمد عبيد ومساعده الدقير. خرجت من تلك الرحلة بخلاصة قد يعلمها الجيولوجيون والجغرافيون ولكنني كنت أجهلها ومفادها هو ان الكتلة الصخرية الضخمة التي تشكل قاعدة الشلال تكاد تسد مجري النيل وأن لتلك الكتلة وجهان أحدهما إيجابي والثاني سالب! يتمثل الوجه الإيجابي للكتلة الصخرية في أدائها لدور السد الطبيعي المسئول عن إحتجاز معظم الإيراد الضعيف للنيل في الفترة ما بين فبراير ومايو من كل عام. بوجود هذا السد الصخري تكونت ما يمكن ان نطلق عليها " شبه البحيرة": وهي نيل الخرطوم الذي يراه سكان العاصمة في تلك الأشهر الحرجة من السنة. أن تأكدت هذه الخلاصة فإننا نستطيع القول بأن الأمر ينطبق على كل قطاعات النيل الواقعة أعلى الشلالات بدء بالقطاع ما بين شلالي السبلوقة والشريك. أما الوجه السالب للسد الصخري فيتمثل في أمرين وهما: 1) الاحتقان المائي الذي يحدث في مواسم الفيضانات العالية خاصة في الثلث الأخير من اغسطس والثلث الأول من سبتمبر حينما يتخطى الإيراد اليومي للنيل الأزرق حاجز الثمانمائة ألف متر مكعب. أن الاحتقان المائي الناتج عن وجود السد الصخري يعني إرتداد المياه إلى الوراء والوراء يعني في المكان الأول النيل الأبيض بتياره الضعيف! لهذا ينشأ سد مائي إفتراضي يدفع بمياه النيل الأبيض جنوباً فيرتفع المنسوب على إمتداد الواجهة النيلية الغربية لمدينة الخرطوم. نتيجة لارتفاع المنسوب تتعرض الإمتدادات السكنية لتسرب مياه الفيضان وهذا ما حدث في فيضاني 1946 و 1988 ولهذا السبب أقيمت الجسور الواقية على إمتداد الكلاكلات. أما الواجهة النيلية الشمالية المطلة على النيل الأزرق فقد تعرضت للإجتياج المائي هي الاخرى في عام 1946 ولهذا السبب تم نقل قرية أبو حشيش من موقعها على الشاطئ مباشرة إلى الموقع الذي يقوم عليه الآن حي برى أبو حشيش. في فيضان 1988 تحول حى قاردن ستي إلى ما يشبه أحد أحياء مدينة البندقية الإيطالية! لقد أحسنت حكومة الولاية صنعاً برصف شارع النيل بارتفاع كافي لصد مياه الفيضان. 2) يتمثل الوجه السالب الثاني للسد الصخري في – كما سبق أن نوهنا- في أعاقة الملاحة النهرية إذ لا توجد اي رحلات بين النيلين الأبيض والأزرق من جهة ونهر النيل من جهة أخرى. هذا قصور يعاتب عليه كل من تولى الحكم في السودان منذ بداية الحكم الثنائي!. أن من رأينا أن السودان قد خسر الكثير – ومازال يخسر- من غياب الملاحة بين الأنهر الثلاث المذكورة وان الخسارة ستتضاعف في السنوات القادمة ما لم نجد حلاً لعقبة السبلوقة الملاحية. معالجة عقبة السبلوقة: أنصب الإهتمام في السابق على استحقاقات الملاحة النهرية دون غيرها ولذلك دعا البعض إلى استخدام المتفجرات لفتح طريق ملاحي عبر الشلال. يعاب على هذه المعالجة أنها تتجاهل الاعتبارات الاقتصادية والبيئية التي نوجزها في: • أن إنسياب المياه المحتجزة في نيل الخرطوم يعني حرمان المخزون الجوفي للعاصمة من مصدر التغذية في فصل الصيف علماً بأن العاصمة تعتمد على هذا المخزون بنسبة 40%. • إن إنحسار منسوب المياه في فصل الصيف يعني ابتعاد مواقع الضخ " المضارب" وإستهلاك طاقة أكثر في الضخ لمحطات معالجة المياه التي توفر النصف الثاني من حاجة العاصمة لمياه الشرب. • يعني أيضاً صعوبة وإستهلاك أعلى للطاقة لضخ المياه للزراعة على الجروف والشواطئ والأراضي الزراعية الواسعة في مشروعي سندس والسليت وغيرهما. • سيضر إنحسار المياه المحتجزة بالثروة السمكية التي تغطي جزء من حاجة العاصمة من الأسماك. • يتمثل الأثر البيئي السالب في الأضرار بالتنوع الحيوي Biodiversity في مياه النيل وعلى ضفافه. يشمل التنوع الحيوي الاحياء المائية الدقيقة، النباتات، الزواحف والطيور التي تعيش في النيل أو حوله. • بتراجع مساحة السطح للمياه المحتجزه خلف الشلال يتراجع التأثير الإيجابي على الطقس صيفاً على الأقل في الواجهات النيلية الست للعاصمة القومية. تجارب العالم في معالجة الشلالات: لعله من المناسب قبل ان نطرح رؤيتنا لمعالجة شلال السبلوقة ان نسلط بعض الأضواء على التجارب العالمية