|
قضية السودان فى دارفور ما بين الوطنية و الإنتهازية بقلم محمد إبراهيم عبدالوهاب
|
سوق الغَرّابا فى أديس أبابا
• لم تستطع النُخبة السياسية منذ فجر الإستقلال من أن تستوعب فسيفساء المجتمع السودانى ضمن أوعية السلطة والثروة بما يضمن الأستقرار لتتوجه طاقات بنيها نحو التنمية والإعمار . كما مر السودان خلال العقدين والنصف الماضية بالعديد من التقلبات والتجاذبات السياسية والتى بدورها أفرزت العديد من الظواهر الإجتماعية والاقتصادية السالبة، حيث بات جلياً حالة الفوضى العارمة التى إجتاحت جميع مناحى الحياة فى البلاد. تُعتبر قضية السودان فى دارفور الهاجس الأكثر إرهاقاً وإيلاماً وضبابية فى الحل ضمن قضايا الوطن المتعددة عقب الإنفصال المؤلم لجنوبنا الحبيب . ولما كانت هذه القضية تمثل نموزجاً مصغراً لقضايا الدولة السودانية كان المأمول من القائمين على أمر العمل السياسى أن ينصب جُل جهدهم نحو إيجاد حل ناجع لها ومن ثم تطبيقها على مناطق البلاد الأخرى. ولكن هل إرتقى أهل السياسة لمسئولياتهم الوطنية تجاه هذه المعضلة وكانو عند حسن الظن بهم؟!
• لا يُنكِر حجم المظالم التأريخية على كل أهل الهامش إلا من كان مكابراً، كما لم ييأس أهلها من إستخدام الوسائل السلمية بَعَد، ليجدوا أنفسهم أمام تحدى الدفاع عن النفس ضد الآلة الضخمة لحكومة المركز فكانت ميلاد الثورة الحديثة مع بواكير العقد الماضى. تدافع أهل الهامش للحاق بالثورة أملاً فى تحقيق وتطبيق قيم الحرية والعدالة بين أهل السودان ، وقد كان الثمن غالياً "أرواحاً و دماءاً وتهجيرا" لمعظم أهل ومناطق دارفور . وفى غَمرة هذا التدافع كان هنالك من يُضمِر الغُبن والخيانة لتصفية أو إبعاد من يعتقد أنه من المنافسين متوهماً الإستئثار بثمار الثورة، مما شكل منعطفاً هاماً فى مسارها، حيث تم إحتكارها فى إثنيات وقبائل بعينها بحُجة أنها هى من دفعت أكثر التضحيات وبالتالى لهم الحق المُطلق فى إعتلاء دفة القيادة وليس للآخرين سوى التبعية العمياء.! لم يُعِرْ الثوار من المجموعات الأخرى كثير إهتمام لهذه الأفكار الشاذة لقناعتهم بأن الثورة مازالت فى بداياتها وهى فى حاجة إلى بعض من الوقت للوصول إلى مرحلة النُضج تتلاشى معها هذه المفاهيم المتواضعة. ولكن النتيجة الصادمة كانت المزيد من الإحتكار وبصورة أكثر إحترافية وضح من خلال صفقات السلام التى تم توقيعها طوال عمر الثورة . فالشاهد هو أن تدخل مجموعة فى إتفاق مع الحكومة لتُوزِع غنيمة الصفقة من أموال ووظائف بين أبناء القبيلة بل العشيرة الواحدة وقد ترمى ببعض من الغَث لأبناء المجموعات الأخرى لتوسيع هُوةِ الخلاف فيما بينهم والصراع على أرصفة شوارع الخرطوم . وعند الوصول إلى الغاية من جمع للمال والتمكين تبدأ أسطوانة عدم إيفاء النظام لتعهداته حسب نَص الإتفاق وما هى إلا إيام نرى بعدها " دخاناً أبيضاً " إيذاناً بخروجها لإفساح المجال لمجموعة أخرى جديدة لتسلُك نفس النَهج وكأنها إستراتيجية وضعت بعناية لقطع الطريق أمام الوصول إلى سلام عادل ومستدام يبدأ معها التنمية والإعمار و ينهى حالة البؤس والشقاء التى يعيشها أهلنا فى معسكرات اللجوء والنزوح وفى ربوع دارفور العريض.
