|
قصه قصيره.....غربة
|
تشير الساعه الي الواحده بعد منتصف النهار من ظهيره الثلاثاء,لا تدري اي يوم هو من ايام ديسمبر ,يصبح حساب الزمن لديها, في حياه راكده مستنقعية الصمت,تقليدا لا طائل ورائه..... تستيقظ للتو...تهطل حزنا عبقري الوجع....وسكونا يزخر بخلايا الموت المعبأ.... تتحسسس بقايا روحها الصدئه,لا شيء هناك سوي طعم الخواء الملازم لتوقف النبض ...تنحدر منها دمعه وحيده وصامته , كندي الفجر ...متعثره التكون.... الفوضي تعم المكان... حذاء البارحه المتوثب في تمرد,وكأنه يهم بالانقضاض -سخطا - عليها,كأس عصير يعاني خواءا كداخلها,كانت قد تجرعته في الرابعه فجرا قبل خلودها الي النوم,قاروره ماء صحي...تسند ظهرها علي الريكوردر,جوار فراشها ,معلنه عن استنفاذ التعب لها فراشها وغطائها المنزلق...وكأن معركه للتو فضت هناك,اوراقها التي لا تفارق وسادتها,تسحبها في تكاسل,..تنزلق من بين اصابعها كما الماء علي يد مفرده,لتكمل اللوحه فوضويه المزاج والتشكيل...حقيبه اروالها,مفرغه المحتويات في اهمال,وما زالت بعض الاروال ,عالقه بشعرها الغاضب المتطاير,وكأنه شباب ينوي القيام بانتفاضه. تنتبه الي ان غناء المغنيه الصاخب -كاسيتا اختارته علي غير وعي- يناسب سخط المكان....ولا يزال صراخ المغنيه يعلو...يستفزها..يحرضها علي افراغ صديد حنجرتها المكتوم منذ قدمت الي هذه البلاد...التي تشبه الحياه فيها الوقوف علي قنبله مضغوطه...تتمني ان يحين آوان انفجارها,علي ان تمضي الزمن انتظارا رجاء الا يحدث...حياه لا تحتاج فيها الي عقل او حس او روح,بل تحتاج فيها الي ان تطور خلاياك لتصبح بخصائص اسفنجه(اصليه)..قادره علي الامتصاص...فتمتص وتمتص وتمتص...الي ان تضغط -بفعل امتلائها - علي تجويفك الداخلي فتفسد فيك كل يوم شيئا... كثيرا ما تصبح اكثر غربه من الطير في بلادك حين توصد فيها الابواب...فكيف بك وانت غريب حقيقي؟؟؟ توصد الابواب...ولا بد من حل عاجل وسريع ...توصد الابواب...وتمتلئ غربه...غربه تضاف الي غربه طفولتها ومراهقتها وباكورة شبايها...غربه تفسد عليها دوما ,متعه الانسجام في كل مراحلها...وتضعها بشكل دائم موقع المراقب لا المنسجم.... اما غربه طفولتها,فهي وعيها المبكر بمعني الحرمان...واما غربه مراهقتها فهي الاحساس بمدي الفجوه والتفريق في المعامله بينها وبين نديدها الذكر...واما غربه شبابها فهي الاصطتدام بارض مليئه بالوعوره والاشواك...هي ملك للواقع بكل معطياته....واولها الاحباط فتقرر بعناد السفر....السفر هربا من ذاك الحلم المفزع...ملازمها منذ الطفولة...والذي يذداد وحشيه كلما اذدادت عاما جديدا يضاف الي عمرها ...واذدادت وعيا بمعني الحلم...حلما يجتمع فيه كل مؤجرسكنوا له منزلا...وهم يحملون هراوات ناريه...ويكشفون عن انياب تثير الرعب...ينهالون ضربا علي والدتها لعجزها عن دفع الايجار...فيفزعونها واخوتها الصغار,وتستيقظ باكيه...ويظل للحلم نفس التأثير...رغم انها تناهز الآن السابعه والعشرين تقرر السفرايضا...وهي تعلم ان (الهيئه القوميه للكهرباء والمياه) لن تنتظر لسداد فواتيرها,بحثها عن وظيفه تناسب مؤهلها الدراسي,فهي خريجه احدي الكليات الحديثه ...ولعت بها,ربما لانها ارادت لروحها وعقلها ان يجوبا الافق دون قيود...واكتفت بها...