قصة قصيرة: الابن.. والدم.. والأحلام بقلم: عمر الحويج

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 12:57 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-31-2013, 10:12 PM

عمر الحويج
<aعمر الحويج
تاريخ التسجيل: 11-01-2013
مجموع المشاركات: 474

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قصة قصيرة: الابن.. والدم.. والأحلام بقلم: عمر الحويج

    قصة قصيرة: الابن.. والدم.. والأحلام بقلم: عمر الحويج

    الشمس في رحلتها، البطيئة إلى عالمها الداخلى، تاركة وراءها، عالمه هذا.. الكئيب و.. المظلم -هكذا في آن- برغم إشراقها، وهو الآخر، في رحلته اليومية، متسللاً في بطء وتراخٍ.. تاركاً وراءه الفرن الموقَد.. لصهر الحديد والنحاس.. ذاهبا الى منزله -إذا جاز أن يطلق على غرفته الوحيدة.. منزلاً- دخلها، بنورها الضئيل، تشع به اللمبة "أم عوينة".. نصفه نار، والنصف الآخر.. شريط من الدخان.
    بناته الخمس، نائمات.. صغراهن مع والدتها.. والأخريات: كل اثنتين في "عنقريب".. حسب ترتيبهن العمري.
    عشر سنوات، وزوجته.. التي -استيقظت، على حركة دخوله- لم تنجب له ابناً.. أرشدته إلى موضع عشائه.. وواصلت نومها.
    جسده متعب، أرهقته نيران الفرن الموقد لصهر الحديد والنحاس، ونفس مكدودة، أرهقتها، إهانات رئيسه في العمل.. رئيسه ليس "خواجة" كالرؤساء الآخرين.. ولكنه "متخوجن" أخذ منهم الكثير، صلفهم، وكبرياءهم.. بل وحقدهم على العمال.
    أكمل عشاءه.. تجشأ، بعد أن غسل يديه.. وما زالت اللمبة "أم عوينة" ترسل نورها الضئيل.. نصفه نار، ونصفه الآخر شريط من الدخان.. تَبَسْمَل: ثم نام.
    ***
    امرأته.. تتوجَّع.. زغاريد.. زغاريد تعانق السماء.. ابنته، تأتيه جارية.
    ـ أبوي.. أمي جابَت ولد.
    قفز مصفِّقاً، من الفرح.. الدنيا لا تسعه.. والسعادة تملأ جوانحه.. أسبوع يمر، وهو لا يزال يستطعم هذه السعادة.. لا يكاد يصدق.. أخيراً، أصبح له ولد!!.. ابنته تسأله، في نهاية الأسبوع:
    ـ أبوي.. أخوي الجديد، نسميه منو؟؟.
    ـ صادق..
    قرر هكذا.. سريعاً، وهو لا يدرى.. خرج الاسم رغماً عنه.. من هو صادق هذا؟؟.. لماذا اختاره؟؟.. هل هو شيخ؟؟.. هل هو وليّ من أولياء الله الصالحين؟؟.. لا.. لا.. إنه، إنه رئيسه في العمل.. الرجل "المتخوجن" -الرجل الذى يكرهه- ورغم ذلك شعر بدافع قويّ، جعله يختار هذا الاسم.. بل ويتمنى أن يكون ابنه رئيساً للعمال.. فهو لا يريد له الحياة القاسية التى عاشها.
    ***
    وتمر عليه الأيام والسنون، ويدخل ولده المدرسة.. ليتعلم الابن، ويحقق آماله.. وتنقضي عشر سنوات والابن يواصل تعليمه.. الى أن كان ذلك اليوم...
    ـ ليه ترفدو ولدي من المدرسة.. هو أصلو عمل شنو؟، ما هو كان شاطر.
    ـ ولدك مشاغب.. ولدك قاد الطلبة، في مظاهرة.
    ولم يفهم.. بل ولم يحاول أن يفهم.. فقط، حمل حزنه، وخيبة أمله الذى ضاع.. وأدخله الورشة.. وهو محزون.
    و.. تمر الأيام.. وبدأ يراقب ابنه.. ابنه غريب.. العمال، كل العمال يحترمونه.. يتهامسون معه.. وعنه، يأتون إليه في المنزل: يأتى فوج، ويخرج.. ويأتى فوج آخر، وكلهم شباب.. إنه يرى في عيونهم نظرات غريبة، تذكِّره بفرن صهر الحديد والنحاس، وذلك اللهيب الأحمر، المتطاير منه.. ماذا يريد ابني، من كل هذا؟؟.. ما كل هذا الغموض الذى يحيط به ويلفّ حياته؟؟.. ليته كان يعرف القراءة والكتابة، لكان عرف ما في هذه الكتب والأوراق، التى يمتلئ بها المنزل. إلى أن كان يوم.. كثر فيه حضور الشباب.. ذهب بعضهم، وبقي آخرون.. إنه يريد أن يعرف.. وبواسطة الشباك.. نصف المغلق، تلصص.. بل استرق السمع.. جلستهم، ليست للونسة -هكذا تبدو- كلمات مبهمة، تتردد.. لم يفهم منها غير، الإنجليز.. الاستقلال.. الكفاح. يعود متقهقراً.. بعد مدة قصيرة.. يأتي ابنه: يسأله، عما كانوا يفعلون.. ابنه لا يجيب.. يلح عليه.. ابنه يجيبه.. غداً سوف تعرف، غداً تعرف كل شيء.. وجاء الغد.. ومرت الساعات، بطيئة، وهو ينتظر، في قلق.. حتى الآن، لاشيء يحدث.. يشعر بخيبة أمل.. صافرة طويلة، أعلنت انتهاء ساعات العمل.. رمى بأدوات عمله في غيظ.. يخرج.. يصل البوابة الرئيسية.. هرج وصخب.. ينظر.. ابنه وشباب الأمس، وكثيرون غيرهم، لم ير وجوههم من قبل، يصطفّون.. العمال من ورائهم.. لماذا لا يذهبون إلى منازلهم، كالمعتاد؟؟.. آلاف من العمال.. جموع.. كتل بشرية متراصة.. ماذا حدث للدنيا؟؟.. ثم انطلقت هتافات.. ابنه محمول على الأعناق.. ابنه يهتف.. يسقط الاستعمار.. يسقط الاستعمار.. الجلاء.. الجلاء. والعمال يرددون وراءه.. صيحات اهتزت لها الأرض.. جرى نحو ابنه.. وصل إليه.. وقف قليلاً ليأخذ نفسه.. و.. أخيراً رفع كلتا يديه، وسند بها ظهر ولده.. وتلتقى النظرات.. نظرات الابن الثائر.. والأب المستسلم.. يبتسم الأب.. بل يهتف.. فقد وجد طريقه.. ولن يستسلم بعد اليوم.. ابنه يهتف.. وهو يردد.. والجموع تردد وراءه.. تمنى أن يهتف ابنه بسقوط رئيسه في العمل.. الابن يهتف.. يسقط الخونة.. وشعر بارتياح.. حتما أن رئيسه من هؤلاء الخونة.. ولكن ما هذا؟؟.. ضجة واضطراب.. بل تقهقر.. ابنه ما زال يهتف.. رفع رأسه ليرى ما هناك.. بوليس.. جنود.. بنادق.. وضباط إنجليز. البنادق مصوبة نحوهم.. وابنه ما زال يهتف.. العمال ينتظمون، مرةً أخرى.. صيحاتهم تزداد.. وابنه يهتف.. طلقات رصاص.. وصياح، وابنه ما زال يهتف.. وهو يهتف.. والعمال يهتفون.. ابنه يطلق آهة.. يده التي يسند بها ظهر ولده.. ماذا بها؟؟.. شيء بارد، لزج يسيل عليها.. إنه.. إنه.. يا إلاهى.. إنه.. دم.. دم.
    ***
    وهَبّ.. العامل مذعوراً من نومه، وجال بنظره في الغرفة، نور ضئيل من اللمبة "أم عوينة"، نصفه نار، ونصفه الآخر، شريط من الدخان، بناته الخمس نائمات، صغراهن مع أمها، والأخريات؛ كل اثنتين في "عنقريب " حسب، ترتيبهن العمري.. عشر سنوات، وزوجته لم تهب له ابناً.. رقد مرة أخرى.. تبسمل: ثم نام.


    نشرت بجريدة الصحافة
    27 فبراير 1964م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de