المعاصرة. أولاً : القنوات التحويلية في البحيرات الخمس: يعتبر إقليم البحيرات الخمس العظمى بأمريكا الشمالية من أكثر أقاليم العالم أزدهاراً. تحقق لهذا الإقليم الأزدهار الاقتصادي بما يحيط به من ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية المطرية الخصبة وخامات المعادن والفحم الحجري ومساقط المياه القابلة للتوليد الكهرومائي. هذا بالطبع إلى جانب وفرة المياه العذبة بالبحيرات وإلى اتساع مسطحاتها التي تسمح بالنقل المائي الرخيص. لم تكن الملاحة ميسرة في بداية الأمر فالبحيرات الخمس وأن ظهرت في الخرائط كمسطح مائي واحد إلا ان الواقع ينفي ذلك. في واقع الأمر تقع البحيرات على إرتفاعات مختلفة عن سطح البحر، فبينما تقع بحيرات الوسط – وهي هورن Huron ومتشجات Michigan وأيري Erie على ارتفاع واحد تقربياً تحتل بحيرة سيوبيرير Superior موقعاً إعلى بما يزيد قليلاً عن السبعة أمتار ولذلك أطلق عليها هذا الإسم الذي يعني الأعلى! تتدفق المياه من هذه البحيرة نحو بحيرات الوسط عبر شلالات سانت ميري St.Mairie الوعره وتمت المعالجة لأغراض الملاحة بحفر قناة سو Soo التي جُهزت بهويس يسمح بانتقال البواخر في الإتجاهين بسهولة وفي وقت وجيز. أما في الجزء الجنوبي الشرقي لإقليم البحيرات فنجد بحيرة أيري تعلو على جارتها بحيرة أونتاريو Ontario بأثنين وخمسين متر ولذلك يتدفق فائض المياه من البحيرات الأربع نحو بحيرة اونتاريو عبر شلالات نياجارا Niagra Falls الشهيرة. أستخدمت التقانات الهندسية مرة أخرى لحفر قناة ويلاند Welland المتدرجة والمجهزة باهوسة Weirs للسماح للبواخر بالصعود والنزول بكفاءة عالية بين البحيرتين. أما نهر سانت لورانس الذي يشكل منفذ البحيرات الخمس إلى المحيط الاطلنطي فهو الأخر شديد الإنحدار والوعورة. لمعالجة هذه المعيقات الملاحية تم حفر قناتين عميقتين لتجاوز المواقع الوعرة وهما قناتا سولانج Soulanges ولاشين Lachin. عتد إكتمال هذه الأعمال الهندسية أصبحت السفن المحيطية Ocean – going vessels قادرة على الصعود والإبحار في عمق البحيرات حتى بحيرة سيوبيريور لتصل إلى صوامع الغلال لتشحن القمح الذي نشتريه أحياناً خبزاً من أفران عاصمتنا!. ملحوظة: لإستيعاب نظام النقل المائي بالبحيرات الخمس نرجو الاستعانة بالأطلس! ثانياً: القنوات الجانبية في فرنسا: لفرنسا تاريخ عريق في الملاحة النهرية وكانت بداية تطور النقل النهري أبان الثورة الصناعية إذ تم حفر آلاف الكيلومترات لتكّون مع الأنهر شبكة نقل مائي لنقل الخامات والبضائع. كان ذلك في وقت لم يخترع فيه القطار بعد ولا الشاحنة " الأتومبيل". توجد الجنادل والشلالات في معظم الأنهر الفرنسية ولكي تستفيد الدولة من اقتصاديات النقل النهري لجأت الحكومة إلى حفر القنوات الجانبية Les Cannaux Lateraux كما يسمونها. بحفر هذه القنوات أصبح النقل النهري يلعب دوراً هاماً في الحياة الإقتصادية وأستمر الحال إلى يومنا هذا. توجد أعلى كثافة من القنوات الجانبية في نهر الرون Le Rohn الذي يكتسب أهمية عظمى من كونه يصل قلب أوربا الغربية بالبحر الأبيض المتوسط. ينبع هذا النهر من جبال الألب السويسرية من إرتفاع 1850 متر فوق سطح البحر وينحدر جنوباً عابراً الأراضي الفرنسية بمسافة خمسمائة كيلومتر حتى مصبه في البحر الأبيض المتوسط عند موقع غرب ميناء مارسيليا. لشدة إنحدار هذا النهر تكثر في مجراه الحافات الصخرية والشلالات الصغيرة ولهذا كانت الملاحة مستحيلة في غير مواسم الفيضان. لمعالجة هذه المعيقات الملاحية قامت الحكومة الفرنسية بحفر وتجهيز أثنين وعشرين قناة جانبية وذلك بمتوسط قناة لكل ثلاثة وعشرين كيلومتر. تم تجهيز تلك القنوات بأهوسه تسمح بمرور البواخر في الإتجاهين كما تمت الاستفادة من الفرق في مناسيب المياه في التوليد الكهرومائي. اهمية النقل النهري: ترى الدراسة أن هناك عدة عوامل تفرض أن يتبوأ النقل النهري موقع الصدارة بين وسائل النقل المستخدمة في السودان والعوامل هي: أ) وجود أنهر صالحة للملاحة ولمسافات طويلة. ب) يعتبر النقل النهري