|
في سيرة إعلام الشذوذ : ولا ينبئك عن الصحافة مثل الهندي عبد المنعم سليمان
|
[email protected]
حينها كنت مستغرقاً في مشاهدة خبراً مصوراً يظهر تدافع المئات من الهنود (الهندوس) أمام (زريبة) للأبقار لأخذ نصيبهم من (بول) البقر طازجاً ، قال أحدهم لمراسل الوكالة التي أوردت الخبر ، أنه ظل يداوم ومنذ (12) عاماً على شرب (لتر) من البول (المقدس) يومياً ، زاعماً – وبحسب معتقده - أنه يشفي من مرض السكر وإرتفاع ضغط الدم ، ويخفض الكوليسترول.
قطع استغراقي هذا ، إتصال هاتفي وردني من أحد الأصدقاء حين طلب مني قراءة عمود الهندي عزالدين ليوم أمس . حقيقة بعد أن فرغت من قراءة العمود (الغُمة) تحولت نظرتي إلى خبر أولئك الهنود مما يشبه الدهشة والإستغراب إلى إلفة ، بل وأصبحت مستعداً لمشاركتهم نخب هذا المنتج الحيواني المقدس وشرب (لترين) منه يومياً و(على الريق) يا هندي .
وحتى لا أساهم في فقع مرارة القارئ بإطلاعة على ذلك الكم الهائل من (التفيهق والتشدق) الذي ورد على متن ذاك العمود المعوج ، سأورد خطفاً بعض فقرات منه ، قال (هندينا) ثبت الله أوتاده ونفعنا بعلمه ، أنه لا يأبه لما يكتبه عنه من أسماهم بأراذل (صعاليك الانترنت) وأنه لا يرتاد ما أسماها بمواقع العهر الإعلامي ، وأن علاقته بهذه التقنية الحديثة لا تتعدى استخدامة محرك البحث (قوقل) بغية الحصول والتأكد من بعض المعلومات – هذا تتطور عظيم يا هندي - وبرر ذلك بأنه مشغول بمسؤولياته المهنية وواجباته الوطنية – أي والله قالها هكذا – الغريب في الأمر أنه لم يسلم من هذيان هذا المتعجرف الأجوف حتى المُعلقين من القراء الكرام ، الذين قال عنهم : (ما حاجتي إلى مطالعة تعليقات أميي الانترنت ، ومرتكبي جرائم (الإملاء) و(النحو) ، وأشار إلى أن كتاباته تعبر عن قناعاته (أين العبقرية في هذا القول بالله عليكم )؟ وزادنا من قصيدته الركيكية بيتاً فأضاف : هي طريقتي في الحياة ، وسياستي في التحرير .
كاتب المقال لم يتشرف برؤية هذا الهندي على الطبيعة سوى مرة واحدة ، وكانت في مطعم بمنطقة الخرطوم (2) يشتهر بتقديم وجبتي المفضلة (البامية المفروكة) ، وجدت وجبتي المفضلة موضوعة أمام الهندي فآثرت أن أعود من غنيمة البامية بالإياب ، وغادرت المطعم مباشرة خوف أن تجمعني به شبهة قرابة ويصبح ( أخوي في البامية) – لا سمح الله . لكنني في حقيقة الأمر رأيته مرة أخرى عبر شاشة تلفزيون (النيل الأزرق) التي استضافته ليتحدث عن العلاقة مع جنوب السودان فقلت – صدق من قال أن (رزق الهُبل على المجانين).
أصدقك القول عزيزي القارئ أنني قد ذهلت حين تلك المشاهدة من تواضع أفكاره وفقر لغته ، كان يتحدث للمشاهدين الصابرين بأفكار تبدو كظل ساقط على ماء عكر ، مستخدماً لغة ركيكة (من صناعته) ، لغة فرط حموضتها و(حنظليتها) تُجهض الحُبلى في شهرها الأول ، وتضحك الثكلى أمام جنازة عزيز لديها.
