السودان البلد الحديث او الذي افترض في مقالي هذا بأنه حديث المنشأ بسبب الهجرات الكثيفة التي وفدت إليه عبر التاريخ..وبقوة حفاظ تلك الاثنيات والعرقيات علي اخلاقياتها وتقاليدها المجتمعية حتى هذة اللحظة ،جعلت تعميم الأخلاقيات والتقاليد او صبغ سكان البلد بصفة واحدة فعلا صعبا لدرجة بعيدة تهربت منه حتى قوى الاستعمار فقسمته لنصفين نصف مسلم شمالي ومسيحي جنوبي في قانون المناطق المقفولة،وقد كان حل مؤقت دائم قرابة ال50 عاما التي كانت مليئة بالحروب الاهلية بين الطرفين ، وما ان قرب حل مشكلة الصراع المسيحي المسلم او لنقل الإسلامي ظهرت صراعات اخرى بين الأفريقي الانتماء والعروبي الانتماء كل تلك المفارقات العجيبة جعلت المجتمع السوداني يقف عاجزا علي تحديد ثوابت يبنى بها اخلاقياته التي تحكم تصرفات أفراده فكضرب مثل لكي نكون في الصورة "المريسة" تعتبر خمرا في أواسط وشمال البلاد ولكن ايضا تعتبر غذاء طاقة لاهالي غرب البلاد وايضا فتيات قبائل النوبة في جنوب شرق البلاد لا يأبهون كثيرا تجاه الملبس خصوصا عند الفتيات ولكنه في الشرق يمكن ان تقتل وتنبذ امرأة لكشف وجهها لغريب وكل تلك التناقضات بين فئات المجتمع واثنياته كل تلك الأسئلة والخلافات ال سطحية جعلت الصراع قائم لفترات طويلة حتى جاء غطاء الدين"الاسلام" الذي غطى علي كل تلك الخلافات بأخلاقيات وتشريعات ثابتة وحدت بين الناس قليلا "كل مسكر حرام" فصارت المريسة خمرا يعاقب شاربه في الدولة الحديثة او قبلها في نظرة المجتمع العادية كضرب مثل ولكن المؤسف أن الدين لم ياتي باخلاقياته فقط التي تعتبر سماوية المصدر ولكن أتى بأخلاقيات المجتمع الذي نزل فيه الإسلام اثنيات الجزيرة العربية وغيرها من الدولة المنتشر فيها الإسلام تلك الأخلاقيات صارت مقياس المجتمع لافراده ابتداء من اللبس وما يشرب ويؤكل انتهاء حتى بالفلكوريات وغيرها من الاشياء فصار يقبل كل ما يأتيه من مجتمعه الأم كما يظن فكل ما يأتي من البلاد العربية المسلمة هو اخلاقياتنا ويجب علي مجتمعنا الاقتداء بها حتى وان كانت خارج تشريعات الدين فلم تتكون علي مدى التاريخ ثابت من ثوابت الأخلاقيات في المجتمع وصار عامل التغيير هي الدولة التي تؤثر في المجتمع تارة باسم الدين وتارة باسم الحداثة وبدأت مراحل التخبط فصار ما كان مقبولا محببا بين ليلة وضحاها منبوذا ومكروها والعكس ايضا بفعل قوانين وتشريعات قد يكتبها أمر النظام او مشرع القانون في ليلة تتغير فيها معالم المجتمع في ضحاها فبين قوانين سبمتبر 1983 التي أغلقت بسببها الحانات وحرمت الدولة الخمور والدعارة وبين ملابس الفتيات في الجامعات في السبعينات مقارنة بالتسعينات ترى ذلك الاختلاف العجيب الذي طرأ علي المجتمع في أزمنة قصيرة جدا فكل ما تأتي به الدولة هو صائب وان لم يكن صائبا في نظر المجتمع تنفذه بالقانون حتى يخضع الجميع ويصبح خاطئا حتى في نظرهم-الممانعون في الأول- خصوصا تحت ضغوط الدين فكما قلت ليس هناك ثابت واضح يتمسك به المجتمع كمشرع للاخلاقيات فوالدتك التي ترى صورها القديمة بلباس يعلو الركبة تنفر وتنتقد لباس فتيات اليوم الذي يبدو احشم من لباسها في أيام الجامعة بكثير والدك مدمن الخمر السابق يمكن ان يطردك من البيت بسبب مشاهدتك وانت تتناول مجرد سيجارة فالسؤال.. فهل هدى الله كل المجتمع السوداني في أيام محدودة ام هدتهم الأنظمة القائمة لقوانين وتشريعات جديدة ساروا معها وصار كأنه المجتمع هو مصطنعها ! الموضوع للاسف ليس في السودان وحسب بل حتى في دول أخرى كأفغانستان قبل طالبان وفي زمن حكمها ،وإيران قبل الثورة وبعدها تلك التغيرات تبدو جلية في الصور والحكايات القديمة... ولكن لا انفى ان الأنظمة الاستعمارية ذات يد ايضا في تلك التغييرات فهي تتحمل الوزر مثلها مثل الأنظمة الدينية والايدلوجية في البلاد فكل غير في ذلك الثابت الغير ثابت "مشرع الأخلاقيات" وحتى يثبت ذلك الثابت نكون في مراحل التموج في مقاييس الأخلاقيات او كما قال الاديب احمد امين "الراحة في التغيير" لعل ذلك التغيير هو الذي يجمل واقع الحياة الثابت ولكن أرجع لاقول الشئ الوحيد الثابت في العالم هو التغيير.. وغدا ننظر اقرب مما نظن.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة