قبل سنوات كان رجل أعمال معروف يروي قصته..قرر الرجل وإخوته بناء مجمع سكني للأسرة على ضفاف النيل الأزرق..كان ذلك يعني الحاجة لعدد كبير من الأيدي العاملة..بعد تسوية الأرض تم التفكير في تجهيز الطوب الأحمر عبر الآليات القديمة..لكن الحساب كان يؤكد أن هؤلاء العمال سيكونون في حكم العمالة المستدامة بعد تسعين يوماً فقط..تلك قصة أخرى.. تعني حقوق ومعاشات وفوائد ما بعد الخدمة القصيرة..ولأن رجال الأعمال يستخدمون الآلة الحاسبة بدلوا الأيدي العاملة بمصنع صغير لإنتاج الطوب وَ(يَا دار ما دخلك شر)، أمس الأول كنا ضيوفاً على اتحاد نقابات عمال السودان في إفطار رمضاني..رمى الأستاذ النور أحمد النور رئيس تحرير هذه الصحيفة ملاحظة قيمة..ملاحظة النور أن العمالة الأجنبية تزحف بسرعة لاحتلال مساحات عمال السودان.. السبب ليس في مهارة العمالة الوافدة، بل إنها حرة من قيود الخدمة المدنية..رب العمل يخسر أياماً ولياليَ ليعلم الوافد من اللغة ما يعينه على تنفيذ الواجبات .. في نهاية المطاف تزيد معدلات البطالة، وهروب رأس المال الوطني، كما ترتفع معدلات تصدير العملات الصعبة إلى دول مجاورة. المهندس يوسف عوض الكريم رئيس اتحاد العمال تحدث بصراحة عن أزمة قانون العمل التي ما زالت تراوح مكانها منذ أكثر من عشر سنوات..الاتحاد يستمسك بالحقوق التاريخية للعمالة السودانية، فيما رجال الأعمال مترددون في تقديم تنازلات تتعلق بالأجور ..المعادلة المطلوبة تكمن في توفير الأجور التي تقابل تكاليف الحياة..وفي ذات الوقت تقليل القيود التي تجعل فصل عامل غير ماهر تمثل ميتة وخراب ديار لأيّ صاحب منشأة اقتصادية. في بلاد أخرى لا يتحمل صاحب العمل خسائر الفصل من الخدمة ..الضمان الاجتماعي يتأهب لمثل هذه الأحوال عبر استقطاعات مجزية من كل العاملين ..من يفقد عمله يكون في رعاية الضمان إلى حين ميسرة..هنا في السودان التأمين الاجتماعي يقتطع ربع راتب العامل..معادلة غريبة ١٧٪ يتحملها صاحب العمل و ٨٪ من العامل محدود الدخل..الغريب حين تفقد العمل في مدة أقل من ثلاث سنوات يكون التأمين خالٍ من المسؤولية على الأقل في وقت الحوجة الماسة..أما إذا أكملت العدة الشرعية ورغم تآكل الأموال يتم خصم ١٠٪ من مال المسكين الذي من المفترض أن يكون قد تم تدويره عبر المؤسسات الاستثمارية. في تقديري مطلوب من اتحاد العمال أن يبتدر حواراً صريحاً حول قضية حقوق وواجبات العامل..المعادلة الحالية لن تكون في صالح سوق العمل في المستقبل القريب..لن يكون بلدنا سوقاً جاذباً للاستثمارات الأجنبية ..هذه الاستقطاعات عالية ولا تعود للعامل في الوقت المناسب..بل تشجع للهروب واللجوء للدفع (تحت التربيزة).. لهذا المطلوب تنازلات من الجانبين ..أجور تسد الرمق مقابل قانون مرن ..كلما توسعت قاعدة سوق العمل كلما قلت البطالة، وكلما زادت القيود ازدادت معدلات الخوف من التوظيف. بصراحة.. استمعت لرئيس اتحاد العمال، وثمنت كثيراً من مبادراته في توفير الحياة الكريمة لقطاع واسع من منسوبي اتحاد نقابات عمال السودان ..لكن حان الوقت للتفكير في المشكلات بمنظور إستراتيجي يتجاوز الدور التاريخي والمطلبي للحركة العمالية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة