قضايا الهوية الحضارية السودانية/ د.صبري محمد خليل

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 01:23 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-09-2011, 04:30 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18779

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قضايا الهوية الحضارية السودانية/ د.صبري محمد خليل

    بسم الله الرحمن الرحيم











    قضايا الهوية الحضارية السودانية










    د.صبري محمد خليل
    استاذ الفلسفة- جامعه الخرطوم







    مقدمه
    تتناول الدراسة مشكله الهوية السودانية طبقا لبعدها الاجتماعي-الموضوعي المتمثل في أطوار أو وحدات التكوين الاجتماعي التي تميز المجتمع السوداني،وبعدها الفردي- الذاتي/ الاجتماعي- الموضوعي المتمثل في علاقات انتماء الشخصية السودانية المتعددة، ويتم هذا التناول من خلال مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد.. ومحاور الدراسة هي:
    تعريف الهوية .
    مشكله الوحدة والتعدد في الفلسفة الغربية .
    الموقف الإسلامي الصحيح من مشكله الوحدة والتعدد على المستويين الوجودي و الاجتماعي السياسي.
    أولا: البعد الاجتماعي - الموضوعي للهوية السودانية :
    مذاهب الوحدة المطلقة
    مذهب التعدد المطلق
    مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد
    ثانيا:البعد الفردي- الذاتي/الاجتماعي-الموضوعي للهويه السودانية :
    أولا:مذهب الوحدة المطلقة:
    مذهب مناهضه الإسلام بالعروبة
    مذهب العصبية القبلية العربية(أو الخلط بين العربية والاعرابيه)
    مذهب الشعوبية النوبية والشعوبية السودانية
    المذهب التقليدي
    مذهب الافريقانيه أو الزنوجة كعلاقة انتماء اجتماعي حضاري
    مذهب إلغاء الانتماء الطبقي لكل علاقات انتماء (المذهب الماركسي التقليدي)
    ثانيا: مذهب التعدد المطلق :
    مذهب الفردية المطلقة ( الليبرالية التقليدية)
    ثالثا: مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد
    الإسلام وعلاقة الانتماء الديني الحضاري
    العربية وعلاقة الانتماء القومي اللساني الثقافي
    السودانية وعلاقة الانتماء الوطني
    النوبية وعلاقة الانتماء التاريخي الحضاري القبلي والشعوبي
    علاقة الانتماء القبلي
    علاقات الانتماء العرقية للشخصية السودانية
    بعض الإشكاليات المرتبطة بالهوية السودانية(اللون،العنصرية،الرق،التهميش)
    مكونات الهويه الحضارية السودانيه وجدليه الوحدة والتعدد(العادات والتقاليد، اللهجة،الامثال).
    الخاتمة.























    بسم الله الرحمن الرحيم
    الهوية الحضارية:
    الهوية( Identity) مصطلح منسوب إلى (هو)،ويعنى حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن غيره،يقول الجرجاني في كتاب التعريفات ( الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق)، وجاء في المعجم الوسيط أن الهوية(حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن غيره). فهو يشترك في المعنى مع مصطلحي الذاتية والشخصية و يتناقض مع مصطلح الغيرية.
    فإذا كان مصطلح شخصيه يدل على معنيين متلازمين:الأول: الوحدة(الاشتراك) أي جماع الشخص أي الشخص كله بكل مكوناته الفسيولوجية والعقلية والاجتماعية ،والثاني:التفرد اى ما يميز شخصاً عن آخر(د.عصمت سيف الدولة، عن العروبة والإسلام، بيروت، ط أولى 1986،ص362.. ) فان معنى مصطلح الهوية أو الشخصية الحضارية مقصور على المعنى الأول اى مكونات وحدة الشخصية المتجانسة بين كل الأفراد الذين ينتمون إلى مصدر حضاري واحد، ولا يتجاوزه إلى المعنى الثاني اى التفرد بما هو بناء مكتسب على هيكلها الأساسي من مصادر بيولوجية وفسيولوجية وفكرية واقتصادية وروحية ...الخ .
    وبتعبير آخر فان للشخصية عدة هياكل أساسية، وبناء مكتسب على هيكلها الأساسي: فهناك الهيكل الفسيولوجي، وهناك الذكاء... وهناك الهيكل الحضاري الذي نعرفه بأنه (مجموعة القواعد التي تحدد لكل فرد ما ينبغي أن يكون عليه موقفه واتجاهه وسلوكه في مواجهة الغير من الأشياء والظواهر والناس، يكتسبها من انتمائه إلى مجتمع معين) (عصمت سيف الدولة، المرجع السابق، ص 347)، وهو الذي يشكل الهوية الحضارية للشخصية.
    مشكله الوحدة والتعدد:
    ا/ في الفلسفة الغربية:
    تناولت الفلسفة الغربية مشكله الوحدة والتعدد على المستوى الوجودي(الانطولوجى) ، وأهم الحلول التي قدمتها هذه الفلسفة هي:
    أولا: مذهب الوحدة المطلقة القائم على أن هناك وجود حقيقي واحد،أما التنوع فهو مجرد تجليات مختلفة لهذا الوجود الواحد ليس له أي وجود حقيقي، هذا المذهب انقسم إلى مذهبي الوحدة المادية الذي يرى أن المادة وحدها ذات الوجود الحقيقي أما الفكر فما هو إلا انعكاس للمادة ليس له وجود حقيقي.و أهم ممثلي هذا المذهب المدرسة الأيونية و دي لامتري و فيورباخ و ماركس .والوحدة الروحية القائم على أن للفكر وحدة الوجود الحقيقي أما المادة فما هي إلا تجلي لهذا الفكر ليس لها وجود حقيقي،وأهم ممثلي هذا المذهب المدرسة الايلية وأفلاطون و هيجل .
    ثانيا: مذهب التعدد المطلق الذي يرى أن هناك تعدد في الوجود الحقيقي، وقد انقسم إلى مذهبي التعدد المادي ومن ممثليه امبادوقليس و المدرسة الذرية و ابيقور، ومذهب التعدد الروحي الذي يعتبر ليبنتز المؤسس الحقيقي له.
    كما تناولت مشكله الوحدة والتعدد على المستوى الاجتماعي السياسي، من خلال محاولتها حل التناقض الدائم بين وحده المجتمع وتعدد الأفراد المكونين له. واهم الحلول التي قدمتها الفلسفة الاجتماعية و السياسية الغربية للمشكلة على هذا المستوى هي :
    أولا: مذهب الوحدة المطلقة وأهم ممثليه الفلسفات الهيجليه والماركسية، هذه الفلسفات السياسية الغربية اختارت التأكيد على وحده المجتمع ولكنها تطرفت في هذا التأكيد لدرجه إلغاء حرية الأفراد فيه مما يقود إلي الاستبداد.
    ثانيا: مذهب التعددية المطلقة واهم ممثليه الليبرالية التي اختارت التأكيد على حرية الأفراد المكونين للمجتمع لكنها تطرفت في هذا التأكيد لدرجه إلغاء وحده المجتمع . وهذا الحل يؤدى إلي إلغاء المساواة كما هو ماثل في تجربه المجتمعات الغربية،وقد يؤدى إلى الفوضى (تفكك الدولة،الانهيار الاقتصادي) كما هو ماثل في تجربه مجتمعات العالم الثالث.
    ب/ في الفكر الاسلامى:
    تنطلق هذه الدراسة من أن المذهب الذي يعبر عن الموقف الإسلامي الصحيح من مشكله الوحدة والتعدد على المستوى الوجودي يتجاوز سلبا مذهبي الوحدة المطلقة والتعدد المطلق في الفلسفة الغربية. فهو يناقض مذهب الوحدة بقسميه، فهو يناقض مذهب الوحدة الروحية بمناقضته لما يلزم من نظرية وحده الوجود(الإقرار بوجود خالق وإنكار وجود مخلوق،أو الخلط بين وجود الخالق ووجود المخلوق)، رغم أننا نجد في الفكر الإسلامي من يتبنى هذه النظرية طبقا لصياغات معينه مثل ابن عربي الذي يرى أن ثمة وجوداً واحداً فقط هو وجود الله تعالى، أما الكثرة المشاهدة في العالم فهو وهم على التحقيق تحكم به العقول القاصرة(انظر ابن عربي،الفتوحات المكية، تحقيق د. عثمان يحي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972). كما يناقض مذهب الوحدة المادية بمناقضته لما يلزم منه من إنكار حدوث العالم وإنكار وجود اله. كما يناقض مذهب التعدد لأنه معادل فلسفي لتعدد الإله،رغم أننا نجد ما يقارب هذا المذهب متمثلا في انتقال المذهب الذري إلى المتكلمين، و قد أطلقوا عليه اسم (الجواهر الفردة) قال به المعتزلة .كما قال به بعض مخالفوهم من أصحاب الأشعري مثل الباقلاني والجويني الذين استخدموه كوسيلة لإثبات وجود الله، ولكنهم لم يقولوا ما قاله اليونان من أن الجوهر (حامل للعرض) أي أنه قائم بالعرض أو بدونه، وبالتالي قائم بزاته، بل عرفوه بأنه ما يقبل العرض أي أن الجوهر لا يقوم إلا بالعرض.
    كما أنه إيجابا يجمع بين الوحدة والتعددية استنادا إلى مفهوم التوحيد الذي مضمونه إفراد الوجود المطلق لله تعالى،وطبقا لهذا المفهوم فان فلله تعالى وجود حقيقي مطلق وبالتالي واحد(عينا ونوعا) أما ما سواه فله وجود حقيقي محدود وبالتالي متعدد. يقول د.محمد عماره(نحن في الرؤية الإسلامية لدينا واحدية وأحدية في الحق. في الذات الإلهية لا تعدد ولا تركب. كل شيء في هذا الكون إذا ما عدا الذات الإلهية يقوم على التعدد والتمايز والاختلاف)(محمد عماره،الإسلام السياسي والتعددية السياسية من منظور إسلامي).
    كما أن المذهب الذي يعبر عن الموقف الإسلامي الصحيح من مشكله الوحدة والتعدد على المستوى الاجتماعي السياسي يتجاوز سلبا مذهبي الوحدة المطلقة والتعدد المطلق لأنه يرفض ما يلزم من المذهب الأول(الاستبداد) كما يرفض ما يلزم من المذهب الثاني( الفوضى) كما انه إيجابا-استنادا إلي مفهوم الوسطية- يقوم على الجمع بين الوحدة والتعدد، فهي تؤكد على وحده المجتمع( بتقريره المساواة) وكما يؤكد على التعددية وحرية الأفراد المكونين له(بتقريره الحرية). وسنتناول كلاهما على المستويين التكليفى(الديني)والتكويني(السياسي والاجتماعي):
    أولا:الوحدة :
    المستوى التكويني : يتمثل في تقرير الإسلام وحده الكون ووحده البشر ، بمعنى وحده الأصل البشرى، المساواة بين أفراده ، بخضوع كل الناس لذات السنن الالهيه الكلية والنوعية التي هي ظهور لأراده الله ﴿ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم ﴾
    المستوى ألتكليفي : يتمثل في تقرير مفهوم وحده الدين بمعنى وحده مصدر كل الأديان السماوية (الله تعالى) ، وان الإسلام هو جوهر كل الأديان السماوية، وانه ليس نفي أو إلغاء لهذه الأديان، بل إكمال وتوحيد لها، فهو أكثر اكتمالا باعتباره أخر وارقي مراحل الوحي فالعلاقة بين الإسلام والأديان السماوية السابقة عليه هي علاقة الكل بالجزء يحدده فيكمله ويغني ولكن لا يلغيه ﴿ مصدقا لما بين يديه ومهيمنا عليه﴾ ( المائدة:48) بخلاف نظريه وحده الأديان التي رفضها علماء أهل السنة، والتي ترى أن كل الأديان صحيحة بالتساوي، وبالتالي فان علاقة الإسلام بالأديان السماوية علاقة تطابق، مما يؤدى إلي انتفاء الموضوعية .


    ثانيا: التعددية:
    المستوى التكويني : يتمثل في تقرير القران التعدد كسنه إلهيه﴿ ولو شاء الله لجعلكم أمه واحده﴾ ( المائدة:48) ﴿ ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم﴾ (الروم:22) وهي سنة التعدد التي أشار إليها القرآن﴿ ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ﴾ ( الشورى : 8), ﴿ ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة﴾ ( النحل: 97) , وهذا التعدد مضطرد خلال الزمان ﴿ولقد أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها الأمم ﴾ ( الرعد: 30) ﴿ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء﴾ ( الأنعام: 42) , كما أنه مضطرد في المكان﴿ وقطعناهم في الأرض أمما﴾ ( الأعراف: 168) ﴿ قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك ﴾ ( هود: 48).
    المستوى التكليفى: ويتمثل في تقرير تعدد الشرائع. بناءا على هذا اقر الإسلام تعدد الانتماء الديني في الامه الواحدة دون أن يمس هذا التعدد وحده الامه لذا نجد في القران عشرات الآيات التي تنظم العلاقة بين المنتمين إلي أديان متعددة في أمه واحده،فهو يدعو أهل الكتاب إلي ما هو مشترك في الأديان السماوية لا التخلي عن دينهم والانتماء إليه فهو يدعوهم معه لا يدعوهم إليه﴿ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمه سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ﴾ وفى هذه الحياة المشتركة يكون الحوار حول أيهم اصح عقيدة دون أن يمس أو يهدد الحوار في هذه الحياة المشتركة ﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن﴾.
    الهويةالسودانيه و الوحدة والتعدد :
    وهنا سنحاول توضيح الارتباط المنطقي بين الحلول المقدمة لمشكله الوحدة والتعدد والحلول المقدمة لمشكله الهوية السودانية طبقا لبعديها: أطوار أو وحدات التكوين الاجتماعي التي تميز المجتمع السوداني(وهو بعد اجتماعي- موضوعي)، وعلاقات الانتماء المتعددة للشخصية السودانية والشعور بهذا الانتماء(وهو بعد اجتماعي –موضوعي/ فردى- ذاتي) .
    أولا:الهوية السودانية وأطوار التكوين الاجتماعي:
    هناك ثلاثة مذاهب في تناول الهوية السودانية طبقا لهذا البعد ، يستند كل مذهب منها إلى تفسير معين لطبيعة العلاقة بين أطوار أو وحدات التكوين الاجتماعي التي تميز المجتمع السوداني.
    أولا:مذهب الوحدة المطلقة:
    يرى أن ارتقاء اى مجتمع إلى طور تكوين اجتماعي أعلى يترتب عليه إلغاء طور التكوين الاجتماعي السابق عليه.فهذا المذهب يؤكد على وحده المجتمع السوداني، ولكنه يتطرف في هذا التأكيد لدرجه إلغاء حرية الجماعات العشائرية والقبلية والشعوبية المكونة له (على المستوى الوطني). أو يرى أن الإقرار بالوجود القومي للامه العربية أو وحدته، أو الديني للامه الاسلاميه أو وحدته ،يترتب عليه إلغاء الوجود الوطني للسودان( ممثلا في مصلحه السودان وسلامه أراضيه وسيادة شعبه على إقليمه) أو وحدته(على المستوى فوق الوطني)،فهو يتجاهل حقيقة أن الوجود العام(شان الوجودين الأولين) هو اضافه إلى وليس انتقاص من الوجود الخاص(شان الوجود الأخير).
    ثانيا:مذهب التعدد المطلق:
    يرى أن كل وحدة تكوين اجتماعي هي بمثابة كل قائم بذاته ومستقل عن غيرها من وحدات التكوين الاجتماعي الأخرى،فهذا المذهب يرى أن السودان يتضمن عددا من الأمم المكتملة التكوين أو في طور التكوين على المستوى الوطني ، أو أن السودان هو أمه مكتملة التكوين أو في طور التكوين على المستوى فوق الوطني . هذا المذهب يخلط بين القومية كعلاقة انتماء إلى أمه والامه كوجود اجتماعي موضوعي أولا وبين الامه وأطوار التكوين الاجتماعي الأدنى كالشعب و القبيلة ثانيا و بين القومية والوطنية كعلاقة انتماء إلى ارض مشتركه ثالثا.
    ثالثا:مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد:
    يستند إلى مذهب اجتماعي قائم على أن المجتمعات الانسانيه في تطور نام عبر أطوار (هي ذات وحدات التكوين الاجتماعي منظور إليها من خلال تواليها خلال الزمان) وهي:
    الطور الأسرى: هو أول هذه أطوار،كما أن الاسره هي وحدة التكوين الاجتماعي الأساسية لكل الأطوار التالية، وقد أشار القران إلى ذلك في عده مواضع كما في قوله تعالى﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (الروم 21).
    الطور العشائري:ثم تتحد الأسر لتكون العشائر ،وقد أشار القران إلي العشيرة كوحدة تكوين اجتماعي ﴿ وانذر عشيرتك الاقربين﴾ كما أشار إلى الطور العشائري ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ (هود: 80)، وعن أبي هريرة عن النبي (ص) أنه قال: (قال: قد يأوي إلى ركن شديد – الملائكة التي نصرته- لكنه عنى عشيرته) (رواه أحمد)
    الطور القبلي : ثم تتحد العشائر لتكون القبائل ،وفى هذا الطور تتميز القبيلة بالأصل الواحد فكان مقياس الانتماء إليها هو النسب، ولا تتميز عن غيرها بالأرض المعينة،,وقد ورد الاشاره إليها في القران ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات 13)، وفى السنة: قال (ص): " إن الله خلق الخلق، ثم جعلهم قبائل فجعلني خيرهم قبيلة" (رواه الترمذي).
    الطورالشعوبي :وهو طور متقدم على الطور القبلي لأنه متميز بالاستقرار على الأرض وان لم يكن دائماً، وقد أشار له القران كما في قوله تعالى﴿ وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ (الأعراف:74).
    الطور القومي (الامه) :ويتميز هذا الطور بالاتي:
    أولا:أن مناط الانتماء إلى الامه اللّسان لا النسب، لذا كان كان الإسلام دعوة لتجاوز الطور القبلي بدعوته إلى التخلي عن العصبية. قال (ص): " ليس منا من دعي بدعوى الجاهلية " (رواه البخاري، ومسلم والترمذي). كما اقر الإسلام أن مناط الانتماء لطور الأمة هو اللسان، قال (ص): " إلا أن العربية اللسان.. إلا أن العربية اللسان". و هذا الأمر لا ينطبق على أمة العرب وحدها، بل سائر الأمم؛ لذا جعل القرآن تعدد الألسن آية من آيات الله ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ﴾ (الروم: 22).
    ثانيا: الأرض الخاصة أي الديار بالتغبير القران؛ لذا نهى القران عن إخراج الناس من ديارهم...
    كل طور من الأطوار السابقة يتكون بان يتضمن الأطوار التي قبله تضمن الكل للجزء،فهو يحدها فيكملها ويغنيها ولكن لا يلغيها. فالطور التالي يمثل الوحدة بينما الأطوار السابقة عليه تمثل التعدد. كما أن انتقال مجتمع من طور إلى طور تالي لا يتم إلا بعد أن يستنفذ الطور السابق كل إمكانيات حل مشاكل البشر المتجددة، وان هذا الانتقال لا يتم فجاه بقرار فردى أو جماعي لكن تدريجيا من خلال العمل الانسانى لحل المشاكل، وماقد يصاحبه من صراع (داخلي و خارجي) ضد الناس والطبيعة. وانه من خلال هذه التطور تتطورحضاره المجتمع مصاحبه تطوره لا تتقدم عليه ولا تتأخر، فثمة حضارة عشائربه وثمة حضارة قبليه وحضارة شعوبية وثمة حضاره قوميه... (عصمت سيف الدولة ،عن العروبة والإسلام،بيروت1986،ص364-363).
    والفلسفة الاجتماعية الاسلاميه لا تناقض هذا المذهب بل تحده (تقيده) لأنها قائمه على أن الاستخلاف التكويني يحد الاستخلاف التكويني فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه، فقد عبر القران عن هذا التطور أو الترقي الاجتماعي بمفهوم الاستخلاف (الاجتماعي) الذي هو إبدال وتغيير قوم بآخرين كما في قوله تعالى ﴿ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون﴾ كما أشار القران إلى كل هذه الأطوار كما بينا سابقا.
    وعندما ظهر الإسلام كانت أغلب الجماعات في هذه المنطقة قد أصبحت شعوباً متجاوزة الطور القبلي. ولكن كان من بينها من لا يزال في الطور القبلي؛ فهي جملة إما شعوباً أو قبائل، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات: 113).وقد طوَّر الإسلام سكان الجزيرة العربية من قبائل إلى شعب انطلق إلى ما يجاوره. واختلط بمجتمعات في الطور القبلي وأخرى تجاوزت الطور القبلي، واستقرت شعوباً، وأكمل تكوينها أمة واحدة.
    وما سيسمى بالسودان لاحقاً كان في الماضي عبارة عن قبائل غير مستقرة على أرض معينة، بالإضافة إلى شعب تجاوز الطور القبلي(النوبة) واستقر على ضفاف النيل ،وقد صنع الإسلام من تلك القبائل والشعب جزءاً من أمة،اى حول الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق عليه إلى جزء من الوجود الحضاري العربي الاسلامى يحده كما يحد الكل الجزء فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه.
    وفى ذات الوقت فان المجتمع السوداني الذي تجاوز الأطوار القبلية والشعوبية عانى من التخلف الاجتماعي المتضمن لتخلف النمو القومي والوطني.وكلاهما مرجعه أن تاريخ الأمة (ككل) أو الوطن (كجزء من كل هو الامه، وككل لأجزائه وهي الشعوب والقبائل المكونة له) قد يصادفهما عقبات في مسيرتهم ، أو فرضتها عليهم القوة المعادية ؛ مما يؤدي إلى شلِّ مقدرتهم على تحقيق تقدُّمهما. فتتخلف كأمة ؛ أي يحُولُ هذا التخلف دون أن تبرز الأمة كطور ارتقت إليه القبائل والشعوب ،يمكن من خلالها حل مشاكل الناس المتجددة.وهنا يبدأ الناس في البحث عن حل مشاكلهم من خلال علاقات أخرى أضيق من الامه كالشعوبية (التجزئة).ويتخلف كوطن اى يحول هذا التخلف دون أن يبرز الوطن كرابط مشترك بين القبائل والشعوب المكونة له، فيصبح حبل الوطنية أوهى من أن يعتصم به، يلوذ الناس بما يعصمهم من علائق أدنى كالطائفية والقبلية والعشائرية... (التفتيت).
    ثانيا: علاقات الانتماء المتعددة للشخصية السودانية:
    وللشخصية السودانية(شان اى شخصيه )علاقات انتماء متعددة، وهناك ثلاثة مذاهب في تحديد طبيعة العلاقة بين هذه العلاقات ببعضها البعض من جهة، وبينها و بين هذه الشخصية من جهة أخرى:
    أولا:مذهب الوحدة المطلقة:
    يتمثل هذا المذهب في العديد من المذاهب التي رغم تناقض النتائج التي تنتهي إليها فإنها تنطلق من ذات المقدمات الفكرية ممثله في اعتبار أن علاقات الانتماء المتعددة للشخصية السودانية تنتمي إلى مضمون واحد مما يؤدى إلى الخلط بينهما، واعتبارها أن العلاقة بين علاقات الانتماء المتعددة هذه هي علاقة تناقض، وبالتالي فان استنادها إلى علاقة الانتماء المعينة يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى،(إن تحديد الهوية السودانية وتوصيفها من الناحية التشريحية اى النظر إلى المكونات والمقومات ممكن إلى حد كبير ،ولكن من ناحية أخرى فان الحديث عن هوية سودانية أحاديه الأصل والانتماء غير ممكن) (د.الحاج بلال عمر، الهوية السودانية بين العروبة والاسلامويه والافريقانيه،أوراق استراتيجيه، ص37). هذه الوحدة المطلقة في مجال الهوية ترتبط بوحدة مطلقه في المجال السياسي الاقتصادي القانوني... مضمونها وجوب انفراد جماعات قبلية أو شعوبية معينه ( باعتبارها تنفرد بتمثيل علاقة الانتماء المعينة ) بالسلطة و الثروة ... دون باقي الجماعات القبلية أو الشعوبية السودانية
    ا/مذهب مناهضه الإسلام بالعروبة(التيار القومي العلماني):
    فهناك المذهب الذي يرى أن تقرير علاقة الانتماء القومي إلى الامه العربية يقتضى إلغاء علاقة الانتماء الديني إلى الامه الاسلاميه، فهو يتجاهل حقيقة أن الإسلام هو الذي ارتقى بالقبائل والشعوب التي كانت موجودة في المنطقة التي ستسمى فيما بعد بالعربية من الأطوار القبلية والشعوبية إلى طور الامه.وان الإسلام هو الهيكل الحضاري للامه العربية.،واهم ممثليه مذهب مناهضه الإسلام بالعروبة ممثلا في التيار القومي العربىالعلمانى .
    ب/مذهب العصبية القبلية العربية(الخلط بين العربية والاعرابيه):
    وهناك مذهب العصبية القبلية العربية الذي يتحدث عن العرب كما لو كانوا سلالة عرقية لعرب الجاهلية،فهو يقصر العروبة على المجموعات القبلية السودانية ذات الأصول العربية،ووجه الخطأ في هذا المذهب لا يكمن في الاجابه على السؤال هل توجد جماعات قبلية سودانية يمكن اعتبارها سلاله عرقيه لعرب الجاهلية بلا أو نعم، ولكن في انه يفهم العروبة على أساس عرقي لا لغوي حضاري ، كما انه يخلط بين احدي دلالات لفظ عربي بمعنى البدوي- ما يقابل الأعراب في القرآن- وهي دلالة لا تزال تستخدم حتى الآن للدلالة على من لا يزال في طور البداوة، ولم ينتقل إلي التمدن ، والعروبة كطور تكوين اجتماعي متقدم عن أطوار التكوين الاجتماعي القبلي والشعوبي يتضمنهم فيكملهم ويغنيهم ولكن لا يلغيهم. كما أن هذا المذهب يقوم يستند إلى مفهوم النقاء العرقي وهو مفهوم غير حقيقي إذ لا يوجد جنس لم يختلط بغيره ،فهو ينكر حقيقة تمازج و اختلاط اغلب الجماعات القبلية السودانية ذات الأصول العربية(السامية) بالجماعات القبلية والشعوبية السودانية ذات الأصول السامية –الحامية( كالبجه والنوبة) ، أو ذات الأصول الحامية الخالصة ، يقول الشيخ على عبد الرحمن الأمين(...أثناء ذلك تم امتزاج الدم العربي بدماء البجه والنوبة والفور والحاميين النيلين والزنوج الإفريقيين وبعض العناصر الشركسية والتركية في أقصى الشمال وذلك بالمصاهرة والاختلاط حتى لا يستطيع الإنسان الآن أن يجزم بان هناك عربي يخلو دمه من قطرات من تلك الدماء غير العربية)(الشيخ على عبد الرحمن،الديمقراطية والاشتراكية في السودان،منشورات المكتبة العصرية، صيدا بيروت،1970 ص22) ويقول د.محجوب الباشا (تشير اغلب الدراسات إلى أن القبائل المسماة بالعربية في شمال السودان(كذا) هم في الحقيقة مجموعه من العرب الذين اختلطوا بالقبائل النوبية المحلية فتولد عن ذلك العنصر الموجود الآن في اغلب شمال السودان(د.محجوب الباشا ،التنوع العرقي في السودان، سلسله أوراق استراتيجيه الخرطوم، طبعه أولى،1998،ص17) .فهو يتجاوز حقيقة أن هذه الجماعات القبلية ذات أصول عربية (كما يدل على هذا تقرير الكثير من المؤرخين و احتفاظ هذه المجموعات بسلاسل النسب...)إلى إنكار حقيقة اخرى هي امتزاجها و اختلاطها بالجماعات القبلية والشعوبية السودانية ذات الأصول الأخرى في مراحل مختلفة وبنسب متفاوتة، وقد ساعد هذا المذهب في إنكاره لهذه الحقيقة نظام النسب للأب ذي الأصل الاسلامى. وفى ذات الوقت فان هناك بعض الأسر أو العشائر في إطار هذه الجماعات القبلية السابقة، بالاضافه إلى بعض الجماعات القبلية العربية الأخرى التي لم تختلط بالجماعات القبلية والشعوبية السودانية ذات الأصول السامية –الحامية أو الحامية الخالصة إلا قليلا أو لم تختلط بهم مطلقا لأسباب قبليه(كشيوع بقايا المميزات القبلية في العصبية) أو تاريخية (كهجره بعض القبائل العربية إلى السودان في مرحله متاخره(من هذه القبائل الرشايده ، الزبيديه...)) أو جغرافيه (كاستيطان بعض الجماعات القبلية العربية في بعض المناطق الطرفية أو المعزولة)..
    إن هذا المذهب يستند إلى ذات الأساس الخاطىء الذي يستند إليه المذهب المناقض له اى فهم العروبة على أساس العرقي لا لغوي حضاري، بالتالي إنكار عروبة السودانيين استنادا الى أنهم ليسوا سلالة عرقيه لعرب الجاهلية،فضلا عن انكارالاصول العربية لهذه الجماعات القبلية نسبه لاختلاطهم بمجموعات ذات أصول اخرى. ومن ممثليه مذهب ألزنوجه كانتماء اجتماعي حضاري لا كانتماء عرقي ،وبعض المجتمعات العربية(البدوية القبلية) التي لا تزال تسود فيها بقايا المميزات القبلية في العصبية(العنصرية) كمحصله لتخلفها الاجتماعي رغم الثراء الاقتصادي للدول التي تضم هذه المجتمعات .
    هذه الوحدة المطلقة في مجال الهوية ترتبط بوحدة مطلقه في المجال السياسي الاقتصادي القانوني... مضمونها وجوب انفراد الجماعات القبلية السودانية ذات الأصول العربية ( باعتبارها ممثلا لعلاقة الانتماء العربية للشخصية السودانية ) بالسلطة و الثروة ... دون باقي الجماعات القبلية أو الشعوبية السودانية. (فالعنصر العربي يشكل الاغلبيه العددية وان له الغلبة الحضارية لسمو ثقافته وبالتالي ضمنا أحقيته في الهيمنة والسيطرة في جميع مناحي الحياة ونشاطاته على العناصر غير العربية) (هدى مبارك مرغني،مدخل لدراسة الثقافة السودانية مركز محمد عمر بشير جامعه امدرمان الاهليه الخرطوم ط1 1999ص51 )
    ج/مذهب الشعوبية النوبية(على المستوى ما دون الوطني):
    وهناك المذهب الذي يرى أن تقرير علاقة الانتماء النوبية للشخصية السودانية(والتي هي في الأصل علاقة انتماء شعوبي تاريخي) يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى. فهي تقتضى مثلا إلغاء علاقة الانتماء الوطني التي تحدها فتكملها وتغنيها ولكن لا تلغيها.فهذا المذهب يلزم منه أن الأثر الحضاري الشعوبي النوبي يقتصر على القبائل المسماة بالنوبية( الحلفاويون، السكوت، المحس، الدناقلة...) لينفى بذلك انه ساهم في تشكيل الشخصية السودانبه ككل ، كما يرى أن العنصر النوبي يقتصر على القبائل المسماة بالنوبية،في حين انه في واقع الأمر يمتد فيشمل اغلب القبائل ذات الأصول عربيه في الشمال والوسط ، فكلاهما محصله اختلاط القبائل ذات الأصول العربية( السامية) مع القبائل ذات الأصول النوبية( السامية- الحامية) مع احتفاظ قبائل المركزالنوبى باللغة النوبية الشعوبية القديمة بلهجاتها المختلفة كوسيلة تخاطب داخليه واللغة العربية كوسيلة تخاطب مشتركه، بينما أصبحت اللغة العربية بالنسبة لقبائل الأطراف النوبية وسيله تخاطب داخليه ومشتركه.يقول الطيب محمد الطيب عن احد القبائل ذات الأصول النوبية -على سبيل المثال-(والمحس من الأسر النوبية السودانية العريقة وهم اصل من أصول النوبة الاقدمين ثم توافد عليهم العرب بعد الفتح الاسلامى وتم بينهم الاختلاط والتصاهر وهم صادقون إن قالوا نحن نوبة فهم يعيشون في ارض النوبة ويتحدثون لغتهم ويتقلدون كثير من أعرافهم الخ ،وان قالوا نحن عرب فهم صادقون فقد عمهم الإسلام منذ عهد بعيد وتخلقوا بأخلاقه ودخلتهم الدماء العربية) (المسيد،دار عزه، الخرطوم،2005، ص158).
    كما أنها تقتضى الغاءعلاقات الانتماء القومي والديني،لان هذا المذهب ينكر تحويل الإسلام للوجود الحضاري الشعوبي النوبي إلى جزء من الوجود الحضاري العربي الاسلامى يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه.
    د/الشعوبية السودانية(على المستوى الوطني):
    وهناك المذهب الذي يرى أن تقرير علاقة الانتماء الوطني للشخصية السودانية(والتي هي في الأصل علاقة انتماء إلى وطن(إقليم أو ارض)) يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى،فيرى مثلا أن تقرير علاقة الانتماء الوطني يعنى إلغاء علاقة الانتماء القومي ،فيخلط بين الوطنية يما هي علاقة انتماء إلى وطن و القومية بما هي علاقة انتماء إلى أمه.
    كما تقرير علاقة الانتماء الوطني طبقا لهذا المذهب يعني إلغاء علاقة الانتماء الديني إذ انه لما كان إلاسلام هو الذي وحد الجماعات القبلية والشعوبية السودانية وارتقى بها إلى طور الأمم،فأصبحت جزء من أمه ، فان الشعوبية السودانية لابد أن تكون (موضوعيا)مناهضة للإسلام،بصرف النظر عن الاعتقاد (الذاتي) لدعاتها .
    فمضمون النزعة الشعوبية السودانية محاولة للارتداد بالمجتمع السوداني الذي دخل طور الأمم فأصبح جزء من أمه، إلى طور الشعوب السابق، عن طريق البحث عن الأصول العرقية القديمة أو الأجناس البشرية المنقرضة؛ واتخاذ الأسماء التاريخية كأدلة على وحدة العرق، أو اللون كدليل على وحدة الجنس أو إلى ما تبقى من لهجات فيها ومحاوله إعادة الكتابة بها... الخ. وبالتالي فإنها محاوله فاشلة لأنه لما كانت سنة الله في المجتمعات أن تكون في ترقي مستمر من طور إلى آخر فان محاولة العودة إلى طور سابق هو محاولة فاشلة للخروج عن سنة الله.
    ه/المذهب التقليدي:
    يجب التمييز(لا الفصل) بين الإسلام كدين ، اى كوضع الهي مطلق يخاطب الناس في كل زمان ومكان،ممثلا في أصوله الثابتة التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة التي لا تحتمل التأويل أو الاجتهاد والتي لا يجوز مخالفتها ، وبين المذاهب الاسلاميه بما هي اجتهادات تنسب إلى أصحابها ولو أسموها مذاهب اسلاميه، وصحتها أنها مذاهب في الفكر الاسلامى، ويتحملون مسئوليه ما فيها من قصور ولهم فضل ما فيها من توفيق وهى مذاهب لا شامله في المكان ولا عامه في الزمان ، ممثله في اجتهادات المسلمين في تفسير فروع الدين الظنية الورود والدلالة التي تحتمل التأويل ،بناءا على هذا نفهم المذهب الذي يرى أن تقرير علاقة الانتماء الإسلاميه للشخصية السودانية(التي هي في الأصل علاقة انتماء ديني حضاري) يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى.فهو يقتضى إلغاء علاقة الانتماء القومي بتقريره ان انتماء المسلمين إلى الامه الاسلاميه يلغى انتمائهم إلى أممهم(مذهب مناهضه العروبة بالإسلام) ،كما يقتضى إلغاء علاقات الانتماء التاريخية بتقريره أن الإسلام يلغى الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق عليه.
    هذه الوحدة المطلقة في مجال الهوية ترتبط بوحدة مطلقه في المجال السياسي الاقتصادي القانوني... مضمونها وجوب انفراد المسلمين( باعتبارهم ممثلين لعلاقة الانتماء الاسلاميه للشخصية السودانية ) بالسلطة و الثروة ... دون غير المسلمين، مما يؤدى إلى أن يحرم غير المسلمين من حق المواطنة ، وهو ما يناقض الإسلام. ففي المدينة المنورة و في ظل الصحيفة تكون "شعب" تتعدد فيه علاقات الانتماء إلى الدين(المسلمين أمه واليهود أمه) ولكن يتوحد الناس فيه مع اختلاف الدين في علاقة انتماء إلى ارض مشتركه اى علاقة انتماء إلى وطن.
    فهذا المذهب بدلا من مساهمته في الدعوة إلى تغيير المجتمعات المسلمة بإلغاء المظاهر السلوكية والفكرية السلبية(كالتمييز الديني،الطائفية...) التي مصدرها التخلف الحضاري لهذه المجتمعات والإسلام كدين منها براء، لتبقى القيم الحضارية الاسلاميه(كقيم الانسانيه،المساواة،الحرية،العدالة...) لتسهم إيجابياً في بناء مجتمعات مطهره منها، وإنتاج مظاهر سلوكية وفكرية إيجابية(كاحترام الإنسان من حيث هو إنسان، المواطنة...) ،فانه يساهم في تكريس بقاء المجتمعات المسلمة كما هي كائنة بالإبقاء على هذه المظاهر الفكرية والسلوكية السلبية بإضفاء القداسة عليها بإسنادها إلى الدين.
    و/مذهب الافريقانيه أو الزنوجة كعلاقات انتماء اجتماعي حضاري لا كعلاقات انتماء جغرافي أو عرقي:
    وهناك المذهب الذي يرى أن تقرير علاقة الانتماء الزنجية(التي هي في الأصل علاقة انتماء عرقي) أو الافريقيه(التي هي في الأصل علاقة انتماء جغرافي قارى) للشخصية السودانية يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى. فهو يقتضى مثلا إلغاء علاقة انتمائها القومي ذات المضمون اللساني -الحضاري لا العرقي،والتي تعنى أن اللغة العربية هي اللغة المشتركة بين الجماعات القبلية والشعوبية السودانية بصرف النظر عن أصولها العرقية، أو إلغاء علاقة انتمائها الديني ذات المضمون الديني- الحضاري والتي تعنى أن معنى الإسلام لا يقتصر على الإسلام كدين، وبل يمتد ليشمل الإسلام كحضارة،فالإسلام ليس دين السودانيين المسلمين فقط، بل هو مصدر لكثير من القيم الحضارية للشخصية السودانية(المسلمة وغير المسلمة).
    هذه الوحدة المطلقة في مجال الهوية ترتبط بوحدة مطلقه في المجال السياسي الاقتصادي القانوني... مضمونها وجوب انفراد الجماعات القبلية السودانية ذات الأصول الزنجية( باعتبارها ممثلا لعلاقة الانتماء الزنجية للشخصية السودانية ) بالسلطة و الثروة ...دون باقي الجماعات القبلية أو الشعوبية السودانية.
    فهذا المذهب يتجاوز الدعوة (المشروعة)إلى محاربه العصبية القبلية العربية التي تقصى الجماعات ذات الأصول غير العربية،أو المذهب التقليدي (والذي يناقض الإسلام كدين)والذي يقصى غير المسلمين ،إلى الدعوة(الفاشلة) إلى إلغاء علاقات الانتماء العربية الاسلاميه للشخصية السودانية بصرف النظر عن أصولها العرقية أو انتمائها الديني ، وهى دعوه فاشلة لأنها محاوله لاقتلاع الشخصية السودانية من جذورها الحضارية، وهنا وجه الالتقاء بين هذا المذهب والتغريب،وتأخذ هذه المحاولة أشكال عده منها: الهجوم على الثقافة العربية الاسلاميه كالقول بوجود مركزية عربية اسلاميه على غرار المركزية الاوربيه وتبنى مقولات نقاد المركزية الاوربيه(الاغتراب،المركز والهامش، الاستعمار...) وتطبيقها على الهوية السودانية في علاقتها بعلاقات انتمائها العربية الاسلاميه ، الدعوة إلى استبدال اللغة العربية بلغه أخرى(كالانجليزيه...)...
    وكما أن هذا المذهب بدلا من دعوتة إلى رفض التفرقة العنصرية يساهم في تأكيدها باتخاذه للعنصر مميزا اجتماعيا وحضاريا بين البشر.
    وبدلا من دعوته للمساواة (السياسية والاقتصادية...) بين الجماعات القبلية والشعوبية السودانيه المتعددة، يساهم في نفيها بدعوته لإقصاء بعض هذه الجماعات(الجماعات القبلية ذات الأصول العربية تحديدا).
    ى/مذهب إلغاء الانتماء الطبقي لكل علاقات الانتماء (المذهب الماركسي التقليدي):
    وهناك المذهب الماركسي التقليدي الذي يلغى كل علاقات انتماء الشخصية الأخرى بحجه أن انتماء كل إنسان إنما يكون إلى طبقته، وان شخصيه كل إنسان هي شخصيه طبقته استنادا إلى المقولة المنهجية المادية القديمة أن أسلوب إنتاج الحياة المادية هو الذي يحدد الانتماء الاجتماعي حتما.
    فهو يلغى علاقة الانتماء الدينية للشخصية السودانية كمحصبله للموقف الماركسي المادي المعادى للأديان كلها والذي كان أقصى ما وصل إليه هو الدعوة إلى تجاهلها بدلا من الدعوة إلى إلغائها.
    كما يلغى علاقة الانتماء القومية للشخصية السودانية استنادا إلى التحليل الماركسي الستالينى الذي يربط بين القومية والراسماليه ذات الجوهر العدواني(نتيجة لتعاصر النمو الراسمالى والنمو القومي في أوربا) وبالتالى يربط بين القومية والعدوان ويدعو إلى استبدال علاقة الانتماء القومي إلى أمه إلى علاقة انتماء اممى إلى الطبقة العاملة.
    وهنا نلاحظ التباين (الذي يصل إلى درجه التناقض) بين التيارات الماركسية في تحليلها لأطوار(وحدات)التكوين الاجتماعي التي تميز المجتمع السوداني بين القول بالوحدة المطلقة (أن السودان أمه مكتملة التكوين أو في طور التكوين) أو التعدد المطلق(السودان يتضمن عده أمم مكتملة التكوين أو في طور التكوين). فضلا عن محاولات استبدال الصراع الاممي بين الطبقة البرجوازية السائدة والطبقة العاملة المسودة في ظل النظام الراسمالى بالصراع القبلي بين الجماعات القبلية السائدة والجماعات القبلية المسودة لتهبط هذه المحاولات بالماركسية من الامميه إلى القبلية ومن الانسانيه إلى العنصرية.
    ورغم هذا التباين في التحليل بين التيارات الماركسية إلا أنها تشترك في الخلط بين القومية كعلاقة انتماء إلى أمه والامه كوجود اجتماعي موضوعي ،وبين الامه وأطوار التكوين الاجتماعي الأدنى كالشعب و القبيلة ، و بين القومية والوطنية كعلاقة انتماء إلى ارض مشتركه .
    ووجه الخطأ في هذا المذهب أن الانتماء الطبقي مرتبط بعنصر التفرد في الشخصية اى ما يميز شخصا عن آخر ،أما علاقات الانتماء الأخرى فمرتبطة بعنصر الوحدة (الاشتراك) في الشخصية اى مكونات وحده الشخصية المتجانسة بين الأفراد الذين ينتمون إلى مصدر حضاري واحد. ولقد اثبت واقع الدول الماركسية أن التجانس الاقتصادي و الفكري والسياسي (الايديولوجى) في المجتمع الاشتراكي لم يلغى عدم التجانس الحضاري حتى بين أعضاء وقيادات الحزب الشيوعي.فضلا عن أن المحاولات الفكرية الماركسية الجديدة قد تجاوزت مقوله أن أسلوب إنتاج الحياة المادية هو الذي يحدد الانتماء الاجتماعي حتما(انظر على سبيل المثال د.مراد وهبه،محاورات فلسفيه في موسكو، القاهرة،1974).
    ثانيا:مذهب التعدد المطلق:
    ويتخذ تعدد علاقات الانتماء المتعددة للشخصية السودانية كدليل على تعدد الشخصيات الحضارية ونفى وجود شخصيه حضارية سودانية واحده. هذا التعدد المطلق في مجال الهوية يرتبط بتعدد مطلق في المجال السياسي الاقتصادي القانوني... مضمونه التطرف في التأكيد على حرية الجماعات القبلية والشعوبية المكونة للمجتمع السوداني لدرجه إلغاء وحده مجتمع السوداني مما يؤدى إلى الفوضى (الدعوات الانفصالية،تفكك الدولة...).
    مذهب الفردية المطلقة(الليبرالية التقليدية): واهم ممثلي مذهب التعدد المطلق الليبرالية التي هي في الأصل فلسفه فرديه ترى (استنادا إلى فكره القانون الطبيعي الذي مضمونه أن مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال سعى كل فرد لتحقيق مصلحته الفردية ) أن الفرد ذو حقوق طبيعية سابقة على وجود المجتمع ذاته. وهى بهذا تتطرف في تأكيد وجود الفرد إلي درجه تلغى فيها وجود الجماعة،فالفلسفة الليبرالية تقوم على التعدد المطلق على مستوى السياسي الاجتماعي وعلى مستوى الهوية بتأكيدها على حرية الأفراد والجماعات القبلية والشعوبية المكونين للمجتمع على حساب وحده المجتمع والدولة كممثل لهذه الوحدة ،مما يؤدى إلى إلغاء أو إضعاف علاقات الانتماء المتعددة للشخصية المعينة(بما فيها علاقة الانتماء الأسرى) فيصبح انتماء الفرد إلى ذاته وولائه إلى مصلحته.كما يؤدى إلي إلغاء المساواة كما هو ماثل في تجربه المجتمعات الغربية،وقد يؤدى إلى الفوضى (تفكك الدولة،الانهيار الاقتصادي) كما هو ماثل في تجربه مجتمعات العالم الثالث.
    ورغم أن الليبرالية تقر بالامه كوحدة تكوين اجتماعي وان كانت تنظر إليها كوجود طبيعي(خالد) وليس كطور تكوين اجتماعي هناك أطوار سابقه عليه وستكون في المستقبل أطوار لاحقه عليه (وهنا نلاحظ تأثر بعض التيارات القومية العربية بهذه النظرة إلى الامه) إلا أنها في المنطقة العربية ككل تكرس لاستبدال الوجود القومي بالوجود الوطني(الاقليمى) واستبدال الانتماء القومي بالانتماء الوطني لتصبح ذات مضمون شعوبي مرتد إلى مرحله الطور الاجتماعي السابق. (د.عصمت سيف الدولة،عن العروبة والإسلام، ص422). ومرجع ذلك أن الاستعمار(القديم والجديد) الذي هو احد افرازات الراسماليه كنظام ليبرالي في الاقتصاد هو الذي خلق التجزئة ويحرسها)
    كما أن الليبرالية في المنطقة الاسلاميه ككل تكرس للتغريب الذي هو قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية كقاعدة نفسيه لازمه لنمو الولاء للنظام الليبرالي الفردي الراسمالى العلماني...على حساب الولاء للنظام الاسلامى.ومرجع ذلك أن الحل الليبرالي لمشكله العلاقة بين الدين والدولة هو العلمانية(فصل الدين عن الدولة).
    ثالثا:مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد:
    والمذهب الذي نرجحه هو المذهب القائم على اعتبار أن الشخصية السودانية ذات علاقات انتماء متعددة،وان العلاقة بينها علاقة تكامل لا تناقض..كما الأمر في علاقات انتماء الشخصية الفردية حيث(ما تزال علاقة الانتماء إلى الاسره،أو إلى القرية،أو إلى الحزب قائمه بجوار علاقة الانتماء إلى الدولة أو إلى الوطن أو إلى الشعب بدون خلط أو اختلاط)( د.عصمت سيف الدولة،عن العروبة والإسلام، ص42-25) وقد قرر عددا من الباحثين هذه الفرضية التي يستند إليها هذا المذهب، يقول احمد الطيب زين العابدين أن(الثقافة السودانية هي مكونه من ثلاثة شعب سودانية أولا تيار نازل ومستمر من أقدم العصور تأثر بتيار أخر دائم الأثر والتداخل هو التيار الافريقى الأقدم ثم شعبه أو تيار ثالث هو اسيوى عربي) (هدى مبارك مرغني،مدخل لدراسة الثقافة السودانية مركز محمد عمر بشير جامعه امدرمان الاهليه الخرطوم ط1 1999ص51) ويقول بروفسور احمد محمد حاكم ( أن الثقافة السودانية متجذره في الممالك السودانية القديمة لكنها أصبحت واضحة المعالم مع قدوم الأثر الإسلامي العربى)( هدى مبارك،المرجع السابق،ص52.).ويقول بروفسور أبو سليم (أن مكونات الشخصية السودانية نشأت قديما ولكنها تشكلت بصوره أساسيه في ظل المؤثرات العربية الاسلاميه) (هدى مبارك،المرجع السابق،ص53).
