|
في ذكرى عملية الذراع الطويل كان الرًاحل جمالي جلال الدين اولهم \ شاكر عبدالرسول
|
اعيشُ في لويزفيل كنتاكي منذ عام 2003 حتى هذه اللحظة , وفي خلال هذه الفترة زار الولاية نفر كرام من ابناء دارفور يمثلون فصائل المقاومة في الاقليم لاغراض مختلفة .كان الاستاذ\ ادريس ازرق من حركة العدل والمساواة السودانية اوًل الزائرين حيث وصل الى عاصمة الولاية فرانكفوت في سمنار, سمعنا عن اخباره بعد ان غادرها . ثم جاء من بعده وفد كبير يضم كل من الاستاذ جمالي جلا ل الدين وتاج الدين بشير نيام عن حركة العدل والمساواة السودانية , والاستاذ بحر عربي وعبدالرحيم عرجة وادم النور من حركة تحرير مناوي . كان المجموعتان قد خرجتا توا من وحل اتفاق ابوجا, حيث وقعت حركة التحرير بقيادة مناوي , بينما رفضت حركة العدل والمساواة السودانية على توقيعها. هذا الحدث الجلل قد القى بظلاله الكثيفة على اداء المجموعتين, حيث كان من المتوقع ان يقدم الوفد رؤية موحدة او على الاقل متقاربة في كثير من القضايا, الا ان النتيجة كانت عكس ذلك تماما مما شكل نوعا من المفاجأة على الحاضرين واصحاب الدعوة معا. كان تاج الدين بشير نيام يفند ورقة اتفاقية ابوجا سطرا سطرا, ويؤكد مرارا وتكرارا بان الاتفاقية لم تلبي مطالب الاجئين والنازحين وحقوق اهل دارفور ، بعد ذلك ينتقل ليشرح عن كيفية اختلال توازن السلطة والثروة في السودان , وهو في هذا الجانب كان يرتكز كثيرا على ادبيات الكتاب الاسود , ثم يرجع مرة اخرى الى ورقة ابوجا ويقارنها مع هذا الاختلال , بينما كان الاستاذ بحر عربي يدافع عن الاتفاقية , ويعدد الاسباب التي دفعت حركته التي وصفها يومذاك بكبرى الحركات على توقيعها, من ضمن الاسباب نتذكر بانه اشار الى العبء الثقيل الذى تحملته حركته في الحرب متمثلة في القتلى والجرحى بالاضافة الى الضغط الدولي وعلى خلاف نيام كان بحر يؤكد بان الحرب قد توقفت تماما في الاقليم, ويدعو الحاضرين لتركيز الجهود نحو التنمية .اجادة الرجلان (نيام وبحر ) للغة الانجليزية ساعدهما كثيرا لايصال رسالتهما المختلفة اي بحسب قناعة كل واحد منهما.ففي ذلك الوقت كان الشاب جمالي جلال الدين يتدخل بين الفينة واخرى , ويتخذ موقفا وسطيا يقول : اخوانا في حركة التحرير وقعوا الاتفاق ونحن لم نوقع, لو كان هذا الاتفاق جاب مطالب شعبنا نحن اول من يرحب به, ثم يختم حديثه متمنيا بان لايكون هنالك مواجهةعسكرية بين الحركتين, يستشف المرء من حديثه انه كان يبحث عن خارطة طريق لتجاوز الخلافات . المهم انتهت الجلسة بدعم وجهة نظر جمالي من الحاضرين, وبسؤال طرحه اصحاب الدعوة نحن نفكر كيف نساعدكم . في خارج القاعة كان جمالي بشوشا ومتواضعا , لا يجعل الطرف الاخر يحس ادنى احساس بان هنالك مساحة بينهما حتى ولو كان الاخر في الجانب النقيض . على الرغم من اننى سمعتُ باسمه من قبل , ومرًيتُ من امام مكتبه في سوق الفاشر عدة مرًات , وهو المكتب الذي كُتب فيه بلوحة صغيرة مكتب المحامي وموثق العقود جمالي حسن جلال الدين , الا انني لم التق به الا في ذلك اليوم .تعرفت عليه وفي اقل من دقيقة وجدته على معرفة واسعة بعدد كبير من افراد عائلتي سألني عنهم وعن احوالهم فردا فردا وبلغني تحاياه اليهم أود اليوم ان اشر الى ما اَل اليه امر اولئك الشباب الذين ذكرتهم في مطلع المقال: الاستاذ بحر عربي بقى في امريكا, وعمل فترة في راديوعافية دارفور ثم تحول الى ناشط, ولم نعرف كثيرا عن موقفه بعد فشل اتفاقية ابوجا وخروج اركو مناوي من الحكومة .