أقل وسائل النقل إستهلاكاً للوقود. ج) هو الانسب لنقل المنتجات السودانية من خامات زراعية وغابية وحيوانية ومعدنية. د) قيام سد الشريك في السنوات القليلة القادمة كما وجه رئيس الجمهورية. تنشأ أهمية هذا السد من إمتداد بحيرته جنوباً لتغمر المواقع الوعرة من الشلال الخامس مما يجعلها صالحة للملاحة. ه) نتوقع ان يعطي سد النهضة الاثيوبي دفعة قوية للنقل النهري. تتحقق الدفعة من إحتجاز مياه الفيضان وإطلاقها تدرجاً لأغراض التوليد الكهربائي مما يرفع منسوب المياه في النيل الأزرق ونهر النيل. بهذه البرمجة سيتوقف الانحسار الموسمي لمناسيب المياه في النيل الأزرق ونهر النيل وبذلك يصبح النهران صالحين للملاحة طوال العام. و) ينبغي ان نأخذ في الاعتبار المستجدات الأقليمية التي نتجت عن قيام دولة الجنوب الحبيسة التي تجاور دول حبيسة أخرى Land-Locked Countries. إن عدم تنشيط النقل النهري وتعظيم فوائده يعني إخفاقنا في إستخدام أهم الكروت الرابحة في تجارتنا مع دولة جنوب السودان والدول الحبيسة من حولها. ز) إنتقال العالم إلى عصر العولمة الذي تعبّر عنه إقليمياً التجمعات الاقتصادية التي يشارك السودان في عضويتها. ان أهم تلك التجمعات هي الكوميسا، المنطقة الحرة للتجارة العربية وتجمع الساحل والصحراء. قناة المسيكتاب الجانبية: على ضوء ما تقدم نستطيع القول أن العقبة الوحيدة أمام قيام محور نقل نهري رئيسي يمتد إلى مسافة ألفين كيلومتر بين الشريك وجوبا وبحيث يتفرع منه طريق ملاحي على النيل الأزرق (357كيلومتر) هي عقبة السبلوقة. سيكتشف القارئ الكريم كم هي سهلة معالجة عقبة السبلوقة مقارنة بالمعالجات التي تمت في أمريكا وفرنسا. ترى الدراسة ان المعالجة العملية لتجاوز عقبة السبلوقة هي حفر قناة جانبية بحيث تخرج من النيل من ناحية الشرق وبالقرب من قرية المسيكتاب- أي أسفل خانق السبلوقة مباشرة- ثم تمتد موازية لمجرى النيل لمسافة ثلاثين كيلومتر لتعود إليه عند الموقع المناسب بالقرب من قرية حجر العسل. تقترح الدراسة ان تكون أبعاد القناة كالآتي: ثلاثين كيلومتر طولاً وخمسين متر عرضاً و15 متر عمقاً. بهذه الأبعاد يصبح حجم مخرجات الحفر من التراب والحجارة 22.5 مليون متر مكعب. لضرورات التحكم في إنسياب مياه النيل في الأشهر الحرجة ترى الدراسة ضرورة تجهيز المدخل الحنوبي للقناة ببوابات. أن وظيفة هذه البوابات هي السماح بمرور مياه الفيضان لتمنع الاختناق والارتداد المائي أما في الأشهر التي تعقب موسم الفيضان فإن البوابات تقفل ولا تفتح إلا للسماح بمرور الصنادل والجرارات النهرية والبواخر. بهذه الطريقة يحتفظ نيل العاصمة بمنسوبه المعتاد. أما بالنسبة لمخرجات الحفر فترى الدراسة إمكانية إستخدامها في تشييد سدود حصاد المياه على أودية الهودي، العواتيب، كيربيكان وغيرها التي تنحدر من هضبة البطانة نحو النيل. بإنشاء هذه السدود تتوفر الأسباب لاستقرار بعض الرحل في غرب البطانة وتتوفر البيئة المناسبة للتوسع الزراعي المطري والقليل من الزراعة المروية. من جهة اخرى فإن نثر المياه في أحواض السدود من شأنه أن يعيد الغطاء النباتي والشجري ويجذب الحيوانات البرّية الهائمة في غرب البطانة. إيجازاً لما تقدم نستطيع القول أن حفر قناة المسيكتاب يحقق ثلاث مكاسب كبري وهي:- أ) معالجة عقبات الملاحة وقيام محور نقل نهر رئيسي بطول ألفين كيلومتر " جوبا – الشريك" ومحور نقل مائي فرعي بطول 357 كيلومتر وهو محور الخرطوم – سنار على النيل الأزرق علماً بأن لكلا المحورين أهمية إقتصادية وإستراتيجية عظمى . ب) حماية أطراف الخرطوم المنخفضة من الاجتياح المائي. ج) تشييد عدد من سدود حصاد المياه لتشجيع إستقرار الرحل وإستعادة الغطاء النباتي. هل يغني سد النهضة عن قناة المسيكتاب: كما سبق وان نوهنا سيسهم سد النهضة الأثيوبي بفعالية في تسهيل الملاحة على النيل الأزرق ونهر النيل. رغماً عن ذلك لدينا تحفظ بالنسبة لقطاع السبلوقة. أن مبعث التحفظ هو وجود عدد كبير من الجزر. أن محاولة عبور الجرارات الساحبة لعدد من الصنادل ستعني الإبحار