    إن العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد في مجال الهوية ترتبط بالعلاقة الجدلية بين الوحدة و التعدد في المجال السياسي الاقتصادي القانوني...متمثله في التأكيد على وحده المجتمع( (بتقرير المساواة بين الجماعات القبلية والشعوبية المكونة له) وفى ذات الوقت التأكيد على تعددية وحرية هذه الجماعات القبلية والشعوبية(بتقرير الحرية)
    وفى الفكر السوداني نجد مدرسه التنوع في الوحدة كممثل لمذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة و التعدد ،ومن أهم ممثلي هذه ألمدرسه سعد الدين فوزي،تاج الأنبياء الضوى،وعباس احمد وعبد الغفار محمد احمد واحمد الطيب زين العابدين، وهى ترى أن السودان متعدد الأعراق والثقافات، ولكن هذا التعدد مكمل لبعضه البعض كقطع الفسيفسياء لا يظهر جمالها إلا في ضوء التنوع، وان هناك عوامل موحده تتخلل هذا التعدد فتمنحه صفه التماسك هي الإسلام والعربية(هدى مبارك،مدخل لدراسة الثقافة السودانية،ص48-49) .وإذا كانت هذه الدراسة تلتقى مع هذه المدرسة في الاستناد إلى مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد فإنها تفترق عنها في أن هذه المدرسة ركزت على علاقة علاقه الانتماء الوطني السوداني بما دونها من علاقات انتماء قبليه وشعوبية ،اى نظرت إلى السودان ككل ... بينما تناولت الدراسه علاقتها بما دونها وما فوقها(علاقة الانتماء القومي، الاسلامى...)اى نظرت إلى السودان ككل وكجزء من كل. كما أنها حاولت تحديد الأسس الفلسفية والسياسية والاجتماعية للجمع بين الوحدة والتعدد من منظور اسلامى معاصر.
    وطبقا لهذا المذهب فان المذاهب السابقة الذكر ليست على خطا مطلق ولا صواب مطلق،بل يتضمن كل مذهب من هذه المذاهب قدرا من الصواب(هو تقرير علاه الانتماء المعينة) وقدر من الخطأ(هو انه يترتب على ذلك إلغاء علاقات الانتماء الأخرى) ،وبالتالي فان الموقف الصحيح منها هو موقف جدلي اى موقف يتجاوزهم كمذاهب متناقضة (برفضه ما هو خطا في هذه المذاهب )وفى ذات الوقت يؤلف بينهم(بأخذه ما هو صواب في هذه المذاهب لتركيب مذهب جديد).
    وبناءا على هذا المذهب سنتناول علاقات الانتماء المتعددة للشخصية السودانية التي تشكل محددات الهوية السودانية.
    ا/الإسلام و علاقة الانتماء الديني الحضاري:
    يتصف الواقع السوداني بالتعدد الديني النسبي (الذي لا يلغى الجمع بين الوحدة والتعدد على المستوى الديني كواقع أو كامكانيه)، فالإسلام هو دين غالبية السودانيين،بالاضافه إلى أثره الحضاري الذي يمتد فيشمل غير المسلمين من حيث مساهمته في تكوين الشخصية السودانية ،كما أن هناك الديانة المسيحية بمذاهبها المختلفة، بالاضافه إلى بعض الديانات والمعتقدات القبلية المحلية .
    وبالتالي فان تقرير علاقة انتماء الديني الحضاري الاسلامى للشخصية السودانية يقتضى الالتزام بعده ضوابط هي:
    أولا: أن تعدد الانتماء الديني في المجتمع الواحد لا يعنى إلغاء وحده هذا المجتمع وفى القران عشرات الآيات التي تنظم العلاقة الاجتماعية بين المنتمين إلى أديان متعددة في الامه الواحدة(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمه سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا أربابا من دون الله ) (آل عمران:64) كما نظم القران علاقات التعايش فيما بينهم اجتماعيا مع أنهم مختلفون دينيا(اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين اتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لكم)(المائدة:5)(محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله)(المائدة:5)
    ثانيا: أن معنى الإسلام هنا لا يقتصر على الإسلام كدين، وبل يمتد ليشمل الإسلام كحضارة،فإذا كان الإسلام كدين مقصور على المسلمين ،فانه كحضارة يشمل المسلمين وغير المسلمين؛ فالإسلام ليس دين أغلب السودانيين فقط، بل هو مصدر لكثير من القيم الحضارية للشخصية السودانية(المسلمة وغير المسلمة) .
    ثالثا:أن انتماء المسلمين إلى الامه الاسلاميه لا يلغى انتمائهم إلى أممهم ،حيث ميز الإسلام بين نوعين من أنواع الأمم طبقا لمضمون تمييزها عن غيرها:أمه التكليف: التي تتميز عن غيرها بالمضمون العقدي﴿ أن هذه أمتكم أمه واحده وأنا ربكم فاعبدون﴾(الأنبياء:92).وأمه التكوين: التي تتميز عن غيرها بالمضمون الاجتماعي( طور الاستخلاف الاجتماعي) ﴿وقطعناهم اثنتي عشره أسباطا أمما﴾(الأعراف:159) وعلى هذا يمكن استخدامها للدلالة على الاسره والعشيرة والقبيلة والشعب ونستخدمها للدلالة على الشعب المعين الذي يتميز عن غيره بالأرض والتاريخ والحضارة .وجعل العلاقة بينهما علاقة تكامل لا تناقض وإلغاء، فالأولى تحدد الثانية فتكملها وتغنيها ولكن لا تلغيها. فالإسلام لا يلغى الوطنية يما هي علاقة انتماء إلى وطن أو القومية بما هي علاقة انتماء إلى أمه بل يحددهما فيكملهما ويغنيهما.
    رابعا:أن الإسلام قد قرر الحرية الدينية ممثله في حرية الاعتقاد وحرية ممارسه الشعائر والأحوال الشخصية لأصحاب الأديان الأخرى بشرط الخضوع لقواعد النظام العام الإسلامي (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)..وكان اعتناق السودانيين للإسلام بصوره اجماليه دون إكراه، ويدل على هذا:
    ا/اتفاقيه البقط: وهى هدنة أمان وعدم اعتداء بين العرب والنوبة ،عقدها ملك النوبة في تلك البلاد،مع عبد الله بن سعد بن أبى السرح، قائد الجيش المسلم الذي حاول غزو بلاد النوبة ولم ينجح عسكريا عام651م.وهو إقرار لتوازن القوى بينهم،ومعاهدة سياسية قبل بموجبها المسلمون أن يعيشوا ،إما مسافرين أو متاجرين،وقد استمر ذلك الوضع لما يقرب من 8 قرون.( الدكتور محمد سعيد القدال، الاسلام والسياسة في السودان) وقد اعترفت المعاهدة بسيادة الدولة النوبية،وسمحت بالانتقال والتجارة وتبادل المنافع بين بلاد النوبة والبلاد التي يحكمها المسلمون، كما لم تصادر حرية السكان المحليين في تعلم معارف وثقافات جديدة،دينية أو لغوية أو حضارية،ولم تمنعهم من التزاوج مع الشعوب الوافدة-العربية أو غيرها-إذا رغبوا في ذلك.كما لم تجبرهم على الأخذ بالثقافة الوافدة،ولم تمنعهم من نشر ثقافتهم ولغتهم المحلية وتعليمها للوافدين الجدد إذا رغبوا في ذلك.وذلك يعنى كامل الحرية للسكان المحليين في التبادل الثقافي والتجاري والمصاهرة ،وبهذا انفتح النوبيون بحرية على الثقافات والحضارات والشعوب الأخرى ،وحدث التمازج الثقافي والعرقي بينهم والعرب ،واعتنقوا للدين الإسلامي عن قناعة وبمحص إرادتهم، وقد حدث هذا التمازج والانصهار السلمي ببطء خلال 8 قرون. أما نص الاتفاقية على أن على النوبة تقديم عددا من الرقيق سنويا للحاكم المسلم في مصر فان مثل هذا الشرط كان سائدا في التعامل بين الدول في تلك الأزمان ولم يبتدعه الإسلام بل عمل على الحد منه وإنهائه،رغم استمرار بعض المسلمين في ممارسته ،وقد استمرت الإمبراطوريات الأوروبية في التعامل به حتى صارت تجارة الرقيق رائجة حتى أوقفت وحرمت هذه التجارة بقانون دولي في وقت قريب. (انظر المقارنة بين اتفاقيه البقط وقانون المناطق المقفولة،مكتبه نفيسة الجعلى).
    ب/ قيام السكان المحليين المستعربين(النوبة، الفونج ...)والممالك الاسلاميه المحلية (الفور ـ الفونج ـ تقلي ـ المسبعات ـ الكنوز) بدور اساسى في نشر الدعوة الاسلاميه في السودان.
    ج/:مساهمه الطرق الصوفية التي تتميز بالدعوة السلمية في نشر الإسلام في السودان
    خامسا: أن الإسلام لم يلغى الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق عليه، بل حدده كما يحد الكل الجزء. فكان بمثابة إضافة أغنت تركيبه الداخلي، وأمدته بإمكانيات جديدة للتطور.
    ب/العربية و علاقة الانتماءالقومى اللساني الثقافي:
    كما يتصف الواقع السوداني بالتعدد اللغوي النسبي (الذي لا يلغى امكانيه الجمع بين التعدد والوحدة على المستوى اللغوي كواقع أو كامكانيه)، فهناك اللغة العربية كلغة حياه لكثير من الجماعات القبلية السودانية أو كلغة مشتركة لكثير من الجماعات القبلية والشعوبية التي احتفظت بلغاتها الشعوبية القديمة أو لهجاتها القبلية .
    وعلاقة الانتماء القومي للشخصية السودانية هي علاقة انتماء إلى أمه،وهى ذات مضمون لساني حضاري لا عرقي،فهي تعنى أن اللغة العربية هي اللغة المشتركة بين الجماعات القبلية والشعوبية السودانية بصرف النظر عن أصولها العرقية، بالاضافه إلى أنها لغة الحياة لكثير من هذه الجماعات ، يقول بروفسور محمد بشير عمر( أن اللغة العربية التي تمثل اللغة القومية وتتحدث اللغة العربية الغالبية العظمى من السكان في شمال البلاد هي أيضا لغة التخاطب في جنوبه حيث تطور نوع من اللهجة العربية المبسطة(عربي جوبا) كما أن البجه والفور وجبال النوبة كما زالوا يحتفظون ويتحدثون لغتهم الخاصة و أن الدين الاسلامى كان عاملا موحدا والذي لم يمنع رغم ذلك من جود المسيحية والمعتقدات التي كان لها أن تترك بدورها اثر في الطقوس الاسلاميه) (محمد بشر عمر، التنوع والاقليميه والوحدة القومية ترجمه سلوى مكاوي المركز الطباعى بدون تاريخ ص 5 وما يليها).
    ولا يمكن نفى ذلك بالاحتجاج باللهجات المتبقية من الأطوار القبلية والشعوبية؛ لأن استعمال اللهجات ، أو حتى اللغات القديمة - لا يلغي الاشتراك في استعمال اللغة القومية في كل الأمم ،هنا نلاحظ الجدال حول اللغة النوبية هل هي لهجة أم لغة والذي نراه أنها لغة شعوبية قديمة تتفرع إلى العديد من اللهجات القبلية ولكنها ليست لغة قوميه. فالعربية ذات دلالة لغوية حضارية، لا دلالة عرقية. هذه الدلالة أقرها الإسلام (ليست العربية فيكم من أب وأم؛ إنما العربية اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي).. يترتب على ما سبق انه لا توجد جماعه أو جماعات قبليه معينه تنفرد بتمثيل علاقة الانتماء العربية للشخصية السودانية يقول الشيخ على عبد الرحمن(...فالسودان يدخل كله في نطاق القومية العربية سواء في ذلك النوبة والبجه والفوز والعرب والحاميين والزنوج سواء في ذلك المسلمون والمسيحيون والوثنيون)(على عبد الرحمن، الديمقراطية والاشتراكية في السودان، المكتبة العصرية،بيروت،ص23).

    ج/السودانية وعلاقة الانتماء الوطني:
    كما أن علاقة الانتماء الوطني السوداني هي علاقة إلى انتماء إلى وطن (إقليم أو ارض)،هذه الأرض هي تجسيد مادي لمفهوم دخل من خلال التفاعل معه إلى صميم تكوين الشخصية فأصبح جزء منها. وقد كان اسم السودان في الأصل اسم أطلقه بعض الجغرافيين والمؤرخين العرب لوصف إقليم جغرافي هو إقليم أفريقيا جنوب الصحراء من السنغال غربا إلى الصومال شرقا ثم أصبح مقصورا على الإقليم الجغرافي الذي تحده الدولة السودانية الحالية في مراحل تاليه. إن الإقرار بوجود دوافع ذاتية وراء غزو محمد على للسودان1821 ممثله في طموحه الشخصي لتأسيس إمبراطوريه،لا يعنى عدم وجود روابط موضوعيه(جغرافيه،تاريخية،اجتماعيه،حضارية...) تشد أجزاء الوطن الواحد قبل ذلك.كما أن الإقرار بالحقيقة التاريخية التي مضمونها أن الاستعمار البريطاني هو الذي شكل حدود السودان المعروفة الآن لا يعنى انه قد شكلها طبقا لاهوئه الذاتية فقط ،بل طبقا لاكتشافه هذه الروابط الموضوعية أيضا.فالاستعمار البريطاني لم يضم إلى السودان الإقليم أرضا من خارجه،اى لا تربطها به روابط موضوعيه ،بل على العكس حاول عزل الجنوب عن الشمال(قانون المناطق المقفولة)،وضمه إلى مستعمراته في وسط وشرق أفريقيا (يوغندا،كينيا...) وفشل في تحقيق هذه المهمة.
    وعلاقة الانتماء الوطني لا تلغى علاقات الانتماء القبلي والشعوبي بل تحدها كما يحد الكل الجزء فتكملها وتغنيها. كما أن علاقات الانتماء الديني والقومي لا تلغي علاقة الانتماء الوطني بل تحدها كما يحد الجزء الكل فتكملها وتغنيها.
    د/النوبية وعلاقة الانتماء التاريخي الحضاري القبلي والشعوبي:
    وما سيسمى بالسودان لاحقاً كان في الماضي عبارة عن قبائل غير مستقرة على أرض معينة، بالإضافة إلى شعب تجاوز الطور القبلي، واستقر على ضفاف النيل. وبمجيء الإسلام قدَّم لهذه الجماعات لغة مشتركة ونظم الحياة طبقاً لقواعد عامة واحدة ، ثم تركها تتفاعل تفاعلاً حرَّاً مع الأرض المشتركة وهكذا صنع الإسلام من تلك القبائل والشعب جزءاً من أمة. فالإسلام إذاً لم يلغى الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق عليه، بل حدده كما يحد الكل الجزء (بالإلغاء لما يناقضه من معتقدات وعادات، والإبقاء على مالا يناقضه). فكان بمثابة إضافة أغنت تركيبه الداخلي، وأمدته بإمكانيات جديدة للتطور. وكان محصلة هذا ما نطلق عليه الشخصية السودانية.
    الأثر الحضاري الشعوبي النوبي:فالنوبيون مثلا كانوا عبارة عن شعب تجاوز الطور القبلي، واستقر على ضفاف النيل ، غير أن الطور الشعوبي كان قد استنفذ الإمكانيات التي يمكن أن يقدمها للتطور الاجتماعي، وآية هذا أن الدولة النوبية أخذت في الضعف والانقسام، فضلاً عن أن السيطرة الخارجية (الفرعونية مثلا) في فترات مختلفة كانت قد عرقلت هذا التطور كإضافة أغنت هذا الوجود الحضاري الشعوبي ، وأمدته بإمكانيات جديدة للتطور.وبهذا تحول الوجود الحضاري الشعوبي النوبي إلى جزء من كل هو الوجود الحضاري العربى الاسلامى يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه.وفى ذات الوقت ساهم هذا الوجود الحضاري الشعوبي في تشكيل الشخصية السودانية. يدل على هذا عن دور النوبة في نشر الإسلام والثقافة الاسلاميه فنلاحظ أن انتشار الإسلام في السودان قد اقترن بمرحلتين:المرحلة الأولي تتمثل في دور العرب الوافدين الذي سبق السلطنات الإسلامية، وكان الإسلام فيها اسميا، إذ أن جل القبائل التي دخلت السودان (في تلك الفترة) كانت تسود فيها عادات وطباع البداوة(حسن مكي، الثقافة السناريه المغزى والمضمون، مركز البحوث والترجمة، جامعه إفريقيا العالمية، اصداره15،ص20)
    إذ كان معظم العرب الوافدين في هذه المرحلة ممن قل حظهم المعرفي بالدين وأصوله.
    المرحلة الثانية:مرحله العنصر الوطني من النوبة المستعربين الذين اهتدوا إلى الإسلام (فضل الله احمد عبد الله، دولة سنار ودورها في تشكيل الثقافة السودانية،مجلة أفكار جديدة، عدد ابريل 2004.ص135-136).
    وهذه المرحلة هي مرحله أساسيه من مراحل نشر الثقافة الاسلاميه ويدلل على هذا أن عدد كبير من العلماء ترجع جذورهم إلى هذا العنصر.