لن أتحدث عن واجباته الوطنية فهي معلومة بالضرورة لكل مواطن شريف ، أما آرءاه فنحن لا نحجر عليها ولكن نسأله متى كانت خيانة الأوطان رأياً يا هندي ؟ .. لم نقل لهذا الهندي سوى أن الذي تفعله هذا (عيباً وعار عليك) فرمانا بتلك الإساءة الفاحشة ، كنا نريده أن يتأسى بإخوته في شمال الوادي في حبهم لوطنهم وأرضهم ، وأن ينحاز لأهله ووطنه وأرضه ، وهنا أود ان أذكره بأشعار مصرية مليئة بالفخر والوطنية ، لكي يتعلم منها ، وأهديه منها بيتان – لا أريد منه جزاء ولا شكرا - بيتان لأمل دُنقل (وأمل مذكر وليس مؤنث حتى لا يتورط رئيس التحرير الشفاهي بأكثر مما هو متورط ) ، وأمل هذا - لو يدري الهندي - فعلاوة على أنه شاعر نحرير و مناضل باسل ، فهو أيضاً قريبنا من منطقة النوبة ، قال أمل : ( أقلب الغريب كقلب أخيك ؟ أعيناه عينا أخيك؟ وهل تتساوى يد سيفها كان لك بيد سيفها أثكلك؟) .
المُضحِك أن ما ظلل يردده الهندي في عموده من عبارات مثل (سياستي في التحرير) تشي وكأنه عظيم زمانه في (صناعة الصحافة) ، علماً بأنه وحسب من يعرفونه عن كثب ، لا يعرف عن الصحافة عدا نظريتها القديمة والسخيفة في تعريف الخبر ، والتي تقول : (إذا عض ال###### رجلاً ، فذلك ليس خبراً ، أما إذ حدث العكس فذاك هو الخبر) ، نظرية مستهلكة ظل يرددها (هندي زمانه) أمام المتدربين والمتدربات في صحيفته بلا فهم ولا تطور . من ذلك المجنون الذي يرى في كل شئ غريب خبراً واجب العناية والنشر، في بلد يحكمه عمر البشير وينوب عنه بكري ويفكر فيه الهندي ، بلد فيه هذا الثلاثي ال###### لا يستحق سوى أن يطلق عليه وبجدارة (بلد الميمات الثلاثة) (مجرم ، ومسطول ، ومُدعي).
نأتي للمؤسف والمُخزي الذي يفسر الانحطاط الذي ضرب كافة المجالات في بلادنا ، قال الهندي وفي نيته التباهي والتفاخر : ( أعمالي معروفة وموجودة ، صحف واحدة وثانية وثالثة ناجحة وحيّة وما زالت تنافس في سوق الله أكبر)، فانظروا – أعزكم الله - كيف انحط هذا الدنيئ (الواطي) بالصحافة مرآة المجتمع وبدورها التنويري والرقابي وجعلها بقدر قامته الخفيضة ، فالرجل بدأ كسمسار لا يرى في الصحافة غير أنها سوق وحسب. ولا ريب ، فقد قال الكاتب الأميركي مارك توين عن مثل هذه الحالة قديماً : ( بالنسبة لشخص يحمل مطرقة على يده فإن العالم عبارة عن مسمار).
وأى سوق يا ترى يريد أن يُدخِل الهندي الصحافة فيه ؟ إنه (سوق الله أكبر)، قالها بذات طريقة المحتالين التي يستخدمونها لتبرير الغش في البضاعة والخداع والسرقة ، هل يا ترى انتصر الشذوذ فعلاً ؟ و هل جفت الصحف ونضبت البلاد حتى يتصدر مأفون بهذا الفهم المتخلف المشهد الإعلامي في البلاد ؟ أجزم لو أن هذا الوضع استمر لعامين آخرين لن نجد وطناً نتوجه إليه ، وأخشى ما أخشى أن نجد معلقة عليه لافتة مكتوب عليها بالخط العريض : (الرزق سبح).
لأصدقائي الذين يناودننا بالترفع عن الصغائر وعدم الرد على الهندي وأمثالة ، نقول أننا نعلم ذلك ، ونعلم بأن لا متعة ولا تنافس في الرد عليه (ذل شوط يكون بين البرازين فلا سابقا ولا مسبوقا) كما قال الشاعر ، ولكن تذكروا أن نفس هذا الحديث كان يُقال لنا عن (الطيب مصطفى) فماذا كانت نتيجة الصمت عنه وعدم الرد عليه ؟ انقسم الوطن إلى (فسطاطين) لأننا تواطئنا عليه تحت عنوان (الأدب وقلته) ، أما الصمت على هذا الشاذ فلن يقسم الوطن إلى اثنين أو ثلاثة بل سيذهب به كله إلى (سوق الله أكبر).
عذراً عزيزي القارئ لاشراكك في هذه الخيارات المنحطة ، ولكن يبدو أن (الهنود) لم يتركوا لنا خيارات أخرى فإما أن نشرب من (بول) تلك البقرة أو بول هذا (الحمار).
|
|
|
|
|
|