المتعرج Zigzaging وهو ما لا يستقيم عقلاُ ويشكل خطراً على الملاحة. من جهة أخرى نرى أن حماية المناطق الحضرية على ضفاف النيل من الاحتياج المائي وإنتظام الملاحة على نهر النيل لهي أمور من صميم السيادة الوطنية وليس من المقبول ان تخضع للسياسات المائية لدولة أخرى وفي أذهاننا ظاهرة تغيير المناخ وإحتمالات العواصف الممطرة التي قد ترفع إيراد النيل إلى المستويات التاريخية التي سبق أن وصلها ومنها على سبيل المثال 142 مليار في عام1878 وهو أيراد يفوق إيراد فيضان 1946 الشهير بثمانية وثلاثين مليار متر مكعب!. تنفيذ مشروع القناة وسدود حصاد المياه: ترى الدراسة أن الشركات السودانية العاملة في قطاع الإنشاءآت قد تراكمت لديها الخبرات من خلال مشاركتها في تنفيذ السدود الكبرى ورصف الطرق القومية وحفر ونظافة قنوات الري وذلك بالإضافة إلى إنجازاتها المشهوده في حصاد المياه بحفر الحفائر وإقامة السدود. من جهة أخرى تمتلك تلك الشركات أسطولاً كبيراً من آليات الحفر والشاحنات مما يعزز مقدرتها. بهذه المعطيات نرى ان تلك الشركات مؤهلة للقيام بتنفيذ المشروع المزدوج: حفر قناة المسيكتاب وإنشاء سدود حصاد المياه وذلك شريطة أن يتوفر وينتظم التمويل. من جهة أخرى لا نعتقد أن لدى بيوت الخبرة الاستشارية السودانية خبرات في إعداد دراسة الجدوي والإشراف الفني لتنفيذ القنوات الملاحية إذ لم يسبق ان نفذ مشروع بهذه الطبيعة في السودان. لهذا يصبح من الضروري الاستعانة بأحد بيوت الخبرة الأجنبية التي لها باع طويل في إعداد دراسات الجدوي لمشاريع القنوات الملاحية. تجدر الإشارة هنا إلى أن هناك أهمية قصوى في التعاقد مع بيت خبرة مشهود له في إعداد الدراسات الخاصة بالقنوات الملاحية لإعداد دراسة الجدوي الإقتصادية والفنية لقناة المسيكتاب. تنشأ الأهمية من إشتراط مؤسسات التمويل والدول المانحة ان تكون الدراسات المقدمة قد أعدت بخبرة ومهنية عالية. ان تقديرنا لتكلفة المشروع المزدوج تترواوح ما بين خمسمائة إلى ستمائة مليون دولار أمريكي. أننا نرجح ان يحصل المشروع على قروض ميسرة طويلة الأمد أو حتى على منح لم لا فالمشروع يمثل احد أدوات خفض غازات الصويةGreen House Gases (GHG) الذي أوصت به قمة المناخ التي عقدت بالعاصمة الدنماركية كوبنهاجن في ديسمبر 2009، غير ذلك فالمشروع سيدفع بعجلة التنمية في دولة جنوب السودان عند قيام محور الشريك – جوبا الملاحي (2000 كيلومتر) الذي يعتبر أنسب محاور التجارة الخارجية لدولة جنوب السودان. في واقع الأمر تتفق كل المؤشرات على أن ظاهرة تغيير المناخ أصبحت حقيقة ماثلة لا يمكن إنكارها إذ تؤكدها الاحداث المناخية الشاذة (E.W.E) التي شهدها العالم في العقدين الأخرين. لقد روّع العام مؤخراً بحجم الكارثة الإنسانية التي تسبب فيها أعصار هايان Haiyan الذي ضرب الجزر في جنوب الفلبين في الأسبوع الأول من نوفمبر 2013. لقد تسببت العاصفة في موت أكثر من ستة آلاف شخص وعصفت بحياة أكثر من عشرة مليون فلبيني معظمهم من فقراء الجزر الفلبينية وكان الدمار شاملاً في عشرات القرى والمدن الساحلية كمدينة تاكلوبان Tacloban التي أصبحت أثراً بعد عين. فسر خبراء المناخ الذين استضافتهم الفضائيات سبب الاعصار بانه ناتج عن إرتفاع درجات حرارة السطح للمحيط الهادئ. نتج عن ذلك تبخر كميات هائلة من المياه وتكوين كتل كثيفة من السحب المشبعة بدرجة عالية من الرطوبة. بفعل التيارات الهوائية تحولت تلك السحب إلى دوامة ثم عاصفة بحجم قارة إستراليا او أكثر. اتجهت العاصفة بقوة نحو مواقع المنخفضات الجوية في شرق أسيا عابرة للجزر المبعثرة في جنوب الفلبين فكانت الكارثة. لقد كان الدمار شاملاً للمنازل والمرافق العامة بسبب سرعة العاصفة التي بلغت أكثر من مائتي كيلومتر/ الساعة وهي سرعه لم تصلها من قبل عواصف المحيط الهادي ولا البحر الكاريبي. شاءت الأقدار أن يتزامن هذا الإعصار مع إجتماع خبراء العالم في المناخ وبقية التخصصات ذات الصلة في العاصمة البولندية وارسو. بفعل تداعيات عاصفة هايان تحول الإجتماع إلى مواجهة