|
قراءة سريعة لمائة عام من العزلة
|
أمل الكردفاني
ما هو تصنيف هذه الرواية؟ إن هذا تساؤل يتبادر إلى الذهن بسرعة، فهي رواية كثيفة ومشبعة بالأحداث المتلاحقة والمتسارعة والمتلاحمة ؛ وهي تقود تاريخ القرية والعائلة بدل أن تنجرف معه ، وعبر ذلك تخلق ذلك الرابط العاطفي بين القارئ وشخصياتها، ورغم أن ماركيز لم يخف اقراره بأنه الفاعل من خلال الاستعارات الساخرة وفي أحيان أكثر عبر الإشارة -وبوضح- إلى أنه سينقل الأحداث إلى نقطة أخرى، أو سيطرح تفسير مشهد في وقت لاحق، إلا أن ذلك كان يمر مرورا عابرا بحيث نعود إلى الانغماس كلية في الأحداث والشخوص ، وكأن ماركيز يتحدانا بثقة فيما لو كان باستطاعتنا أن نقول: إنها مجرد أقصوصة كاذبة ؛ أو أن تحدث حالة انفصال بين القارئ والنص المقروء. رائعة ماركيز لا يمكن إضافتها لصنف واحد من أصناف الرواية ، لأنها تحتمل كل التحليلات ، وهي فوق هذا مشبعة بالدراما والكوميديا والحركة والإثارة والحب والموت . وهي تبدا بعزلنا مع أشخاصها المنعزلين أيضا داخل كينوناتهم المتباينة في قرية هي نفسها تكاد تكون قد خلقت في رحم العزلة .. وإذ تكثفت السخرية في الفصول الأولى إلا أنها أخذت تخف في الفصول الأخيرة . لتبعثر ثباتنا في مواجهة الزمن ولتؤكد على خضوعنا المطلق له . ورغم ان الرواية كانت لتظل على منهجها الواقعي إلا أنها لم تلتزم بذلك ؛ ففكرة النبوءات أو ارتفاع الفتاة البريئة التي تجسد الروح الملائكية إلى السماء لكي لا تدنسها نجاسة الأرض ، قد أقلقت كل تأكيد على واقعيتها . ورغم ذلك فهي لم تفضي إلى الحيد بها إلى ميتافيزيقية يونانية ولا الانحدار بها من الجد للسطحية. إن كل التناقضات داخلها كانت تتكامل وتعبر كسكين في زبد ، ككتلة واحدة وبإيقاع لم ينشز ، ولا يمكنني أن أتجاهل ذلك الشلال التخيلي في الدماغ الماركيزي ، إنه لا يسطر جملة إلا وهي تدفعنا إلى الأمام لتخرجنا من جدة إلى جدة، ومع ذلك يظل المركب الكلي متحدا ومتجانسا . غير أني لا أخفي صدمتي من فجائية نهاية الدور الذي رسمه المؤلف للشخصية الملائكية لتلك الفتاة الحسناء التي لم تفهم -بطبيعتها الفوق بشرية- السذاجة البشرية .. إلى أن غادرتهم بأسطورة ذات صبغة مسيحية مقدسة صرفة . كقيامة أليعازر أو ارتفاع المسيح أو فلق البحر الموسوي. وتساؤلي المشروع ؛ هل حال ضمير الكاتب دون تدنيس هذه الطهارة المقدسة؟ أم أنه رأى عدم ملاءمتها للإنغماس في الانعزال البشري ؛ أم لأنه - وهذا ما أحسبه من خبرتي المتواضعة- رأى أن هذه الشخصية قد تقود الرواية إلى غير الوجهة التي حددها مسبقا أو ربما تقتل الرواية بشخصيتها التي لا تتناسب مع الشخصيات الأخرى ؛ وبمعنى مختصر ؛ أن تؤدي إلى إختلال التماسك العام داخل مخيلة الكاتب. على أية حال .. إن قراءة سريعة واحدة لرواية مائة عام من العزلة لا تكفي ؛ فما كتب خلال سنة ونصف لا يمكن لنا- مهما داخلتنا من ثقة - أن نحلله خلال أيام فقط .. فلنا عودة بإذن الله مرة أخرى أمل كردفاني الخميس 17 أبريل 2014الساعة 4:12 صباحا 6أكتوبر - مصر
|
|
|
|
|
|