ادم النور عاد الى الخرطوم مع موقعي الاتفاقية , وتولى رئاسة احدى مفوضيات السلطة الانتقالية, في العام الماضي قلنا لانعرف وجهته لكن اليوم لدينا اخبارا تشر بانه خرج مع مناوي وهو اليوم في كمبالا او جوهانسبيرج, عبدالرحيم عرجة تولى وزارة الزراعة في شمال دارفورر وبقى هنالك واليوم يعمل في مهنة المحاماة وهي مهنته القديمة . فمن حركة العدل والمساواة السودانية تاج الدين نيام عاد الى الميدان , وفي عام 2008 انشق عن حركته واسسس حركة العدالة والمساواة " القيادة الجماعية" مع زميله بحر ابو قردة , ثم تحالف مع قيادات منشقة من حركة تحرير مؤسسا الجبهة المتحدة للمقاومة التي تراسها بحر ابوقردة , وبعد انهيارها اتجه الى تاسيس حركة التحرير والعدالة في الدوحة بقيادة الدكتور التيجاني سيسي,وهي الحركة التي وقعت اتفاقية الدوحة مع الحكومة . وبموجب هذه الاتفاقية اصبح التيجاني سيسي رئيسا للسلطة الانتقالية في دارفور وابوقردة وزيرا للصحة وتاج الدين وزيرا للاعمار في السلطة الانتقالية . اما جمالي جلال الدين عاد الى الميدان مع نيام وفي عام 2008 شارك في عملية الذراع الطويل بقيادة الدكتور خليل ابراهيم. على حسب علمنا المتواضع بانه كُلف بمهمة نحو الاذاعة السودانية, وكان يمكن ان يؤدي مهمته بامتياز الا ان سيارته انقلبت لسوء طالع وتم أسره , وهذه ايضا رواية مرجحة من بين روايات كثيرة. لقد ذكر الدكتور خليل في سيرته بان اصعب مشكلة واجهته في عملية الذراع الطويل وهي عدم تمرس سائقي السيارات في حركته من القيادة في شوارع الضيقة المسلفتة بالاضافة الى الدوائر الصينية. والمشكلة الثانية انه قابل في المعركة رجال الامن الذين كانوا يرتدون الزي المدني , في الوقت الذي كان قد اصدر تعليمات صارمة على جنوده لعدم التعرض على المدنيين, بلا شك كان المحامي جمالي من القادة الذين صاغوا تلك اللوائح والقوانيين من اجل حماية المدنيين والحفاظ على ممتلكاتهم , ان ساكني امدرمان واحيائها مثل حي المهندسين وبيت المال والفتيحاب يذكرون ذلك الموقف جيدا ولن ينسوه ما ان عاشوا . اليوم مهما حاولنا ان نصفه لا نستطيع ان نقول اكثر مما قاله الصحفي الغربي اليكس دي وال في مقال كتبه بُعيد وفاته والسيد اليكس رجل لديه كلمة مسموعة في بعض مراكز صنع القرار الغربية يقول: "... لقد تعرفنا الى السيد جمالي جلال الدين خلال محادثات سلام دارفور في ابوجا , حيث كان عضوا في وفد حركة العدل والمساواة السودانية في لجنة تقاسم السلطة, وعلى الرغم من ان حركة العدل والمساواة رفضت في نهاية المطاف الاتفاق الذي تم التوصل اليه في ابوجا, الا ان جمالي كان وباستمرار يلعب دوراً بناءً في المفاوضات.... في تصريح لجبريل ابراهيم – شقيق خليل ابراهيم – رئيس حركة العدل والمساواة وصف الراحل جمالي بانه كان رجل يعتمد عليه وجدير بالثقة وكان شجاعا " واضاف اليكس وال قائلا " ... رغم ان منصبه الرسمي في حركة العدل والمساواة السودانية كان يتمثل في شئون الرئاسة الا ان الاهتمام جمالي الرئيسي انصب نحو تحقيق العدالة حيث كان يمثل حلقة الوصل بين خليل ورجالات الادارة الاهلية الذين حثهم خليل على ابلاغه شخصيا باي سلوك مشين يصدر من قبل جنوده . وفي ظل غياب المحاكم الرسمية انشأ جمالي قانون العقوبات تتراوح بين مصادرة هاتف الثريا والبندقية او السجن مدة شهر واحد الى ثلاثة اشهر لجريمة السرقة الى جانب مجموعة من العقوبات الخاصة بجريمة الاغتصاب" واختتم اليكس قائلا " ... لقد كان جمالي رجلا امينا مستقيما , ترك وراءه اسرة كبيرة تشمل اطفال شقيقه المتوفي حيث كان يوليهم العناية . في ظروف افضل فان مقدراته وشخصيته الفذة كانت ستهبه حياة امنة ومطمئنة , لقد كرس حياته لنضال ثوري يرتكز على قناعة مفادها ان السودان يمكن ان يكون بحق وطنا للمساواة والعدالة . كان جمالي يستحق افضل من ان يموت بتلك الوحشية على ايد من اسروه فلتنزل على روحه شاَيب الرحمة" ومن العاصمة الارتيرية اسمرا راسلنا في العام الماضي الدكتورتيسيرمحمدعلي - رئيس مركز بناء السلام الافريقي - وهي الرسالة التي دفعنا لاعادة هذا المقال مرة اخرى يقول : " طالعت مقالك في سودان نايل بتاريخ 16 مايو 2013 في ذكرى عملية الذراع الطويل..... قد ارجعت لنا كلماتك شلال ذكريات عزيزة وحزينة معا . يشهد الله انك انصفت الشهيد جمالي وخاصة في خاتمة المقال اسمح لي بان اضيف لك قليلا عن تجربتي مع المناضل جمالي والذي بالنسبة لي لايقف حد مقارنته مع زوار لويزفيل كنتاكي فقط ولا حتى بنفر كرام من ابناء دارفور وحدهم. فمن خلال معايشتي الطويلة مع "جحافل " المعارضة السودانية بكافة الوانها الحزبية والجهوية ... الخ والتي في وقت من الزمان تقاطرت الى الاسمرا التي لقبها عدد مقدر من القيادات " بمنطقة شدة" لاتصلح لغير اجتماعات قصيرة وعابرة " لتجمعهم الوطني" غير ان الشهيد جمالي اثناء تواجده بارتيريا لم يعزل نفسه بالبقاء في العاصمة الا نادرا , وكان من القلة التي تتكبد مشاق الطرق الوعرة والسفر الى المعسكرات والاقامة مع المرابطين .... كان في المقام الاول مناضلا وفدائيا وقبل كل ذلك كان انسانا متصالحا وامينا مع نفسه وبالتالي مع الاخرين متواضع وعلى وعي عميق بما يريد تحقيقه, التقينا في ظروف حرجة لكن لم الحظ اطلاقا غير يقينه الوطني المرتكزعلى ايمانه بقضيته , والواثق من زملائه تماما كثقته في نفسه. اشهد الله انه كان عفيف اللسان واليد ,صادقا وكريما اريحي على نحو السوداني الاصيل , و قد كان خير مثال للمعارض الملتزم بالقضية . والله ما عرفت في الحياة مثله الا قلة قليلة لايتجاوز اصابع اليد الواحدة. هذه كلمات من القلب في حق مناضل ثوري اصيل , ومن شخص لاينتمي الى حركة العدل والمساواة ,ويختلف فكريا كل الاختلاف مع التنظيم .... ولا انا من ذات جيل الشهيد او الدفعة اوحتى المنطقة , فانا انحدر من الشمال القصي وادي حلفا ... رحم الله الاخ جمالي رحمة واسعة والعزاء لاسرته" ان شهادتي الدكتور اليكس وتيسير محمد علي يلزمنا ان نقف عندهما , كما لا يفوتنا ان نذكر بان هنالك اشخاصا ارسلوا لنا صورا لشهيد جمالي ترجع الى ايام الطفولة, للاسف لانستطيع انزالها هنا . نقول كما قلنا في العام الماضي, رجال مرًوا من هنا قبل ثمان سنوات, ومياه غزيرة سالت تحت الجسر بعد مرورهم ,كان الراحل جمالي حسن جلال الدين اولهم ... كان هو اصدقهم . مدير مكتب حركة العدل والمساواة السودانية بامريكا
|
|
|
|
|
|