ساخنة بين مجموعة الدول النامية " الضحية" والدول الصناعية المسئولة عن ظاهرة تغيير المناخ والكوارث التي تضرب دول العالم الثالث. من جانبنا نقول أن رُب ضارة نافعة وان هبّت رياحك فأغتنمها! على خلفية هذه الاحداث نرى أن السودان يستطيع أن يحصل على منحة من الأموال التي إلتزمت بها الدول الصناعية لتمويل المشاريع الرامية إلى خفض إنبعاث غازات الصوبة (GHG). إن قبلت الحكومة الاتحادية إقتراحنا بحفر قناة المسيكتاب يكفي أن تعلن وزارة النقل في هذه المرحلة عن نيتها التوسع في شبكة النقل النهري في جمهوريتي السودان وجنوب السودان بسبب جدواه الاقتصادية ودوره المؤثر في تنمية البلدين. نرى أيضاً أن تبدي الوزارة رغبتها في الإسهام في خفض إنبعاث غازات الصوبة من خلال الإنتقال من النقل بالشاحنات إلى النقل النهري والسككي. أننا على ثقة تامة من ان أبداء هذه النوايا كفيل بان يجعل عدة حكومات تتدافع لتبني هذا المشروع دون إعتبار لسياسة الحصار الاقتصادي المعلنة وغير المعلنة على السودان ذلك لان الرعب المناخي المتربص بالعالم أجمع يفرض على جميع الدول التسامي فوق الإعتبارات السياسية. لقد أتفقت الدول الصناعية في بروتوكول كيوتو على الخفض الطوعي لأنبعاث غازات الصوبة ولكن بعض الدول أبدت تحفظها لما يتطلبه الخفض من تكلفة عالية وتضحيات تفوق إمكاناتها وتربك أقتصاداتها القائمة على الوقود الاحفوري كالبترول. لهذا أبتدعت صيغة تجارة الكاربون Carbon Trading. تهدف هذه الصيغة إلى أن تقدم الدول الصناعية العاجزة عن الخفض بدائل تتمثل في مساعدات لدولة او دول نامية لتنفيذ مشاريع الخفض. تشمل مشاريع الخفض إستخدام التقانات الحديثة التي تقلل من إستهلاك الطاقة، توطين الطاقات البديلة والمتجددة وإستزراع الغابات والتحول في قطاع النقل إلى السكة الحديد والنقل النهري أينما كان ذلك ممكنا وهو الأمر الذي ينطبق بامتياز على مشروع قناة المسيكتاب الجانبية. المكاسب الاقتصادية لقناة المسيكتاب: نتوقع ان يحقق حفر قناة المسيكتاب مكاسب إقتصادية كثيرة عبر النقل النهري ونورد أدناه أهمها: • ان التوسع في إستخدام النقل النهري إينما كان ذلك ممكناً سيعني تقليص إستهلاك الوقود " الجازولين" والإطارات وقطع غيار الشاحنات هو تحول يصب في نهاية الأمر في مصلحة ميزان المدفوعات والاقتصاد الوطني. • أن قيام محاور النقل النهري على النيلين الأزرق والأبيض وعلى نهر النيل سيعطي دفعة قوية للنهضة الزراعية وصادر اللحوم. أن السيناريو الذي تتوقعه الدراسة هو أن إمكانية استخدام النقل النهري بطاقاته الضخمة في نقل البضائع سيشجع المزارعين في الأقاليم الممطرة والمروية على النيلين الأبيض و الأزرق على إنتاج الأعلاف مطرياً وبكثافة لتضاف إليها الأعلاف المركزة من مصانع السكر في كنانة وعسلاية والنيل الأبيض والجنيد ثم تنقل نهراً إلى ولاية نهر النيل وأسفل نهر عطبرة. نظراً لأن ولاية نهر النيل بالطوق الصحراوي الذي يحيط بها مصنفة ضمن الأقاليم الخالية من امراض الحيوان وبما تحظى به من وفره في المياه فإنها ستتحول إلى محجر بيطري عملاق بطول ضفتي نهر النيل وأسفل العطبراوي اي حوالي الفين كيلومتر! سيستقبل هذا المحجر العملاق الماشية من مصادر إنتاجها أو تجميعها لتتوزع بالشراء المباشر او عبر الوسطاء على القرى والمزارع النيلية وعلى الحظائر التي يمكن إقامتها في الظهير الصحراوي الذي يحيط بالشريط النيلي. ان كثافة الوجود الحيواني في بيئة خالية من الامراض وتحت الرقابة البيطرية ودورات التسمين سيوفر خامة ممتازة لقيام صناعة اللحوم ومشتقات الألبان تتوفر لها كل أسباب النجاح. تشمل الصناعة أيضاً صناعة الجلود/ صناعة مخلفات الحيوان حياً أو مذبوحاً كما تشمل ما يزيد عن الخمسة عشر صناعة ترتبط بمخلفات صناعة اللحوم من عظام وشحوم وأمعاء دقيقة وقرون وأظلاف. أضافة للميزات الطبيعية التي تتمتع بها ولاية نهر النيل فهي قريبة من الموانئ السودانية كما هي الأقرب من ميناء جدة باستخدام مطاري عطبرة ومروي وكما هو معروف يعتبر مطار جدة البوابة الغربية لكل دول الخليج. اما البنيات الأساسية فنجدها في كهرباء سد مروي وقريباُ كهرباء سد الشريك وفيما تقوم به حكومة الولاية من جهد لكهربة القرى ورصف طريق النيل الغربي. إيجازاً لما تقدم نتوقع ان يسهم مشروع قناة المسيكتاب في تبلور خمس حلقات متشابكة للإنتاج الزراعي – الحيواني والحلقات هي: 1) زراعة وتصنيع الأعلاف على إمتداد النيلين الأزرق والأبيض. 