    بناء على هذا الوجه يمكن تقرير علاقة الانتماء التاريخي الشعوبي النوبي للشخصية السودانية (أن الثقافة السودانية ثقافة نوبية(اى نوبية الثقافة والحضارة السودانية) فالدولة النوبية هي نتاج تصاهر الحضارات المحلية مع الحضارات وافده من مصر وبلاد الإغريق والرومان وكذلك شرقا من بلاد العرب وما جاورهم من آسيويين فاختلطت العناصر السلاليه والثقافية خاصة اللغات والأديان في عمليه حضارية نتج عنها ثقافة متميزة وهى التأصيل الحقيقي لنشاه الثقافة السودانية) (على عثمان محمد صالح ، في الثقافة السودانية دراسات ومقالات، دار جامعه الخرطوم للنشر، 1990 ، ص17). يترتب على ما سبق انه لا توجد جماعات قبليه أو شعوبية معينه تنفرد بتمثيل علاقة الانتماء النوبي للشخصية السودانية.
    ه/علاقات الانتماء القبلية:
    و للشخصية السودانية انتماءات قبليه متعددة، ويكاد يكون لكل قبيلة تقاليد خاصة ، ،وليس في هذا ما يناقض الحضارة المشتركة، ففي كل الأمم نجد أن لكل قرية تقاليد محليه ،ولكل إقليم تقاليد خاصة، ولكل منطقه جغرافيه تقاليد خاصة ،دون أن يحتج به على التكوين الحضاري المشترك.ومن المجموعات القبلية السودانية:
    أولا:المجموعات القبلية ذات الأصول العربيه: وتضم:
    ا/المجموعة الجعليه:وفروعها:
    الجعليون، الميرفاب- الشايقيه- الركابيه- المناصير- الرباطاب- البديريه- البطاحين-الجموعيه- الجوامعه- الجوابره- الغديات.
    ب/المجموعة الجهينيه: وتنقسم داخل السودان إلى ثلاثة مجموعات:
    الأولى: رفاعة(فواسيه-عبدلاب-عركيون)- لحويون،(عوامره -عمارنه- فادنيه-خوالده)،الشكريه.
    الثانية:دارحامد-بنوجرار-زياديه-بزعه- شنابله-عاليا.
    الثالثة:دويحيه-مسلميه- البقاره(نبو سليم- أولاد حميد-هبانيه- حوازمه- مسيريه- حمر-تعايشه- بنوهلبه- بنو خزام- رزيقات)-محاميد- ماهريه –كبابيش- مغاربه.
    إلى جانب قبائل جهينيه أخرى منها الحمر- الهواوير- السواراب.
    ج/مجموعة ذات أصول عربيه اخرى: الكواهله،الرشايده، الحمران، الشكريه.
    ثانيا:المجموعه ذات الأصول النوبية: وتضم الحلفاويون-السكوت- المحس- الدناقله-الكنوز.
    ثالثا:مجموعه شرق السودان:البجا: وتضم:الهدندوه- بنوعامر- الامرار- البشاريون(عبد الحميد محمد احمد،الشعر والمجتمع في السودان ،دار الوعي،الخرطوم،ط أولى،1987،ص24-25).
    رابعا:المجموعات القبلية بدافور:
    مجموعات قبليه ذات أصول محليه:وتضم عددا من القبائل أكبرها الفور-الزعاوه-الميدوب-البديات—القرعان-البرتى--الداجو-التنجر-القمر-الميما-المساليت.
    مجموعات ذات أصول عربيه:المحاميد-الاباله -النوائبه-العريقات-الرزيقات-
    الزياديه-الهبانيه بنى هلبه، المعاليا(حذيفه الصديق عمر، تاريخ السودان الوسيط،منشورات جامعه السودان المفتوحة،2005، ص98-96 )
    خامسا:مجموعات جنوب السودان:وتنقسم إلى أربعه مجموعات :
    المجموعة النيليه:تضم :الدينكا- الشلك- النوير-الانجو- الانواك-الاشولى- البلاندا.
    المجموعة النيليه-الحاميه:تشمل:المورلى-الديدنقا-البويا-المندارى التوركانا- البارى-التبوسا-الاتوكا.
    المجموعه السودانيه:الزاندى-المورو-المادى-البنقو-كريش.
    مجموعه مختلطة:بالى-مندارى-اناجاورا- فاجورا -فاجولو لولويو.( حذيفه الصديق عمر، تاريخ السودان الوسيط،ص145-146).
    سادسا:مجموعات جبال النوبة:وتضم:
    مجموعة الكواليب: وهي أكبر المجموعات وتضم الكواليب ومورو وهيبان واتورو وتيرا وليرا وام حيطان والهدرة وكاو ونارو وفنقر وشاويه.
    مجموعة النمانيج: وتضم قبائلها القاطنة القرى التالية : النتل وتندرية وسلارا وكلارا وكرمتي(هل تعني تيمنا بارض الجدود كرمة في الشمال) وحجر سلطان و والفوس وافتي التي تسكن شرق جبل الدائر.
    مجموعة تلودي والمساكين: وتضم قبائل تلودي والمساكين واجرون وكلولو وقبائل طجة وغيرها.
    مجموعة لفوفا: وتضم لفوفا واميرا وقبائل اخرى.
    مجموعة تقلي وقبائلها: الرشاد وكجاكجة وتقوى وتملي وترجك وتكم ووتيشان واخرى.
    مجموعة كادقلي: وتضم قبائل كادقلي كرنقو وميري وتلشي وكاتشا وكمدة واخرى .
    مجموعة تيمن :وتضم قبائل كيقا وجرو وتيمن وسرف الضي وتيسي واخرى.
    مجموعة كتلا وقبائلها: جلد وتيما واخرى. مجموعة الاجانج: وتضم قبائل الجبال السته وهي ( كرورو وكدرو كافيرا وكلدجي ودباتنا ووكارتالا بالاضافة لقبائل كاركو وغلفان ووالي وفندا كاتشا وطبق وابو جنوك والدلنج والكدر والشفر وكجوريه وقبائل كاجا وكتول في شمال كردفان واخرى.
    مجموعة الداجو: وتضم شات، لقوري، صبوري، تيمن، لقاوة وابو سنون وتلو واخرى .
    مجموعة الدواليب :هم نوبة مختلطون مع العرب فقدوا جزء من تراثهم النوبي وهم يسكنون شمال كردفان والروايه تقول ان الدواليب جزء من الكواليب (نفس الاسم قرية في وادي حلفا)
    ) تاريخ قبائل جبال النوبة الأصليين. ط.1. تأليف أ. جعفر شاش. جامعة كانبيرا، 2005م(
    وقد استخدمنا مصطلح (ذات الأصول ... عربية ، نوبية ، محلية...) في وصف اغلب هذه المجموعات القبلية حتى لا يغيب عن بالنا حقيقة أن هذه المجموعات القبلية قد اختلطت مع بعضها البعض، مع تفاوت درجه هذا الاختلاط نتيجة لعوامل تاريخية وجغرافيه... متفاعلة،رغم اتخاذ كل مجموعه منها لأحد هذه الأصول كمميز لها عن غيرها نتيجة لعوامل مختلفة.
    و/الافريقيه وعلاقة الانتماء الجغرافي:
    وفيما يتعلق بعلاقة الانتماء الافريقيه للشخصية السودانية فهي علاقة انتماء جغرافي قارى ؛ فالسودان من الناحية الجغرافية قطر يقع في قارة أفريقية ، وليس لها مدلول حضاري أو اجتماعي؛ إذ أن قارة أفريقيا تضم العديد من الأمم والشعوب والقبائل التي لا يرقى ما هو مشترك بينها(تفاعل مجتمعاتها مع طبيعة جغرافيه مشتركه نسبيا) إلى مستوى أن تكون أمه واحده. ويترتب على ما سبق انه لا توجد جماعات قبليه معينه تنفرد بتمثيل علاقة الانتماء الافريقيه للشخصية السودانية،فهي علاقة انتماء تشمل كل الجماعات القبلية والشعوبية السودانية لان السودان ككل جزء من قارة أفريقيا.كما أن علاقة الانتماء الافريقيه ليست علاقة انتماء عرقي لان أفريقيا كقارة تضم العديد من الأعراق الحاميين(الزنوج) الحاميين الساميين(كالسودانيين والصوماليون والإثيوبيون)الساميين(العرب شمال القارة)والآريون (الأوربيون جنوب القارة).
    ى/ علاقات الانتماء العرقية:
    كما يتصف الواقع السوداني بالتعدد العرقي النسبي(الذي لا يلغى امكانيه الجمع بين الوحدة والتعدد على هذا المستوى)إذ نجد أن اغلب السودانيين هم محصلة اختلاط الحاميين(الزنوج) مع الساميين(العرب... ) بالاضافه إلى وجود جماعات قبليه لم تختلط بالحاميين إلا قليلا او لم تختلط بهم مطلقا)(كالقبائل العربية التي هاجرت إلى السودان في مرحله متاخره...) و جماعات قبليه حاميه لم تختلط مع العرب الساميين إلا قليلا أو لم تختلط بهم مطلقا نسبه لتفاوت درجه هذه الاختلاط من جماعه إلى أخرى كمحصله لعوامل تاريخية وجغرافيه متفاعلة(فنتيجة للتداخل القبلي والتمازج بين السلالات المختلفة في السودان بات من الاستحالة قبول فكره وجود عناصر عرقيه صافيه في السودان حتى في تلك المجتمعات شبه المغلقة)( د. التجانى مصطفى،عوامل تشكيل الشخصية القومية السودانية، مجله التأصيل ،مايو 1995 ،ص93.)، فالشعب النوبي القديم فضلاً عن قبائل الهدندوة والبني عامر والبشارية كلها سامية- حامية-وهو ما قرره كثير من علماء الآثار- ثم اختلطت بالعرب الساميين. إذ( بعد معاهدة البقط (652هـ -1323م). وفى ظلها استطاع العرب ممارسة نشاطهم التجاري ... وتزاوجوا مع السكان المحليين ( الشعب النوبي وقبائل ألبجه وقبائل العنج) حتى سقوط دولة علوه، في منتصف القرن الخامس عشر)(فضل الله احمد عبد الله، دولة سنار ودورها في تشكيل الثقافة السودانية،مجلة أفكار جديدة، عدد ابريل 2004، ص 134 ) .
    وبالتالي فان تقرير علاقة الانتماء العرقي الزنجية للشخصية السودانية يقتضى الالتزام بما سبق ذكره بالاضافه إلى تقرير أن لفظ زنوج يدل على وصف للذين تتوافر فيهم الخصائص الفسيولوجية التي تأثرت بالبيئة الجغرافية للمنطقة الاستوائية، وليس له أي مدلول حضاري أو اجتماعي، فهم ليسوا أمة واحدة بل يتوزعون على أمم وشعوب وقبائل عدة في جميع أنحاء العالم. أما لفظ حاميين فمصدره تقسيم علماء الأجناس البشر إلى ثلاثة أقسام بين ساميين وحاميين وآريين؛ ولكن هذا التقسيم هو تقسيم لغوي وليس تقسيمً عرقي فقط، إذ لا وجود لجنس لم يخلط بغيره. ويترتب على ما سبق أن علاقة الانتماء العرقية الزنجية للشخصية السودانية تشمل كل الجماعات القبلية السودانية سواء بالتصاهر(مع تفاوت درجه هذا الاختلاط من جماعه إلى أخرى) أو التأثر بالبيئة الجغرافية للمنطقة الاستوائية، ولا تنفرد بتمثيلها جماعات قبليه معينه

    بعض الإشكاليات المرتبطة بالهوية السودانية:
    الهوية واللون:
    إن اللون ليس أكثر من الاستجابة الفسيولوجية(من ضمن استجابات عديدة) لمتطلبات المناخ ثم ينتقل بالوراثة خلال مراحل زمنيه طويلة نسبيا،فهو عمليه ماديه يخضع لها كل البشر ولا تقوم مميزا اجتماعيا أو حضاريا بين البشر. فهو نتيجة ملائمة بين التكوين الفسيولوجي للإنسان وبيئته الجغرافية خلال مراحل زمنيه طويلة وليس لها مدلول يتجاوز هذا.(د.عصمت سيف الدولة،النظرية، بيروت ،دار الوحدة، 1971، ص258) ولو صح أن الالون تميز الأمم فلن نجد في العالم أمه واحده. وإذا كان السود والملونين في جميع أنحاء العالم يكافحون ضد التفرقة العنصرية استنادا إلى مقوله علميه هي أن الناس لا يتميزون فيما بينهم بألوانهم ، وإذا كان الذين يستعلون علي غيرهم بألوانهم الأقل سوادا أو الأكثر بياضا لا يفعلون شيئا سوى المساهمة في تأكيد التفرقة العنصرية بقبولهم اللون مميزا للمجتمعات. فان الذين يتخذون اللون كحجه لإنكار علاقات الانتماء القومية والدينية للشخصية السودانية ذات المضمون اللساني الحضاري الديني لا يفعلون شيئا سوى تأكيد التفرقة العنصرية أيضا.
    العنصرية:
    العنصرية هي التقاء على إحدى المميزات القبلية، أو الموروثة عن الطور القبلي، مثل: وحدة الجنس، أو الأصل(العنصرية العرقية كما عند الجماعات القبلية)، أو اللغة أو التقاليد( العنصرية الثقافية كما عند الجماعات الشعوبية).ورغم أن الإسلام دعا إلى المساواة "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدِ اللهِ أتقاكم". وعمل على نقض العنصرية التي ميزت المجتمع العربي القبلي الجاهلي كما يدل على ذلك جملة الأحاديث الواردة في ذم العصبية، فقد ظهرت العنصرية في المجتمعات المسلمه كمحصله للتخلف الاجتماعي الذي أصاب المجتمعات في مرحله تاليه نتيجة لعوامل تاريخية سياسية اجتماعيه... متفاعلة.
    وهنا يجب التمييز بين نمطين من أنماط العنصرية الأول مصدره شعوب وقبائل تجاوزت فعلاً الأطوار القبلية والشعوبية إلي طور أمة؛ فأصبحت جزءاً من كل، ومرجعها محاولة العودة إلى علاقة أضيق؛ نسبة لظروف تاريخية معينة، والثاني مصدره شعوب أو قبائل لم تتجاور بعد الأطوار القبلية، أو الشعوبية. فهي كلٌّ قائم بذاته لا تشترك مع غيرها في أي شيء لا اللغة، ولا الثقافة ولا الدين. و قيام دولة تضم هذه الجماعات .
    ويسود في الواقع الاجتماعي السوداني العنصرية طبقا لنمطها الأول ،اى اعتقاد كل جماعة قبليه أو شعوبية سودانية بامتيازها على غيرها،رغم تجاوزها الفعلي للأطوار القبلية والشعوبية كمحصله للتخلف الاجتماعي الذي أصاب المجتمع السوداني نتيجة لعوامل تاريخية سياسية اجتماعيه... متفاعلة(وتأخذ أشكال عده منها رفض المصاهرة مع الجماعات القبلية الأخرى...).فهذا النمط من أنماط العنصرية غير مقصور على جماعة قبليه سودانية، بل يمتد ليشمل كل الجماعات القبلية والشعوبية السودانية ،رغم تفاوت هذه الجماعات القبلية في مدى شيوعه بين أفرادها وأشكاله. وبالتالي فإن إبقائه أو إلغائه مسئولية مشتركة، وليس مسئولية جماعة قبلية أو شعوبية معينة.
    كما أن هناك امكانيه لتجاوز هذا النمط من أنماط العنصرية ،لكن هذه الامكانيه مشروطة بالعمل المشترك والتدريجي (التراكمي) على تغيير أنماط التفكير(الذاتية) والنظم(الموضوعية) التي تكرس للتخلف الاجتماعي.
    الرق:
    احد الممارسات السالبة التي عوقت التقدم الاجتماعي للمجتمع السوداني هي الرق ، وترجع جذور الرق إلى الأطوار القبلية في كل أنحاء العالم كحل سلبي لمشكله أسرى الحروب القبلية،وعلى هذا مارسته كل المجتمعات في أطوارها القبلية،وحسب ماركس فان الرق هو احد مراحل تطور النظام الاقتصادي الاوربى الذي عممه على العالم، فهذه الممارسة لم تكن مرتبطة بلون أو جنس معين(وهو أمر لم يكن مبنيا على اللون بدليل أن العرب في الجزيرة العربية كانوا يسترقون الفرس والروم وكن هؤلاء ذوى بشره أكثر بياضا من العرب أنفسهم كما كان يوجد عرب خالص مسترقون بالاضافه إلى اؤلئك لقادمين من أفريقيا)(د.عبد اللطيف البونى،الهوية السودانية: منظور تاريخانى،أوراق استراتيجيه، ص27).