حين عجزت عن مواصلة دراستها للغه الانجليزيه بجامعه الجزيره ...وحين رفضت التصاريف التعاون واياها..والواقع انه كان يقف وراء اختيارها لهذه الدراسه سبب آخر مهم...هو اعتقادها انها ستتمكن بورسطتها من تعويض اسرتها عذابها وحرمانها الطويل ,اكثر من دراستها لاي علم تقليدي آخر...وهكذا تتحول مجبره الي ذاك التفكير المادي...فهل الماديه -رغم كل ذا- تهمة يمكن ان توجه لانسان هذا العصر؟؟؟؟ وتشد الرحال...تشده الي بلد غريب ليس لها به والد ولا ولد ...تشد الرحال,حين تصبح عزلاء من سلاح النصره فيها ليست لسلاح ابيض ولا نووي...بل لسلاح اسود ...هو سلاح المال.... تشد الرحال...ولا طمع لها في اكثر منحياه مستقره نظيفه...تحفظ بها ماء وجه اسرتها من ذل الحاجة...وتحفظ بها اخوتها الصغار من انحرافات الفقر الموجعه...والتي تستشري في مجتمعاتنا كما استشراء الخلايا السرطانيه تشد اللرحال ...ولا ذاد لها...غير صوره لابيها-المتوفي قبل عشرين عاما- مهترئه...وتهبط الي الخليج ,بلد الاحلام...بلد ان تقول يا شئ تجده...إإ كما كانت تسمع...تهبط ومعها كثيرا من اراده,وبعض ثقه في النفس...وقليل من تحدٍ,يناسب عناد شخصيتها...تهبط بعد ان حسبت حساب صعوبات كثيره يمكن ان تواجهها...الاًًًًًًً ان يرفضها السودانيون هناك ك(جليسه اطفال) سودانيه...وباتوا-كما عرفت لاحقا- يغلظون الايمان ويحلفون الطلاق,ويراهنون علي جنسيتها في تبرؤ واضح وينسبونها الي دول اخري شقيقه...تملك نفس الملامح ودرجه السمره...لا لشيء الا لانهم يفاخرون ان فتياتهم لا يتغربن ولا يعملن مثل هذا العمل...ولا تأبه لهم كثيرا...فكل يحكم من وجه نظر خاصه...فهي تعمل هذا العمل وتقبل به لكرهها ان تعمل ببلادها عملا آخر مذل..فالذل من اهلك امر طعما من اذلال الغرباء... تذكرت معاينات العمل التعجيزيه التي دخلتها,يوم طلب منها تلاوه سوره النور للحصول علي وظيفه مدنيه ...افترت شفتاها عن ابتسامه تذوقت طعم حنظلها...تساءلت:وهل كان من نور حينئذٍ لتتذكر آيه واحده من سوره النور,تتلوها عليهم.؟...تبا لهم اؤلئك الجهلاء المتنفذون...خيل لها ان ذاكرتها في هذه اللحظه تخرج دخان اسود كثيف ...خرجت من بين دواماته صوره صديقتها ورفيقه طفولتها ,دامعه...تحكي لها كيف ان المسؤل عرض عليها الحصول علي الوظيفه لقاء تغوله علي جسدها...كانت قد حادثتها منذ يومين فقط تطمئن علي حالها...علمت انها لم تتوظف بعد رغم انه مر علي تخرجها سته اعوام....دار بخاطرها حينها ان تطلب من اؤلئك الذين يتبرأون ,ان يشكروا الله علي انهم لا يزالون احياء يرزقون .. يحمدونه اكثر على انه لم ييتم لهم بنتا , ولم يرمل لهم امراة .. غير انها , تعرف ان المجال ليس مجال توضيح او تبرير ... فليفهم كل مل يفهم , وليرفضها كلٍ ما شاء .. فلن تتنازل عن هويتها لاحد .. وليرونها عقد ملكيتهم لوطنها البعيد .. والحق يقال رغم ان الموقف اخذ هذا الشكل المتحدى بينه وبين نفسها الا انه احدث فيها شرخا عظيما عمق كثيرا ً , من احساسها بالغربة والوحشة , وظلت ترمقهم صامته .. وليس باقدر منها على الصمت.. وحين يأتى الليل بعد نهارٍ مضن ملىءٍ بالحركة , تهرع الى فراشها وهى مثقلة باوجاعٍ نفسية .. تحتضن ابيها - الصورة المهترئة - .. لطالما حاورته , ولطالما سألته , ولطالما احتضنته .. عله يخمد آلام طفولةٍ ممتدة وعله يقيها , ظلم التصاريف .. ويهدىءُ الطفلة المزعورة فيها .. فتنام والدمع ملءُ المقل .. ليس باقدر منها على الصمت .. حتى ان احدى الوكالات التى باشرت بها اجراءات سفرها المتعثرة اسمونها ابو الهول ..