2) ظهور نقاط لتجميع – اي أسواق- للماشية على إمتداد النيلين الأبيض والأزرق. 3) النقل النهري لنقل الماشية والاعلاف شمالاً والجوي لصادر اللحوم. 4) التحول إلى الزراعة المختلطة في نهر النيل وقيام حظائر الإنتاج الحيواني. 5) صناعة اللحوم ، مشتقات الألبان ، الدواجن، صناعة الجلود ، صناعة مخلفات الحيوان والذبيح وصناعة اللحوم. قد يستغرب القارئ الكريم – او يُفجع! – إذا ما استبانت له بعض الحقائق عن النقل الجوي لللحوم. وفقاً لمعلومات استقيناها من مصادر ذات ثقة فإن: أ) متوسط وزن ذبيح الضأن الذي خضع لعملية تسمين هو 15 كيلوجرام. ب) يبلغ وزن الرأٍس من الضأن من اللحم المشفى اي بدون عظم 7إلى8 كيلوجرام,. ج) تبلغ حملة طائرة الشحن (Cargo) من طراز اليوشن 76 (الروسية) 40 طن بينما تبلغ حمولة البوينق 738 الامريكية 32 طن والأثنتان تستخدمان في السودان. استناداً على هذه الحقائق فإننا نستطيع القول: 1. ان طائرة اليوشن – 76 تسطيع نقل لحوم مصنعة يعظامها ومغلفة لما يعادل 2600 رأس من الضأن. 2. ان ذات الطائرة تستطيع نقل لحوم مشفاه لعدد 5700 رأس من الضأن!. 3. إن كانت الشحنة تشمل لحوم بعظم ولحوم مشفاه مناصفة بين الصنفين فإن الطائرة ستحمل لحوم 4150 رأس من الضأن!. هذا بالطبع – وفي التلوث حالات – أن سمحت سعة الطائرة بذلك. حتماً سيفجع القارئ عندما يتذكر عدد الشاحنات التي تنقل هذا العدد الكبير من رؤوس الضأن إلى ميناء سواكن ومن ثم النقل بالبواخر إلى ميناء جدة. في هذه الرحلة عبر ألاف الكيلومترات معظمها براً وقليلها بحراً تفقد الماشية الكثير من أوزانها وينفق بعضها وذلك بالإضافة إلى تكلفة العلف الذي يسبقها إلى المحاجر في ميناء عثمان دقنة او يرافقها في رحلاتها. ان قناة المسيكتاب تغني عن كل ذلك الرهق العبثي وحتماً ستهيئ ولاية نهر النيل كل مطلوبات صناعة اللحوم للمستثمرين العرب عامة وللشركات العاملة في مجال استيراد وتوزيع اللحوم حتى تصل إلى ثلاجات العرض في مدى زمني أقصاه 24 ساعة مما يستوجب إحياء مطار مروي الجديد وتأهيل مطار عطبرة! تتوقع الدراسة ان الاختراق الذي ستحققه قناة المسيكتاب في طبيعة الإنتاج الزراعي - الحيواني سيكون له أكثر من مردود فعلي سبيل المثال: • سيكون لكثافة قطعان الماشية بالأراضي الزراعية أثر إيجابي في تجديد خصوبة التربة بالسماد الطبيعي عوضاً عن الأسمدة الكيماوية المستوردة وعن حرمان الأرض من الإطماء الموسمي عند قيام سند النهضة. بشيوع السماد الطبيعي سيتجه مزارعو ولاية نهر النيل نحو تكثيف إنتاج المحاصيل البستانية وحفظها وتغليفها عبر الشركات الخاصة والجمعيات التعاونية لتصديرها إلى دول الخليج وغرب أوروبا شتاءً حيث يتدافع الجمهور لشراء الغذاء الطبيعي Bio –food • أن وصول الأعلاف عبر النقل النهري سيغني عن زراعة البرسيم الذي يستخوذ على مساحات شاسعة من أراضي وادي النيل الضيقة، لهذا ستتاح مساحات إضافية لزراعة البقوليات والمحاصيل البستانية من خضر وفاكهة ذات القيمة العالية. • عند إنتظام حركة النقل النهري إلى ولاية نهر النيل سيتخلى المزارعون عن زراعة القمح ليتحولوا إلى زراعة البقوليات وأهمها الفول المصري، الفاصوليا، الحمص واللوبيا وهي الاخرى من مخصبات التربة كما أنها تحقق إنتاجية عالية وأسعار أعلى. ستكتسب هذه المحاصيل رواجاً واسعاً في جنوب السودان وفي المئات من القرى والمدن في دول الجوار التي يسود فيها المناخ الإستوائي كجمهوريتي الكنغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى. تكمن أهمية المحاصيل البقولية التي سبق ذكرها في إحتوائها على نسبة عالية من البروتين النباتي إذ تتراوح تلك