    وقد كان المجتمع القبلي العربي الجاهلي يمارس هذه العادة كغيره من المجتمعات التي لا تزال في الأطوار القبلية،وعندما جاء الإسلام تعامل مع هذه الممارسة على المستويين النظري والعملي ،فعلى المستوى الأول لغي الإسلام الأساس النظري الذي تستند إليه هذه الممارسة بتقريره المساواة بين الناس، أما على المستوى التطبيقي فكان يهدف إلى الانتقال مما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون (بالتدرج مما هو كائن،إلى ما هو ممكن، إلى ما ينبغي أن يكون) وذلك استنادا إلى قاعدة تضييق المدخل(بحضر سبب الرق في احد الخيارات المتاحة للمسلمين تجاه مصير أسرى الحرب المشروعة للدولة والتي تتم طبقا للضوابط الاخلاقيه التي حددتها بجانب خيارات أخرى كالمن والفداء، ومنع الأسباب الأخرى كالعدوان القبلي أو الفردي...) وتوسيع المخرج(بتقرير تحرير الرق ككفاره لكثير من الذنوب وكعباده وقربى لله تعالى...) ،ورغم ذلك فقد استمرت هذه الممارسة في المجتمعات المسلمة كمحصله للتخلف الاجتماعي الذي أصاب المجتمعات في مرحله تاليه نتيجة لعوامل تاريخية سياسية اجتماعيه... متفاعلة.كما ظهرت تجاره الرقيق كمرحله من مراحل تطور النظام الاستعماري الغربي في مرحله تاليه.
    بناءا على ما سبق نجد أن الجماعات القبلية السودانية المختلفة قد مارست هذه العادة عندما كان المجتمع السوداني في الأطوار القبلية كصفه ملازمه لهذه الأطوار، كما مارستها عندما تجاوز المجتمع السوداني الأطوار القبلية كمحصله للتخلف الاجتماعي لهذا المجتمع نتيجة لعوامل متفاعلة. وقد ساهم في استمرار هذه الممارسة في السودان أن احد أهداف محمد على من فتح السودان كان الحصول على الرجال لتجنيدهم في الجيش، ولما فشل في تحقيق هذا الهدف تحول الأمر إلى بيعهم كرقيق،وقد انتهز بعض الأوربيين فرصه اتساع البلاد وضعف الحكومة في الأقاليم البعيدة بالاضافه لفساد بعض الموظفين لتنشيط تجاره الرقيق،حيث قام قناصل بعض الدول الاوربيه بتمويلها ،كما عمل بعض اليونانيين والسودانيين والمصريين كوكلاء لهم. ورغم أن محمد على باشا ألغى تجاره الرقيق (قانونيا)عند زيارته السودان عام1939،غير أن تجار الرقيق الأوربيين استمروا (فعليا) في ممارستها حتى عام1860 عندما استولى الحكمدار جعفر صادق على مراكزهم وحول عملها إلى تجاره العاج. يقول إسماعيل سليمان (فتجاره الرقيق والتي دشنها الحكم التركي في السودان كانت الشرارة الأولى التي رسمت مسار المشكلة القومية(كذا) في السودان ) (المشكلة القومية واتفاقيه السلام في السودان، الشركة العالمية للطباعة والنشر،ص13 ، 2007).
    وقد اتخذ الاستعمار البريطاني من إلغاء هذه الممارسة في السودان حجه لاحتلاله السودان عام 1898،لان تاريخ دخوله السودان اقترن بتجاوز الاستعمار لمرحله تجاره الرقيق ( اتفاقيه بروكسل لإلغاء تجاره الرقيق1890) إلى مرحله أخرى يأخذ فيها الاستغلال أشكال أخرى (وعندما دخل الاستعمار البريطاني البلاد حارب تجاره الرقيق ولكنه فرض ضريبة الدقنيه على الجنوبيين وهى ليست سوى شكل من أشكال الرق)(إسماعيل سليمان ،المرجع السابق،ص14).
    حول مصطلح التهميش :
    شاع في الخطاب السياسي السوداني مؤخرا استخدام مصطلح التهميش، غير أن كثير من هذه الاستخدامات خاطىء، لأنه يقوم على الخلط بين دلالاته المتعددة ، وللتوصل إلى استخدام صحيح للمصطلح،والتحرر من هذا الخلط، يجب تحديد الدلالة التاريخية للمصطلح(اى النسق الفكري الذي ظهر من خلاله)،وتحديد الدلالات المتعددة للمصطلح والعلاقة الصحيحة بينها، وتحديد الدلالة التي يعنيها مستخدم المصطلح باستخدامه له، و طبقا للنسق الفكري الذي ينطلق منه.
    حيث ترجع الدلالة التاريخية لمصطلح التهميش إلى كتابات ما أطلق عليه اسم مدرسه التبعية التي يمكن اعتبارها محاوله لتطوير أو تجديد الماركسية ، وابرز روادها د.سمير أمين الذي استخدم مصطلح مركز والأطراف أو الهامش وذلك لتحليل العلاقات اللامتكافئة بين دول المركز(الدول الرأسمالية المتقدمة) والهامش( الدول النامية)،والكشف عن علاقات التبعية والاستغلال التي تربطهما.
    وقد ساهم في شيوع استخدامه في الخطاب السياسي السوداني بصيغ متعددة (الهامش،المناطق لمهمشة،التهميش) تبنى بيان الحركة الشعبية لتحرير السودان (المانفستو) الصادر عام 1983م للمصطلح، تأثرا بالايديولوجيه الماركسية.
    وإذا انتقلنا إلى تحديد دلالات مصطلح التهميش يتضح لنا أن المصطلح على تعدد دلالاته هو مصطلح سالب وليس موجب، بمعنى أن المصطلح يصف مشكله معينه (هي مشكله التهميش) ولا يتضمن اى حل لهذه المشكلة ، فالاتفاق على وجود مشكله التهمبش لا يحول دون الاختلاف حول طبيعة حل هذه المشكلة، لذا فانه من غير الصحيح الحديث عن مدرسه أو مذهب في التهميش، لان اى مذهب هو مجموعه من الحلول (الصحيحة أو الخاطئه ) لمجوعه من المشاكل.
    ولمصطلح تهميش دلالات متعددة لأنه يعبر عن مشكله متعددة الأبعاد ،فهناك دلالته السياسية ممثله في انفراد حزب أو فئة بالسلطة دون الشعب، وهناك دلالته الاقتصادية ممثله في انفراد فئة (طبقه) بالثروة دون باقي الفئات،وهناك دلالته العرقية ممثله في الاستعلاء العرقي ،وهناك دلالته النوعية(ذكر/ أنثى) ممثله في شيوع الثقافة الذكوريه التي تقصى المراْه... غير أن هناك من يستخدم المصطلح مقصورا على دلاله واحده مع إلغاء دلالاته الأخرى ،فمثلا الاستخدام الشائع للمصطلح في الخطاب السياسي السوداني يكاد يقصره على دلالته العرقية، ثم يقصر الاخيره على استعلاء عرقي يمارسه العرب أو الشماليين على من سواهم ، وإذا حللنا الاستخدام السابق نجد تناقضه مع الواقع(الحقائق العلمية) ومع ذاته(المنطق) من عده أوجه، فهو يتناسى أن الاستعلاء العرقي هو من بقايا الطور القبلي ويسود في كل الجماعات القبلية والشعوبية السودانية كمحصله لتخلف النمو الاجتماعي للمجتمع السوداني ككل ،كما انه يفهم العروبة فهما عنصريا مع انه ليس هناك جماعه سودانية ذات أصول عربيه لم تختلط بغيرها مطلقا ،أما الجماعات الوحيدة التي يمكن اعتبارها عربيه بالمعنى العرقي كالزبيديه والرشايده فهي واقعه تحت إطار التهميش وايه هذا أن فئات منها اختارت التحالف مع الحركة الشعبية لتحرير السودان(الأسود الحرة). كما ان كثير من الجماعات السودانية ذات الأصول العربية تتعرض للاستعلاء العرقي نتيجة الخلط بين احدي دلالات لفظ عربي بمعنى البدوي- ما يقابل الأعراب في القرآن- وهي دلالة لا تزال تستخدم حتى الآن للدلالة على من لا يزال في طور البداوة، ولم ينتقل إلي التمدن ، والعروبة كطور تكوين اجتماعي متقدم عن أطوار التكوين الاجتماعي القبلي والشعوبي يتضمنهم فيكملهم ويغنيهم ولكن لا يلغيهم.أما لفظ شمالي فذو دلالات جغرافيه متعددة فيعنى كل السودان ماعدا الجنوب، و يعنى سكان الولايات الشمالية(نهر النيل والشمالية)، غير انه لا يتطابق مع لفظ عربي طبقا للاستخدام السابق لأنه ينفى صفه العروبة عن القبائل ذات الأصول النوبية وهم نصف سكان الولايات الشمالية.كما أن الولايات الشماليه ليست اقل تهميشا من غيرها من الولايات، كما أن هذا الاستخدام للمصطلح يتناسى أن التهميش السياسي والاقتصادي يعنى انفراد فئة بالسلطة والثروة دون باقي الشعب بما فيه الجماعات القبلية والشعوبية التي تتنمى إليها تلك الفئة . ومن المعلوم أيضا أن هناك فوارق بين الريف و المدن ، وداخل المدن بين أحيائها المختلفة في اغلب دول العالم حتى تلك المتجانسة عرقيا مما يعنى أن هناك أشكالا عديدة للتهميش..
    كما يجب التمييز بين الدلالات الواقعية للمصطلح والدلالات الفكرية له .فالأولى تصف ما هو كائن ، و لا تكون صحيحة إلا بالرجوع إلى الحقائق العلمية( الجغرافية والتاريخية ...) .وهنا نجد ان الكثير ممن يستخدم المصطلح يتجاهل كثير من هذه الحقائق العلمية،كما أوضحنا في الفقرة السابقة عند الحديث عن من يستخدم المصطلح مقصورا على دلالاته العرقية. أما دلالات المصطلح الفكرية فتصف ما ينبغي أن يكون وتتعلق بالمذاهب الفكرية التي تقوم على تهميش الأخر،اى المذاهب التي تقوم على الوحدة المطلقة التي تتطرف في تأكيد علاقة انتماء معينه للشخصية الحضارية المعينة إلى درجه إلغاء علاقات الانتماء الأخرى، وترتبط بوحدة مطلقه(تهمبش) في المجال السياسي ،الاقتصادي، القانوني... مضمونها وجوب انفراد الجماعات القبلية المعينة (باعتبارها الممثل الوحيد لعلاقة الانتماء هذه). بالسلطة والثروة...دون باقي الجماعات.ويدخل تحت هذا الإطار مذهب العصبية القبلية العربية الذي يفهم العروبة على أساس عرقي لا لغوي حضاري، ويستند إلى مفهوم النقاء العرقي، وهو مفهوم غير حقيقي ، هذه الوحدة المطلقة في مجال الهوية ترتبط بوحدة مطلقه في المجال السياسي الاقتصادي القانوني... مضمونها وجوب انفراد الجماعات القبلية السودانية ذات الأصول العربية ( باعتبارها تنفرد بتمثيل علاقة الانتماء العربية للشخصية السودانية ) بالسلطة و الثروة ... دون باقي الجماعات القبلية أو الشعوبية السودانية. غير أن هناك أيضا بعض المذاهب التي ترفع شعار رفض التهمبش بينما هي في ذات الوقت تندرج تحت إطار المذاهب التي تستند إلى التهميش الفكري منها المذهب الذي يرى أن تقرير علاقة الانتماء الزنجية(التي هي في الأصل علاقة انتماء عرقي) أو الافريقيه(التي هي في الأصل علاقة انتماء جغرافي قارى) للشخصية السودانية يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى. فهو يقتضى مثلا إلغاء علاقة انتمائها القومي ذات المضمون اللساني -الحضاري لا العرقي،والتي تعنى أن اللغة العربية هي اللغة المشتركة بين الجماعات القبلية والشعوبية السودانية بصرف النظر عن أصولها العرقية.هذه الوحدة المطلقة(التهميش) في مجال الهوية ترتبط بوحدة مطلقه في المجال السياسي الاقتصادي القانوني... مضمونها وجوب انفراد الجماعات القبلية السودانية ذات الأصول الزنجية( باعتبارها تنفرد بتمثيل علاقة الانتماء الزنجية أو الافريقيه للشخصية السودانية ) بالسلطة و الثروة ...دون باقي الجماعات القبلية أو الشعوبية السودانية(الجماعات القبلية ذات الأصول العربية تحديدا).
    كما نجد أن هناك من يستخدم مصطلح تهميش طبقا لدلاله تتناقض مع النسق الفكري الذي ينطلق منه. فهناك من يستخدم المصطلح بدلالاته العرقية وفى ذات الوقت ينطلق من المذهب الماركسي الذي يركز أساسا على التهميش الاقتصادي الطبقي الذي تمارسه الطبقة السائدة على الطبقات المسودة. كما ان هناك من يستخدمه طبقا لذات الدلالة في الوقت الذي ينطلق من المذهب الليبرالي الذي يركز أساسا على التهميش السياسي والذي يستند إلى مفهوم المجتمع المدني والذي من شروطه عدم الاستناد إلى روابط الدم العشائرية والقبلية.
    أما حل مشكله التهميش على المستوى الواقعي فيكون بالإقرار بمشكله التهميش (اى الإقرار بمصطلح تهميش كمصطلح سلبي)، والإقرار بأنها مشكله ذات أبعاد متعدده (اى الإقرار بتعدد دلالات المصطلح )، وأنها محصله تراكم تاريخي طويل، وان حلها يكون بالعمل المشترك والتدريجي (بالانتقال من ما هو كائن ،إلى ما هو الممكن، إلى ما ينبغي أن يكون), أما حلها على المستوى الفكري فيكون بمحاربه نمط التفكير البدعى شبه الخرافي شبه الاسطورى الذي يشكل الأساس النظري للمذاهب التي تقوم على التهميش،اى الوحدة المطلقة في مجالات الهوية، المجال السياسي ،الاقتصادي، القانوني،الثقافي... وتبنى نمط التفكير الاجتهادي العلمي العقلاني الذي يشكل الأساس النظري للمذهب الذي يدعو إلى تجاوز التهميش إلى المساواة،اى مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد في مجالات الهوية، المجال السياسي، الاقتصادي ،القانوني،الثقافي....









    مكونات الهوية الحضارية السودانية وجدلية الوحدة والتعدد
    العادات والتقاليد السودانية:
    إذا كانت الحضارة هي محصله تفاعل الإنسان مع كل من الطبيعة والمجتمع ،فان العادات والتقاليد هي جزء من الحضارة،فهي محصله تفاعل الإنسان مع المجتمع،فقد اهتدى الإنسان خلال معاناته المشكلات الخاصة بالاتصال الحتمي بين الناس في المجتمع ،إلى حلول تتصل بعلاقات الناس ،صاغها أنماطا من السلوك،واطرد تطبيقها حلولا لمشكلات متجددة، وانقلبت خلال اطردها إلى قواعد دارجة يلتزمها الناس في علاقاتهم بدون جهد يذكر.
    واسمي العلماء المسلمين العادات والتقاليد بالعرف،والذي اعتبروه من المصادر التبعية للشريعة.
    والعادات والتقاليد كجزء من الحضارة تلازم حركه المجتمع وأطوار تكوينه الاجتماعي، وهى مؤثره ومتاثره بجمله العوامل الذاتية والموضوعية التي تساهم في تطور أو تخلف هذا المجتمع.
    بناءا على ما سبق فان العادات والتقاليد السودانية هي مجموع الحلول التي اهتدى إليها الإنسان السوداني خلال معاناته لمشكلات الاتصال بين الناس في المجتمع السوداني .
    هذه العادات والتقاليد تكتسبها الشخصية الحضارية المعينة من خلال علاقات انتمائها الاجتماعية والحضارية المتعددة،وكذا الأمر مع الشخصية الحضارية السودانية التي اكتسبت عاداتها وتقاليدها من خلال علاقات انتمائها المتعددة .
    فهناك العربية كعلاقة انتماء قومي ذات مضمون لساني ثقافي لا عرقي مضمونها أن اللغة العربية هي اللغة في المشتركة بين الجماعات القبلية والشعوبية السودانية بصرف النظر عن أصولها العرقية ولهجاتها القبلية. لذا نجد الكثير من العادات والتقاليد السودانية ذات أصول عربيه منها (دخان الطلح) و(الحنة) و(دق الشلوفة) و(الهمبتة) والأخيرة تقابل (الصعلكة العربية) التي طهرت في المجتمع العربي القبلي(الجاهلي) .
    وهناك الإسلام كعلاقة انتماء ديني حضاري لذلك نجد الكثير من العادات والتقاليد ذات أصول اسلاميه.