ليس لمعرفة سابقة بالطبع , لكنه كان صمتا مشحونا بكبرياء يتقاطر دما , وبعض الاقدام المعبأ بالحب والتقدير لاسرة تحاول ان تلملم جراحها النازفة وتضمد شروخها , طاعنة العمق .. وربما كان صمتا مشحونا بالعجز والرجاء .. ليس باقدر منها على الصمت , ففى الصمت تتجه كثيرا , نحو ذاتها , تحاول فهمها وها هى ذى , تجد ضالتها فى هذه الغربة الفأس .. تحفر داخلها وتمحصها.. تحاول بصدق ان تحاصر فيها مساحة الكذب .. تحاول ان تجد لكل شىء تبريره الحقيقى , دون ان تقع فى فخ تبريرات مرضية ترشو بها ذاتها .. وهكذا تعالج وجع الحقيقة بكل مراراتها .. ما هى اخطائها تجاه نفسها كفتأة عصرية تحاول ان تصنع لها كيانا , دون ان تكون بعقلها ثغرة , ينفذ منها المثل الشعبى ( المرًة لو بقت فاس ما بتكسر الراس ).. ان كل تجربة , ناضجة ومكتملة , تحمل فى احشائها قصصا للفشل والتعثر ..فلن يكون هناك نجاح الا بعد فشل , ولن يكون هناك وقوف شامخ الا بعد تعثر ..ولن يكون هناك استواء على قمة الا بعد سقوط .. ولا شك ان هنالك فرق بين الذين يرقبون انهياراتهم بوعى , والذين يعتبرون الانهيار محطة قصوى لا يوجد بعدها قيام .. وها هنا تستطيع ان ترى بوضوح , موقعها من كل ذا .. فيا لخوفها من وحدة تحاصرها ,.. فهنا للوحشة والوحدة طعم آخر , يسبغان ذاتهما على كل الاشياء , حتى ان سمكة للزينه حين ماتت , سألتها احدى زميلاتها , - كانت حديثة العهد بالمكان - عن سبب موتها , حتى تتجنب ذلك لاحقا , فاجابتها انها ماتت بسبب معاناتها , من الوحدة ... وكذا كل زميلاتها اللائى يمثلن رقعة مصغرة من جحيم العالم , تبتدىء من شرقه وتمتد حتى غربه , يختلفن فى كل شىء ويتفقن فقط فى وجعهن الانسانى .. وهن بطلات لا يذكرهن التاريخ ولا يعرفهن ... يتنازلن عن اعمارهن ليهنأ غيرهن , فتحضرها ذكرى جداتها وهن يغرسن فيها باكرا قيمة الايثار .. ىقيمة ان يكون ( خيرك لغيرك ) بدعائهن : - انشاء الله يا بتى تبقى غابة والناس حطَابه .. فتخالهن وقد دعين لكل هؤلاء الفتيات .. فتيات يكتفين من شبابهن - رغم جمالهن - ببعض اهتمام لا ينفككن يمارسنه حتى يتركنه , لتذكيره اياهن دائما , لحاجتهن الفطرية لرجل .. فتراقبهن .. وهن يكرسن امامها حجم المأساة .. تراقبهن , وهن ينجبن فتيات بلاستيكيات , يأخذن من اهتمامهن الكثير ..ولا تنفك تراقبهن حتى تنزلق هى الاخرى الى هذا النوع من الهروب فتنجب هى الاخرى فتأة بلاستيكية .. تراقبهن وتشحذ مقدرتها على قراءة هذه الوجوه الصامدة , والالسن الخرساء , صارخة التعبير .. فهى قد جبلت على قراءة وجع النساء بداية بامها شامخة النشيج .. وفى الصباح ينتشرن , فى دهاليز القصر المملوك لامراء مترفين , اتين من عوالم اخرى .. ليس بازقتها ابواب مقفلة .. ولا بمدنها شباب للتعليب .. ولا افراح للتاجيل .. ينتشرن فى قصر كبير , مفرط الاناقه هو لشخصان او ثلاث على الاكثر , يحل بوطنها مشكلة اسكان احدى عشرة اسرة وخمس وعشرين , لو طبق المثل الشعبى ( الفقرا اتقسموا النبقة ).. بيروت يناير 2004
|
|
|
|
|
|