النسبة ما بين 20% إلى 30%. بهذا المكون البروتيني سيجد مواطنوا تلك البلاد بديلاً للبروتين الحيواني الذي يفتقدونه. كما هو معروف يصعب تربية الماشية في البيئة الإستوائية الممطرة أما بسبب الأوبئة وكثرة الحشرات الناقلة للأمراض واما بسبب فقر الأعلاف الناتج عن غزارة الامطار وإفقارها للتربة أو للسببين معاً. • تتوقع الدراسة أيضاً ان يفرض إنتظام حركة النقل النهري بين ولايتي النيل الأبيض ونهر النيل تراجع إدارات مصانع السكر عن صناعة الإيثانول وربما التوقف عن إنتاجه. يحدث هذا التراجع بسبب الطلب العالي المتوقع للأعلاف في ولاية نهر النيل مما يستوجب إضافة المولاس " العسل الأسود" " إلى البقاس" " تفل القصب" لزيادة قيمته الغذائية وليصبح اكثر استساغة عند الحيوان. اما حاجة مصانع السكر للكهرباء فهي قطعاً مؤمنة بالتوليد الكهرومائي المتزايد من السدود السودانية عند قيام سد النهضة ومن ما سيتم استيراده من ذات السد دون ذلك فبإستبدال البقاس باعشاب النيل المجففة. في هذا الصدد سبق لنا أن أقترحنا في عدة مقالات أن تغتنم ولاية أعالى النيل فرصة عودة الصنادل الفارغة من جوبا او ملكال إلى الشمال لتشجيع العاطلين عن العمل على جمع وتجفيف وكبس أو حزم اعشاب النيل لتنقل إلى مصانع السكر حيث تستخدم كوقود للتوليد الكهربائي بدلاً عن البقاس. تتمثل المكاسب في: أ) إيجاد فرص للعمالة لعشرات الآلاف من أبناء القبائل النيلية بدولة جنوب السودان. ب) نظافة مجرى النيل لتسهيل الملاحة. ج) إستخدام البقاس كعلف بعد خلطه بالمولاس " العسل الأسود". د) تقليل الفاقد من مياه النيل بسبب النتح Transevaporation . • إن النجاحات التي تتحقق في المزارع النيلية بولاية نهر النيل سيكون عامل تشجيع للكثيرين من أبناء القرى النيلية على الهجرة العكسية – خاصة من العاصمة – إلى قراهم. نظراً لصغر المساحات Parcellization الناتج عن قوانين الميراث نتوقع أن تحدث تنازلات وتسويات ينتقل بسببها العائدون إلى الظهير الصحراوي شرق وغرب النيل حيث يقيمون مجمعات سكنية جديدة. هناك متسع حول القرى الجديدة لإنشاء حظائر لتربية الحيوان إعتماداً على الماشية والأعلاف التي يوفرها لهم النقل النهري من جنوب واواسط البلاد وقد يستعين القادمون الجدد والقدامي بنوافذ التمويل الأصغر المتعددة. • ان المكاسب التي ستحققها قناة المسيكتاب تتخطى الزراعة لتشمل صناعة الأسمنت. لقد قامت بالفعل ستة مصانع بولاية نهر النيل وتبلغ الطاقة الإنتاجية لهذه المصانع ما يزيد عن السبعة مليون طن بينما لم يتجاوز الطلب المحلي نصف تلك الطاقة. لقد تشبعت الأسواق العربية بهذه السلعة ويكفي ان نعلم أن الإنتاج المصري والسعودي مجتمعين يفوق الستين مليون طن! لهذا تصبح أسواق دول الجوار الأفريقي هي المتنفس المتاح لفائض الأسمنت السوداني. إن وزن هذه السلعة الثقيل يجعل من النقل النهري الوسيلة الأنسب لنقلها إلى العاصمة وإلى ولاية الجزيرة عبر مدنها المطلة على النيل الأزرق، لغرب السودان عبر ميناء كوستي، إلى ملكال لتغطية حاجة أعالي النيل واخيراُ إلى جوبا حيث ينشط العمران ومن جوبا إلى دول الجوار الأفريقي. • هناك سلعة أخرى لها آفاق واسعة من الرواج وهي ملح الطعام الذي تشتد الحاجة إليه في جنوب السودان وفي دول الجوار الأفريقي. لهذا نرى ان ولاية نهر النيل بما فيها من بنيات أساسية ورؤوس اموال هي الانسب لقيام صناعة ملح الطعام المؤيدن Idonised Salt لإحلال المستورد منه من السعودية ومصر إلى السودان ولكفاية حاجة دول الجوار الأفريقي الحبيسة وعددها اربعة دول. • أمام هذه المتغيرات سيتوقف السودان عن تصدير الحيوانات الحيّة والأعلاف فبتحويل الأعلاف إلى لحوم مصنّعة وألبان ستتعاظم القيمة المضافة من ثروتنا الحيوانية وتتسع فرص العمالة. يتضح من هذا التناول ان تنفيذ مشروع قناة المسيكتاب سيحقق نقلة كبرى في الاقتصاد السوداني. تتمثل تلك النقلة في استخدام أرخص وسائل النقل واكبرها سعة، وفي إبتكار صيغة جديدة للإنتاج الحيواني لأغراض التصدير، التحول إلى صادرات السلع ذات القيمة