    وقد ساهمت الطرق الصوفية في نشر الإسلام في السودان.وأصبح التصوف وقيمه السلوكية والمعرفية - أحد مكونات الشخصية السودانية ،لذا نجد أن كثير من العادات السودانية ترجع إلى التصوف منها:حلقات الذكر والرقص الصوفي والنوبة والطار وزيارة الاضرحه.
    وهناك علاقات الانتماء التاريخي الحضاري القبلي والشعوبي السابق علي الاسلام الذي لم يلغيه، بل حدده كما يحد الكل الجزء (بالإلغاء لما يناقضه من معتقدات وعادات، والإبقاء على مالا يناقضه). فكان بمثابة إضافة أغنت تركبه الداخلي، وأمدته بإمكانيات جديدة للتطور.
    لذا نجد أن كثير من العادات والتقاليد السودانية ترجع جذورها إلى التراث الحضاري الشعوبي النوبي السابق على الإسلام كطقوس الأعراس والجنائز و الشلوخ ووضع الوشم على الشفاه والجسد التي ترجع إلى الحضارة المروية والراكوبه وتزيين المنازل وطلائها.
    كما نجد أن كثير من العادات والتقاليد السودانية ترجع جذورها إلى التراث الحضاري القبلي الافريقى السابق على دخول الاسلام كالاعتقاد بأن بعض الأعشاب والأشجار (العروق) تؤثر في الناس الذي مرجعه الاعتقاد القبلي الافريقى بان للطبيعة اثر فعال على السلوك وكذلك الرقص وآلات الصيد كالحراب وبعض الأدوات المنزلية و المباني مثل القطيه ومنها الزار الذي هو في أصله طقس وثني للقبائل الأفريقية انتقل من الحبشة إلى السودان .
    تعريف المثل: تعددت تعريفات المثل، وهنا نورد بعض هذه التعريفات: فالسيد احمد الهاشمي يعرفه في كتابه جواهر الأدب بأنه( تأليف لا حقيقة له في الظاهر وقد ضمن في باطنه الحكم الشافية... ويقسمه إلي ثلاثة أقسام مفترضه ممكنه وهى ما نسب إلي العاقل ومخترعه مستحيلة وهى ما جاءت على السنة الحيوانات والجمادات والمختلطة... ويحدد وظيفة الامثال) والمثل تريك أحوال الأمم وقد مضت، وتقفك على أخلاقهم وقد انقضت). أما أبو مسعود فيعرفه بأنه (ألطف ذريعة إلي تسخير الوهم للعقل واستنزاله من مقام الاستعصاء عليه واقوي وسيله إلي تفهيم الجاهل الغنى و قمع ثوره الجامح الابى) أما النظام فيعرفه بأنه( إيجاز اللفظ وأصابه المعنى وحسن التشبيه وجوده الكناية...) أما الفارابي فيعرفه بأنه (هو ما ترضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه حتى ابتذلوه في ما بينهم وقنعوا به في السرّاء والضرّاء، ووصلوا به إلى المطالب القصيّة، وهو أبلغ الحكمة لأن الناس لا يجتمعون على ناقص. ولذا فالمثل قيمة خلقية مصطلح على قبولها في شعبها. وهو يمر قبل اعتماده وشيوعه في غربال معايير هذا الشعب، وينمّ صراحة أو ضمنا عن هذه المعايير على كل صعيد وفي كل حال يتعاقب عليها الإنسان في حياته).(1)(2)
    من التعريفات السابقة يمكن تحديد عناصر المثل:
    أولا:من ناحية اللفظ: المثل هو عبارة موجزه بسيطة، وقد تكون قائمه على نوع من الوزن( السجع).
    ثانيا: من ناحية المعنى: المثل مكون من: 1_ الأفكار المكونة للمثل، أو التي صيغ منها المثل، و هي أفكار قد تكون خياليه. 2_ الأفكار التي يهدف إلي بيانها المثل، وهى معادل موضوعي للواقع المعين، فهي أما تعبير عن حلول لمشاكل طرحها للواقع المعين، أو تعبير عن القيم الحضارية لمجتمع معين، بما هي مجموعة القواعد التي تحدد لكل فرد ما ينبغي أن يكون عليه موقفه واتجاهه وسلوكه، في مواجهة الغير من الأشياء والظواهر والناس، يكتسبها من انتمائه إلى مجتمع معين.
    الأمثال السودانية: الأمثال السودانية هي اصدق تعبير عن علاقات الانتماء الاجتماعية والحضارية المتعددة للشخصية السودانية .
    فهناك الكثير من الأمثال السودانية التي مصدرها العربية كعلاقة انتماء قومي ذات مضمون لساني ثقافي: رَجَع بخُفي حُنينْ:مثل عربي مشهور حنين جمالي احتال عليه لص فأسقط في طريقه فرده حذاء جديدة عندما راءها حنين قال جميله لولا إنها واحده. ثم على بعد مسافة اسقط اللص الثانية فطمع حنين في إكمال الزوج فذهب راجلاً لأخذ الأولى فلما عاد وجد اللص قد ذهب بجماله، فرجع لأهله وهو يحمل الخفين. فصارت مثلاً يضرب في الغفلة وخيبه المسعى(مشترك)
    أبْ زَيَد لا غزا لا شَافْ الغَزو: أب زيد هنا أبو زيد الهلالي، زعيم أبطال سيرة بني هلال المشهود لهم بالغزو والتغلب على الأعداء في السير الشعبية، والمعنى هنا أن الشخص المقصود لم يقم بأداء عمل مهم يذكر له(الوسط وكردفان ودارفور)
    كما أن هناك الكثير من الأمثال السودانية التي مصدرها الإسلام كعلاقة انتماء ديني حضاري:
    تزوجوا فقراء يغنيكم الله: والمثل من القران الكريم، ومضمونه إن في الزواج لدى الإنسان بركه في الرزق تعم في حياته أما أن تأتيه بسبب المصاهرة أو بتعاون من الزوجة أو بتبدل يعترى شعوره لوجود مسئوليه اكبر في حياته فيحثه ذلك على الاجتهاد في طلب الرزق(مشترك).
    خُوّة الإسلام ولا خُوّة الأرحامْ:من أمثال الفقهاء، يستعمل في معناه (الوسط).
    الضَّروراتْ تُبِيح المحظُوراتْ:من أقوال الفقهاء. وهو أن الإنسان المضطر أمام المواقف التي تصون الحياء يجوز له أن يتصرف بما يزيل حاجته (مشترك).
    ظُلم الحسن والحسينْ :الحسن والحسين هما سبطي الرسول صلى الله عليه وسلم وابني السيدة فاطمة الزهراء وسيدنا على بن أبى طالب رضي الله عنهما ، وقد وقع لهما في حياتهما من الأحداث ما يعتبره انه ظلم كبير ، لهذا يضرب المثل(مشترك) ألجنه تحت أقدام الأمهات: حديث نبوي(مشترك)
    اخطب لبنتك ولا تخطب لولدك: قول مأثور(دار فور-مشترك) كما أن هناك الكثير من الأمثال السودانية التي مصدرها التراث الحضاري النوبي الذي يعبر عن علاقة الانتماء التاريخي الحضاري الشعوبي للشخصية السودانية والذي لم يلغه لإسلام بل حدده كما يحد الكل الجزء، فكان بمثابة إضافة أغنته وكملته.
    مرسال(رسول)حجك(الحج) حج من(لا يحج):لا توكيل أو أنابه في الحج يضرب لبعض الأعمال التي يجب القيام بها بصوره شخصيه( النوبة) كلك (حفره) فندى(يحفر) كل تان(حفرته) تور(يسقط)) :من حفر حفره يسقط في حفرته) يقابل المثل العربي من حفر حفره لأخيه وقع فيه) النوبة).
    كما أن هناك الكثير من الأمثال السودانية التي مصدرها التراث الحضاري القبلي الذي يعبر عن علاقات الانتماء القبلية للشخصية السودانية :
    ليست للحرب ديار(لينج بونج فار)(( ling bung pear يقال لتهدئه الانفعالات التي تتخذ العنف سبيلا لحل المشاكل ،فهو لا يحل المشاكل، والحرب لا تبنى بل تهدم ،فليس لها ديار(الجنوب- الشلك)
    العمل لا يقتل الإنسان(ضان ينجى نغ بى قونج)(dhanh binyi yi gwang ) يقال لتشجيع الكسالى على العمل(الجنوب- الشلك)
    شوف عين ما قتل غزال: ومعناه أن الأهداف لا تتحقق بالتمني ولكن بالعمل)(كردفان)
    اللهجة السودانية:
    إذا كانت اللغة عبارة عن مجموعه من الأصوات(الألفاظ) كرموز لمعاني مشتركه.فان اللهجة هي نمط خاص لاستخدام ذات اللغة،ومصدر الخصوصية عده عوامل حضارية،تاريخية وجغرافيه ...متفاعلة.
    واللهجة السودانية هي نمط خاص لاستخدام اللغة العربية، كما يدل على هذا الرجوع إلى خصائص اللهجة السودانية ومنها:
    • عند وقوع حرف ساكن بين متحركين يتم تحريكه مثل ######ٌ من الفصحى تصبح كَلِب في العامية كذلك (ظهر) (قبر) بالفصحى تصبح ضهر قبر بالعامية.
    • المهموز يتحول إلى حروف العلة الموازية كما نجد في (غائب) التي تصبح غايب (قرأ) تتحول إلى قرا .
    • تحويل المهموز إلى حرف أسهل في نطقه مثل (سؤال) التي تصبح (سعال).
    • تنطق الذال زاياً والثاء سيناً والظاء ضاداً وفي حالات أخرى تنطق الذال ضاداً كما في ذبح صبح.
    • عدم الميل إلى استعمال الهمزة،و الحروف الساكنة والأصوات الحادة مثل (ذ) و(ث) و(ظ) و الحروف الحلقية مثل حرف (ق).
    • نماذج لنحت المفردات:
    الاختصار: على شأن: عشان ، أي شئ هو : شنو ، هذه الساعة : هسع .
    الزيادة: تشبط : تشعبط ، سلطّ : تسلبط ، سمّر : سمكر،عنق : عنقرة
    القلب : نضج : نجض، ملعقة : معلقة.
    الحذف : ولد : ود ، بنت : بت ،امرأة : مرة ، نصف : نص.
    إبدال الحروف: كظم : كضم ، جأر : جعر، أين : وين ، منبر : بنبر .
    (عون الشريف قاسم،قاموس اللهجات العامية في السودان)
    وقد ساهم في تشكيل هذه الخصوصية أن الشخصية السودانية ذات علاقات انتماء حضاري واجتماعي متعددة فهي محصله تفاعل الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق على الإسلام(المتضمن للهجات القبلية واللغات الشعوبية القديمة السودانية) مع الحضارة العربية الاسلاميه(والمتضمنة للغة العربية). ويمكن التدليل على هذا بالرجوع إلي اثر اللغة النوبية القديمة على اللهجة السودانية(فاللغة العربية في السودان دائنة للغة النوبية بنحو الثلاثين في المائة من معجمها )( د. عبد الهادي تميم ، اللغة العربية في المجتمع ،ص9)وفى هذه اللهجة نجد أن (أسماء عدد كبير من أسماء النشاطات الزراعية، وتربة النيل، وأدوات الحراثة، والزارعة، والرعي، والمنتجات، وأسماء الطيور، والمصطلحات المنزلية والعائلية، ... ذات جذور نوبية) (المرجع السابق، ص 93).
    ومع هذا فان اللغة المشتركة لا تعنى اختفاء اللغات الموروثة من عهود ما قبل التكوين القومي،فاستعمال اللهجات أو اللغات القديمة لا يلغي الاشتراك في استعمال اللغة القومية في كل الأمم.
    وعلى سبيل المثال نجد أن كثير من قبائل شرق السودان تتحدث بلهجات سامية قديمة،كما ان النوبيين يتحدثون بلغه تبدو أو بدويت ، وهي لغة سامية قديمة موروثة من الطور الشعوبي ،كما نجد الكثير من اللهجات القبلية في دارفور وجبال النوبة وجنوب السودان... لكن هذا لا يلغي اشتراك هذه الجماعات في استعمال اللهجة السودانيه كنمط خاص لاستخدام اللغة العربية مع غيرها من الجماعات السودانيه.
    فللهجة السودانيه هي تعبير عن جمع الواقع اللغوي السوداني بين التعدد والوحدة ،حيث يتمثل التعدد اللغوي في احتفاظ هذه الجماعات القبلية والشعوبية السودانية بلهجاتها القبلية ولغاتها الشعوبية القديمة،ينما تتمثل الوحدة اللغوية في أن اللغة المشتركة بينها بصرف النظر عن أصولها العرقية و لهجاتها القبلية أو لغاتها القديمة هي اللهجة السودانيه كنمط خاص لاستخدام اللغة العربية.










    الخاتمة
    الهوية لغة مصطلح منسوب إلى (هو) ويعنى حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن غيره، فهو يشترك في المعنى مع مصطلح الشخصية.وإذا كان الأخير يدل على معنيين هما الاشتراك والتفرد فان الهوية أو الشخصية الحضارية تدل على المعنى الأول :اى مكونات ما هو مشترك بين الأفراد الذين ينتمون إلى مصدر حضاري واحد، ولا تتجاوزه إلى المعنى الثاني:اى التفرد بما هو بناء مكتسب على هيكلها الأساسي من مصادر متعددة.
    أما مشكله الوحدة والتعدد فقد تناولتها الفلسفة الغربية على المستوى الوجودي(الانطولوجى) والمستوى الاجتماعي السياسي، واهم الحلول التي قدمتها على المستوى الأخير هي مذهب الوحدة المطلقة الذي اختار التأكيد على وحده المجتمع ولكنه تطرف في هذا التأكيد لدرجه إلغاء حرية الأفراد فيه مما يقود إلي الاستبداد وأهم ممثليه الهيجليه والماركسية.و مذهب التعددية المطلقة الذي اختار التأكيد على حرية الأفراد المكونين للمجتمع لكنه تطرف في هذا التأكيد لدرجه إلغاء وحده المجتمع ، وهذا الحل يؤدى إلي إلغاء المساواة وقد يؤدى إلى الفوضى واهم ممثليه الليبرالية..أما في الفكر الاسلامى فإننا نرى أن المذهب الذي يعبر عن الموقف الإسلامي الصحيح من مشكله الوحدة والتعدد على المستوى الاجتماعي السياسي(اتساقا مع موقفه من مستواها الوجودي) يتجاوز سلبا مذهبي الوحدة المطلقة والتعدد المطلق . كما انه إيجابا-استنادا إلي مفهوم الوسطية- يقوم على الجمع بين الوحدة والتعدد، فهي تؤكد على وحده المجتمع( بتقريره المساواة) وكما يؤكد على التعددية وحرية الإفراد المكونين له(بتقريره الحرية)على المستويين التكليفى(الديني)والتكويني(السياسي والاجتماعي).
    أما فيما يتعلق بالهوية السودانية و الوحدة والتعدد فإننا نلاحظ أن هناك ارتباط منطقي بين الحلول المقدمة لمشكله الوحدة والتعدد والحلول المقدمة لمشكله الهوية السودانية طبقا لبعديها: أطوار(أو وحدات) التكوين الاجتماعي التي تميز المجتمع السوداني وعلاقات الانتماء المتعددة للشخصية السودانية ...
    ففيما يتعلق بالبعد الأول فان مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد يستند إلى مذهب اجتماعي قائم على أن المجتمعات الانسانيه في تطور نام عبر أطوار( هي ذات وحدات التكوين الاجتماعي منظور إليها خلال تعافيها الزماني) هي:الأسرى فالعشائري فالقبلي فالشعوبي فالقومي(طور الامه)...وان كل طور يتكون بان يتضمن الطور الذي قبله تضمن الكل لجزئه،فهو يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه.فالطور التالي يمثل الوحدة بينما الأطوار السابقة تمثل التعدد ،وقد عبر القران عن هذا التطور أو الترقي الاجتماعي بمفهوم الاستخلاف الاجتماعي ﴿ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون﴾ كما أشار القران إلى هذه الأطوار.وطبقا لهذا المذهب فانه عندما ظهر الإسلام كانت أغلب الجماعات في هذه المنطقة إما شعوباً أو قبائل،وقد طوَّر الإسلام سكان الجزيرة العربية من قبائل إلى شعب انطلق إلى ما يجاوره. واختلط بمجتمعات في الطور القبلي وأخرى تجاوزت الطور القبلي، واستقرت شعوباً، وأكمل تكوينها أمة واحدة. والسودان كان في الماضي عبارة عن قبائل غير مستقرة على أرض معينة، بالإضافة إلى شعب تجاوز الطور القبلي(النوبة) واستقر على ضفاف النيل ،وقد صنع الإسلام من تلك القبائل والشعب جزءاً من أمة،اى تحول الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق عليه إلى جزء من الوجود الحضاري العربي الاسلامى يحده كما يحد الكل الجزء فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه.غير أن المجتمع السوداني الذي تجاوز الأطوار القبلية والشعوبية يعانى من التخلف الاجتماعي المتضمن لتخلف النمو القومي والوطني.
    أما فيما يتعلق بالبعد الثاني فان للشخصية السودانية(شان اى شخصيه )علاقات انتماء متعددة، وهناك ثلاثة مذاهب في تحديد طبيعة العلاقة بين هذه العلاقات ببعضها البعض من جهة، وبينها و بين الشخصية من جهة أخرى هي:
    أولا:مذهب الوحدة المطلقة(الاحاديه) ويتمثل في العديد من المذاهب التي ترى أن العلاقة بين علاقات الانتماء المتعددة هذه هي علاقة تناقض، وبالتالي فان استنادها إلى علاقة الانتماء المعينة يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى.. هذه الوحدة المطلقة في مجال الهوية ترتبط بوحدة مطلقه في المجال السياسي الاقتصادي القانوني... مضمونها وجوب انفراد جماعات قبلية سودانية معينه( باعتبارها ممثلا لعلاقة الانتماء المعينه) بالسلطة و الثروة ... دون باقي الجماعات القبلية أو الشعوبية السودانية.
    أهم ممثلي مذهب الوحدة المطلقة مذهب العصبية القبلية العربية الذى يرى أن العرب الحاليين في السودان وغيره هم سلاله عرقية لعرب الجاهلية ،ووجه الخطأ في هذا المذهب يكمن في فهم العروبة على أساس عرقي لا لغوي حضاري ، كما انه يخلط بين العرب في الطور القبلي( ما يقابل الأعراب في القرآن) والعرب في طور الامه المتقدم عن الطور القبلي والشعوبي. كما أن هذا المذهب ينكر حقيقة اختلاط اغلب الجماعات القبلية ذات الأصول العربية بالجماعات القبلية والشعوبية السودانية ذات الأصول غير العربية رغم وجود بعض الأسر أو العشائر في إطار هذه الجماعات القبلية ، بالاضافه إلى بعض الجماعات القبلية الأخرى التي لم تختلط بالجماعات القبلية والشعوبية السودانية ذات الأصول غير العربيه إلا قليلا أو لم تختلط بهم مطلقا لأسباب قبليه(كشيوع بقايا المميزات القبلية في العصبية) أو تاريخية (كهجره بعض القبائل العربية إلى السودان في مرحله متاخره(من هذه القبائل الرشايده ، الزبيديه...)) أو جغرافيه (كاستيطان بعض الجماعات القبلية العربية في بعض المناطق الطرفية أو المعزولة)....
    وكذلك مذهب الشعوبية النوبية الذي يرى أن تقرير علاقة الانتماء النوبية للشخصية السودانية يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى، فهي تقتضى مثلا إلغاء علاقة الانتماء الوطني لان هذا المذهب يلزم منه أن الأثر الحضاري الشعوبي النوبي يقتصر على القبائل المسماة بالنوبية لينفى بذلك انه ساهم في تشكيل الشخصية السودانبه ككل ، كما يرى أن العنصر النوبي يقتصر على القبائل المسماة النوبية،في حين انه في واقع الأمر يمتد فيشمل اغلب القبائل ذات الأصول العربية في الشمال والوسط . كما أنها تقتضى إلغاء علاقات الانتماء القومي والديني،لان هذا المذهب ينكر تحويل الإسلام للوجود الحضاري الشعوبي النوبي إلى جزء من الوجود الحضاري العربي الاسلامى يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه..
    ومذهب الشعوبية السودانية الذى يرى أن تقرير علاقة الانتماء الوطني للشخصية السودانية يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى،فيرى مثلا أن تقرير علاقة الانتماء الوطني تعنى إلغاء علاقة الانتماء القومي ،فيخلط بين الوطنية يما هي علاقة انتماء إلى وطن و القومية بما هي علاقة انتماء إلى أمه..
    المذهب التقليدي : يرى أن تقرير علاقة الانتماء الإسلامية للشخصية السودانية تقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى.فهو يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الوطنية والقومية بتقريره ان انتماء المسلمين إلى الامه الاسلاميه يلغى انتمائهم إلى أوطانهم و أممهم ،كما يقتضى إلغاء علاقات الانتماء التاريخية بتقريره أن الإسلام يلغى الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق عليه..
    ومذهب الافريقانيه أو الزنوجة كعلاقات انتماء اجتماعي حضاري الذي يرى أن تقرير علاقة الانتماء الافريقيه أو الزنجية للشخصية السودانية يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى. فهو يقتضى مثلا إلغاء علاقة انتمائها القومي ذات المضمون اللساني -الحضاري لا الجغرافي(حيث أن العرب يتوزعون بين قارتي أسيا وأفريقيا)أو العرقي(حيث اختلط العرب بكثير من الأعراق)،كما أن المذهب الأخير بدلا من دعوتة إلى رفض التفرقة العنصرية يساهم في تأكيدها باتخاذه للعنصر مميزا اجتماعيا وحضاريا بين البشر.
    ثانيا: مذهب التعدد المطلق الذي يتخذ من تعدد علاقات انتماء الشخصية السودانية كدليل على تعدد الشخصيات الحضارية ونفى وجود شخصيه حضارية سودانية واحده،واهم ممثليه مذهب الفردية المطلقة اى الليبرالية التي تتطرف في تأكيد وجود الفرد إلي درجه تلغى فيها وجود الجماعة،مما يؤدى في الواقع (كما هو ماثل في المجتمعات الغربية)إلى إلغاء أو إضعاف علاقات الانتماء المتعددة للشخصية المعينة(بما فيها علاقة الانتماء الأسرى) فيصبح انتماء الفرد إلى ذاته وولائه إلى مصلحته. هذا التعدد المطلق في مجال الهوية يرتبط بتعدد مطلق في المجال السياسي الاقتصادي القانوني... مضمونه التطرف في التأكيد على حرية الجماعات القبلية والشعوبية المكونة للمجتمع السوداني لدرجه إلغاء وحده مجتمع السوداني مما يؤدى إلى الفوضى.
    ثالثا: مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد القائم على اعتبار أن الشخصية السودانية ذات علاقات انتماء متعددة،وان العلاقة بينها علاقة تكامل لا تناقض (كما الأمر في علاقات انتماء الشخصية الفردية حيث لا تزال علاقة الانتماء إلى الاسره،أو إلى القرية،أو إلى الحزب قائمه بجوار علاقة الانتماء إلى الدولة أو إلى الوطن أو إلى الشعب بدون خلط أو اختلاط.)، وطبقا لهذا المذهب فان المذاهب السابقة الذكر ليست على خطا مطلق ولا صواب مطلق بل يتضمن كل مذهب من هذه المذاهب قدرا من الصواب وقدر من الخطأ ،وبالتالي فان الموقف الصحيح منها هو موقف جدلي اى موقف يتجاوزهم كمذاهب متناقضة (برفضه ما هو خطا في هذه المذاهب )وفى ذات الوقت يؤلف بينهم(بأخذه ما هو صواب في هذه المذاهب لتركيب مذهب جديد).. إن العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد في مجال الهوية ترتبط بالعلاقة الجدلية بين الوحدة و التعدد في المجال السياسي الاقتصادي القانوني...متمثله في التأكيد على الوحدة (بتقرير المساواة بين الجماعات القبلية والشعوبية المكونة له) وفى ذات الوقت التأكيد على التعددية )بتقرير حرية هذه الجماعات القبلية والشعوبية).
    حيث يتصف الواقع الديني السوداني بالتعدد النسبي (الذي لا يتناقض مع الجمع بين الوحدة والتعدد على هذا المستوى)، فهناك الإسلام كدين لغالبية السودانيين ،كما أن هناك الديانة المسيحية بمذاهبها المختلفة، بالاضافه إلى بعض الديانات والمعتقدات القبلية المحلية .وبالتالي فان تقرير الإسلام كعلاقة انتماء ديني حضاري للشخصية السودانية على الوجه الذي لا يتناقض مع هذا التعدد النسبي يقتضى الالتزام بعده ضوابط هي:أولا: أن تعدد الانتماء الديني في المجتمع السوداني لا يلغى وحده هذا المجتمع(فتعدد الانتماء الديني(مسلمين ويهود) في المدينة في ظل الوثيقة لم يلغى انتمائهم إلى المدينة كوطن( أن اليهود من بني عوف امة مع المؤمنين).) .ثانيا: أن معنى الإسلام هنا لا يقتصر على الإسلام كدين، وبل يمتد ليشمل الإسلام كحضارة،اى كمصدر لكثير من القيم الحضارية للشخصية السودانية(المسلمة وغير المسلمة) . ثالثا:أن انتماء المسلمين في السودان إلى الامه الاسلاميه لا يلغى انتمائهم إلى السودان كوطن. رابعا: تقرير الحرية الدينية ممثله في حرية الاعتقاد وحرية ممارسه الشعائر والأحوال الشخصية لأصحاب الأديان الأخرى التي قررها الإسلام ويؤكدها تاريخ السودان حيث كان دخول الإسلام إلى السودان بدون فتح (اتفاقيه البقط) ،فضلا عن قيام السكان المحليين المستعربين(النوبة، الفونج ...)والممالك الاسلاميه المحلية (الفور ـ الفونج ـ تقلي ـ المسبعات ـ الكنوز) بدور اساسى في نشر الدعوة الاسلاميه في السودان.ومساهمه الطرق الصوفية التي تتميز بالدعوة السلمية في نشر الإسلام في السودان .
    كما يتصف الواقع اللغوي السوداني بالتعدد النسبي(الذي لا يتناقض مع الجمع بين الوحدة والتعدد على هذا المستوى)، فهناك اللغة العربية كلغة حياه لكثير من الجماعات القبلية السودانية وفى ذات الوقت فان كثير من الجماعات القبلية والشعوبية احتفظت بلغاتها الشعوبية القديمة أو لهجاتها القبلية .وبالتالي فان تقرير العربية كعلاقة انتماء قومي إلى أمه على الوجه الذي لا يتناقض مع هذا التعدد النسبي يقتضى تقرير أنها ذات مضمون لساني حضاري لا عرقي (ليست العربية فيكم من أب وأم؛ إنما العربية اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي)،فهي تعنى أن اللغة العربية هي اللغة المشتركة بين الجماعات القبلية والشعوبية السودانية بصرف النظر عن أصولها العرقية أو لهجاتها القبلية..وبالتالي فانه لا توجد جماعات قبليه معينه تنفرد بتمثيل علاقات الانتماء العربية للشخصية السودانية.
    أما فيما يتعلق بالسودانية وعلاقة الانتماء الوطني فهي علاقة إلى انتماء إلى وطن (إقليم أو ارض)، وهى لا تلغى علاقات الانتماء القبلي والشعوبي بل تحدها كما يحد الكل الجزء فتكملها وتغنيها كما أن علاقات الانتماء الديني والقومي لا تلغيها بل تحدها كما يحد الجزء الكل فتكملها وتغنيها..
    أما فيما يتعلق بعلاقات الانتماء التاريخي الحضاري القبلي والشعوبي(ومنها النوبية) فان السودان كان في الماضي عبارة عن قبائل غير مستقرة على أرض معينة، بالإضافة إلى شعب تجاوز الطور القبلي، واستقر على ضفاف النيل. وقد صنع الإسلام من تلك القبائل وهذا الشعب جزءاً من أمة. فالإسلام إذاً لم يلغى الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق عليه، بل حدده كما يحد الكل الجزء (بالإلغاء لما يناقضه من معتقدات وعادات، والإبقاء على مالا يناقضه). فكان بمثابة إضافة أغنت تركيبه الداخلي، وأمدته بإمكانيات جديدة للتطور. وكان محصلة هذا ما نطلق عليه الشخصية السودانية، وبالتالي فانه لا توجد جماعات قبليه تنفرد بتمثيل علاقة الانتماء النوبي للشخصية السودانية
    أما فيما يتعلق بعلاقة الانتماء القبلي فان للشخصية السودانية انتماءات قبليه متعددة، ويكاد يكون لكل قبيلة تقاليد خاصة ، ،وليس في هذا ما يناقض الحضارة المشتركة، كما في كل المجتمعات.
    وفيما يتعلق بعلاقة الانتماء الافريقيه للشخصية السودانية فهي علاقة انتماء جغرافي قاري وليس لها مدلول حضاري أو اجتماعي؛ إذ أن قارة أفريقيا تضم العديد من الأمم والشعوب والقبائل التي لم يرقى ما هو مشترك بينها(تفاعل مجتمعاتها مع ذات الطبيعة الجغرافية) بينها إلى أن تكون أمه واحده.. وهى علاقة انتماء تشمل كل الجماعات القبلية السودانية ولا تنفرد بتمثيلها جماعات قبليه معينه لان السودان كقطر داخل قارة أفريقيا.
    كما يتصف الواقع العرقي السوداني بالتعدد النسبي(الذي لا يتناقض مع الجمع بين الوحدة والتعدد على هذا المستوى)، إذ نجد أن اغلب السودانيين هم محصلة اختلاط الحاميين(الزنوج) مع الساميين(العرب)، بالاضافه إلى وجود جماعات قبليه سامية و أخرى حاميه لم تختلط ببعضها إلا قليلا ، نسبه لتفاوت درجه هذه الاختلاط من جماعه إلى أخرى كمحصله لعوامل تاريخية وجغرافيه متفاعلة، وبالتالي فان تقرير علاقة الانتماء العرقي الزنجية للشخصية السودانية على الوجه الذي لا يلغى هذا التعدد النسبي يقتضى الالتزام بما سبق ذكره ،بالاضافه إلى تقرير أن لفظ زنوج يدل على وصف للذين تتوافر فيهم الخصائص الفسيولوجية التي تأثرت بالبيئة الجغرافية للمنطقة الاستوائية، وليس له أي مدلول حضاري أو اجتماعي، فهم ليسوا أمة واحدة بل يتوزعون على أمم وشعوب وقبائل عدة في جميع أنحاء العالم. أما لفظ حاميين فمصدره تقسيم علماء الأجناس البشر إلى ثلاثة أقسام بين ساميين وحاميين وآريين؛ ولكن هذا التقسيم هو تقسيم لغوي وليس تقسيماً عرقياً فقط، إذ لا وجود لجنس لم يختلط بغيره. وبالتالي فان علاقة الانتماء العرقية الزنجية للشخصية السودانية تشمل كل الجماعات القبلية السودانية سواء بالتصاهر(مع تفاوت درجه هذا الاختلاط من جماعه إلى أخرى) أو التأثر بالبيئة الجغرافية للمنطقة الاستوائية، ولا تنفرد بتمثيلها جماعات قبليه معينه.
    وأخيرا فانه على ضوء ما سبق ناولت الدراسة الإشكاليات المرتبطة بالهوية السودانية كاللون،العنصرية،الرق،التهميش، كما تناولت مكونات الهويه الحضارية السودانيه كالعادات والتقاليد، اللهجة،الامثال.



    المراجع

    1. التجانى مصطفى،عوامل ،تشكيل الشخصية القومية السودانية، مجله التأصيل ،مايو 1995
    2. الطيب محمد الطيب، المسيد،دار عزه، الخرطوم،2005.
    3. حسن مكي، الثقافة السناريه المغزى والمضمون، مركز البحوث والترجمة، جامعه إفريقيا العالمية، اصداره15.
    4. محمد بشر عمر، التنوع والاقليميه والوحدة القومية، ترجمه سلوى مكاوي المركز الطباع، بدون تاريخ.
    5. مجموعه من الكتاب ،الهوية السودانية، سلسله أوراق استراتيجيه ، مركز الدراسات ألاستراتيجيه ،الخرطوم، طبعه أولى،1998.
    6. مراد وهبه، محاورات فلسفيه في موسكو، القاهرة، 1974.
    7. هدى مبارك مرغني،مدخل لدراسة الثقافة السودانية، مركز محمد عمر بشير، جامعه امدرمان الاهليه، الخرطوم، ط،1 1999
    8. عصمت سيف الدولة، النظرية، بيروت، دار الوحدة، 1971.
    9. على عبد الرحمن،الديمقراطية والاشتراكية في السودان،منشورات المكتبة العصرية، صيدا بيروت،1970 .
    10. فضل الله احمد عبد الله، دولة سنار ودورها في تشكيل الثقافة السودانية،مجلة أفكار جديدة، عدد ابريل 2004.
    11. على عثمان محمد صالح ، في الثقافة السودانية دراسات ومقالات، دار جامعه الخرطوم للنشر، 1990.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de