|
قصة السمسار كرتي : نفي المسموح وقتل (المبحوح) ! عبد المنعم سليمان
|
عندما تدلهم الخطوب وتِشتّد وطأة الحياة ويوهن العقل ويصاب العظم بالهشاشة ، و يضعف القلب ، يصبح من الصعب التفريق بين الخيال والواقع وبين العقل والجنون . وفي ظل هذه الأجواء لا نملك غير اللجوء لقصص التاريخ وكتب التراث لتفسير الحاضر.
وفي هذا يُحكى أنه : كان للخليفة هارون الرشيد جاريِّة سوداء اسمها "خالصه" كان مولعاً بها، وذات مرة دخل عليه الشاعر "أبو نواس" وهو في جلسة رومانسية خاصة مع "خالصة" ومدحه بأبيات بليغة ، لكن هارون الرشيد لم يصخ السمع إذ كان مشغولاً بـ"خالصة" المتزينة بالدر والجواهر ، فغضب أبو نواس وانصرف ، وكتب لدى خروجه على باب هارون الرشيد : (لقد ضاع شعري على بابكم / كما ضاع در على خالصه).
ولما وصل الخبر إلى هارون الرشيد ، حنق وارسل في طلبه ، وعند دخول أبونواس من الباب مسح حرف العين من لفظتي (ضاع) فأصبحت ( ضاء) ثم مُثل أمام الرشيد . فقال له : ماذا كتبت على الباب ؟ فرد أبونواس : لقد (ضاء شعري على بابكم/ كما ضاء در على خالصه ) ، أعجب الرشيد بذلك وكافئه ، فقال أحد الحاضرين : هذا شعر قُلِعت عيناه فأبصر.
من المؤكد أن "علي كرتي" وزير خارجية "عمر البشير" ليس أبو نواس وبالطبع لا يوجد في كل طاقم وزارته من هو في مقام أبي نواس وفطنته وبلاغته ، فقد حاولوا اقتلاع عيني تصريح وزيرهم لصحيفة (الحياة) اللندنية الذي قال فيه أن السودان رفض عروضا إيرانية لبناء منصات دفاع جوي كان يراد توجيهها ضد السعودية ، فلم يمر يومان على بيانهم الفضيحة الذي نفوا فيه جملة وتفصيلا إي تصريح لوزيرهم بهذا الشأن حتى باغتتهم الصحيفة بمخرز إقتلعت به عيني الوزير، وذلك عندما نشرت تسجيلاً صوتياً يؤكد حديث الوزير!
والسؤال هنا : لماذا يا ترى يكذب وزير خارجية دولة بهذه الطريقة السوقية المُبتذلة ؟ الجواب وبدون أدنى جُهد هو : أن الرجل جاء إلى وزارة الخارجية من عوالم السمسرة ، فـ"علي كرتي" الذي صرّح أن إيران قدمت عرضاً لبناء منصات صواريخ في السواحل السودانية موجهة ضد السعودية ، إنما هو "علي كرتي" السمسار الذي يحتكر بيع مواد البناء في أسواق البلاد ، وعندما أعطي الضوء الأخضر لوزارته لنفي تصريحه بعد يوم واحد من إطلاقه فذلك لأنه يتعامل بمنطق سوق الأسمنت الذي تتطلب شروط لعبة السمسرة فيه المضاربه على السلعة في اليوم التالي لإخراجها !
وكي نؤكد ذهنية السمسار التي يدير بها الرجل الوزارة نُذّكر أن ايران التي تحدث عنها في اليوم الأول وحاول تأليب السعودية عليها هي نفسها إيران التي كان يعمل لصالحها كمنسق أول بين الحرس الثوري الإيراني والحركات الإسلامية في أفريقيا ، وشهدت مزرعته الواقعة في منطقة (العزبة) بمدينة الخرطوم بحري في مارس 2008م الاتفاق الأول على تصنيع الأسلحة الإيرانية بمصانع (جياد) السودانية حتى يسهل تهريبها إلى حركة (حماس) بقطاع غزة .
والأخطر من ذلك ، أن "كرتي" منسق الحرس الثوري الإيراني في أفريقيا والذي كانت مزرعته المقر الرئيس للاجتماعات التي تعقد بين مسؤولين في حكومة "البشير" والحرس الثوري لتنسيق تهريب الأسلحة الإيرانية إلى حركة حماس هو نفسه الذي تعامل مع جهاز المخابرات الاسرائيلي (الموساد) ولعب الدور الرئيس في اغتيال الفلسطيني "محمود المبحوح" المنسق الرئيس لتهريب السلاح الإيراني من السودان إلى فلسطين عبر السودان لصالح حركة حماس ، وقد اغتاله جهاز الموساد بفندق البستان روتانا في دبي.
وحسب المعلومات الموثوقة ، ان محمود المبحوح دخل السودان بجواز سفر عراقي مُزور باسم "محمود عبد الرؤوف محمد حسن" يوم 2 يناير2010م ، برفقة مساعده القيادي في كتائب القسام "نهرو مسعود" واجتمعا بكرتي في مزرعته بحضور ضباط أمن آخرين مهمتهم التنسيق لتهريب السلاح الإيراني إلى فلسطين ، ثم غادر "المبحوح" الخرطوم يوم 5 يناير إلى إلى سوريا حيث يقيم ، على أن يعود إلى السودان يوم 21 للإشراف على تهريب السلاح إلى فلسطين بالتنسيق مع الجانب السوداني ، وفي طريق عودته أوشى به كرتي الذي لم يكن أحداً سواه وقتها يعلم بموعد قدومه وهويته وخط سيره ، حيث تم اغتياله مساء يوم 19 يناير 2010 بدبي ، ولاحقاً قتل الموساد خليفة المبحوح في تهريب الأسلحة عبد اللطيف الأشقر في غارة جوية شنتها طائرات أسرائيلية على سيارته ببورتسودان أبريل 2014 ، ثم تواصلت الغارات الاسرائيلية بعدها على بلادنا في ظل صمت حكومي تام وتسريبات صحفية اسرائيلية علنية بان ثمة عملاء للموساد داخل الحكومة السودانية يعملون لصالح إسرائيل!
إذاً ليس مستغرباً أن يكذب كرتي ، وليس ثمة ما يدعو للعجب في أن يتبوأ سمسار وعميل وخائن منصب رئيس الدبلوماسية في نظام قائم على الكذب والخيانة والعار ، ولكن المثير للغضب والخجل في آن ، أن السودان هو البلد الوحيد في هذا الكوكب الذي تسمى فيه الوقاحة والخسة والنذالة سياسة ، كما أنه البلد الوحيد الذي يستطيع فيه السمسار أن يصبح وزيراً ويطمح فيه قاطع طريق (رباط) بدرجة (حميدتي) بمنصب الرئاسة.
[email protected]
|
|
|
|
|
|