|
قريب الله محمد حامد الانصارى بقلم بروفسير أحمدعبدالمجيد
|
الموت أحدُ سنن الطبيعة، والموت واحدٌ من السنن الحَق والذى شملته الشرائعُ والاديان السماوية ،بداية باليهودية وتعاقبا بالمسيحية فالاسلام . كما تَعَدت سنن الموت الديانات المُنزلة، اذ وردت حَتميتُه فى البوذية وغيرها، فوالله لولا ان الموتَ حقٌ لاستنكرته كَضربٍ من ضروب الغدر والحرمان. فالموت يُذهب من أنَبَتَاك من نُطفتين ، إحداهما ممن حَمَلَتكَ تسعه أشهرٍ وشَمِلتك بحنانها ورعايتها والنطفه والثانية ممن قام بتربيتك وتقويمك. ففقد الابوين يترك فى دواخلك اسىً وحزنا عميقين مرتبطين بما اكتسبته منهما من خلال العوامل الوراثية. بينما موتُ حميمٍ من الاصدقاء كذلك يترك فى دواخلك اسىً وحزناً عميقين يشبهان فى عمقيهما ما انتابك من مشاعر عند فقد الوالدين بالرغم من غياب العامل الوراثى. ذلك لان قريب الله محمد حامد الانصارى كان لى صديقا حميما، ودودا بينما يتوارى الود عند الاخرين ، كان وفياً عندما يجف الوفاء عند الاخرين، كان قريب الله صديقا معطاء عندما يتعثر العطاء عند الاخرين، كان قريب الله فى مَعشَرِه حِزَماً من ورود الياسَمين يفوح دائماً عطرُها وما كان العطر عنده بشحيح. كان لصديقى قريب الله الفضلُ و القِدحُ المعلي، عن طريق الاقناع الهادئ والمنطقى، فى إعادةِ تَحويرِ فكرى وشخصيتى للتخندق معه فى "دِروة" اليسار الطاهر والمتجرد، ذلك عندما كنا صبية يقطن كلانا حى او فريق "السباعاب" ببلدة الدويم . كما رعانى اخى الاكبر قريب الله وانا طالبٌ بمدرسة كمبونى الثانوية بالخرطوم ، إذ كان دائما يَحرِصُ على تفوقى الاكاديمى لاكون دائما بين زملائى قدوةً للناشط اشراكى الفكر والسلوك معا. وبينما كنت طالب بالسنة الثانية تشرفت بتكوين اول اتحاد للطلاب بمدرسة كمبونى، وكنت رئيسا للاتحاد طيلة السنة الثانية من دراستى. الا أنه فى اوائل السنة الثالثة تم فصلى تعسفيا من الدراسة . ولم اجد من حولى مُعينا الا اهلى الراحلين قريب الله وحامد وبرير وأبى الاصغر الجيلى الانصارى ، وجدتهم عوناً لى فى اقناع والدى بان ما حدث لى من فصل من الدراسة حدث عابر وسرعان ما سيزول. بعدها تولى امرى اخى قريب الله بما تحلى به من نصح هادى ومنطقى ممزوجاً أحيانا "بالعين الحمرة" ، فى تشجيعى وتحفيزى فى الحرص على الدرس والاستذكار مع الزملاء من مدرسة كمبونى، حتى نلت من منازلهم شهادة "اكسفورد" الثانوية والتى اهلتنى لدخول جامعة الخرطوم في العام الدراسى 1957/1958. منذ سنتى الاولى بالجامعة تولى امرى من "علٍ" اخى قريب الله، وكان حريصا على المزيد من اطلاعى على ادب الفكر الاشنراكى. لم يكتف بذلك فحسب بل كان يَِحرِص على نقاشى حول كل كتاب قرأته قبل ان يحدد لى ماهو اتٍ. كان حريصاً كذلك على تثقيفى الذاتى اذ كنت احد اسرة تحرير "مساء الخير " جريدة الحائط للجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم. وهنا لا يفوتنى ذكرُ افضَلِنا من اسرة التحرير، الا وهو فقيد السودان المناضل المتواضع دمث الاخلاق، الصديق الزميل الراحل البرفسيور فرح حسن ادم . وفى مجال الأجتماعيات، بصرف النظر عن ما هو مُختَلفٌ عليه لاحقا ، عرفنى قريب الله بالمناضل الجسور الراحل عمر مصطفى المكى والذى سرعان ما صار صديقا. ذلك زيادة على كُثرٍ من رفاق الدرب، علىَ ان اذكر منهم - وليس على سبيل الحصر – فالبعض منهم يشاركنا احتفالية اليوم مثال الاصدقاء شريف الدشونى وابوزيد محمد صالح . اىٌ منا كان له جعلٌ من العطاء الفردى او العطاء الجماعى، ذلك من خلال حركة الطلاب التقدمية باسهام نسبى فى مناهضة الاستعمار الاجنبى ولاحقا فترة دكتاتورية الديمقراطية الاولى ومرورا بفترة الحكم الشمولى الاسبق. ذلك زيادة على نشر الوعى بين جماهير العمال والمزارعين وحثهم على الكفاح فى سبيل تحقيق مطالبهم العادَلة. وهنا لابد لى من العِرفان مُكَرَرا بان عطائى فى كل مجال ذكرت يرجع فضله اساسا لقريب الله لانه كان لى دائما خيرُ قدوة استنير بها فى سلوكى الشخصى وعطائى المتواضع. وفيما يختص بالعطاء المتميز لقريب الله بعد التاهيل الجامعى فى مجالى العمل العام والخدمة المدنيةخصوصا اترك الحديث حولهما للبعض من الاصدقاء الذين يتميزون بالقدر الكافى من المهنية فى مجال الاقتصاد وغيرهِ. وختاما، قد رحل عنا قريب الله جَسداً لكن ذكراه السمحةُ والعطرة ستظل عروقُها متجذرةً فى سويداء القلوب. والسلام عليكم
احمد عبد المجيد
واشنطن: مراسم الذكرى السنوية الأولى للراحل المقيم د. قريب الله الانصارى
|
|
|
|
|
|