• يعتبر السلام النتيجة الحتمية لأى صراع و إن طال أمده، ولكن لا يبذل المتابع لمنبر أديس أبابا كثيرعناء ليرى فصول المسرحيات السابقة وهى تتكرر بشُخوصِها و أدوارها دون أدنى إعتبار لعقول أهل الهامش وكأن أحاسيسهم وأذواقهم قد تبلدت . الجبهة الثورية وقد صاغت خطابها على شمولية الحل و بقدرتها على التماسك وإلحاق الهزيمة بالقصر الجمهورى لتقيم بعدها عدلاً ورفاهية و قد منحت نفسها الحق الحصرى فى التواصل مع من تريد و ممارسة الإرهاب السياسى بتدبيج بطاقات الخيانة والتخاذُل لكل من يتحدث عن الحوار و السلام خارج إطار مكوناتها التنظيمية . ولكن سقط القِناع على أبواب أديس أبابا (الزهرة الجديدة) وقد تفرق شملهم أحزاباً وشيعاً، فمنهم من حزم أمتعته خارجاً، و مكث البعض الآخر يمنى النفس الظفر بكسب ود الخرطوم وهى ممانعة، ولا ندرى ماذا فى جُعبتهم لأهل السودان وقد إنفض سامر هذا المنبر بعجزهم إيفاء مهرها وهى التى جهرت بأعلى صوتها بأن تذكرة الوصول لأرضها لن يكون إلا عبر بوابة مطار الدوحة .
• بعض من حركات المقاومة السودانية المسلحة فى دارفور وقد تَقزمت لتفرد لنفسها مساراً خاصاً بها على هامش مفاوضات الحركة الشعبية تحت مسمى "مسار الحركات الدارفورية المسلحة " ضارباً عرض الحائط ما ظلت ترردها بأنها حركات قومية. وقد إنكب قادتها فى تفاوض مَحَمُوم بإسم دارفور ، والأمر كذلك يتبادر الى الذهن سؤالاً بدهياً وهو : من الذى مَنحهم التفويض للتَحدُث بإسم أهل وحركات دارفور الأخرى؟ فالأصل هو أن الذى وصل لمرحلة حمل السلاح من أجل رفع الظلم والتهميش حَرِىٌّ به أن لا يسعى لممارسة ذلك على الآخرين .! إنه لمن نافِلة القول بأن ليس لأحد من أهل السودان فى دارفور الحق فى التدخل فى شئون تنظيماتهم المسلحة وحقهم فى التفاوض وإستخدام كل الوسائل للحصول على كل مبتغاهم من حكومة السودان، شريطة أن لا يكون بإسم أهل دارفور، لأنه و ببساطة أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم و دونكم جيش جرار من المجاميع الأخرى لثوار أهل السودان فى دارفور مكرهين على البقاء خارج إطار هذا الحراك ، وحسبنا أنهم أدرى بأسباب ثورتهم ومصالح شعبهم ويمتلكون القدرة والكفاءة على التعبير عنها في ما يتوفر من منابر ولا يستطيع أحد أن يصادر منهم هذا الحق.!
• أما لجنة الإتصال بالحركات المسلحة والتى كانت حاضرة بقوة قُبيل إفتتاح هذا المنبر، فبدون أدنى شك لها القَدح المُعَلى فى ترتيب هذا الماعون بشكلها الحالى ، فهى لم تكن أمينة فى تواصلها مع فصائل ومجاميع دارفور المختلفة، فقد حصرت نشاطها فى حركات ثلاث، كسبت إثنتين ولم تستطع إقناع الثالثة ولا ندرى ماهى معاييرها ومصلحتها فى تعمد إهمال ثوار المجموعات الإثنية والقبلية الأخرى؟!
• أخيرا وبعد أن هرِم الوِلدان قد بدأ تدافع السياسيين من بقية أهل السودان للغوص فى شأن دارفور، و حتى لا يكون حصادهم حرثاً فى البحر يجب عليهم منح أنفسهم القليل من الوقت للتعرف على مُنعرجات هذه القضية الشائكة بالتواصل مع مجاميع ثوار دارفور الأخرى و بشد الرِحال غرباً بإتجاه معسكرات وقرى دارفور لتلمُس حال أهلها على أرض الواقع ورسم صورة حقيقية عن معاناتهم و أشواقهم وتطمينهم بأن حِرَاكهم هذا لم يكن إنتهازياً إقتضه ظروف المرحلة بل وطنياً خالصاً. لأن المُلاحَظ أن تسَارُع الخُطَى نحو اللحاق بسفينة الربيع السودانى ( والتى يجب أن تكون سلمياً ) غيب عليهم النظر إلى الأفق البعيد و إختصار حدود معرفتهم فى أهواء بعضٍ من مستشاريهم و مكونات أديس أبابا.!
محمد إبراهيم عبدالوهاب لندن – 10/12/2014م mailto:[email protected]@post.com
|
|
|
|
|
|