العالية وهي اللحوم، المنتجات البستانية البقوليات، منتجات الدواجن. أن الحراك الذي ستحدثه قناة المسيكتاب يعني تدفق العملات الصعبة من صادرات السودان مما يعني قوة وإستقرار الجنية السوداني، يعني أيضاً إتساع فرص العمالة ومحاصرة الفقر. ختاماً ولأنصاف سكان القرى والحلال المتأثرين بحفر القناة لا بد من أن تشتمل دراسة الجدوى الإقتصادية للمشروع رؤية واضحة يوافق عليها المتأثرون وتلتزم بها حكومة الولاية حول التعويض وإعادة التوطين. أن أنسب المواقع لإعادة التوطين هي مواقع غير بعيدة من الطريق البري. في تلك المواقع سيكون من الممكن تجميع القرى الصغيرة والحلال في كيانات قروية أكبر يتوفر فيها المبرر الاقتصادي لتقديم الخدمات الأساسية وهي: مياه الشرب النقيّة، الخدمات الصحية والتعليمية والكهرباء. يوجد ما بين الطريق البري ومجرى النيل متسع من الأراضي لتمليك كل المتأثرين بمن فيهم من نزح أو اغترب مساحات لإنشاء حظائر للإنتاج الحيواني وبمرور السنين ستتحول تلك الظائر إلى أراضي زراعية عالية الخصوية وصالحة لإنتاج البقوليات والمحاصيل البستانية، حينها يمكن إضافة إمتدادات جديدة.
والله الموفق
د. عمر محمد علي أحمد جمعية خريجي كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بجامعة الخرطوم أبرز عناوين سودانيز اون لاين صباح اليوم الموافق 21 يوليو 2016
وأنه قد خصّ بها قراء ومشتركي سودانيزأونلاين . ونحن في كل مرة نحتفي بالدراسات الجادة ، والمعنية بالحلول العلمية لأزمات السودان الاقتصادية والاجتماعية . وعليه فإني أرى الملاحظات أدناه من حيث المبدأ وليس التفصيل : (1) ما دور المياه التي تتدفق على مصر من إزالة العوائق عن نهر النيل ، مع العلم بأننا لا نأخذ المياه وفق الاتفاقات القديمة ، وقد طرح ذلك السؤال السيد الصادق المهدي عندما كان رئيساً للوزراء أيام الديمقراطية الثالثة ، وكان من رأيه أن تدفع مصر نظير ما يصل إليها من مياه نهر النيل مما يخص حقوق السودان من الاتفاقات القديم . وغضب حينها رئيس مصر ، وبعد أشهر قام انقلاب الإنقاذ وأول طائرة للتهنئة كانت طائرة تقل الرئيس السابق حسني مبارك !!
(2) المبلغ المحدد للدراسة هل له تفصيل ودراسة اقتصادية مفصلة ضمن الدراسة ؟
(3) إن إزالة العوائق من انسياب نهر النيل يعني أيضاً سرعة سريان النيل إلى مصر فنفقد جزء هام آخر من حصة السودان ، وحكامنا لم يستطيعوا الإفادة من بقية " بحيرة ناصر التي توحشت فيها الأسماك " !!
(4) في عام 1996 كانت هنالك حوالى 350 بئر ارتوازية تخدم مياه الشرب في العاصمة القومية ، مع أن النيل هو الأقرب ولا يحتاج إلا موازنة علمية لخلطة ( الشب ) المنقي و( الكلور ) المُطهر والضخ . يقول البيئيون واختصاصيي الصحة إن الكلفة هي التي أدت لانتشار الآبار الإرتوازية ، في حين أن ملوحة المياه الجوفية وعدم استخدام التنقية من الأملاح والوقاية بالكلور لمياه الآبار الارتوازية ، وضخها مباشرة على مياه الشرب في العاصمة القومية ، أدت لانتشار أمراضي الكلى والفشل الكلوي !!!!
(5) هل في الوقت الحاضر هنالك دولة مأمونة الشفافية ، ويهمها أمر الوطن ، وتحكم السودان ؟
(6) لقد قال الترابي في حديثه في الجزيرة 2010 ( وهو عراب الإنقاذ ) أنهم كانت أعينهم على الدولة الإسلامية عامة ، وليس لهم كثير شيء في الدولة الوطنية ! . علماً بأننا في عالم اليوم نعيش دولة المواطنة ، فهنالك أكثر من مائتي دولة ، لكل منها اقتصادها وسياستها واجتماعها وتحمي حدودها ، أما نحن فعشنا 27 عاماً ، لا يعرف الحكام عندنا مع الاعتذار لاستخدام اللفظ ( طظ من سبحان الله ): من جهالة بالمعرفة وبالعلم . باعوا كل شيء وقبروا السكك الحديدية وقبروا مشروع القرن العشرين ( مشروع الجزيرة ) الذي كان العاملون فيه 4 ملايين ، ورقعته 2.5 مليون فدان !!! لك الشكر الجزيل دكتور عمر على هذا الحفر العلمي ، ونشكر المهندس بكري أبو بكر أن رفع إعلان الدراسة ، ونشكر انك قد رفعت المنتدى دراجات وقد كدنا نستيئس
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة